الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في لحظات رحيله.. في بدء الفراق -عادل قاسم-.. صورة عراقية لمستقبل مُتَخَيَّل

عبدالكريم العبيدي

2015 / 5 / 22
الادب والفن



الآن حلقت الآلاف من صورك، ظلَّت ترطن في سبب انطفاء عينك الثالثة، تلك التي طالما أثارت في رؤوس زوّار معارضك الصداع، توغلت هذه الصور في جنة عينك، هالها أن تراها مصفرة، صامتة، بعيدة عن عدستك، هناك فصل طارئ غريب بدأ ينمو بينها وبين الانطفاء، فصلُ لم يدركه المشيعون، اكتفت عينك بكشف إشارة واهنة منه، وتركته كعالم هلامي غير مبتوت فيه، كأنها أوكلت مهمة الفرز للصور، رغم علمها أنها ستزداد رطانة من غموض تلك الإشارة، وهذه أول رجَّة مقصودة منها، حصلت في صحبتها الطويلة معهم، صنعت هوة طارئة، أفردت ضفتها الأولى منبرا صادحا لعينك، بينما تركت آلاف الصور الحيارى في الضفة الثانية، تتناقل الإشارة بتكاسل مصحوب بحزن.
ذاكرتي تكتظ بعشرات المئات من هذه الصور، كان "عادل" رفيق الريبورتاجات العديدة التي كتبتها، رفيق عالمي الصحفي الكبير، هو يحمل كامرته، وأنا أحمل جهاز تسجيل صغير ودفتر ملاحظات وقلم، ندنو من سيارة الجريدة، أقف وأدعوه أن يجلس إلى جانب السائق، بينما أجلس أنا في الخلف إكراما له، طبقا للتقاليد العراقية، كان يخرج معي فرحا، وطالما كان يردد:"سيغدو هذا الريبورتاج مهما حتما"، لكنه لم يقل يوما أن صوره أسهمت كثيرا في انجاحه، كان كريم النفس، هادئا، طيبا للغاية.
لم يعد العراق بكل تحولاته المدهشة بنظر عين "عادل" مجرد صور للتسلية، بل أضحى ساحة لتفاعلات حسيَّة طويلة الأجل، لابد لقراءتها من وجود عقل وخيال وعاطفة، لابد من وقائع ومعطيات، تحركها عينك المليئة بالدهاء، وتستنبط منها ما تريد، ليس هناك، بعد الآن حكاية في ريف أو مدينة، على جبل أو في هور تبقى ساكنة، خفية، بعيدة عن عينك، ستغدو حتما لوحة مبهرة على الورق، تخطها عينك بمهارتها المعهودة، وتضعها بين هلالين مُتَخَيَلَين لا يراهما غيرها، ثم تشير إلى حلول التفاعل وقت ما يشاء، كأنه ومضة خاطفة محفوظة بالغيب، تمثل غد خاص بها وحدها، لا خوفٌ عليها، حتى لو تعثَّر في دنوِّه أو تأخر، لأنه سيأتي فيما بعد، وهذه الـ "فيما بعد" مشدودة فقط بنظرة عينك ومخيالها، وستقع متجاوبة مع متغيرات إدراكها، وهنا، بالذات، بدأ يبرز دهاؤها، وتتوضح فطنتها، فغدت عين ثالث ماهرة وفريدة يا "عادل".
لقد أضحى "عادل" ألبوم ضخم، صورة جمعية لمستقبل مُتَخَيَّل، مع رسم الدروب المؤدية إليها، بدءً من وضعٍ ابتدائيٍ مفترض، أو نقطة شروع، تُحتِّم على الرائي التوغل فيها واقتناص ألاعيبها ومهارتها.
منذ صباح اليوم يا "عادل" كنتُ أتوجس خيفة من حصول شيء ما، من وقوع مفاجآت سيِّئة، من بلاءات جديدة، وها هو خبر فراقك يتسيد المشهد، يحرق هذا النهار، ويتركني في لوعة وأسى.
"عادل".. ستبقى طيفا جميلا في ذاكرة محبيك، فقد كنت بارعا في نبش المسكوت والمحظور والمهمش، مجددا عنيدا في إضفاء موهبتك الفذة على من سبقك، كأنك تريد أيها العادل أن تغرف بلا نهاية لتصوّر بلا حدود.
الآن ناحت على فراقك الصور يا "عادل"، فَقَدَت أجمل عين راصدة ماهرة، ارتدت ثياب الحداد، وتناثرت على جثمانك المسجى لتغدو آخر صورة بأعيننا.
نم وابتسم، فأحبابك يا "عادل" سيروك في آلاف الصور، في الصحف والمجلات والمعارض، وعلى جدار مقهى الشابندر، صورك، صور عراقك الجميلة، صور عينك التي أشعلت الواقع وأنارته، ثم حولته الى نجوم لاهثة في نسيج الحلم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-