الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصاية الصحراء / قصة قصيرة

عقيل الواجدي

2015 / 6 / 22
الادب والفن


قصة قصيرة
وصاية الصحراء
صديقي احمد : لهاثُ مدينة عطشى يشطرها الفرات نصفين ، اغتراب ارصفة تحث السالكين على الرحيل ، نبوءة حزنٍ كشفت عنه اخر فناجين القهوة على يد عرّافة لا تملك من غدها اية نبوءة ، بلون البُنِّ تضاريس حكاياته ، بطعمها تلدُ الصباحات اللحظاتِ عنده ، نبت الجنوب على وجهه فَوَسَمَهُ بالحزنِ ، بالعوزِ ، باللاوطنِ .. هو الجنوب المصادر ابداً من خرائط الاوطان والمتهم حيثما نبت .. به من الناصرية شجن المواويل وسمرتها ، عبق العطارين وسوقها المسقوف ، ضيق الدرابين وسعة صدر اهلها ، جسرها الذي لم تقو الحروب ان تغرقه ، احمد ذاكرة لمدينة ما اسرع ما تنسى ، هو لا يثق كثيرا بذاكرته ، رَحى الخمول لم تمهله طويلا في القفز بعيدا عن قطبها ، السنوات التي تستدير بأبعادٍ ثابتة جعلته نقطة هامشٍ على محيطٍ كل ما فيه يشبه بعضه ، انه التكرار الذي لا يأبه لتشابه الاشياء او حتى الوجوه ، عَطبُ الذاكرة حَسَنَة ٌ لمثله ، فالطرق عليها لا يزيل الصدأ انما يزيدها تخسّـفا !!
كمن يستجمع شتات نفسه رفع راسه الذي امضى طوال جلوسنا مُطْرِقاً اياه متلافيا النظر في عينيَّ كانما يحاذر رؤية تفاصيل وجهي ، اَحَبَّ ان يتوهم تعاطفي لا ان تخذله ملامحي التي كانت ساكنة حد الشرود ، الصفات الانسانية تغادرنا تباعا وتنسلُّ من عالمنا كما ينسلُّ الفجرُ من كوّة الليل ، ارواحنا لوحات زيتية يُفقدها كثرة الدهان بريقها ، اُصغي اليه وصمتي ينتقد كل تناقضاته التي تشبهني ، هموم وتناقضات مستنسخة من بعضها ، فتغير الدلاء لن يغير من طعم البئر شيئا ، ولا الاتجاهات ستغير اسماءها نزولا عند رغبة سيرنا .
الضوء المتأرجح كإضاءات غرف التحقيق يحيطه بدائرة تتكسر اطرافها على المنضدة وجسد الشخص الذي يحاول انتزاع اعترافٍ متأخرٍ منه في اَنَّ لديه ذاكرة يمكن ان يثق بها ، جدية المحاولة لن تغير من الحقيقة شيئا مهما اجتهد الرجل ذو النظارات السميكة في زرعها ، انه كمن يزرع في ارض بور ، الايهام بالثقة لوحة ضبابية لا ملامح لها ، تأرجح الضوء طقس ليس غريبا عنه فلطالما امضى اشهرا يتكور تحتها كالقطة المبللة وهم ياتون به ماشيا ويعيدونه محمولا ، الفرق ان اعترافاته هنا لن تعود به الى الزنزانة !!
- الاجابات المتعجلة والخاطئة ، احذرها ،
هكذا شدد مروج الجوازات المضروبة بقوله عليه وهو يرفع النظارات السميكة عن عينيه الى جبهته ،
- قل : لا اذكر ، لم افهم ، تحجج باي سبب عدا ان تخطئ الاجابة ، الاجابات الخاطئة ستعيدك بالاتجاه المغاير ، انها فرصتك الوحيدة والاخيرة التي لا بدائل لها ان تعرض جواز سفرك للحظة شك ، احفظ اسماء المدن وعملاتها ، شوارعها ومتنزهاتها ، اَوْهِمْهم انك قادر على ان تعطيهم عدد طابوق الارصفة ان ارادوا ، لا تخش شيئا فلن يشك احد ان الصورة المرفقة هي غير صورتك ، احفظ اسمك الجديد وحسب ، احذر التردد او ان يبدو عليك القلق ، ثق بنفسك ، الثقة جوازٌ لا يُلفت ُ الشك اليك من احد . هي لحظة الترانزيت فقط اما مطارنا فكن مطمئنا منه .
للتناقضات منهجية اعتادت الحياة ان لا تفرط بها وان تسير بها عكس الدروب السالكة ، الثوابت لا تعدو سوى مسمَّيات لا اُسّ لها ، لن يشفع التنظير في تحديد الأُطر ، ولن تفلح المسافات في تحديد الهدف ، غاياتٌ بلا وسائل ، واحلام بلا غد ، اهدار الفرص ، هي مهنة الارواح المتكاسلة والتشبث بآخرها مجازفة لا وثوق بها .. رهان متردد على غد لا ملامح له الاّ امنيات الخلاص ، هو رهان الاصابع على عزفٍ لا صدى للآذان الصماء منه ، رهان العيون الدامعة لأيتام تترقب الدرب ، خاسرة كل الرهانات ولاشكْ الاّ ان تكون امنية وحسب !
الحواجز الكونكريتية مديات بلا افق تفصل المدن عن بعضها ، تمتد حتى اخر نقطة دم سُفِكَتْ للتو لوثتها الاقدام وهم يبحثون عن جثة صاحبها ، المدن لون الدم والدخان ورائحة الصراخ ،
استدار السائق متأففاً يبحث عن منفذ للعودة وعن طريق اخر يوصله حتى المطار ، لا منافذ في الافق .. الحواجز وجه كالح يبعث على التشاؤم ابدا .
- البارحة ، البارحة كان الطريق سالكا ، متى اغلقوه !!
بضجر تدفقت الكلمات من فم السائق مردفاً بسخرية المطمئن ان لا رقيب على كلماته .
- لا اعلم الى اين يريدون ان يصلوا بنا اولاد الكلب ؟!
التزم الصمت احمد امام السيل الجارف من الكلمات النابية من فم السائق والشتائم التي لم تستثن احدا فذاكرته – احمد - تختزن حكايات ابطالها سائقو التاكسي فهم رجال الامن و الاستخبارات ، وهم مُرَوّجوا الاشاعات وعرّابو الدم ، وهم السذج كذلك حين يتضح ان الراكب الى جنبه رجل امن ..
- الى متى نبقى هكذا !!
استدار- السائق - بكل وجهه نحوه ناشرا سؤاله وسط البلل الذي تشظّى في المكان من فمه كانما يبحث عن ضالته في جوابٍ منه الذي لم يتعد سوى ( الله كريم ) ، حتى ( الكريم ) لم يسلم من لسانه !!
تَعَوَّدَ ان لا يلتفت الى ما يقوله الاخرون في ربهم لأنه لا يملك حق الوصاية او الدفاع عنه ويدرك تماما انه سيعذرهم فما بهم خارج عن كل قوانين الحرج ، هم ممن لا حرج عليه ،
المحاولة من تخفيف توتر السائق لم تجد نفعا وصديقي احمد يحشر كلمات التفاؤل والتسامح في كلامه الموجه للسائق في ان القادم سيكون افضل و الامور ستؤول الى خير ، لم تجد ابتسامته التي احسُّ من برودتها تثلج شفتيه حتى خشي ان يكون هدوءه – المصطنع – سببا لأثارته .
انزله – السائق - حيث المحطة الاخيرة التي يمكن ان يصل اليها سائقو التاكسي ، عشرات الامتار من الحواجز التي تعترض الشارع تفصله عن مدخل المطار ، حين راى الساحة مكتظة بعشرات المسافرين ادرك الفخ الذي وقع به وان كل ما كان لا يعدو سوى مسرحية اجادها السائق بِحِرْفيَّةٍ عالية تدل على كثرة التمرن عليها مع سواه من اجل ان يرفع سعر الاجرة لا غير فلم يدع شارعا مغلقا الاّ ومرّ به ، فراسته - السائق - اكتشفت جهل صديقي بتفاصيل المدينة التي لم يزرها من سنوات .
لم يضايقني استغفاله لي – هكذا بادرني قاطعا عليَّ اي تصور يمكن ان يداخلني حول لحظة استغفاله - ما قيمة ان تُسْتغفل ببضعة دنانير !! خاطبني وعيناه اللتان اتسعتا فجأة تستكشفان ردود فعلي مردفا كانما يبرر لي ما حدث : ما قيمتها وانت تدرك انك محطة استغفال منذ لحظة تدوين اسمك في اللوح المحفوظ !! مثله انا لا اتوقف عند المسميات العظيمة ، اغادرها الى حيث مساحات الوجع التي استشعرها من الاخر فأجد فيها متسعا للتبرير ، كل الاصلاب التي مررتُ منها مستغفلة مثلي ، وعيناه لازالتا تحومان عند اطراف فهمي ، مغفلون ذرية بعضها من بعض ، فلسفة الحياة وفنُّها اصعب من فهم ادراكنا الذي خيّم عليه التوجس ، الظلام امسى احبُّ الينا من الشمس التي يُذهب نورها بالأبصار !! فِهْمٌ غبي تجسَّد ذاكرة جمعية نتوارثها دون علامات استفهام ، اُمَّة تخشى انسكاب النور على عتمتها فيفتضحُ موروثها الذي تعتني به حد القداسة ، المقدسون وحدهم من يجيدون اللعبة ويحسنون وضع البيادق على رقعة الجهل .
استرساله في الحديث لم يمنعني من تتبعه بدقة واحيانا اتنبأ بسيناريو وجوده معي وهو الذي يحدثني عن خطاه التي يحثها بين الحواجز المتعرجة نحو المطار ، عن الخلاص ، عن الشجاعة التي قرر ان يمتلكها دون سابق موعد ، عن احلام يجعلني التفكير بها كمن يرتطم بحائط ليجد نفسه ممدا الى جنب جثة ليست له ! هو لا يعدو سوى جثة اصغي اليها ، واظن من الحماقة ان تصغي الى جثة !!
السيجارة التي تنطفئ من غير ان يلتفت اليها تعيده اليَّ بعد كل لحظة صمتٍ لا افهم مغزاها ، أيحاول ان يتذكر شيئا ما !! ام هي محاولة لتدارك امر لا يود الافصاح عنه !
ربطتُ الحزام حسب الاوامر التي وصلت عبر مذياع لم احدد مكانه من الطائرة ، قريبا سنحلّق ، لم يكفَّ المذياع عن ابداء التعليمات التي توزعت بعدة لغات ، ولا المضيفة كذلك ، لم المح القلق في الوجوه كما توقعت او كما اشعر الان ، لاشك وحدي الذي لم يسبق له الطيران من بينهم ، قلبي الذي تصاعدت دقاته اشعر بها تضرب بجواز السفر الذي اخفيه في الجيب الملاصق لقلبي ، قلبي الذي كاد ان ينخلع وانا امرره – الجواز - من الفتحة الزجاجية لموظف الطيران ، حاولت ان لا ابدي ارتباكا كما اوصوني ، التحلي بالشجاعة تنهيها عيون الموظف التي تحاول استكشاف شيء ما غير واثقة منه ، الختم الذي سبق الى الورقة انهى لحظة قلق كانت كفيلة بإفشال كل شيء ، لازالت لحظة الارتباك ملازمة لي حتى انها تتفوق على لحظة اقلاع الطائرة التي لم اجربها من قبل ، لحظة الخلاص او حتى لحظة الهروب التي اسميتها – مشيرا لي - في سبيل ثنيي عن السفر .
ما جدوى ان تقف على الجانب الاخر من العتمة لترى ما يُبقي شبح الضوء من اثر على الوجوه التي استحالت سلالما عبرت عليها السنوات فبعثرت التجاعيد على اسطح الاماني فلم تبق مكانا للحظة من الامل ، الوجوه تسوّرها الخذلان فما عادت تستفزها المنصات التي تتوشح بالوعود وتشحذ المدى في الخفاء ، ظهورنا العارية مأذنة تسللت اليها الضغائن وهي تتلو ما تيسر من آية الحقد ، البحث عن وطن لا يؤرشف الغد هاجس لم تتخلَ عنه الارواح التي تتوق للخلاص ، فالأرض لا تؤمن الا بالقادمين على صهوة الرحيل ...

الحديث عن المرأة يربك كل حواسه ، هو ممن لا يجيد الحديث اصلاً ، فكيف لو كان الحديث عن امرأة !! اعتراف خجول أفشت به ابتسامته المنكسرة ، سرٌّ ترقرق في عينيه فانهمر بوحا ، انها الحلم الذي تشكل بهيأة امرأة . هي المرأة التي راودته عن وطن لا يملك منه الا الوعود بوطن اخر ، انه هي ..

وجهها الذي اضاء في زحمة الوجوه اللاهثة وانا احث خطاي نحو البوابة التي لاحت لي من بعيد تفتق عن خلاص تأخرت سنواته كثيرا ، بصوتها الذي يتسلل عبر الهاتف تسلل العبير من النوافذ ، هكذا تشرق في كل صباحاتي ،

- اتعلم اني حدثت نهر يارا عنك ، رآك في عيني حين تسللتَ دمعة فيه ؟
- اخذتُ بيدك نجوب اطراف هذا النهر الساحر ، هل تصدق اني احسست بدفء يدك التي احتوت يدي ؟
انها المرأة التي لها من سحر المدينة التي تتنفس الجمال فتزهر عيونا ملونة هي مرايا السماء في الارض ، عيونا كاضوية ليلة راس السنة تشع املا وبهجة ، المدينة التي تبرعمت من خاصرة المحيط ، لها طعم الشفاه ولون السماء ، المرأة التي لها طعم ملبورن .
- اتعلم ؟
ببطيء السلحفاة يمرر ( حديثها ) نحوي كأنما يحاول ان ينحتها في فهمي او يلمح لي الى قيمة ما سيقوله .
- اتعلم ان المرأة وحدها من تغير تاريخ الاشياء ، بل ومن تمنح الاشياء تاريخها ، ووحدها من تمنح الخرائط جهاتها ، كان لابد لي ان ادير بوصلتي باتجاهها ، أُفرد جناحيَّ حيث هي ، حيث لم يتبق مني الاّ هي ، هي كلّي الذي ابحث عنه ..
بعثرتِ السكونَ الذي غلف المكان صورة ُالصحراء التي اُطلُّ عليها من نافذة الطائرة ، هي الصحراء التي اغاضها ان يعيد الفرات للهور انفاسه وان تلد المقابر جنوبا اخر للوطن ، الصحراء التي لا ترتضي الا ان تكون عطشا دائما ، ووصاية دائمة ، ثأر الاصنام التي تساقطت دفعة واحدة ، والجرذان التي ضاقت عليها الجحور بما وسعت ، انه ثأر المصاحف والعورات المكشوفة .
- محال ان نلتحف البساط الذي كنا ندوسه بأقدامنا ! هكذا قالها الرجل المعمم من خلف الحدود ، اللعبة لم تنته بعد ، توهم ( محمد الدوري ) (1) اذ ظن ذلك ..
انها وصاية الصحراء التي تسفُّ الرمل على احلام العيون التي طوتها الظلمة ، عجاف من السنين تلتهم الهور بأطراف هجيرها ، التفكير بالضوء جناية تستحق ان تُسْملَ العيون عليه ، هكذا ارادت الصحراء التي تَعُبُّ الرمل في افواهنا تتبعها الصحارى حتى اخر ملوك الغرب العربي .
اخي الذي ابتلعته الصحراء لازال يختزن وجعا لم يجد ما يسكنه للان وهم يذهبون به الى حيث لا مكان ، كل الاماكن تنكرت ان يكون فيها ، حتى المقابر اعلنت براءتها من عظامه ، وكان سهلا ان تبتلعني ايضا ، فالموت كان يمر بين المتراصفين خطوطا لانهاية لها ، يمر ما بينهم يختار على غير هدى ، لا العيون المطرقة ولا اضطراب الحلقوم كان مبررا لدفعه عنهم ، المرأة المنقبة صفّت كل حساباتها مع من لم يستهويهم مجونها ، هي تختارهم بعناية ، تلتقطهم التقاط الطير لحباته ، والرجال الملثمون صفّوا ما غفلت عنه المرأة ، كأنما يحاسبون على جريرة ما كانوا سببا لها ذات يوم ، فالصباح الذي افاق على ابتلاع دولة هو ذاته الصباح الذي بقيت به الجثث ينهشها الذل بانتظار قبر يؤويها ، والمدن التي انفرط عقدها لم تحسن الانضمام بعقد جديد فتيسر للصحراء ان تلتهمها منفردة ،
الورقة السفوانية ( 2) البيضاء لم تحفظ ماء الوجه لحزب يشيد المساجد ويفتك بالمصلين ، يمسد على الرؤوس رحمة ويقطعها !! اسقطت اقنعة البطولة عن وجه بطلها المزيف ، فكل التنازلات لم تشفع له بقناع اخر ..
كنت مطمئنا لمرور المرأة من امامي حين جمعوا الاهالي في الساحة خارج المدينة ، هو الاخلاء الكبير ، العقاب الجماعي الذي لم تدون الصحف مثله ، لحظة انتقام من فشل لا ذنب للناس فيه .. كنت مطمئنا فانا لم اعرف امرأة في حياتي ، لكنما الوجوه الملثمة لم تمنحني طويلا الا وانا اساق رفساً وضرباً نحو سيارة تقف الى القرب منهم ، لم اجد متسعاً لقدميّ ، لكن لابد من الدخول ، انهم لا يولون للعدد اهمية !!
الاعترافات السريعة كانت تغيضهم لأنها لا تشبع نهم حواسهم التي ادمنت التشفّي واذلال الاخر ، وكذلك الاعترافات المتأخرة التي تشعرهم باحتقار الاخر لهم ، ادرك عظيم غبائي الذي اوحى اليَّ ان اظهار الجَلَدَ هو انتصار في حضرة الجلاد ، وان تكون بريئا كفيلٌ بإطلاق سراحك !! هو غباء الشعوب التي ينطلي عليها الخداع ولا تجيد التمييز بين الاقنعة ، السياط لا تقنع من الظهور ، ولا لن تجد في الحقيقة منجاة .
الطائرة المندفعة نحو الغرب لم تمنعني ان ارى ( مصطفى العذاري ) (3) يلوّح لي ببقايا الحبل الذي طوق رقبته متدليا من الجسر ، متمنيا له رحلة موفقة في اللاعودة للوطن ، مصطفى وحده من ادرك ان الدماء كلها لن تروي عطش الصحراء ، ووحده من ادرك ان الوطن خدعة كبيرة ، كان وحيدا حينما جابوا به المدينة التي غادر الجنوب من اجلها وجاء ليرمم ما تبقى من الشرف الذي اهوت عليه الغرباء بفأس مجونها ، اكثر الفرحين بلحظة القبض عليه من جاء ليحميهم ، كان مصطفى وحيدا لحظتها بلا وطن ، بلا عيون تشفق عليه ، كل العيون شامتة من حوله ، و( ضياء ال ضافي ) ( 4) الذي بقي جسده محشورا تحت جدران الخيانة المفخخة قرأ الفاتحة كما الاخرين في مأتمه دون جثة ، حين مات لم يوص ابيه بالوطن ، هو كذلك ادرك انه كذبة كبيرة .. وان الوطن ينحاز للصحراء على حساب الدماء ..
ما بال احساس المغادرين لا يمر بي !! ام تراهم يكذبون ايضا ، ويجاملون الوطن ( اننا سنفتقدك ، ستغادرك اجسادنا لكن ارواحنا باقية فيك ) كم نحن غريبان عن بعضنا ايها الوطن ! لم اعرفك الا وانت تستبدل ثياب الحرب بحرب اخرى ! والجوع بجوع اخر ! والنساء موائد للأسرَّة تستر جوعها بعفتها !! وترفع القبعة ايها الوطن للمهزومين توهمهم بالانتصار !!
صادروا البقايا من كرامتنا التي انتهكها العوز ونحن نطأطئ رؤوسنا للأحذية نمسح ما تراكم عليها من غبار الوطن ، الوطن الذي يمنح الغبار للوجوه وللأحذية على حد سواء ، انه وطن المنتعلين الوجوه كما الاحذية .
لا اسئلة امام الدموع التي تحدَّرَتْ من عينية ، رواية من التفاصيل كفيلة بكتابتها دمعة ، ودهرٌ من التفاؤل تقتله خيبة ، للأرصفة ثمنُ الاقدام التي تدوسها : الخذلان ، ان تكون هنا وحلمك في الطرف الاخر من العالم اِطْباقة ُ عينٍ على ضوء ، الايام تعود ادراجها تضعك حيث البدايات لكن بالاتجاه الاخر ، الجنوب يُعَضّدُكَ بتعويذة الاِياب ، ممغنطة روحك باتجاهه ، تعود لتلتصق حيث لا احد يشعر بك ، تفقد خواصك تباعا ، تُرْمى كأيةِ حديدة صدئة تتبول عليها السنوات الى ان تختفي .
المطارات تشحذ ذاكرتها في رسم التفاصيل التي تمر من امامها ، وجهك الذي يتصفح كل الممرات يفصح عن جهلك ، عيناك المتسولة تجردانك من ثقة حاولت ان تصطنعها ، ليس من هنا يا سيدي خاطبه رجل الامن الذي يستدير بكرسيه نصف استدارة ،
- لا يكفي ان تملك جوازا ، خدعوك من قالوا انك ستمر من هنا .......
...............................................................................................
1- محمد الدوري : صاحب الكلمة الشهيرة ( انتهت اللعبة ) بعد دخول الامريكان الى بغداد عام 2003 وهو ممثل العراق في الامم المتحدة وقتها .
2- الورقة السفوانية : او ماتسمى معاهدة خيمة سفوان والتي جمعت ممثل الحكومة العراقية مع ممثل التحالف الدولي بعد اخراج القوات العراقية من الكويت عام 2003 ، وسميت بالورقة البيضاء كون العراق على سلفا على كل شروط التحالف .
3- 4 – مصطفى العذاري وضياء ال ضافي شخصيتان من اهالي جنوب العراق شاركا في الدفاع عن المدن الغربية للعراق كما آلآلاف غيرهم بعد احتلالها من داعش لكنها تعرضت للخيانة من قبل بعض ممن ذهبوا للدفاع عنهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با