الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلم المجتمعي .. الضرورة الغائبة في العراق

دهام العزاوي

2015 / 5 / 28
المجتمع المدني



ان مفهوم السلم الاجتماعي بما يعنيه من تثبيت الاستقرار وتنمية العلاقات السلمية بين ابناء المجتمع والارتقاء بمفهوم المواطنة على حساب الانتماءات الفرعية بات اليوم مصطلحا غريبا عن المجتمع العراقي الذي عرف عبر تاريخه بانه بلد التعايش والاندماج بين ابناءه . وفي الوقت الذي كنا نفتخر كعراقيين وعرب ومسلمين بان تاريخنا خال تماما من اي صراعات وحروب دينية وطائفية ، فاننا بكل اسف نقر اليوم ان العراق بات منطلقا لتلك الحروب ومحطة للنزاع الطائفي على الاقل بشكله السياسي وبات العراق مصدر قلق لدول الجوار بل ودول العالم باعتباره مصدرا للكراهية والتنازع والاحتراب الذي لايبدو انه سينتهي في القريب العاجل ..ولاشك ان تقويم عافية وسلامة أي مجتمع، تتمثل في تشخيص حالة العلاقات الداخلية فيه ، فسلامتها دليل على عافية المجتمع وصحته ، بينما اهتراؤها دلالة على سوءه وتخلفه.
ان الدول اليوم تفتخر بمستوى تحقيقها للسلم الاهلي ، فهو بوابة مهمة لتحقيق الاستقرار والتقدم في المجتمعات فمن خلاله يشعر الفرد بالامن والحرية والابداع الذي ينعكس بنتائجه على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . اما إذا ما فقدت حالة السلم الاجتماعي أو ضعفت عبر التنازع والاحتراب وفقدان الثقة بين مكونات النسيج الاجتماعي ، فإن النتيجة الطبيعية لذلك هي تدهور الأمن وزعزعة الاستقرار وتراجع التنمية وهجرة الكفاءات وانكفاء بعضها وتراجع المصالح المشتركة وعلو المصالح الضيقة على حساب امن المجتمع والوطن .
وواقع المجتمع العراقي يوحي بصورة مظلمة للتعايش حيث بات الشك والتكاره سمه من سمات هذا المجتمع الذي عرف طوال تاريخه الحديث بانه بوتقة التصاهر والاندماج بين ابناءه . ولاجل الخروج من نفق الازمة المجتمعية التي سببها فشل المشروع السياسي الذي اعد للعراق بعد عام 2003 ، نرى ان اهم المقومات اللازمة للخروج من نفق الازمة السياسية والمجتمعية تتمثل بالاتي :
1- وجود ارادة وطنية تتسامى على الجروح وتنبذ العنف وتنسى الماضي بكل الامه وماسيه فبدون هذه الارادة تبقى النفوس متشنجة وتبقى الثارات والرغبة بالانتقام هاجسا يحرك النفوس العدوانية .
2- ايجاد وثيقة شرف او عقد اجتماعي يحدد العلاقة بين الفئات المتنازعة واذا كان الدستور والقوانين العراقية الضامنة للمواطنة لاتفي في هذه المرحلة لتحقيق السلم المجتمعي بعد ان تم التعامل معها بانتقائية ولمصالح فئوية فحري بنا لكي نخرج من دائرة الصراعات ان نبحث عن عقد اجتماعي جديد يحقق الاطمئنان ويثبت الاستقرار الهش السائد في مجتمعنا .
3- قيام الحكومة العراقية بتكريس سياسات العدل والمواطنة المتساوية بين العراقيين في الخدمة العامة وفي توزيع العوائد والمنافع ، بهدف خلق الثقة والتعايش بينهم .
4- تشجيع الحوار والتلاقي بين عقلاء ومثقفي المجتمع العراقي للوصول الى قواسم مشتركة تنمي العيش المشترك بينهم وتكبح مسببات الفرقة والتناحر .
5- قيام الحكومة العراقية باتخاذ كل الاجراءات القانونية لردع مروجي الفتنة بكل اشكالها وتقديمهم الى العدالة ليكونو عبرة لكل من تسول له نفسه التمادي في قتل العراقيين وتخريب سلمهم المجتمعي .
6- اهتمام الحكومة العراقية بالاسرة العراقية وتشجيع قيمها الاجتماعية التي تحث على الاختلاط والانفتاح مع الاخر بغض النظر عن انتماءه الفئوي وتشجيع الاسر العراقية على ادامة صلاتها بالاخر عبر المصاهرة او المصلحة المشتركة او الاختلاط في الوظيفة العامة . ومن هنا ادعو الحكومة العراقية الى ان تثبت في ميزانيتها للعام المقبل مبلغ ترليون دينار عراقي لتشجيع الزواج المختلط بين الشباب العراقي لكي تعاد لحمة التعايش والاندماج بين العراقيين من جديد وخصوصا ان العراق يعد من اكثر بلدان المنطقة في الزواج المختلط والتي تبلغ نسبته 27 بالمئة الا ان ظروف الاحتقان والتقسيم المناطقي راجعت هذه النسبة مما يقتضي تفعيلها في المرحلة المقبلة .
7- ترشيد الخطاب الديني لكل الطوائف والاديان وجعله يتلائم مع مفردات التعايش والاندماج لامع مفردات الكراهية والاقصاء السائدة الان في كثير من الخطب الدينية ومن المهم ان يلعب رجال الدين دورا في استنباط المفردات الدينية الوسطية التي تكرس المحبة والتعايش وتنبذ الكراهية والعنف والتطرف والارهاب . ومسؤولية رجال الدين في هذه المرحلة خطيرة ومهمة في تقديم صورة مثلى عن قيم الدين الاسلامي الحنيف كدين تسامح وقبول بالاخر لادين كراهية واقصاء .
8- تغيير المناهج التعليمية في المدارس والجامعات وعلى نحو يشجع مفاهيم الحوار والتلاقي بين العراقيين باعتبارهم شعب واحد تجمعهم مصلحة العيش المشترك بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة فضلا عن مفاهيم حقوق الانسان النابعة من قيم المجتمع العراقي التي تحث على التناصر والتعايش ونبذ العنف .ومن المهم في هذا الجانب تهذيب المفردات الدينية المختلف بشانها بين الطوائف والاديان العراقية ومن المحبذ ايضا تهذيب عنوان مادة التربية الاسلامية ليصبح مادة الاخلاق العامة التي تجمع كل افكار الفضيلة والتسامح التي اجمعت عليها الاديان .
9- جعل مؤسسات الدولة العراقية بكل مسمياتها ميدانا للتنافس بين العراقيين على اساس المواطنة والكفاءة والانجاز لاميدانا لللاحتراب والتباغض والحط من القدر والازدراء وتهميش الاخر كما هو حاصل الان في الكثير من مؤسسات الدولة التي تدار بطريقة عشائرية ومناطقية وجهوية .
10- ترشيد الخطاب الإعلامي وتمكينه من ممارسه دوره في تحقيق التعايش بين العراقيين ومعاقبة القنوات الاعلامية المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تروج للفتنة وتزرع الكراهية بين العراقيين .
ان تحقيق السلم الاجتماعي هو مشروع شامل لايمكن ان تحققه الحكومة وحدها وانما تنحاز اليه وتؤازره كل قوى الشعب الحية التي ترغب في مواصلة مسيرة التعايش سواء القوى التي ذكرناها او التي لم نذكرها كعلماء واساتذة جامعات ومؤسسات مجتمع مدني ورجال اعمال ومثقفين ونخب فكرية فكل هؤلاء يجب ان يبرز دورهم وقت المحنة وهاهو وقت المحنة والابتلاء الذي يعانيه العراق . ان السلم المجتمعي اصبح اليوم من الضرورات الغائبة عن الواقع العراقيين ، فغالبية العراقيون قد تعبوا من الحروب والارهاب والفساد واستنزاف الطاقات تحت شعارات وهمية وحري بهم اليوم التوجه لبناء مجتمع يقوم على التعايش لا الغلبة وعلى الابتكار لا الاحتكار وعلى المشاركة لا على الاستحواذ تحت شعارات الاغلبية والاقلية ، فقوة الشعوب في استقرارها وتوجهها نحو التنمية والانجاز واستثمار الطاقات المادية والعقلية المتوفرة لديها . انها لحظة تاريخية امام العراقيين للتامل فيما اذا كانوا يستطيعون التغلب على جراحاتهم والخروج من نفق الحرب والارهاب الى دائرة السلام والاستقرار والتنمية كما هو قدر العراقيين في تاريخهم ، ام ان لحظة التمزق التي يعانيها العراقيون وصلت الى الذروة التي ستصيب مشروعهم الوطني الجامع بالتصدع والانحلال !!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين