الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب أصل الحياة

سعد محمد رحيم

2015 / 6 / 14
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الفكرة المحورية لمؤلفات أريك فروم (1900 ـ 1980) هي الإنسان.. الإنسان بحقيقته النفسية الاجتماعية المعقدة، وبحضوره الوجودي المأزوم في العالم. الإنسان مرئياً، عبر منظور علمي النفس والاجتماع ناهيك عن الفلسفة، في صراعاته وعلاقاته وفاعليته وخيباته وآماله.. وحين نقول الإنسان، لاسيما عند الحديث عن فروم، فلا بد من أننا نقصد الحياة، ونقصد الحب، ونقصد الحرية، ونقصد مواجهة قوى التدمير والموت. وفي كتابه (فن الوجود) يشير إلى أن الحقيقتين اللتين"لا تحتاجان إلى تفسير هما: (نحن نرغب بالحياة) و (نحن نحب أن نحيا الحياة)". غير أنه سرعان ما يستدرك بأن ثمة أسئلة أخرى تتمخض عن تلك التي ذكرها، تكون بحاجة إلى إجابات:"كيف نرغب أن نعيش؟. ما الذي نبتغيه من الحياة؟. ما الذي يجعل الحياة ذات معنى بالنسبة لنا". وهذه الأسئلة شغلته عقوداً طويلة، فحاور، وحاضر في المحافل الأكاديمية والثقافية، وكتب المقالات والدراسات، وألّف الكتب بشأنها.
كان فروم راصداً دقيقاً لظواهر عصرنا وتناقضاته، وما سمّاها بالكذبة الكبرى التي تعد العقبة أمام تعلّم فن الحياة. وهي الكذبة التي تشي عن جوهر النظام الرأسمالي المهتمِّ بالربح الأقصى وليس بالفائدة القصوى للكائنات البشرية.. والكذبة الكبرى يخلقها الإعلان التجاري، والدعاية السياسية، وتحريف الحقائق في القنوات الإعلامية، والخطاب المضلل. فكان على الإنسان، في هذا الخضم الأعمى، أن يهدر فرص سعادته، التي لم يذق طعمها كثر من الناس قط، من أجل ما هو زائف وغير ضروري وغير ذي فائدة.
ومثل هربرت ماركوز غالباً ما عرّج فروم على موضوعة مجتمع الاستهلاك والوفرة حيث، بوساطة الإعلان، تُخلق حاجات غير حقيقية، تأسر اهتمام الإنسان وتدفعه إلى السلبية والخمول، فيضمر لديه البعد النقدي في الفكر، وتُشل الإرادة المفضية للتغيير، ويحافظ النظام القائم على ديمومته.
هناك فائض لا لزوم له، وتبذير للوقت والمال، وخمول وملل وخوف داخلي. وهذه الحال قد تقود إلى الفوضى. فالناس"يبالغون في الاستهلاك كي يتحرروا من الضيق الداخلي. إن الاستهلاك يعدهم بالشفاء... إن عملية الأكل والشرب يمكن أن تأخذ حقاً دور المخدِّر كجرعات مهدئة".
في كتابه (الحب أصل الحياة.. ترجمة: ناصر ناصر.. دار الحوار ـ سوريا 2013) يطرح فروم مجموعة من الأسئلة اللافتة والمثيرة بخصوص الإنسان ويستكشف جوانيته النفسية العميقة، وأشياء من مظاهر سلوكه. فالإنسان الذي يتناوله بالتحليل أكثر تعقيداً مما نظن في قوته وضعفه واتزانه واضطرابه وتحولاته:"ذلك أن الإنسان الحي لا تكون له دائماً نفس ردة الفعل لنفس السبب المحرِّض. فهو في كل لحظة إنسان آخر. إنه لا يكون دوماً غير ما هو بالمطلق، كذلك لا يكون دوماً نفسه، هو هو".
هذا الإنسان يتملّكه اليوم السأم والخواء، وتلك هي الحقيقة المرّة، فالناس ليسوا سعداء على الرغم من اتساع حدود الحاجات وتوافر وسائل إشباعها. وذلك هو مرض العصر الخطر. وقد انتشرت إثر ذلك ثقافة مغايرة وقيم مختلفة، وحتى الإنسان الذي يحوز أكثر مما يحتاجه بات يشعر بالفقر، فالعالم يتسارع والحاجات، ومعظمها زائف، تتضاعف. وهكذا"تزداد وتتوسع دائرة السلبية عند الناس، وأيضاً الحسد والشره، وليس أخيراً الضعف الداخلي والاستسلام للرغبات الدونية. وهكذا فإن الإنسان يعيش فقط على مقدار ما يملك وليس على مقدار قدْره، أي ما هو حقيقة".
وما يفتقد إليه الإنسان هو الدافع الذي يبعث فيه النشاط.. يقول فروم:"إنني أعتقد أن الإنسان هو هو، يعبِّر عن نفسه، عندما يعطي ما في داخله من قوى كامنة فيه.. وإذا لم يحدث ذلك، أي عندما يستعمل فقط ما عنده، وليس ما يجب، عند ذلك يفشل وينحط، ويصير إلى شيء لا قيمة له في الحياة، بل إلى حسرة وآلام". وهنا يربط فروم السعادة بالنشاط الذي هو"تنامي القدرات المستمرة عند الإنسان". ويقوده حسّه اليساري ووعيه الجدلي في أن يرى في فائض الوفرة النسبية، في العالم الرأسمالي سيفاً ذا حدين:"على أحد الحدّين قُدِّر للإنسان أن ينجح بأن ينتج حضارة... وعلى الحد الآخرمكّن الفقر وسوء الحال الأقليات القوية من السيطرة على الأكثريات الفقيرة ومن استغلالها، رغم أنه لولا هذه الأكثرية التي تقف وراء إنتاجية البلد لما تسنى للاقتصاد أن ينهض".
ويحتاج الإنسان أيضاً أن يكون حراً ليكون غير ما هو عليه في سلوكه وعلاقته بالآخرين ونظرته إلى نفسه والعالم، فـ"الإنسان والحيوان، كلاهما، يتصرفان في السجن غير ما يفعلان في عالم الحرية". لكن الإنسان يُكره اليوم على الطاعة، والتخلي عن رغباته والخضوع للسلطة الأبوية المستبدة، وهي سلطة عجزت عن منع حربين عالميتين مدمرتين. ويرى فروم أن الدين بمؤسساته"شريك واضح في معاناة الناس من الأزمة التي حلت بالمجتمعات البطريركية المتسلطة". ومع التطور الذي أدى إلى انكفاء سلطة المؤسسة الدينية التقليدية في الغرب وُجد دين التكنولوجيا وهو دين لا قيم أخلاقية له ما عدا"أن على الإنسان أن يعمل، وكل ما هو فني ممكن، لأن الإمكانية الفنية تصبح هي الواجب الأخلاقي، وتصبح هي نفسها مصدر الأخلاق". وفي هذا المجتمع الاستهلاكي يصبح حتى الجنس مادة استهلاكية."ومن أجل الجنس وخدمته تنشأ صناعات مختلفة وتنفق أموال كثيرة". فالجسد يسلّع، وتصبح الدعارة تجارة.
والآن، هل يمكن قلب المعادلة وجعل مجتمع الرفاه السيء مجتمعاً جيداً؟.. ذلك أيضاً ما يناقشه فروم، في ضمن ما يناقش بكتابه، مؤكداً أن"القرار لصالح الرفاه الجيد أو السيء، يتوقف عليه مستقبل حياة الإنسان".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج