الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية اقفاص الرمل (22) الجزء الأخير

حمودي زيارة

2015 / 6 / 23
الادب والفن


في اليوم التالي, كان عباس يمشي الهوينا خلال السوق, مؤديا مناسك طقسه اليومي, داسا انفاسه في تباشير العطور, ونفثات الروائح المختلفة, عندما داهمت الشرطة مداخل السوق, قبضوا على عباس عندما لم يجد جوازه... قادوه الى مركبة وسخة وهزيلة عصبوا عينيه, ما ان اصبح في جوف المركبة.


***
فلاح في الفترة الاخيرة, وقبل مجئ عباس الى سوريا, تقرض مبلغ كبير, لغرض السفر الى اوربا عن طريق البحر الرحلة تبداْ من لبنان وتنتهي في اليونان... ولكن عندما ذهب الى لبنان, ادرك بانه خدع بعد ان اعطى المبلغ المتفق عليه, وقد علم بذلك عندما ذهب الى المقهى الذي تم فيه الاتفاق, لم يجد احد, كرر التردد على المقهى لمدة اسبوع, ولكن دائما كان حليفه الياْس في الانتظار, لم يستطع ان يبلغ الشرطة لانه وصل الى لبنان بطريقة غير قانونية وعلاوة على ذلك فان الاتفاق غيرشرعي ايضا. فما كان امامه سوى ان يعاود الرجوع الى سوريا. من دون ان يضع في حسبانه اي مسوغ لمواجهة اصحاب القرض. في البداية حاول ان يغيب نفسه عنهم ولكن دون طائل لانهم سمعوا برجوعه, وعندما بداْ يتحدث لهم ماذا حصل له, لم يبالوا على الاطلاق وارادوا المبلغ باسرع وقت ممكن طلب فلاح ثلاثة اشهر منهم فالمبلغ كبير ويحتاج الى قدرة جبارة للحصول عليه, ولكن اعطوه مهلة شهر واحد فقط, حاول ان يماطل في كل مرة, ولكن في المرة التي وجدوه في السوق مع عباس وعلموا بان عباس قادم من امريكا, اجبروا فلاح ان يسرق جواز عباس لتسديد دينه, عندما سرق فلاح الجواز لاذ عن الانظار دون ان يعلم بوجوده احد.
***
بعد مشوار ليس بقصير, امر عباس ان يترجل, وما ان رفعوا العصابة عن عينيه, وجد نفسه داخل السجن الذي يغرق برطوبة عفنة, وعلى جدرانه تضرجات دماء, وخربشات لعبارات ضد الحكومة, وعويل مكتوم ياتي من زاوية مظلمة حاول عباس ان يتكشف مصدر الانين, تفرس بحدة واخذ يدنو, تملى في الزاوية فراْى شخص يجلس القرفصاء, حملق فيه, عندها صرخ بفرح جامح:
- محمد.
تعانقا بشوق ولهفة تحيل قبو السجن الى روضة غناء وبشئ من التهكم قال عباس:
- السجن له تمام الفضل في تعارفنا, وفي لقاءنا من جديد وكاْن علاقتنا مناسبة فقط في حدود السجن, حدثني ماذا القى فيك بهذا السجن.
- القدر مرة اخرى, ما ان وضعت خطواتي في المطار اشاروا علي ان اقف في الطابور للحصول على الفيزا. وعندما وصل دوري نادى علي الشرطي بعبارة موبخة اثارت حفيظتي, تمالكت عندها اعصابي وما ان ناولته جوازي, تاْمل في قسماتي السمراء مليا.
خرج صورة قديمة من جيبه, فأخذ يوزع نظراته بين ملامحي والصورة لبرهة.
ولما ساْلته ان يستعجل قال:
- انت على تراب اجدادي فليس لديك الحق ان تملي علي فالاجدر بك ان تنتظر وتلتزم الصمت.
- انا هنا من اجل ان استمتع لبعض الوقت, لا ان ارتهن لقيودك .
رد بامتعاض, اسمك محمد حنون:
- نعم , من العراق
- من العراق, سوف نعرف ذلك في السجن.
- (وبهدوء تام قلت) لا تجعل من غضبك, سلطة للقمع.
وبعدها قادوني الى هنا, عرفت من المحقق في الجلسة الاولى, بأنهم يبحثون عن عراقي هارب, اختلس مبلغ كبير من احد السوريين بعد ان وعده ان يكون شريكه في مطعمه الجديد. العراقي يحمل نفس اسمي وملامحي. اخبره عباس عن زوجته, بكى محمد بمرارة من الحزن ومن مهاترات الشرق. وفي نفس اليوم, نادوا على محمد, وبعد دقائق رجع وعلى وجهه ابتسامة منكسرة, عندها قال:
- ساخرج غدا , ولكن علي ان اخرج من سوريا خلال يوم واحد.
- انه خبر عظيم, عليك ان تحفظ رقمي في امريكا من اجل ان تخابر بثينة.
وبعد اسبوع من خروج محمد, وبعد محاولات عديدة غير مجدية من قبل عباس لمقابلة ضابط السجن. تفاجاْ عباس بمناداة عليه, وقالوا له باْن الضابط يريد ان يراك, ساْله الضابط عن امره.
- انا عراقي, اتيت من امريكا
ضحك الضابط بسخرية:
- قصة جميلة لم اسمع بها من قبل, يبدو انك بارع باختلاق القصص.
انهار عباس من سياط التعذيب, وحماقة المحقق, حملوه الى الزنزانة, وفي نفس اليوم بعد مضي وقت طويل, سمع المناداة على اسمه, خرج عباس وهمس في خلده (ربما افضوا الى الحقيقة وادركوا باني صادق وسيكون يوم انعتاقي).
اقتفى عباس اثر السجان بلذة كانه طفل يطارد خطوات امه. بادره الضابط عند دخوله (استلمت امرا للتو باطلاق سراحك).
اعترته نوبة فرح داعبت ركام حزنه, عندها عصبوا عينيه وصفدوا يديه. محمد اخبر الن عن عباس عندما وصل الى هولندا, بكت الن بلوعه غير معهودة, وبالتياث ولولت.
- الناس في الشرق كزنوج حقول السكر.
وبعد اسبوع استطاعت الن ان تذهب مع وفد الهولندي الى سوريا, كيما تطالب بالافراج عن عباس, وبعد اجتماعات عديدة مع الحكومة السورية, اخبروهم بان عباس ابعد الى الاراضي العراقية, عندئذ, تقرر ان يذهب الوفد الى العراق وتم ذلك بعد اتصالات عديدة مع العراق. لاجراء بعض المقابلات مع الحكومة العراقية. في الاخير وصلت وثيقة الى الوفد عبر الفاكس, بان عباس قد اعدم بتهمة الخيانة لانه قد هرب من واجبه العسكري الى جهة العدو.
***
اودعت بثينة جسدها جدران الشقة, دون ان تبارحها في الاسبوع الاخير, بعد ان اجتاح الصمت رنين الهاتف لم تذهب بثينة الى ديترويت حسبما اخبرت به عباس. الحب الغدق الذي يعتمل في جوانحها الى عباس جعلها ترتهن الشقة لان كل شئ فيها تتراءى منه صورة عباس.
لم تستطع كاثي ان تتمالك نفسها دون ان تذهب الى بثينة, والوقوف الى جانبها, والبقاء معها حتى الرحلة القادمة والتي ستكون بعد يومين.
في اليوم التالي من مجئ كاثي, نهضت بثينة من مقعدها, وهي مازالت تتحدث الى كاثي بعد ان سمعت طرقات الباب, ماان ادارت بثينة الباب على مصراعيه واذا بثلاث رجال, تبدو وجوههم بملامح صارمة, يرتدون بدلات فارهة, اثنين في شرعة الباب والثالث في الخلف. وبنبرة صارمة تفوه القريب جدا من بثينة:
- اهذا منزل عباس.
ردت بثينة باضطراب وهي تتطلع الى كاثي:
- نعم مالخبر؟.
قفزت كاثي من مقعدها بعد ان لمحت دموع بثينة مبادرة:
- عباس قد سافر الى سورية, وقد مر اسبوع دون ان نستلم منه اي مكالمة.
وبصوت اجش:
- نحن موظفون في (اف.بي.اي) واتينا لهذا الغرض ولدينا امر بتفتيش الشقة لجمع المعلومات.
صرخت بثينة:
- ماذا حدث, انا اعرف زوجي تماما, ليس لديه ميول لاي طرف.
- وصلتنا معلومات بانه ذهب الى العراق, وعلينا ان نعرف حقيقة شخصه.
اجابت بثينة بغضب:
- انه انسان مفعم بالايثار, يكره السياسة واللعب باقدار الاخرين, فخور بانه ينتمي الى طبقة الفقر, مغرم بالحزن لانه الوحيد الذي ينادم احياء الفقراء.
اخذوا بعض الاوراق والكتب والصور. دفع اكبرهم ببطاقة صغيرة عليها اسمه ورقم هاتفه, وطلب من بثينة ان تتصل به, ان حصلت على معلومات جديدة.
بكت بثينة بشدة, بعد ان تراخت على كرسي مركون قريب من الباب, تندب حظها العاثر.
نطقت كاثي بهدوء:
- لا عليك, كل شئ سيكون على مايرام, انا اعرف تماما بان نظام حكومتنا يتوجس خيفة من كل شئ, وهذا جزء من قوتهم, الحقيقة خلاف مايقولون.
- لم اهتم بما اتوا به, ولكن قلقي على عباس. اهو فعلا ذهب الى العراق, ام شيئا ما اخر حدث له, وماذا سيكون مصيره ان وقع في براثن السلطة العراقية؟.
- عباس انسان ذكي, وسوف لن يقع في مثل هذه السهولة ان لم تكيده الاقدار.
وبعد ايام معدودة, الوقت كان يدنو الى الغروب, هرعت بثينة الى الهاتف بعد ان خربش صدأَ صمته الرنين. رفعت السماعة على الفور.
اجاب الصوت الاخر:
- انا محمد صديق عباس.
اخبرها محمد بكل ماجرى لعباس وعن قصة ارساله الى العراق وعن قتله. صرخت بثينة بلوثة وذهول في اللحظة التي لامس اسماعها قتل عباس...
وعندما افاقت بثينة من ذهولها بعد ان انقشعت اشباح الحزن والدموع, الليل كان يحتضن فراغ الشقة, والصمت يهادن الجدران على الحداد, الحزن يقتفي نظرات بثينة اينما تراخت.
نظرت بثينة الى برعم الوردة بعد ان ضمت يديها على بطنها واذا بهاجس شائق ياتي من صدى الوجع.
- ولكنه مازال ينمو في احشائي.
وافترار ابتسامة نزت على وجهها, لم تشأ ان تنعي بموته لاحد, ولم تحاول ان تأبنه, فعمدت الى ملابس عباس تغسلها, فبدت تتصرف وكأَن عباس ما زال يغوص في مقعده, و مازال ايضا كعادته, ينثر حزنه في فراغ الشقة, كانت تشعر بانه يتأملها, يداعبها, يتكلم معها.
لم تحضر مأَتم عباس, عندما اقام عبود مجلس للفاتحة في ديترويت, كانت تضحك من قناعة الاخرين بأن عباس مات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا