الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لذكرى القائد الشيوعي الرحل الرفيق يعقوب زيادين: زيادين الرمز

نعيم الأشهب

2015 / 6 / 3
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


حين وصل القدس صيف 1950، مباشرة بعد تخرجه كطبيب، كان همّ أبو خليل الأول الانتظام في التنظيم الشيوعي القائم آنذاك. كان هذا التنظيم هو عصبة التحرر الوطني في فلسطين، وليس تنظيما أردنيا أو يحمل اسم الأردن بعد. ولم يكن هذا بلا معنى بالنسبة له. كان هذا تعبيرا عن تداخل وانصهار هويته الأردنية بانتمائه العربي وبأفقه الأممي، وهكذا كان طيلة حياته الحافلة.
دخل أبو خليل القدس التي لم يعرفها من قبل، غريبا لم تربطه، قبلئذ، صلة بأحد فيها،عدا وعد بقيام تنظيم العصبة السري الاتصال به. ولكنه، كساحر، تحوّل خلال فترة قياسية في قصرها الى أحد أبرز رموز هذه المدينة العريقة. ولم يكن هذا وليد الصدف أو الحظ، بل حصاد العاملين التالين: تقدمه الجريء والسريع كقائد ثوري، في معمعان المعارك الوطنية والاجتماعية الكثيفة والمتلاحقة آنذاك، منها ما هو من ذيول المؤامرة على القضية الفلسطينية، ومنها ما هو في اطار النضال للتخلص من سيطرة الاستعمار البريطاني، وصدّ مؤامرات جرّ البلاد الى الأحلاف العسكرية العدوانية الغربية، التي أريد لها أن تقوم على أنقاض القضية الفلسطينية، وذلك بتجميع اسرائيل والنظام العربي في اطار هذه الأحلاف، الى جانب معارك الحريات الديمقراطية وقضايا الفقر الذي تفاقم أفقيا وعموديا عقب النكبة الفلسطينية. وفي جميع هذه المعارك، كان أبو خليل، منذ هبط القدس، في الصفوف الأولى منها،؛ والعامل الثاني كان نتيجة تحيّز أبو خليل، ومنذ البدء، الى معسكر الفقراء والمعوزين في المدينة، ليغدو، وباستحقاق كامل، طبيب الفقراء، حيث نذر نفسه لخدمتهم ومساعدتهم بأريحية انسانية عميقة؛ دون أن ينال ذلك من اخلاصه لشرف المهنة المقدس مع الجميع، ودون أن يتردد في تلبية واجب المهنة، ليلا أو نهارا، حتى ولو بدا ذلك كنوع من المغامرة التي لا تخلو من الخطر.
وكالعادة آنذاك، كانت كل معركة وطنية أو اجتماعية تتوج بحملة اعتقالات. وغدا أبو خليل "زبونا" دائم التردد على السجون والمعتقلات التي قضى فيها السنين الطوال. وعقب كل اعتقال كان يجدد، طالما هو في القدس، عيادته الطبية. وتصادف ذات مرة أن كانت عيادته المتجددة ملاصقة لمقبرة باب الساهرة وتطل نافذتها على المقبرة مباشرة. كنا نداعبه بأنه يختصر طريق بعض زبائنه ويرسله عبر النافذة اياها! كان يضحك من قلبه كطفل. كان رجال المباحث يلاحقونه كظله أينما توجّه. وذات مرة دخل أحدهم عيادته، مدعيا أنه مريض، ولم يكن أبو خليل يعرفه من قبل. لكن ما ان استلقى على سرير الفحص حتى لاحظ أبو خليل المسدس على جانبه، فطرده على الفور من العيادة. لم يكن أبو خليل يلتزم بموعظة المسيح المعروفة: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، بل يرد الصفعة بمثلها أيا كان خصمه مرتبة ونفوذا، دون حساب للعواقب والمضاعفات، فكرامته الشخصية والحزبية كانت خطًّا أحمر، لا مجال للتساهل أو المساومة حولها.
وبعد ستة أعوام على وجوده في القدس، أمضى قسما غير قليل منها وراء القضبان، اختارته القدس الوفية، في انتخابات خريف 1956، التي اتسمت بقدر من الحرية، نائبا عنها للمقعد المسيحي، متفوقا على منافسه، ابن المدينة، والذي شغل هذا المقعد في دورتين سابقتين، بأكثر من ضعف الأصوات. وكان هذا بمثابة شهادة ميلاد جديدة من القدس التاريخية لابن بار لم تلده!.
وحين بدأ ممارسة الطب بداية خمسينات القرن الماضي، كان الطبيب عملة نادرة – كما يقال. وكان هذا يفتح أمامه فرص السير بقية حياته على الحرير الناعم، شريطة أن يغمض عينيه عن الظلم والظالم. لكنه، ودون تردد، وبقناعة راسخة، اختار الطريق الآخر. اختار السير على الأشواك الدامية، مقارعا الظلم والظالم، دون أي حساب للنتائج والعواقب.
وعندما نضجت ظروف قيام الحزب الشيوعي الفلسطيني، عاش أبو خليل حالة عاطفية انسانية متميزة، ازعم أنها تختلف عن حالة البعض من أصول فلسطينية، طغت على مواقفهم من هذه القضية اعتبارات ذاتية. كانت عواطفه الصادقة تحنو على ذلك النسيج المقدس من أخوة السلاح ورفقة المعاناة المشتركة، على امتداد سنين عاصفة، في أشرف وأنبل المعارك والعمل المشترك، خشية على هذه العلاقات من الترهل والفتور، وهو ابن السماكية وابن القدس في الوقت ذاته.
وحين انهار الاتحاد السوفييتي، وكان هذا زلزالا غير مسبوق هزّ العالم كله، وأفقد الكثيرين توازنهم، وسارع البعض، حينها، لتبديل جلودهم، لم تهتز قناعات أبو خليل بالمبادئ الأساسية والقيم التي نذر حياته في سبيلها. وأزعم هنا أيضا بأن مرد ذلك ليس القناعات النظرية وحسب، بل لربما في المقام الأول رسوخ وصلابة اصطفافه الذي لا عودة عنه في معسكر المقهورين والمهمشين، ورهانه على نظام العدالة الاجتماعية – الاشتراكية، والقادم لا محالة، طال الزمان أم قصر.
وفي لقائي الأخير به، ربما قبل عام من رحيله، وجدته، كما أعهده متنصب القامة شامخا، وكأن، بنيته الجسدية مرآة صادقة لاستقامته الأخلاقية والسياسية، فهذا القائد الشجاع لم يحنِ هامته يوما أمام ظلم أو ظالم.
ولما حانت ساعة الرحيل المحتومة، كان وداعه الجماهيري والحافل على نحو غير مسبوق استفتاءً لا يحتمل التأويل، على تسليم الجميع، من يشاركه مبادئه وأفكاره ومن يختلف معها، بالسجل النضالي المضيء والتضحيات السخية والصادقة لهذا القائد الشيوعي – الوطني الكبير،، واعترافا بمكانته المتميزة في السجل السياسي للاردن على مدى عقود، دون توقف أو كلل.
واذا كان سِفر الشيوعيين في الأردن حافل وزاخر بآيات التضحية والفداء في سبيل قضايا الشعب والوطن، والتحدي للقمع والارهاب، فان اسهام أبو خليل في هذا السِفر المضيء وافر وغزير. وينبغي الاعتقاد بأن رصيده النضالي المتميز سيغدو قوة مثل والهام، لليوم والغد، وهذا هو الخلود بعينه لقائد ومناضل ثوري بارز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي