الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة متفائلة

حسن خليل

2015 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



إذا تركت الأحداث اليومية و نظرت من أعلي ستجد أن عوامل الهدم و التدمير و الموت في النهاية تعمل بنشاط في منطقتنا منذ 40 سنة التدمير الاجتماعي عبر الإفقار و الاستبداد و الشرذمة و التدمير الاقتصادي و الأخلاقي و الثقافي . ثم تكاتفت عوامل التدمير لتواجه الثورة و الانتفاضات الشعبية الرافضة لهذه الفوضي التدميرية لنصبح في قلب عاصفة تدميرية كبري . النظام الرأسمالي نظام فوضوي التدمير جزء من بنيته الأساسية فهو يعتمد البناء ثم البناء المفرط حتي لحظة معينة لفائض الإنتاج – و فوضويته – لتبدأ مرحلة التدمير – لنفس ما تم إنتاجه من قبل – عبر الكساد و البطالة و الحرب . مثلا نحن أعتدنا أن نقول أن مصر كانت تسبق كوريا الجنوبية في الخمسينات لكننا ننسي أن كوريا الجنوبية شهدت مرحلة تدمير واسعة النطاق لم نعرفها نحن في الحرب الكورية و ما تلاها من احتلال . عملية التدمير مثل حرق قش الأرز و حرائق الغابات خطوة في طريق إعادة البناء. لكن التدمير الحالي لا يعني بشكل آلي مرحلة قادمة من البناء و الحياة ربما مرحلة طويلة ممتدة من التدمير . ففي ظل العثمانيين عرفنا 5 قرون متتالية من التدمير و الظلامية حتي أنخفض عدد السكان ل 2 مليون بينما كان قبلها 8 مليون. المهم هنا ألا نصبح أسرى لعملية التدمير و أن نري دورها التاريخي الذي يمكننا – علي الأقل نظريا – من تجاوزها .

الملاحظة الأولي هي العودة للماضي : القوي المشاركة في عملية التدمير من كل التوجهات موقفها الرئيسي هو العودة لنقطة سابقة في التاريخ . عودة الأنظمة لوضعها قبل لحظة التدمير و قوي طائفية ظلامية تريد العودة بعيدا للحظة خيالية في التاريخ لم توجد إلا في المخيلة و حتي قوي ثورية تريد العودة لوضع سابق حينما كانت مجتمعاتنا في لحظات الصعود و البناء . نحن إذا إزاء سباق للعودة . و الإنسان لا يمكنه إلا استدعاء الماضي في مواجهة قضايا الحاضر فهذا هو معني الخبرة التاريخية . لكن هذا الاستدعاء أما يكون لإعادة بناء ما سبق – و هو أمر مستحيل – أو للاستفادة من دروس الماضي لبناء شيء جديد تماما .

الملاحظة الثانية هي تقلص القاعدة الاجتماعية : سواء علي المستوي المحلي أو العالمي . فنظام عبد الناصر مع قاعدته من الطبقة الوسطي و العمال تحول للسادات و قاعدته التي تمثلت في جزء من الطبقة الوسطي و حتي الحرفيين المستفيدين من لحظة الانفتاح و الهجرة وصولا لنظام مبارك الذي هو مجرد طغمه بلا قاعدة اجتماعية و متصارعة علاوة علي ذلك . عالميا فأن نظام القطبين المتوازن لحد ما لنظام القطب الواحد الاستبدادي و العسكرتاري علي المستوي العالمي . إقليميا من توازن بين نظام عربي و إسرائيلي و تركي و أيراني لوضع إقليمي لم يتبقى فيه سوي المنظومة الإسرائيلية . فالتدمير ناجم عن التمرد ضد الاستبداد المحلي و العالمي و الضغط – العسكري في الغالب – للحفاظ علي هيمنة الطغمة العالمية و المحلية و الإقليمية. كل حل لا يستوعب هذه الوضعية الجوهرية علي أي مستوي لابد أن يكون حلا مستحيلا . فمن المستحيل العودة لنظام مبارك أو الأسد أو القذافي و لا يمكن العودة للهيمنة الأمريكية الشاملة . فحتي ضمن كل منظومة سابقة تشققات عنيفة نتيجة التمرد . و هو ما يفسر مثلا صراع الإخوان مع النظام في مصر و غيرها و حتي بين الخليج و أمريكا . فالتمرد من أسفل يفتح الباب لإعادة ترتيب نسب القوى بين منظومة الاستبداد.

الملحوظة الثالثة هي أختلال المفاهيم الأساسية : . الثورة و الديمقراطية و المقاومة – كأمثلة – فالثورة نزع منها طابعها التقدمي لتصبح قاصرة علي تحدي النظام – حتي لو كان لصالح نظام أشد رجعية و تخلفا – لذا نجد أن الإخوان يتكلمون باسم الثورة . و هذا يخدع الكثيرين . و الديمقراطية تتحول عبر أمريكا لمن هم يناسبونها فالانقلاب في اوكرانيا عمل ديمقراطي شعبي بينما الموجة الثورية – أو الثورة – في 30 يونيو هي أنقلاب . فالديمقراطية أصبحت ممسحة لا أكثر . و محليا تجد الديمقراطية تتجلي في دستور محفوظ في المتحف . و المقاومة أيضا نزع عنها طابعها الأساسي التحرري لتصبح حركة عسكرية بالأساس و هذا نراه في كل مكان . لكن من ناحية أخري فأن هذه المفاهيم نفسها أصابها الخلل حتي مع استبعاد استغلالها سياسيا من مختلف القوي . فهذه المفاهيم ذات الطابع الاجتماعي لابد لها أن تختل مع تهشم المجتمعات . فمثلا هل الثورة في مجتمع ممزق وسط ميوعة اجتماعية أمرا لصالح مجموع الناس أم من المحتم أن تؤدي لمذيد من التهشيم و التمزق . هل يمكن الحديث عن ثورة دون الحديث عن قوي ثورية ؟ و هل فقدان عنصر القوي الثورية هو مجرد افتقاد لعنصر من العناصر المكونة للمفهوم أم هدم لكامل هذا المفهوم ؟

الملحوظة الرابعة الإسلام : القوي المتصارعة المختلفة تكاد تكون كلها تتحدث باسم الإسلام إيران و السعودية نظامان دينيين إسلاميين و كل منهما تدعم أطرافا تتحدث باسم الإسلام أيضا . الإسلام نفسه أصبح ضمن هذه المفاهيم المختلة . و الولايات المتحدة التي لعبت دورا محوريا في تفكيك المنطقة أولا ثم في تأجيج الصراعات فيها تتحدث باسم الإسلام أيضا حتي أن وزير خارجيتها ألقي خطابا في جامع في جيبوتي . و بالطبع لا يمكن مساواة كل هذه الأطراف من وجهة نظر شعبية تقدمية لكنها كلها تجتمع في رؤية رجعية ماضوية حتي و أن كان بعضها – مثل حزب الله اللبناني – لها أدور تقدمية مثل تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. و هناك حتي أطرافا تعتبر نفسها يسارية تتحالف مع قوي إسلامية – مثلا تحالف الاشتراكيين الثوريين مع الإخوان في مصر – فالإسلام هو الموضة الآن. ثم لدينا القوي الإرهابية الصريحة – داعش و القاعدة و جبهة النصرة و مضاعفاتهم – كلها تشترك مع من تحاربهم في هدف بناء "الدولة الإسلامية" طبقا لمخططات مختلفة. لم تخرج منطقتنا بعد من الإطار الفكري للقرون الوسطي حينما كانت كل طبقة اجتماعية و فئة جهوية لا تجد تعبيرا سياسيا عن نفسها إلا عبر الرداء الديني . مما يعني تراجعا عن الماضي القريب حينما كانت هناك توجهات سياسية مدنية في المنطقة مثل البعث و القوميين العرب و الناصرية و اليسار و الليبرالية . الإسلام وعاء يمكن ملئه بكل شيء و أي شيء. من إيران إلي السعودية بل و أوسع من هذا أيضا في اندونيسيا و باكستان الخ . لكن هذا لا يعني أن القوي الشعبية يمكنها أن تستخدم الإسلام كما يدعي البعض فهذا معادي لتوجهها المدني اللاطائفي . فسيادة الفكر الإسلامي يعكس تراجع و تحلل القوي الشعبية و يعكس بالتالي أن الصراع لا يدور سوي حول الهيمنة المناطقية و ليس حول الحقوق الاجتماعية.الحفاظ علي الإطار الاجتماعي القائم هو إذن عنصر مشترك في كل القوي المتصارعة من داعش لإيران. و علي نفس القدر من الأهمية نجد أنه لا يوجد فكر مدني حديث قادر علي أن يلهم جماهير عريضة و يضمها معا و يقدم حلولا بديلة فكما ننتقد الأخرين يجب أن ننتقد أنفسنا.

الملحوظة الخامسة التكنولوجيا : أن تاريخ الرأسمالية هو تاريخ التطور التكنولوجي . فمع كل تغيير كبير فيها توجد قفزة تكنولوجية كبري . الانتقال من الإنتاج السلعي البسيط للتصنيع عبر الآله البخارية و من عصر الاستعمار للإمبريالية عبر محرك الاحتراق الداخلي و عصر البترول و أخيرا الانتقال للرأسمالية المعولمة الحديثة عبر ثورة الاتصالات و تطورات مهمة في كل الميادين – الطب الفضاء النانو تكنولوجي الخ – و المسافة الزمنية الفاصلة بين كل قفزة تكنولوجية و أخري تتقلص . كل فتح جديد في العلم يؤدي لفتوحات جديدة بشكل أسرع و أعمق . و الآن العالم علي أعتاب ثورة تكنولوجية جديدة . لكن في منطقتنا لم نخرج بعد من عصر الصناعة علي أحسن تقدير . فنحن في تناقض مع مستوي التكنولوجيا في العالم . نحن نستهلك تكنولوجيا لا نعلم عنها و لا نشارك في إنتاجها أي عبيد تكنولوجيين . و كل المحاولات التي جرت تاريخيا و نجحت في التحرر الاجتماعي كانت قريبة من مستوي العلم و التكنولوجيا السائد عالميا . فحينما قامت ثورة 1919 مثلا كانت مصر دولة متخلفة لكن كان بها اساس تكنولوجي للحاق بثورة محرك الاحتراق الداخلي . كانت ثاني دولة في العالم بها خطوط سكك حديد و ثاني دولة بها سينما . و التحرر الاجتماعي فتح الباب للحاق وصولا للناصرية و التصنيع و الأبحاث النووية و ما أشبه. و لا يمكن تصور مرحلة جديدة من التحرر الاجتماعي دون قفزة للوصول لعصر المعلومات الذي تستعد دول العالم لمغادرته. لكن هذا التطور المعلوماتي يتناقض بعمق مع الأطر الفكرية و الثقافية التي نعيش فيها . فليبرالية ثورة 19 كانت تتماشي مع عصر النفط . و حتي الناصرية كانت تتماشي مع التصنيع بل تضعه كهدف رئيسي رغم تناقض بعض جوانب الناصرية مع "حرية البحث العلمي" . فماذا عن التطور الإيراني التكنولوجي مع ولاية الفقيه ؟ الأيدلوجية الإيرانية الإسلامية تنطوي علي تناقض خاص بها . فهي إسلامية قومية – قومية إيرانية – و لا يمكن التوفيق بين الاثنين . فالأيدلوجية الإسلامية تستند "للأمة الإسلامية" بينما تلك القومية محلها قومية الدولة الحديثة . و لذا فأن الخطاب الإيراني مذدوج مرة عن الإسلام و مرة عن القومية – أو الشعب الإيراني كما يقولون – المهم هنا أن هذا الجانب القومي هو الدافع وراء التطور التكنولوجي مقرونا طبعا بالثروة الإيرانية.

أين التفاؤل هنا ؟ يبدو التفاؤل من الدمار نفسه الذي لحق و يلحق بالمنطقة ككل. فيتم تطهير المنطقة من سلطات استبدادية و أفكار رجعية . علي مستوي أصغر كثيرا يمكن أن نري أعتلاء الإخوان للسلطة و بالتالي التخلص منهم عقب انكشافهم و هذا انجاز للثورة المصرية رغم أن كثيرين لا يفهمون هذا و عمق تأثيره. لكن الخروج من الدمار لمرحلة البناء يستلزم أطارا فكريا يتجاوز الواقع القائم و يستفيد من الملاحظات السابقة . أي نظرة مستقبلية و أوسع قاعدة اجتماعية و خطاب غير متخلف و رجعي و منفتح علي العالم. و هذا تحديدا هو ما افتقدته الثورة المصرية في عملية الإطاحة بالإخوان فعدنا نواجه ما نراه اليوم.و لا يجب أن ننسي أن عالم الهيمنة الإمبريالية الشاملة – الأمريكية خصوصا – ينفتح لتعدد الأقطاب و بالتالي يتيح فرصة للانفلات من الدمار . و كذلك أن الاقتصاد العالمي يتجه أيضا لتعدد الأقطاب . نحن في حاجة لأطار فكري جديد . أطار فكري للتحرر نابع من الماركسية و لكن مع تطبيقها علي حالتنا الخاصة الاجتماعية و التاريخية . التفاؤل وسط الخراب نابع من أتضاح المهمة و هذا لا يكتسب بسهولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم