الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع النهضوي العربي- التحدي التاريخي

سليم النجار

2005 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


من اكبر المفارقات وأخطرها ، هي تلك التي يحسها المواطن العربي ، وهو يقرأ ويستمع إلى كتابات وخطابات وتصريحات المثقفين العرب ، على مختلف المستويات حول المشروع النهضوي العربي .

وأصبحت مقولة المشروع النهضوي العربي ، جديدة قديمة أعاد طرحها خطباء المنابر وبعض المثقفين إثر زلزال 11 ايلول 2000 في الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم راح أطراف الثقافة السياسية يريدونها تدليلا على براءة الثقافة العربية ، من تهمة الارهاب التي ألصقت بتلك الثقافة . واعتبروا ترديد مقولة المشروع النهضوي العربي جواباً شافياً على كل الأسئلة التي باتت تطرح على الثقافة العربية من الغرب.

والغرب هنا ليس مقصودا مكونات الثقافة الغربية ، بل السياسة الحاكمة ، بدت تلح اكثر من ذي وقت على الاسئلة التي من المفترض ان تجد أجوبة عليها من قبل الثقافة العربية .

وأول الأسئلة المطروحة بقوة الآن هل المشروع النهضوي العربي نتيجة أو سبب لنتيجة ، بمعنى هل هذا المشروع هو ردة فعل على أحداث كبرى ، بغض النظر ، عن حدث بعينه ، او سبب لضرورة التطوير للحياة الاجتماعية العربية .

تاهت معظم الإجابات من قبل المثقفين العرب على هذا السؤال ، في ثنائية قاتلة ، تراوحت بين السبب والنتيجة . والقلة الذين حاولوا الحفر عن اجابة ما ، ليس من اجل الرد ، بل من اجل الكشف عن ضرورة اين تكمن خطورة ان تبقى الثقافة العربية محل اتهام ؟!

كما حاولت هذه القلة الكشف للمرة الثانية ، عن خطورة ان تبقى الثقافة العربية رافعة موضوعية لاصطيادها من فخ الاتهام . حتى تبقى اسيرة ايديولوجيا الاتهـام – المذنب ، الذي يبحث عن طوق النجاة بأي ثمن .

إن لعبة ايديولوجيا الإتهام التي تمارسها بعض دوائر الثقافة الغربية بتواطؤ مع دوائرهم السياسية ، جعلت من الثقافة العربية بورصة – أي بتعبير أدق لعبة بورصات عالمية ، تتقاذفها مشاريع سياسية غربية تحكمها عقلية الغطرسة والتعالي .

ان ظاهرة ايديولوجيا الاتهام جديدة نسبيا على المثقف العربي ، الذي تفاجأ بها ، وان كانت قديمة بالمعنى التاريخي السياسي ، إلا إنها استبدلت بالعصر الحالي وحسب مقتضياته بهذا التوصيف . وبالتالي حصرت الثقافة العربية وفق مشروع محدد مسبقا عنوانه الرئيس النهضة العربية .

هذه النهضة حددت بثلاثة عناوين : الديمقراطية ، والاصلاح السياسي ، ومحاربة الانغلاق .

وهذه العناوين ، ليست مشاريع حقيقية ، بل مجرد أفكار تطرح في بورصة الثقافة العربية . فالديمقراطية المطلوب تحقيقها تخضع لسوق السياسة العالمية ، وليست بالضرورة ان تكون نموذجا عن ديمقراطية الغرب ، وفي هذا الاطار ، اصبح المثقف العربي يتسوق من هذا السوق وضمن حاجاته الفردية ، وليس حسب حاجة المجتمع على اعتبار ان الكل حاضر في السوق ، بما فيه المجتمع المتروك لذئاب السوق !

وإذا كان هناك تحولات عالمية تجري على صعيد العالم ، فإن شعار الديمقراطية ، يجب ان يتحول لمنظومة فكرية ، وليس لشعار ، او مجموعات شعارات ، و افكار او نتفق تأخذ من هذا السوق ، أو ذاك !

وتتحدد هذه المنظومة حسب فاعليات المجتمع العربي ، على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية . وبالتالي يجب الحديث عن التفاصيل في عمليات الفاعلية ، ومدى ارتباطها بالتطورات السياسية العالمية . أي انتقال كشكل جديد من الديمقراطية مرهون بقدر الاستيعاب على النقل ، وبضمنها التطورات التكنولوجية والمعلوماتية ، وما تفرزه تلك التطورات من تغيرات خاصة تجاه دور متزايد للجماهير . من هنا يطرح الاصلاح السياسي وضمن هذا المناخ الفكري . لا أن يتسلع ضمن قوانين السوق الجديدة . افرض هذه السلعة وبالشكل الذي يريده المصنع بغض النظر عن تقبل المواطن العربي لهذه السلعة ، وبهذا الشكل .

إن تسليع فكرة الإصلاح السياسية ، وتحليبها على الشكل الذي نراه اليوم ، جعل من هذه السلعة فخ يصطاد كل من يحاول رفض فكرة تسليع الاصلاح السياسي . فالاصلاح سواء كان سياسي أو اقتصادي أو ثقافي ، هو حاجة موضوعية للمواطن العربي ، الذي يدفع يوميا فواتير لا حصر لها ، سواء في حياته اليومية ، او على صعيد المستقبل .

ان تعزيز فكرة الحاجة الذاتية ، هي الكابح التي شقت امام هذا التسليع ، الذي اصبح يخاطب الغرائز المدفونة لدى المواطن العربي ، والتي تحولت بفعل القمع التاريخي الذي وما زال يتعرض له ، حاجة عريزية تتوق للحرية ، فأي سلعة قادمة تخاطب هذه الغريزة ، ستجد اقبالا عليها منقطع النظير . ويختلط الحابل بالنابل . وتصبح هذه السلعة في متناول الذي له القدرة الشرائية على ابتياعها . فالمجتمعات الفقيرة في الوطن العربي ، ليست لها القدرة على الحصول على هذه السلعة ، فبالتالي عليها ان تناضل كثيرا من اجل الحصول على تلك السلعة . اما الغنية منها فتستطيع الحصول عليها بكل يسر وتتباهى بها عبر وسائل مختلفة ، كالاعلام – الفضائيات – او الصحف والمجلات النافرة ، او عيد اصدار دورايات ثقافية تتحدث عن كل شئ إلا عن أوضاع تلك المجتمعات .

لذا اصبح اكثر من معنى للإصلاح السياسي العربي ، فهناك وصفات للاصلاح السياسي للمجتمعات العربية الفقيرة ، الت تتخلص عناوينها بشعارات وافكار تقترب للثرثرة ، واصلاح سياسي آخر للاغنياء العرب ، تدفع بقوة لمزيد من الاستهلاك الى حد الإفراد . وفي كلا الحالتين تصبح هناك قطيعة مع لغة العصر القائمة على التكنولوجيا والمعلوماتية . ولتبرير هذه القطيعة . تصاعدت ثقافة الانغلاق بوتائر عالية التردد ، لتكتسح المجتمعات العربية برمتها ، لتتساوى في تعاطيها لهذه الثقافة ، وبالتالي تصبح هوية الإنسان العربي . وثقافة الانغلاق بهذا المعنى تصبح ابنا شرعيا لتاريخية الثقافة العربية . وبالتالي ينمو اسلوب جديد في احشاء هذا الابن ، الذي يتصور ان هذا النمو ولادة طبيعية ، وانطلاقا من هذا التصور ، اصبح هناك تصالح بين ثقافة الانغلاق ، ومقولة المشروع النهضوي العربي ، التي أعطت مبرراً موضوعياً لتسارع انتشار ثقافة الانغلاق بين الاوساط الاجتماعية .

فهذا المشروع لم ..... جيدا على الصعيد المعرفي . وانحاز لطرح افكار ، بدت للمواطن العربي هشة ، مما دفع اصحاب الثقافة المنغلقة الاندفاع نحوه ، بقوة ، معتمدين ، على هشاشة النص الفكري القائم على مقولة المشروع النهضوي . وتصور الإنسان العربي ، ان هذا المشروع ، قد فشل . وهذه الصورة الخادعة التي تبناها الإنسان العربي ، تدفعنا لسؤال ، هل انجز المشروع النهضوي ؟ هل تحقق ؟ هل نحكم عليه بالفشل أو النجاح ، أو على الأقل هل تلمسه الإنسان العربي في حياته اليومية ؟!

ان أي بحث جدي ، لا يتلمس الإنسان العربي ، هذا المشروع ، بل يسمع عنه او يقرأه في البيانات والكتب والتصريحات ، التي يتبارى بنشرها المثقفون العرب ! وكأن المشروع احجية من الاحاجي ! هكذا تبدد الصورة في الوقت الراهن في ذهن الإنسان العربي .

هذا الإنسان الذي بدا رويدا رويدا ينحاز لايديولوجيا الغواية ، هذه الايديولوجيا تقدم له كل ما يريد ، دون ان يدفع ثمنا باهظاً على صعيد ....، حيث يجرجر الزمن لصالح ايديولوجيا الغواية ، الذي اصبح – أي الانسان – عبدا لها !
فقد استداعت هذه الايدولوجيا وعبر وسائطها القادمة من الغرب ، ان تحقق انجازات باهرة ، في حياة الإنسان العربي اليومية .

التاريخ الاجتماعي القريب منا ، بالمناسبة ، اثبت ان ثلاثية الحركة هي التي دفعت ان تنجز ايديولوجيا الغراية مشروعها الثقافي والاقتصادي في الحياة اليومية للإنسان العربي ، وتتبلور هذه الثلاثية : أولا : حركة النقل غير الواعي ، ثانيا : التقليد الذي يفضي لمزيد من الاستهلاك ، ثالثا : التناقض بين الواقع الحالي ، والواقع المتخيل الذي يسكن له الإنسان العربي كردة فعل أولى على رفضه للحال الذي وصل إليه .

يصل التاريخ الاجتماعي الحالي الخارق في ثلاثية الحركة عنده فتحتاج الى حد قد يكون هناك عدة حلول ، لكن المثقفون العرب انحازوا الى الحتمية التاريخية ، التي انجبت المشروع النهضوي العربي ! وكأن المشروع النهضوي العربي قدر ، الحتمية التاريخية التي اصبحت في ذهنية المثقف العربي هي الأخرى قدر .

هذه الأقدار هي التي قادت المشروع النهضوي العربي إلى التمترس خلف التناقض الذي لا بد منه مع الغرب ! والتناقض هنا ولد هو الآخر من رحم الحتمية التاريخية ، وبهذا الحد ما كان اصبح المشروع النهضوي العربي ، حالة من التغريب والضياع في متاهات التناقضات التي تلد كالفطريات كل يوم ، وكأن هذا المشروع ليس له بداية ، والنهاية آفاق مفتوحة على تناقضات جديدة ، تلد من خلال التعقيدات الكونية التي تتصف بضبابية شديدة . والحتمية التاريخية بهذا المعنى ، اصبحت تقرأ كمريزية شديدة التركز في محور الزمن القادم – أي الزمن الاجمل المبنى على أخيلة المثقف العربي ، الذي يتناقض بين خياله وواقعه ، الخيال هنا صيرورة اجتماعية ماضوية قائمة على مفترضات سياسية وهمية عاشت وترعرعت في ازمنة تاريخية لها ظروفها الخاصة ، ومفاهيمها الخاصة حتى مصطلحاتها لها خصوصية عالية ، لا علاقة لها بالحاضر، وان كانت مقيدة من حيث الدلالة ، لا من حيث الاستشهاد ، لان الاستشهاد في ثقافتنا العربية ، دائما تقود للتقليد . أما الدلالة تدفع الى البحث عن آليات جديدة للبحث عن اشكال مختلفة على صعيد المضمون ، لكنها تتفق في الشكل على الصعيد القيمي ، من حيث المعنى الإنساني ... لذا يجب ان يكون الإنسان محور المشروع النهضوي ، على صعيد الانسنة ، بعيدا عن انسنة الثأر من الغرب ، لتبدد الصورة ، كأننا نعيد الحاضر إلى عصر حركات التحرر . فخذا الحاضر مختلف تماما عن زمن التحرر.

فالاستشهاد في مصطلحات يتم تسويقها في الثقافة العربية كعودة الاستعمار ، تلحق بشكل مختلف ، عودة الاستقلال ، لكن بشكل مختلف ، عودة الهيمنة الفكرية الاستعمارية ، ولكن ايضا بشكل مختلف .

هذه العودات ، كما اسلفنا تصلح للدلالة فقط ، لان هذه الدلالة ستدفعنا للبحث عن اساليب جديدة ، لمقاومة هذه العودان ، لكن الذي حصل في المشروع النهضوي العربي ، تم التعاطي مع هذه العودات كاستشهادات – أي المطالبة بالعودة لنفس اساليب زمن التحرر .

من هنا ولدت مناطق فراغ كبيرة في المشروع النهضوي العربي ، استطاعت الثقافة المتعلقة ان تملأ هذه النزاعات ، وظهرت بالصورة التي نراها اليوم ، من طغيان سلفي في الثقافة العربية ، وشيوع أفكار تستند للدين على أنها نظريات سيامية تدعو للخلاص مما نحن فيه . واستطاعت هذه الأفكار ان تجد رواجا بين الأوساط الشعبية العربية ، التي تلقفتها بكل حرارة ، وتعاطت معها كخلاص ممكن في ظل غياب آفاق لحلول أخرى لما يعانيه الإنسان العربي .

وبقي المشروع النهضوي العربي دافعة حيوية لكل قادم من الفراغات الذي صنعه بأدواته الاستشهادية فلن يقف الحد عند افكار ثقافة الانغلاق ، بل نتج وكردة فعل على هذه الثقافة ، ثقافة الاستهلاك ، التي تتوازن مع ثقافة الانغلاق . واصبح الإنسان العربي بين رحى الانغلاق والاستهلاك ، وفي كلا الحالتين هما استهلاك أدوات المشروع النهضوي العربي ، الذي عزز أدواته الاستشهادية تغولا وإغراقا في متاهات الماضي الذي لا نعرف ملامحه معرفييا ، لكن نستطيع تلمسه خياليا ، كأنه ماضي مشكل من الملائكة وليس البشر !

إننا أمام تحد تاريخي يعيد الاعتبار للمعرفة ، وللوعي ، وللحقيقية المعقولة ، وليس المطلقة . عندها يمكن القول اننا أمام مشروع نهضوي عربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في