الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
وكأنّ التوانسة سيموتون غدا...
محمد الحمّار
2015 / 6 / 8العولمة وتطورات العالم المعاصر
تعيش تونس اليوم أزمة متعددة الأبعاد. أما أسبابها فهي مختلفة ومتنوعة. لكن لو تأملنا في العقلية المجتمعية لتفطنّا إلى أنّ الناس في بلادنا، للأسف، لا سيما و شهر رمضان المعظم – المتحول منذ عقود إلى"شهر الاستهلاك " - على الأبواب، يعملون لدنياهم كأنهم يموتون غدا (اللهفة و"الرغبة" والجشع والتهور من بين إخلالات أخرى) ويعملون لآخرتهم كأنهم يعيشون أبدا. بينما جاء في الأثر الديني أن "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا". فكيف يبرز هذا التقلب؟ ومن المسؤول عنه ؟ وما السبيل إلى وقف النزيف المترتب عنه؟
ظاهريا يتبادر للذهن اليوم أن نتهم الفئاتِ العمالية المضربة عن العمل والفئات المعتصمة وسائر الفئات المحتجة على تدني المقدرة الشرائية والشرائح المطالبة بالتوزيع العادل لثروات البلاد (حملة "وينو البترول" نموذجا)، أن نتهمها بأنها هي التي تعمل لدنياها وكأنّ يد المنون ستأخذها في الغد. بينما لو تمعنّا في المسألة للاحظنا أن ليس هؤلاء سوى ضحايا الفئات التي استثرت منذ فترة السبعينيات إلى اليوم، منتفعة بالسياسات الرأسمالية التي توختها الحكومات المتتالية.
أما تشكّلُ ما عُرف – محليا و حتى عالميا- باسم "الأثرياء الجدد" « nouveaux riches » فيتمثل في استفادة شرائح اجتماعية دون سواها من الفئات المستفيدة من النظام الرأسمالي المحلي الذي بدأ باستنساخ النموذج العالمي بصفة معدلة في أول الأمر (حقبة الوزير الأول، رجل الاقتصاد الهادي نويرة) ثم أخذ في التغلغل إلى أن بلغ التوحش (اليوم).
هكذا كان الممارسون للاستثراء – وهم أرباب الصناعة والتجارة الجدد- قدوةً للمستضعفين، ومثالا يحتذى به من طرف الفقراء والمعطلين عن العمل وأصحاب الشهائد الجامعية العليا وغيرهم. لكنه لم يكن اقتداء في مجال الأمر بالمعروف (التحكم بالنفس، ترشيد الإنفاق، التحلي بالقناعة) والنهي على منكرٍ اسمه "الاستثراء"، والوقاية من تبعاته، وإنما كان تقليدا في مجال السعي نحو تحقيق المنكر، محاكاةً للمتنفذين في مجال الاستثراء.
بهذه الطريقة، يتبين لدينا كيف أن الإثم صار بمثابة السلسلة، حلقاتُها متصلة بعضها ببعض في شكل عروةٍ فاسدة. هكذا، نرى حلقةَ عدم التحلي بالتروي والتأني ( بناء على "عقيدة قصر العمر"، وهي عقيدة غير مبررة لأنّ لا أحد يختار عمره)، نراها تقوّي حلقة الرغبة في الاستفادة من الخيرات الوطنية بشكل انفعالي حتى تتحول إلى رغبةٍ في النفع المادي السريع. ثم تقويها أضعاف المرات حتى تتحول الرغبة إلى طمعٍ، فجشعٍ، فتهورٍ فتحيّلٍ فسرقةٍ فنهبٍ، مما يكسر حلقة التضامن الاجتماعي تكسيرا لتحل محلها حلقة "الداروينية الاجتماعية" المبنية على المبدأ الطبيعي "البقاء للأقوى".
بالمحصلة، من الضروري أن يراجع مجتمعنا عقائدَ، ثابتة لديه لكنها ليست من الثوابت في شيء، لا في الدين ولا في الدنيا. وهذه مهمةٌ لطالما غابت عن السياسيين لكن ما إن فاتت عن هؤلاء فرصة التشخيص الصحيح للمشكلات الأساسية في المجتمع حتى غيّبوا، ولا زالوا يغيّبون، أولي الأمر في هذا المجال ألا وهم التربويون.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مسؤول ملف الرهائن بالجيش يقول إن القيادة السياسية قلصت صلاحي
.. بن غفير: 100 ألف إسرائيلي حصلوا على رخصة لحمل السلاح منذ بدا
.. أرملة المعارض الروسي أليكسي نافالني تصف بوتين بالقاتل ورجل ع
.. نهر شيكاغو يتحول للون الأخضر بعد صبغه للاحتفال بيوم القديس ب
.. آليات الاحتلال تجرف باحات مجمع الشفاء بعد اقتحامه