الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد والنقد الذاتي أهميتهما وآليات ممارستهما

عبدالجبار شاهين

2015 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


إن آلية النقد والنقد الذاتي هي من الموضوعات التي ترد على الالسنة كثيراً غير أن تطبيقها يعاني قدراً كبيراً من الصعوبة . إنها احدى الاسلحة الرئيسية في عملية بلوغ الاهداف المرجوة حيث نواجه مهمة إعادة بناء كل شيء من جديد ، هذا الوضع يجعل من الضروري أن نتوقف بالتفصيل عند موضوع النقد والنقد الذاتي وايصاله الى اعماق الوعي بشكل سليم .

يستحيل تحقيق اي نوع من التطور في مجتمعنا بدون توفير آلية النقد والنقد الذاتي . نستطيع أن نقول : أن النقد والنقد الذاتي سلاح يمنح الحياة لسائر الأسس والمبادئ ويصححها ويطورها مثلما يمكن قلب غياب التنظيم عندنا الى توفير التنظيم عن طريق الحزب ، مثلما السلطة والمركزية الديمقراطية اضافة الى الجماعية والمبادرة المرتبطين بها تشكل أساساً في تطوير وتحسين فعاليات الحزب ونشاطاته . مما لا شك فيه أن من غير الممكن القضاء على النواقص الناجمة عن البنية القومية والوطنية والاجتماعية وإزالة التشوه الحاصل في شخصية الانيان الكوردي اضافة الى العيوب الأخرى في الفكر والنظرية والسياسة والتنظيم ، إلا من خلال استخدام سلاح النقد والنقد الذاتي بشكل فعال وقوي ، أي أن النقد والنقد الذاتي دليل عمل لا يمكن الاستغناء عنه في عملية إزالة الأخطاء وتمكين الأشياء الصحيحة في السيادة .

سيكون من المفيد جداً تناول هذا الموضوع بتفصيل أكبر من زاوية جعلها بشكل أفضل . وبهذه الطريق سيجري تأمين استخدام هذا السلاح بصورة أفضل مع توجيهه الى الاهداف الاساسية .

إن النقد هو العمل الأول الذي قامت به الماركسية لحظة انطلاقها . فلدى قراءة المؤلفات الأولى لماركس الذي ركز جهده على النقد بصورة عامة نجد اننا امام نقد صارم لكل من المجتمع القديم والتاريخ السابق من مختلف نواحيهما . لقد قام ماركس وانجلس بالمهمة التي طرحها عليهما المجتمع القديم من خلال نقد سائر السلبيات والنواقص في جميع ميادين الاقتصادية والاخلاقية والخ...... وتحويل هذا النقد الى قاعدة اساسية لحياة اجتماعية جديدة ،والنقد لدى المعلمين ليس وسيلة للإدانة ، فهما لم يستخدما النقد لتحطيم المجتمع فقط بل ووسيلة ، في الوقت نفسه ، لتوفير الشروط المادية لميلاد المجتمع الجديد وأداة تتجاوب مع حتمية احلال الجديد محل القديم . إذا كان نصف الاشتراكية العلمية عبارة عن نقد القديم فإن نصفها الآخر يتركز على اثبات امكانية بناء صرح ما هو جديد .ففي ضوء نظرية الاشتراكية العلمية يجري من جهة نقد المجتمع البرجوازي وما هو مرتبط من احكام وقيم ومؤسسات ، يتم من الجهة الأخرى تحديد مواصفات وشكل المجتمع الاشتراكي الجديد واحكام القيم والمؤسسات الخاصة به والتي يراد احلالها محل الأولى ، إن أفضل تعبير عما تريده الماركسية وتهدف اليه من نقدها للقديم نجده في كلمات ماركس التالية : (( اكتفى الفلاسفة بتفسير العالم ، ولكن القضية هي معرفة كيفية تغييره )) نعم إن الماركسية ، كما يتضح بصورة جلية من هذه العبارة أيضاً ، لا تكتفي بتفسير القديم ونقده فقط بل تتولى أيضاً مهمة خلق الجديد الذي سيحل محل القديم . بمعنى أن الماركسية تنقض على القديم وتركز على هدمه ، بهدف خلق الجديد .
كما هو واضح مما قيل أن الظاهرة الجديدة تبدأ من نقد القديم وتحقق خطوة هامة في عملية ولادة الجديد عبر تنفيذ متطلبات هذا النقد . ولكن التاريخ في كوردستان لم يعمل بهذا الاتجاه ؛ فالجديد لم يقم بعملية نقد القديم ، ولم يحطمه ليسود في بدلاً منه . مما ادى الى تراكم النواقص والسلبيات وتفاقمها أكثر فأكثر . إن كل ما جرى اقحامه على التاريخ في كوردستان بدعوى أنه جديد لم يكن إلا من خلال الاستئذان من القديم وفي خدمة مصالحه وأغراضه . لم يكن مسموحاً لأي جديد إلا إذا كان منسجماً مع البنية اللاثورية للقديم ، ومن المؤكد أن هذا كان تعبيراً عن القبول باحتلال العدو كما هو . وبهذا المعنى لم يقم المجتمع بالنقد الضروري غي مختلف المراحل التاريخية ولم ينسف البنى التي لابد من تغييرها عن طريق الثورة . بل على النقيض من ذلك ، ظلت البنى القديمة تتعزز أكثر فأكثر وتتمكن من سحق أولئك الذين ترتبط مصالحهم بتطور ما هو جديد وتخريب القيم العائدة لهذا الجديد . وهكذا ظل المجتمع محروماً من فرض نقد القديم والتوجه الى الأمام والعمل بتطوير الجديد .لقد امكن تحويل المجتمع الى كيان بلا دماغ يفكر بتطوره التاريخي وبسائر قضاياه الحياتية المتعلقة بمصالحه اليومية الراهنة والمستقبلية ، بلا لسان لينتقد ، بلا أذن ليسمع ، بلا عين لترى ، حتى غدا هذا المجتمع مجتمعاً غارقاً في حوار للبكم والصم والمكفوفين ، إن الحياة الاجتماعية في كوردستان ليست في حقيقة الأمر إلا فعاليات أناس مكفوفين وصم وبكم يتلمسون بعضهم بالأيدي ولا يستطيعون التفكير بما يجب التفكير به ، والشعور بما ينبغي الشعور به ، والافصاح عما يجب الافصاح عنه بشأن التاريخ والواقع الراهن اليومي والمستقبل . إذا اكتفينا بالنظر الى المظاهر الخارجية يمكن أن نقر بوجود قدر هائل من النقد وبأن الناس يحسون بأبسط التحركات أو الهمسات . غير أننا حين نتناول الموضوع من زاوية التطور التاريخي والاجتماعي فإننا نجد أن ذلك الذي خلق الأوهام عندنا ما هو إلا كوميديا ساخرة لحوار هزلي يجري بين الصم والبكم والمكفوفين . هذا هو الواقع المعاش في كوردستان ، هناك غربة واستلاب رهيبين ازاء الذات من جهة مقابل العجز عن الحقد على العدو الذي اقحم المجتمع في هذا الوضع من الغربة ، من توجيه النقد اليه ، بل على النقيض من ذلك ، هناك من جهة ثانية اتجاهات وميول تدعو الى الاقرار بالهوية التي فرضها العدو كما لو كانت هي الهوية الصحيحة . والخلاصة هي أن أولئك الذين ظهروا باسم النقد في كوردستان لا يعكسون الجوهر الحقيقي ، ولا يقومون بالنقد إلا في اطار القيم المفروضة من قبل العدو ، بمعنى ان العدو نفسه هو الذي يؤسس حتى لمنطق النقد وتطويره .

إن الانسان مخلوق يفكر وينتقد باستمرار . وحاجة الانسان الى التفكير والنقد هذه مقيدة في كوردستان لا بهدف الدفاع عن مصالحه الخاصة ، بل بخيانة هذه المصالح . وهكذا تم فرض نوع من العاب السيرك البهلوانية على الساحة الاجتماعية . لقد تم تشويه مجتمعنا تماماً حتى بات خالياً من أي شيء يخصه هو . أما ما يطلق عليه اسم الحياة الاجتماعية فليست إلا ألعاب بهلوانية فب السيرك.

اننا في هذا الواقع المعاش ، مضطرين لأن نتطور بوصفنا حركة نقادة في مجال الفكر فلم يكن من الممكن القيام بأي عمل بدون نقد البنية الخالية تقريباً من أي شيء يمكن تقييمه لأنه ايجابي ومن أي عنصر يمكن استخدامه في انجاز أي تقدم . ان الانطلاق من نقطة النقد هو العمل الصحيح الذي يجب القيام به بالنسبة للناس القادرين على ان يقفوا في وجه الواقع الكوردستاني الغارق في الجهل وعدم الاحساس وغياب التنظيم وانعدام المقاومة في القرن العشرين حيث تعيش البشرية عقداً يتم فيه حل المسائل بالفكر والبرمجة والتخطيط لدى سعيهم في سبيل توفير فرص جديدة لتنفس هذا المجتمع .اننا بوصفنا حركة تنتقد البنية القديمة التي فرضها الاستعمار وحافظ عليها بالقوة والقهر ، مضطرين لأن ننشأ ونتطور كحركة يغلب عليها الجانب النقدي أكثر من سائر الحركات الاخرى ، ويجب ان يكون هذا الجانب هو الأكثر رجحاناً بمعنى التحول الى قوة مادية في الفكر .
لا يكون النقد نقداً ثورياً إلا إذا سعى عملاً وتنظيماً وتحركاً ، الى نسف البنى السلبية التي تجسد أكوام الأفكار والآراء السلبية التي راكمها التاريخ ، التي يتوجه اليه النقد أساساً ؛ إلا إذا كان نقداً لا يكتفي بالنقد اللفظي ، نقداً لا يكون في مستوى كوميديا حوار الصم والبكم والمكفوفين ، نقداً لا يتخذ شكل التنفيس عن الغضب والتضليل الذاتي كمسرحيات الفنانين السوريين غوار الطوشة (( دريد لحام)) والفنان ياسر العظمة في سلسلته المسمى بالمرايا . من المؤكد ان ذلك وحده لا يكفي بل لابد من تشغيل آلية النقد الذاتي الموجهة الى الداخل لعملية النقد الثورية , اي لابد من الانتباه الى مسألة الالتزام أو عدم الالتزام للنقد الداخلي في الوقت الذي يتم فيه تطوير عملية النقد الموجهة الى الخارج .بهذه الصورة فقط يمكن تحرير النقد من أن يكون مجرد ادانة ليتحول الى فكر يمكن تطبيقه بعد أن يصبح تعبيراً عن النقد الحقيقي الصحيح .

لابد ايضاً من تناول النقد من هذه الناحية أيضاً ، أي من جانبه الموجه الى الذات ومن تطبيقه . وإلا فإن تهرب الشخص من تحقيق ما هو مطلوب عن طريق النقد الذاتي ، مهما كان نقده للسلبيات صارماً وحازماً ، يؤدي الى أن تذهب جهوده هباءً وبلا جدوى . إن هذا الموقف هو الذي يكشف مدى جدية الانتقادات الموجهة الى الذات ، الى القديم والى السلبيات بهدف تغييرها جميعاً ، فلو أكتفى المعلمون والقادة الأوائل بالنقد وحده ، ولم يبادروا الى القيام بما هو مطلوب ولم يجهدوا في سبيل تطوير اسلوب النقد الموجه الى الذات ، لما امكن الحديث اليوم لا عن وجود النظام الديمقراطي ولا عن انتصار هذا النظام في نهاية القرن العشرين . إن تناول النقد من جانب واحد يعني الغاء دوره البناء والدافع الى الامام ، أي الغاء دوره الذي يجعله أساساً لخلق الجديد . إن المعنى العميق للنقد هو ضرورة وضع الأمور والأشياء الصحيحة والملائمة في الوقت الذي يركز فيه على إظهار مدى بطلان ما هو قديم وسلبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب