الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديالكتيك الفكر الإسلامي

حسام المنفي

2015 / 5 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الديالكتيك أو الجدل "بالمفهوم الهيجلي" : معناه أن ثمة متناقضات متصارعة ، وأن هذه المتتاقضات إفرازات ذاتية ، أن أية ظاهرة تفرز نقيضها . وينسحب هذا المعنى أيضا على عالم الفكر ، بمعنى أن أي فكرة تحمل في ذاتها عوامل نفيها ، أي أنها تتضمن في جوهرها فكرة أخرى مناقضة ومخالفة لها . والديالكتيك بهذا المعنى يسير في ثلاثة مراحل . أولا "الموضوع" أو "الفكرة" . ثانيا "نقيض الموضوع" أو "الدعوة المضادة" . ثالثا " مركب الموضوع" أو "المؤلف من الدعوة والدعوة المضادة" . ولنأخذ إذن من " فكرة الوجود" مثالا ربما تعيننا على فهم هذا المنطق . كأن نقول مثلا "إن الوجود موجود" ولكننا لا نلبث أن ننكر هذه الحقيقة فنقول "إن الوجود غير موجود" بمعنى أن العدم يكمن في ذات الوجود ، أو أن الموت يكمن في جوهر الحياة ، أو بمعنى أخر يمكن أن نقول _ أن الحياة من حيث هي كذلك تحمل في ذاتها بذور الموت_ . ثم ينتهي بنا الأمر إلى سلب تلك الحقيقة الإنكارية فنقرر أن "الوجود هو الصيرورة " ، على اعتبار أن الصيرورة مزيج من الوجود واللاوجود . يقول الدكتور زكريا إبراهيم " أن الشيء _ في نظر هيجل _ ليس كائنا في ذاته فحسب ، وإنما أيضا مغاير لذاته (أو مباين لذاته) ، ما دام يحمل في صميمه مبدأ نقضه أو سلبه" ويقول هيجل " إن التناقض هو مبدأ كل حركة وكل حياة ، وكل تأثير فعال في عالم الواقع" ( انظر الفصل الثالث _المنهج الجدلي_ من كتاب _هيجل أو المثالية المطلقة _ للدكتور زكريا إبراهيم ) .
ولكن يجدر بنا بعد هذه النظرة العابرة التي ألقيناها على مفهوم الجدل أو الديالكتيك عند هيجل ، يجدر بنا أن نتسائل . ما هي تلك العلاقة التي تربط بين مفهوم الديالكتيك والعالم الإسلامي ؟ كما هو واضح في عنوان المقال . أو بعبارة أدق يمكننا أن نتسائل ونقول : ما التناقض الكامن في العالم الإسلامي ؟
وأظن أن الجواب على هذا السؤال يكمن في صفحات كتاب "زمن الأصولية" للفيلسوف المصري الكبير د. مراد وهبة ، وبصفة خاصة في الفصل (20) وفي الفصل (37) . حيث يكشف لنا د. مراد وهبة "مستعينا بنفس المنهج الديالكتيكي الذي أشرنا إليه في مقدمة هذا المقال" عن التناقض الذي يكمن في صميم تراثنا العربي و الإسلامي . يمثل إحدى طرفي هذا التناقض فيلسوف قرطبة العظيم "ابن رشد" وعلى الطرف الأخر وعلى النقيض من ابن رشد بطبيعة الحال الفقيه "ابن تيمية" . ومن هنا يبدأ فيلسوفنا الإجابة عن السؤال الذي طرحناه أعلاه . ما التناقض الكامن في العالم الإسلامي ؟.
يقول : إنه كامن في العلاقة بين ابن رشد وابن تيمية ، أو بمعنى أدق ، يمكن القول بأن ابن رشد في القرن الثاني عشر أفرز نقيضه وهو ابن تيمية في القرن الثالث عشر .
كان الأول : يحث على إعمال العقل بحكم دعوته إلى تأويل النص الديني من أجل الكشف عن المعنى الباطن ، وكانت النتيجة الحتمية مشروعية الخرج عن الإجماع.
أما الأخر : فكان يحث على إبطال إعمال العقل بحكم دعوته إلى عدم مجاوزة المعنى الظاهر للنص الديني الأمر الذي أفضى إلى مساواة العقل بالحواس ، والذي أفضى بدوره إلى الإلتزام بالسمع والطاعة . وكانت النتيجة الحتمية عدم مشروعية الخروج عن الإجماع .
ويتسائل د. وهبه . ماذا كان دورهما في تحديد المسار الحضاري؟؟
يقول فيلسوفنا : بزوغ الرشدية اللاتينية ، بتأثير ابن رشد في العالم الغربي في القرن الثالث عشر ، والتي أدت بدورها إلى بزوغ عصر الإصلاح الديني وعصر التنوير (في أوروبا) ، وبزوغ الوهابية ، بتأثير ابن تيمية في العالم الإسلامي في القرن الثامن عشر ، والتي أدت بدورها إلى إجهاض أية محاولة لتأسيس عصري الإصلاح الديني والتنوير .
ومن هنا ينتقل د. مراد وهبه إلى مفهوم "التأويل" عند ابن رشد والذي كان يطبقه حينما يتعارض النص الديني أو بمعنى أدق "ظاهر النص الديني" مع العقل أو الحكمة أو الفلسفة . وقد دافع ابن رشد كثير عن مبدأ التأويل أمام الفقهاء المستمسكين بحرفية النص الديني ، حتى ولو تعارض مع العقل والفلسفة بل حتى ولو تعارض مع الفطرة السليمة والأخلاق والقيم الرفيعة كما هو حالنا اليوم . وهنا يطرح د. وهبه سؤالا كعادته. أين مكانة التأويل في الفكر الإسلامي والفكر الغربي ؟
يقول فيلسوفنا : للجواب عن هذا السؤال أستعين بإجراء مقارنة بين ابن تيمية وابن رشد . والدافع إلى اختيار هذين المفكرين من مفكري العالم الإسلامي مردود إلى أن ابن تيمية هو المؤسس الحقيقي للوهابية وللإخوان المسلمين ، وأنه هو الذي كفر ابن رشد وجعله هامشيا في العالم الإسلامي . حيث يرفض ابن تيمية التأويل ، أي يرفض إعمال العقل في النص الديني بدعوى أن التأويل يستلزم وجود معنيين للنص الديني أحدهما ظاهر ندركه بالحواس ، والأخر باطن نستبطنه بالعقل . وابن تيمية يكتفي بالمعنى الظاهر ، أي بالمعنى الحسي . لأنه لا خفاء في كل أيات القرءان ، وبالتالي فالعقل ليس بحاجة إلى تأويلها . ولا أدل على صحة ما نذهب إليه من أن ابن تيمية نفسه يقرر أن التأويل تحريف الكلم عن مواضعه ، ومخالف للغة ، ومتناقض في المعنى ، ومخالف لإجماع السلف .
أما ابن رشد فالتأويل عنده مسألة أساسية وهو يعرفه بأنه " إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية " . ولكنه يشترط في الإستعانه به عندما يتعارض ظاهر النص مع الديني مع البرهان العقلي وعندئذ نطلب تأويله . والتأويل هنا يخرق الإجماع بالضرورة ، إذ لا يتصور فيه إجماع . ولهذا يمتنع تكفير المؤول . وكان لهذا المفهوم عند ابن رشد الفضل في بزوغ الإصلاح الديني في القرن السادس عشر في أوروبا . ففي بدايته أعلن لوثر أحقية الإنسان في "الفحص الحر للإنجيل" أي الحق في إعمال العقل في النص الديني من غير معونة من السلطة الدينية . ويقول جاليليو: إن تحت المعنى الظاهر لكلمات الإنجيل يكمن معنى مباين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس