الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاغتصاب الجنسي الداعشي : المشروع الجديد لخلافة دولة العراق والشام الاسلامية

علي عبد الرحيم صالح

2015 / 5 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ غزو داعش لشمال وغرب العراق وارتكابه العديد من الاعمال والجرائم الارهابية ، وخاصة عمليات الاغتصاب الجماعية للنساء ، خرج الباحثون والكتاب بالعديد من الاراء والافكار عن الاغتصاب الجنسي والديني لداعش ، وجاء البعض منهم بتحليلات نفسية واجتماعية واقتصادية بعيدة عن الواقع الفعلي لما يحدث في العراق . ووفقا لهذا المنطلق سوف نتناول تحليل السلوكيات الجنسية والتدميرية التي قام بها مجرمو داعش اعتمادا على المقابلات التحليلية والتشخيصية لبعض النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب ، إذ حصلنا على بعض الشهادات من منظمة حقوق الانسان أثر الدراسة التي اجرتها الباحثة ليزل غيرنتهولتز في بلدة دهوك عام 2015 لعشرين فتاة ايزيدية حالفهن الحظ في الهرب من داعش ، فتشير هذه الفتيات الى مواقف يومية واجهن فيها حالات الاكراه الديني والزواج القسري من قبل مقاتلي داعش ، إذ تقول احدى الناجيات " كان الرجال يأتون لانتقائنا ، فعند مجيئهم يأمروننا بنزع ملابسنا ، ومن ثم يفحصون اجسادنا ، والتي ترفض يقومون بصفعها وضربها امام الجميع . في أول مرة أخذني احد رجال داعش وهو يرتدي دشداشة وله لحية طويلة ، وعندما قلت له ألا يلمسني وتوسلت إليه حتى يطلق سراحي ، قال لي أنه يأخذني إلى أمي. وقضى بعدها 3 أيام في ممارسة الجنس معي ، بعدها جاء سبعة من مقاتلي داعش "امتلكوا الفتيات " واغتصبني أربعة منهم في عدة مناسبات: "وأحياناً كنا نباع. او نوهب كهدية ، وكانوا يقولون في كل مرة نريدكم كازواج لنا حتى نعيش ونتكاثر سويا. وكان الداعشي الأخير الأكثر شراسة، إذ كان يربط يديّ وساقيّ عند ممارسة الجنس معي". وتسرد فتاة اخرى قصتها "أنني اجبرت على تغيير ديانتي بالضرب ، وممارسة الجنس مع رجال عدة اثنان من ليبيا وواحد من تونس وواحد من المغرب وواحد من مصر، بعدها اغتصبني تركي وفرنسي ثم مع رجلين آخرين من السعودية وقطر، فكانوا يجبروننا على ممارسة الجنس مع كل شخص ينتمي للدولة الاسلامية . وفي شهادة اخرى لأيزيدية تم اغتصابها بصورة جماعية ، تقول : منذ التاسعة والنصف صباحاً كان يحضر الرجال لشراء الفتيات واغتصابهن. ورأيت بعيني جنود داعش وهم يشدون الفتيات من شعورهن ويضربونهن ويقرعون راس أي فتاة تقاوم. كانوا كالحيوانات... فور خروجهم بالفتيات كانوا يغتصبونهن ويعيدونهن لتبديلهن بأخريات جديدات. وكانت أعمار الفتيات تتراوح بين 8 سنوات و30 سنة. وفي احدى المرات قام مقاتلي داعش باغتصاب جماعي لنا ولأكثر من 259 فتاة من المكونات الشيعية، والأيزيدية، والمسيحية داخل "مدرسة المقدسي" في قضاء تلعفر ، وكانوا ينعتوننا بالكفرة وعبدة الشيطان ، وانهم جاؤوا بوصفهم مخلصين لنا من النار.
وبهذا الصدد نجد وفقا للسرد القصصي ان سلوك الدواعش في عمليات الاغتصاب لم ينطلق عبر نزوات ذكورية او شهوية تجاه السبايا من النساء فقط ، بل ان سلوكهم ينطلق عبر (ارث تاريخي متأسلم) ، ومرجعية دينية عنيفة تبيح لأتباعها شرعية الاغتصاب بوصفها مكافأة لهم ، ووسيلة للقهر والتغيير الديني والاذلال العقائدي السادي الموجه من رغبة كبيرة في الانتصار وكسر الهزيمة الذاتية التي يشعر بها هؤلاء عند مقارنة ذواتهم المتدنية مع الاخرين ، وليس ذلك فقط بل ان هذا السلوك الجنسي المتوحش يدل على شخصية منهزمة داخليا تحاول ان تنتقم على الظروف التي عاشتها سابقا ، وخاصة ان اغلب الدواعش جاؤوا من بيئات عراقية وعربية فقيرة وعنيفة ، وكذلك بيئات غربية اوربية لم تعترف بهويتهم الاجتماعية الدينية ، ونبذتهم بوصفهم مواطنين غير اصليين ومن الدرجة الثالثة .
((الخلفية البيئة والثقافية لداعش))
تشير اغلب التقارير التي اجرتها المنظمات والمؤسسات الأمنية والمخابراتية العراقية والامريكية ان اغلب مقاتلي داعش ينحدرون من بيئات فقيرة اقتصاديا وتعليميا ، إذ ان اغلب المنتمين لهذا التنظيم جاؤوا من عوائل تعاني من الحرمان الاقتصادي وبيئات لا تتوفر فيها فرص العمل والزواج وكسب لقمة العيش وليس ذلك فقط بل ان اغلب افراد التنظيم ينحدرون من بيئات مكبوتة جنسيا ، إذ كانوا يعيشون في اجواء دينية صارمة وغير منفتحة اجتماعيا وخاصة في العلاقات مع الجنس الاخر ، مما شكل لهم الحرمان والجوع الجنسي عقدة نفسية كبيرة في حياتهم ، والذي وجد له متنفسا كبيرا في حالات الاغتصاب والزواج القسري بالايزيديات والمسيحيات في شمال العراق ، والذي عبروا من خلاله في ابشع صور الاغتصاب والعدواني الجنسي . وخير مثال على ذلك رسالة "سامرا" الى والدتها قبل قتلها على يد التنظيم ، ومفاد هذه الرسالة : عزيزتي أمى: "لم أعد أتحمل العنف والاغتصاب الذى أشهده كل يوم كجزء من حياتي الجديدة ضمن صفوف مقاتلي داعش.. أريد العودة إلى منزلي، أتعرض كل يوم لأبشع أنواع التعذيب والاغتصاب، كل المقاتلين يضاجعونني دون رحمة أو شفقة، مارسوا الجنس معي حتى أثناء دورتي الشهرية" .. فقد اغتصبني لهذه اللحظة اكثر من 100 مقاتل من التنظيم .
((الاغتصاب الداعشي المقدس))
ينطلق سلوك الاغتصاب والزواج القسري للدواعش وفقا لأحكام شرعية وفتاوى دينية نشرها شيوخ الدين الدواعش في الرقة والموصل ، إذ يبيح مثل محمد العريفي وحارث الضاري في باب فتوى (الاسرى والعبيد) السماح للمقاتلين بالجماع والزواج من المسلمين واهل الكتاب وقت الغزوات في حين يسمح للمقاتلين في صفوف التنظيم بالزواج من غير المسلمات واهل الكتاب بعد اجبارهن على اعتناق الاسلام حتى لو كان ذلك بالإكراه أي من خلال الضرب والقهر . فضلا عن ذلك يبيح الكتاب الداعشي المقدس في الجماع من السبايا غير البالغات عبر الدبر ، واذا كانت لا تصلح للجماع فان على المقاتل ان يكتفي بالتمتع بها فقط . إن هذه الفتاوى وفق تقرير منظمة الامم المتحدة راح ضحيتها 5000 امرأة ايزيدية ومسيحية وشيعية بعد ان ذبح داعش افراد عائلتهم في اكتوبر عام 2014. فضلا عن ذلك تبيح فتاوى داعش للمقاتلين ببيع النساء او تقديمها كهدية او هبة الى مقاتل اخرى ، وهذا الفعل كان واضحا في مقطع الفيديو الذي نشره احد مقاتلي داعش في مدينة الموصل وهو يعرض سباياه للبيع على المقاتلين الاخرين . وبذلك جاءت هذه الفتاوى والتشريعات الجنسية الداعشية بوصفها مبررا اخلاقيا على ما يفعلونه الدواعش من عمليات الاغتصاب والجنس بحق الاسرى والسبايا من النساء في العراق ، واعطائه اطارا دينيا ذهبيا للقيام بكافة الاعمال والافعال الجنسية الوحشية .
((الاغتصاب والسبي مكافأة لجذب المقاتلين))
تعد العبودية الجنسية لدى داعش احد وسائل الاغراء لجذب الشباب والمقاتلين في الانتماء لهذا للتنظيم المتطرف ، إذ يصطاد قادة التنظيم الشباب عبر ما يعرضونه من مقاطع فديو وصور اباحية لبعض الفتيات المنتميات للتنظيم والمسبيات على يد داعش ، لذا كان الهدف من بعض عمليات الاغتصاب والزواج القسري بالنساء بوصفها وسيلة جذب للمقاتلين ، وبوصفها مكافأة للشباب والمجندين من اجل البقاء في التنظيم ، وتقليل حالة الهرب او ترك التنظيم المتطرف. وتشير بعض الفتيات الناجيات من داعش ان النساء يقدمن الى افراد التنظيم وفق الرتب العسكرية التي يحتلها المقاتل ، فكلما كان المقاتل يقدم تضحية اكبر وله مرتبه قيادية اعلى فانه يحصل على عدد اكبر من النساء ، وله الحق ان يختار نوعية النساء التي يرغب فيها ، وذلك وفق العمر ولون البشرة وجمال الفتاة المسبية . وهذا ما أكدته شهادة احدى الفتيات الناجيات على يد قوات البيشمركة الكردية : كان يتم اختيار الفتيات على يد عناصر داعش وفق مرتبة القائد ، فهناك الجندي والقائد وامير التنظيم ، وكان للامير الحق في طلب أي فتاة للجماع والزواج منها قسرا ، فضلا عن ذلك من حق الامير (كما يرى الدواعش) في امتلاك العديد من الفتيات وحتى الزواج منهن في وقت واحد .
((الاغتصاب الداعشي وتأسيس الخلافة))
بعد اعلان ابي بكر البغدادي في 29 يونيو عام 2014 للخلافة الداعشية وسيطرته على اراضي واسعة من العراق وسوريا ، فضلا عن تضييق الخناق في تجنيد المقاتلين من الخارج اصبح على الدواعش التفكير بالوسائل والكيفيات التي يتم في ضوئها تثبيت خلافتهم الجديدة على الارض ، وكانت احدى هذه الوسائل الزواج من النساء اللاتي يتم اسرهن والقبض عليهن بعد غزو داعش للمناطق الجديدة ، إذ يعد الزواج كما يصرح عالم الانثروبولوجيا الاجتماعية " ماك لينان" من انجح الطرائق التي يمكن ان تساعد الجماعة على البقاء والازدهار والاستمرار في الحياة ، وان الانجاب الذي ينجم عن هذا الزواج يمكن ان يولد اجيال متلاحقة تحمل النسل البيولوجي والعقائدي والفكري لهذه الجماعة وليس ذلك فقط بل ان النسل يعطي للجماعة الحياة والدفاع عن وجودها والمحافظة على بنائها الاجتماعي والثقافي ، وبذلك فان داعش استعمل عمليات الاغتصاب والزواج والجنس بوصفه وسيلة للحفاظ على الخلافة والاستعداد لتوسعتها بعد مدة من الزمن . وهذا ما أكدته شهادة فتاة ايزيدية بعمر 20 سنة " إن مقاتلي داعش أخذوها إلى قاعة أفراح في سوريا، حيث شاهدت نحو 60 أسيرة إيزيدية أخرى. وقال مقاتلو داعش للمجموعة: "انسين أقاربكن، فمن الآن وصاعداً ستكنّ زوجاتنا وتحملن أطفالنا، ويهديكن الله للإسلام وتقمن الصلاة". وفي الآونة الاخيرة كشفت حكومة كردستان عن وجود 50 حالة ولادة لنساء ايزيديات تم اغتصابهن من قبل تنظيم داعش الاتي تم تحريرهن من قبل القوات الكردية في الموصل ، وان جميع النساء (اكثر من 5000 سبية) يحملن اطفال الخلافة الى الواقع الجديد .
**((ما مصير سبايا وأجنة الخلافة في المجتمع))
كشفت منظمة هيومان رايتس ووتش ان جميع النساء المغتصبات اللاتي تم تحريرهن من داعش بمساعدة القوات الحكومية ظهر عليهن العديد من الاضطرابات النفسية ، إذ كانت النساء تعاني من اضطرابات انفعالية حادة كالاكتئاب ونوبات حادة من الهلع ومتلازمة الشخص المنتهك ، فكان يظهر على المغتصبات حالات مستمرة من البكاء ، واسترجاع خبرة الاغتصاب المؤلمة كما لو كانت تحدث مرة أخرى ، والابتعاد عن الناس ، والخوف من الاخرين وعدم الثقة بهم ، والاعتقاد بانهن نساء تافهات وغير جيدات ولا يستحق الحياة . فضلا عن ذلك بدى على المغتصبات حالة من العجز النفسي والجسمي ، وعدم القدرة على ممارسة الانشطة اليومية والرجوع الى حياتهن الطبيعية ، بينما حاولت بعض المغتصبات اجهاض الاجنة في بطونهن ، والانتحار (الايزيديات خاصة) خوفا من وصمة العار ونبذ المجتمع لان بعض الاقليات والديانات مغلقة او غير تبشيرية اي لايمكن للذكر او الانثى التزاوج من غير دينهم وفي حالة حصول ذلك فانه يحكم عليه بالطرد او الموت .
إن مستقبل المغتصبات الآن في خطر كبير ، فمن جهة لا يوجد لدى المؤسسات الحكومية القدرة والامكانية اللازمة لتأهيل المغتصبات نفسيا واجتماعيا ، فجميع المساعدات التي تقدم الان للمغتصبات تتم بواسطة منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني ، ومن جهة ثانية ان المجتمع العراقي عشائري وقبلي لا يرحم المرأة المغتصبة وينبذها ويرفض الزواج منها ويوصهما بوصمة العار والخطيئة ، ومن جهة ثالثة ان المجتمع يواجه حالة من التشويش والارباك القانوني والديني والاجتماعي بشأن مصير الاجنة في بطون المغتصبات ، فهل سيتم الاعتراف باطفال داعش الجدد بوصفهم مواطنين ينتمون الى هذا البلد؟ وما هي الهوية التي سيحملونها؟ وكيف سيعيشون من دون اباء؟ مما قد يعرض ذلك مجتمعنا الى التفكك وظهور جيل جديد غير مرحب به من قبل ابناء المجتمع ، وهذا ما يدعونا الى مناشدة الحكومة وأهل الرأي ان يستعدوا للمرحلة القادمة ، لأن الآتي اصعب وأشد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة