الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تلمه فهو مسير لا مخير

محمد الشريف قاسي

2015 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إني ولدت في مجتمع وبيئة شرقية اسلامية مالكية صوفية وغذتني وربتني وكبرتني والدتي على حليبها ومعتقدها معا ولم اختر شيئا من هذا ولا ذاك فكبرت واصبحت مسلما مالكيا صوفيا كما هي أمي فما ذنبي في هذا أو ذاك؟ إني أبصرت طريقا أمامي فمشيت وقيل لي أنه الطريق المستقيم الوحيد وعليك بالسير فيه شئت أم أبيت، لا تسألني كيف ولماذا وما الهدف؟ ما دام الطريق الوحيد والحزب والوحيد والدين والوحيد والمذهب الوحيد والحاكم الوحيد والرأي الوحيد واللون الوحيد وهو لون أسود والموجود الوحيد في قريتنا. فتربيت ونشأت وكبرت وأحيا وأموت وأدفن على حب اللون الواحد والراي الواحد والدين والمذهب الواحد كما أنني أكره وأمقت كل ألوان قوس قزح وكل الأديان والمذاهب والافكار والفلسفات والانظمة والعادات والطقوس والاجناس والالسن والقبائل والشعوب، هكذا هو أنا وأنت وهو فلماذا تلمني وتلمه؟ هل نحن اخترنا ما نحن عليه؟ لماذا تريد ممن خلق في النيبال أن يكون غير بوذي وممن خلق في غرداية أن يكون غير إباضي وممن خلق في النجف أن يكون غير شيعي وممن خلق في نجد غير وهابي؟ هل نحن اخترنا الدين؟ لا . هل نحن اخترنا المذهب ؟ لا. هل نحن اخترنا لون بشرتنا ووالدينا وموطن ولادتنا ؟ طبعا لا. فالسؤال لماذا إذن تلمني على شيء لم اختره؟ إذن دعوا الخلق للخالق وما لقيصر لقصير كما يقال. أنا ( وأنت وهو) لم أختر الكثير مما أنا عليه وفيه، فقبل الاختيار يكون العرض عرض السلعة أو المنهج والمعتقد وقبل العرض لابد من حسن العرض ومن العارض وكيف ثم يأتي الاختيار وبأي منظار نختار؟ لابد من توفر شروط الاختيار والتمييز ليكون اختيارنا صحيحا ومؤسسا علميا وفق المنهج العلمي، وحتى المنهج العلمي هو نسبي والنسبي لا يمكنه ادعاء الحقيقة فما بالك بالحقيقة المطلقة. فلاختيار واصطفاء دين ما ومذهب ما وفكرة ما لابد من التعرف على السوق والمعرض وللعرض شروط معروفة في الماركوتينغ وهذا غير متوفر في كثير من البلدان. وإلا ما تفسير وجود عالم ودكتور في النووي يعبد الفأر في الهند؟ التفسير الوحيد هو أنه استعمل عقله وفكره في النووي وقلد واغلق عقله في أمر التدين والمعتقدات وتابع ما هو موجود وسائد وتربي عليه وشربه مع حليب أمه في تنشئته الأولى.
ثانيا في ميدان المقارنة بين الامم ومعتقداتها نقول هل نحن من اختار الدين الذي نحن عليه أم أننا وجدنا في بيئة ومحيط يعتقد ويعتنق دينا ما فأخذنا هذا المعتقد عن طريق الوراثة والتربية والعادة. وإذا كانت الاديان والاوطان والوالدين والبشرة واللغة لم نخترها بإرادتنا فلماذا نلوم غيرنا على اعتناق واعتقاد ما لم يختاروه؟ فهل البوذي هو اختار البوذية والمحمدي والعيساوي والموساوي وغيره أم اعتنق ما تربى عليه بالعادة والوراثة؟ فلماذا نلوم العيساوي على عيساويته والبوذي على بوذيته والمحمدي على محمديته؟ وما نقوله في ميدان الاديان نقوله في ميدان المذاهب داخل الاديان. هذا الذي يجعل حرب المذاهب والاديان حرب عبثية غير معقولة ولا انسانية ولا ايجابية. بل بالعكس تصبح مع الوقت حرب ضد الدين كدين من أساسه مهما كان هذا الدين. وإذا كان لهذه الاديان والمذاهب التدميرية آلهة مختلفة فلماذا لا تتقاتل هذه الآلهة فيما بينها وتترك البشر يتعايشون كإخوة متعاونين؟ وإذا كان كل دين من هذه الاديان يدعي أنه الناطق الرسمي الوحيد والوحيد فقط بسم إله السماء وأن كل الاديان الاخرى مزيفة ومزورة فهل يصعب على إله السماء أن يفك النزاع بطريقته؟ وهذه المذاهب المتعددة والمختلفة فيما بينها في الدين الواحد كيف نعرف الممثل الحقيقي منها لهذا الدين أو ذاك؟ ولماذا على اتباع هذه الديانات والمذاهب أن لا يتفقوا ويعملوا على القواسم المشتركة وما أكثرها ويركزون دائما وأبدا على المختلف فيه بنية إدامة النزاع والشقاق والاختلاف والقتال؟ وإذا كانت هذه الاديان والمذاهب من مصدر واحد وهو إله السماء الذي ارسل الرسل والانبياء والاولياء لتزكية النفوس وصقلها وتهذيبها فلماذا يركز أتباعها على استغلالها في التوسع واتهام الاخر ومحاولة اجتثاثه بدل التعايش معه بالحوار وتغليب روح المنفعة والمصلحة العامة على الخاصة؟ لماذا لا يركزون اهتماماتهم على النفع البشري وخدمة الصالح العام وتزكية وتربية وتصفية ارواحهم وقلوبهم من الحقد والكراهية والانتقام ورغم أن هذه الامراض النفسية والروحية دوائها في الدين والروحانيات؟ لماذا لا نهتم بالتصوف والعرفان والزهد في الدنيا وزينتها ونركز كل الاهتمام بالكراسي والسلطة والتكالب على الدنيا فيما فيها؟ أم أن الداء عند صاحب الدواء (القرآن شفاء للناس)؟ فإذا كان الطبيب مريضا ماذا نفعل بالمريض؟ قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) فإذا لم يشفى من أحقادهم وظلمهم وحقدهم وكراهيتهم ومن كل أمراض أنفسهم وأرواحهم المؤمنون فماذا نفعل لغيرهم؟ كمن يدعي الطب وهو معلول، أم أن المؤمنون يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ؟ أم أنهم يحملون أسفارا ويرددون أفعالا وأقوالا بلا تدبر وتبني حقيقي وذو معنى لها كالحمار يحمل اسفارا، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين؟
إن القليل القليل من اختار معتقدا على علم وبحث ودراية بعد مقارنة وتجرد من ذاتيته.
القليل من بدل دينه أو مذهبه العقدي والفكري بسبب البحث والمقارنة.
فاختيار أي معتقد أو دين ومذهب يكون بعد الاجراءات التالية:
الخطوة الاولى: دراسة كل دين على حدى من مصادره الخاصة به (الكتاب المقدس) لا من مصادر مخالفيه وأعدائه.
الخطوة الثانية: إجراء مقارنة بين المعتقدات بكل تجرد وعقلانية وحيادية.
الخطوة الثالثة : معرفة أراء وانتقادات المخالفين لهذا المعتقد، بمعنى دراسة السلبيات والايجابيات وتحديد الردود عليها.
الخطوة الرابعة: اختيار ما يراه مناسبا من معتقدات وبالتالي يكون هذا الاختيار قريبا من الحقيقة. ورغم ذلك يجب أن يعتقد بحكم الرواسب الفكرية والفطرية أنه لم يكن حياديا ومتجردا مئة بالمئة كما هو معروف علميا فتبقى دائما نسبة الخطأ قائمة.
الخطوة الخامسة: اعتقاد أن الناس أحرارا حتى في اعتقاد واعتناق حتى ما هو خطأ بسبب الجهل وعدم البحث والتحقيق والتدقيق. كما أن العلوم الانسانية ومنها المعتقدات علم نسبي وليس حقيقي تجريبي مثل الرياضيات والكيمياء. فالإيمان والإلحاد علوم عقلية فلسفية وليست مادية طبيعية خاضعة للتجربة. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم. وأن الهدف من الخلق والايجاد هو المعرفة (معرفة الآخر المختلف) والتعريف ثم التعرف ثم التعارف ثم الاعتراف بدل التنكر والانكار مع الاصرار بدليل (إنا جعلناكم شعوبا وقبائل يتعارفوا) لا لتناكروا وتقاطعوا وتقاتلوا وتناطحوا كغير العقلاء من الأنعام. ولاكن تبقى دائما الأغلبية والعامة تائهة ضالة للطريق أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الراي السديد.الانسان مسير لا مخير (ابن نجد)
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2015 / 5 / 19 - 14:28 )
لم اكن املك حين البعث في الدنيا قراري
عشت فيها بعد بعثي مسلما دون اختياري
ارضعوني ماء نور الله من ثدي البخاري
يا ترى هل ارضعوني ماء حق ام سراب؟
**
هل هو الانسان يا اسلام في الدنيا مخير
ام تراه مجبرا فيها على الفعل مسير
من هنا ادرك قلبي ان عقلي يتحير
فغدى القلب يعاني كل هم واضطراب
**
ايها المؤمن جدا لا تبالغ في عنادك
افترض لو كان ميلادك في غير بلادك
اسرة اخرى وتعويد على غير اعتيادك
اي دين ستوالي بانتماء واتساب؟
**
استمع لي ايها الممنوع من ينبوع عقله
انت كالفلاح يرضى عبث الناس بحقله
انت اذكى فاكسر القيد الذي ضقت بثقله
رشفك الاغمار لن يرويك فاشرب بالقعاب
**
لا تغرنك في درب جموع السالكين
ربما الكثرة عنوان طريق الهاكين
اهجر الجهل وهاجر لديار المالكين
للبراهين الذي تصطاد الباب الذئاب
**
هبط التلقين بالناس الى ارذل قاع
اجهز الجاني على الوعي بتقديس الرقاع
زرع الباس بارض الياس في كل البقاع
اسر البؤس رقابا اعتقوا تلك الرقاب
**
أرايتم كل دين يدعي وصلا بليلى
اين ليلى اين ليلى ليت ليلى تتجلى
ربما ليلى بتعذيب الحيارى تتسلى
طال بحثي فمتى يرفع عن ليلى الحجاب؟
**
كلنا مسيرون لا مخيرون. طابت ايامك


2 - الحرية اكبر كذبة
هائج ( 2015 / 5 / 19 - 18:59 )
الانسان اراه مجبرا في كل اختياراته والحرية التي يتشدق بها الناس ما هي الا مصطلح وهمي لا وجود لها في ارض الواقع حيث يولد الانسان لا يملك لنفسه بدا في اساسياته كما ذكرت وانما هي الطبيعة لا غير


3 - العلم
نصر نصر ( 2015 / 5 / 19 - 23:10 )
سيدي انت تقول (فالإيمان والإلحاد علوم عقلية فلسفية)..
الإلحاد فكر والإيمان مجرد عاطفة..
رجاء عدم إلقاء وصف (العلم) على عواهنه علي كل شيء..
أم أن كله عند العرب صابون.
تحياتى.


4 - جواب سيد نصر نصر
محمد الشريف قاسي ( 2015 / 5 / 20 - 14:21 )
في انكارك عليا بوصفي الايمان والالحاد بأنهما من العلوم العقلية الفكرية الفلسفية نقول أولا مشكور على القراءة المتأنية وثانيا مشكور جدا على التعليق ثالثا نحن في هذا المنتدى (الحوار المتمدن) نتعلم ونتحاور بكل رحب مسعة صدر .
أرى سيدي الكريم أن مسئلة الايمان والالحاد وكل ما يتعلق بالمعتقدات وفي التفكير فيما وراء الطبيعة من غيبيات أنه علم عقلي فلسفي فكري لم تجمع البشرية على شيء منه منذ البداية ويبقى الصراع ، والسبب أنه غير خاضع للتجربة المادية الطبيعية كعلم الرياضيات والفيزياء
وبما أن العلوم العقلية تنفسم الى علوم تجريبية بحتة وعلوم انسانية نسبية الحقيقة فالالحاد والايمان يدخل في العلوم الانسانية القابلة للنقاش مدى الحياة
فأنا وأنت نجمع على الرياضيات لكن لا نجمع على النظم والمعتقدات
سلام لك وسلام عليك


5 - العلوم
نصر نصر ( 2015 / 5 / 21 - 05:09 )
شكرا سيدى علي الرد--
فعلا هناك علوم انسانية مثل علوم النفس و الاجتماع و الانثروبولوجى-- لكنها ايضا علوم تقوم علي حقائق و تجارب--
بينما الدين هو مجموعة اساطير و اوهام بلا اثبات او امكانية للتجربة-
تحياتى

اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل