الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقبضوا على أحلامكم جيداً

بشرى رسوان

2015 / 6 / 23
الادب والفن


القاصة ايمان الدرع
حاورتها بشرى رسوان


من هي ايمان الدرع؟
إيمان الدرع، طيف يلامس الحياة، في رحلة عابرة.


كيف كانت طفولة ايمان حدّثينا عن أيام شقاوتك ؟

عشت طفولة هادئة، وسط بيت جميل، في ضاحية قريبة من دمشق، اسمها ( قدسيّا ) تتميز بطبيعتها الخلابة، تحتضنها الجبال من كل جانب، ويعانق فيها الصفصاف ضفتي، نهر ( بردى)، وبمحاذاته، تخطّ السكة طريقها للقطار، المخصص لنقل المصطافين، إلى ربوع ( الزبداني) من خلال وادي بردى.
منذ طفولتي أميل إلى الشقاوة، وحبّ الدعابة، المرح سمتي التي يعرفها كل من يلوذ بي عن قرب..كانت الضحكة لا تفارقني، حتى في أبسط المواقف التي غالباً ما أكون محركة لها لنشر جوّ التفاؤل، والنشاط، كنت أخترع الأسباب لكي تعمّ البهجة في المكان الذي أتواجد به، من خلال المقالب، والقفشات،والعلّة الكامنة بي والتي كانت تحرجني جداً:.. هي أني لا أعرف كيف ألجم ضحكتي، أمام موقف حرجٍ، طريفٍ، تعرّض له شخص ما أمامي..وقد يكون في غاية الضيق..ولكن ليس الأمر بيدي..والكل بات يسامحني..ويعرف بأنها صفة غالبة، لا حلّ لها.


.ولدت في اسرة مثقفة . ما تأثير المحيط على الطفلة ايمان ؟

نشأت ضمن أسرة مثقفة، والدي ( محمد خير الدرع). ولد في مدينة حماة (سورية)، قضى حياته في سورية، ولبنان، ومصر، وباريس. درس في الكلية الشرعية (كلية فاروق الأول)، فتخرج فيها عام 1944، ثم أوفدته الكلية إلى القاهرة للدراسة بالجامع الأزهر، فحصل على الشهادة العالمية في الشريعة عام 1948، وفي أثناء دراسته في القاهرة واصل دراساته الحرة، فحصل على دبلوم في اللغة الفرنسية من المعهد الفرنسي، وشهادة المحاسبة من المعهد البريطاني، وشهادة في الصحافة. عمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية في معظم المحافظات السورية أسهم في الأنشطة الثقافية في سورية، كما كان له دور وطني من خلال قصائده التي أذاعتها: إذاعتا القاهرة ودمشق أثناء الوحدة بين مصر وسورية. كان عضوًا مؤسسًا في جمعية «رابطة القلم العربي» بحماة..( معجم البابطين) .كان ( رحمه الله ) عصاميّاً، وحقّق ذاته، في وقت عزّ فيه العلم، إلا لمن تيسرت له الظروف، المادية، والاجتماعية: كتب مؤلفات عدة في مجالي اللغة، والدين المعتدل، الذي يسمو بالخلق، ويرسخ مفاهيم الإنسانية بما يرتقي به المجتمع، نحو التقدم، والنماء، وهو شاعر متمكن، له قصائد ملحّنة دخلت ضمن مناهج التعليم في مادة الموسيقا. تغنّت بها الأجيال: ( علمي ..علمي ..يا خفق دمي..يا رمز بلادي في الأمم ) ..( هيا هبوا يافتيان... ولنرفع شأن الأوطان ).
أمي : ( لمياء حلبي ) ( شاعرة قاسيون) مواليد دمشق العتيقة ...لها أربعة دواوين شعرية، كانت ( رحمها الله )تتميّز بالعقل المتفتح، والشخصية الطليقة، الجريئة، وكانت سيدة منزل من الطراز الأول، لها مجتمعها، وصداقاتها، وقد عاشت جوّها الأدبي على اتساعه..وقد أثرتْ بشخصياتنا، فتعلمنا منها فن الحياة، والموسيقا، والبحث عن جماليات الكون الصافية، البعيدة عن التعقيد، والتشوّه. وقد حقّقنا ـ نحن الأبناء ـ الكثير من طموحات أبوينا، في المجال العلمي فحصلنا على الشهادات العالية باختصاصات متنوعة...>> ومن الطبيعي أن ينعكس هذا المحيط عليّ، فلقد أمسكت بخيوط العلم بقوّة ، رغم زواجي المبكر، بعد الإعدادية مباشرة، فحصلت على الشهادة الثانوية بشكل حر، وأتبعتها أيضاً بإجازة باللغة العربية، عن طريق المراسلة أيضا، ومن غير دوام، نتيجة لوجود الأولاد..ورعايتهم.
²
هدية احتفظت بها ايمان الدرع لسنوات .ممن كانت؟


كانت من زوجي، أثناء فترة الخطوبة، فستان سهرة جميل، مازلت أحتفظ به، حتى هذه اللحظة، رغم مرور سنوات طويلة على زواجنا، كم وزّعت من ملابس، إلا هو قابع في زاوية خزانتي، كحرزٍ يبثني أجمل المشاعر، كلما كشرت الأيام عن وجهها المقيت ،
وقصاصات ورق أصفر، منه،ومني.. ضمنتها خواطري العشقية، البريئة، عندما بدأ قلمي يلثغ في مدارات الحبّ الأول،لرحلة عمر، مازلنا نعيشها.



كيف تعيش ايمان الدرع ايامها في ظل حرب تدور رحاها لتطحن امال شعب في حياة هادئة وكريمة ؟

حاولت جاهدة ألا تكسرني، وألا تطيح بما تعبت من أجله في تأسيس عائلتي، التي لم أعرف غيرها عالماً يخصّني، كان عليّ أن أبدو واثقة، متفائلة، متعاونة مع المحيط الذي أعيشه، أبذل كل ما بوسعي في دفع العثرات عن المستضعفين، الذين رمت بهم الحرب في أتون الاحتراق، وقلة ذات اليد.والفقر، والعوز، والتشرد...قمت وبالتعاون مع فريق تطوعي بخدمة المرأة، في تمكينها من العمل، وتعليمها العديد من المهن التي تغنيها عن السؤال. كنت ـ في محيطي ـ القدوة ولله الحمد في إيجاد البدائل التي تحقق حياة هادئة، وكريمة..بدراية، وحكمة، ووعي بمجريات الأمور، علمت أولادي : تحسين ظروفهم الحياتية، بحسن التدبير، وعدم الركون لحال الواقع،البحث عن أسباب الرزق، بكل ما يملكونه من وسائل متاحة..بروح رضية، تعمل بالأسباب ..وتتكل على الله في مسعاها...

ماذا توشوش لك مرآتك كلما لامس وجهك صفحتها؟

بصراحة مطلقة.... أنا متصالحة مع نفسي ،أحبّ وجهي في المرآة، لم يحدث يوماً أن خفت من خطوط الزمن التي تخشاها المرأة عادة، كل ما يهمني في الأمر : أن أطمئنّ على ابتسامتي، أنها مازالت مرسومة على شفتي، رغم كلّ الظروف، حتى دمعتي أحبها، وهي تشفّ عن قلمٍ يبكي، أعرف بأنه يريد أن يمطر حروفه على الورق، كسحاب منهمرٍ، لا يهدأ... إلا بعد أن يلقي برعوده.


لمن قرأت ايمان الدرع وبمن تأثرت ؟

قرأت منذ بداياتي: لــ ( جبران خليل جبران) لــ ( غسان كنفاني) لــ ( المنفلوطي) لــ ( نجيب محفوظ) والــ ( السباعي) لـ ( محمد عبد الحليم عبد الله ) لــ ( توماس هاردي) ولــ ( ألبيرتو مورافيا)..وغيرهم..كان جبران هو الأقرب إلى طبيعتي..وتكويني..


كيف بدأت مسيرتك الكتابية ؟و متى كان ذلك؟

بدأت منذ سن مبكرة،كنت أتميز في صياغة مواضيع التعبير الأدبية..بشكل كان يثير حفيظة مدرساتي، وظنهن بأن من يكتب لي هو الوالد رحمه الله، كنت أبكي دافعة عني هذه التهمة، حتى كتب والدي ملاحظة على دفتري بدحض هذا الافتراء..وانقلب المشهد لترعاني أيديهن البيضاء، وتشجعني على المضيّ قدماً ..يكتبن على هامش الموضوع: / أحسنت يا أديبة المستقبل/ صديقاتي يحرصن على سماع ما أكتبه، يطلبن بإلحاح أن أقرأ لهن مواضيعي في حصة التعبير.... أذكر ذات صيف بعيد، في نهاية المرحلة الابتدائية، اقتنيت دفتراً ..جعلت منه عالمي..أسميت المجموعة: ( حكايا، وعبر).كتبت فيها قصصاً قصيرة..أحاكي من خلالها.. أفلام الأبيض، والأسود التي كانت ترفد عالمنا بلمساتها الوجدانية، أجريت فيها مقابلات صحفية مع أشخاص من عائلتي، حتى أصناف الطهو الدمشقية، كنت أسأل أمي عنها،وأثبت...المقادير، وطريقة الصنع..... ولم أنس حتى التحدث عن الرشاقة،والعناية بالشعر، والبشرة...كنت رئيسة التحرير..والمراسلة، والكاتبة. افتقدتها، ونسيتها، بعد أن تزوجت مرافقة زوجي إلى حلب...ولكن المفاجاة الكبرى في حياتي، بأن والدتي رحمها الله..كانت قد خبأتها لديها، طيلة عقود طويلة، وأسلمتنيها، قبيل وفاتها، بفترة قصيرة، كأمانة خالدة ..أحسست بقيمتها، وحفظتها..فهي تؤرّخ بداية مسيرتي الأدبية، فقد كرّت السبحة بعدها، ..صحيح قد أخذتني دروب الحياة الوظيفية، والعائلية..بعيداً عن دروب الكتابة..ولكني كنت أسرق من الزمن بعض وقت..أكتب فيه نصوصاً متفرقة..وربما أنشر في بعض الصحف المحلية..وأجد الكثير من استحسان من يقرأ لي..ولكن لم أشعر ببهجة هذا المشوار الأدبي الجميل..إلا بعد صدور أول مجموعتين قصصيتين..كان للمخلصين الأوفياء،من حولي..الدور الأكبر في ولادتهما ..لن أنسى ذلك الفضل، فقد وضعني على طريقٍ، أحسست بشدة الانتماء له، مما جعلني، أعجّل باستقالتي من الإدارة لأتفرغ للجو الأدبي، وللأسفار..وتعويض ما فاتني في زحمة الحياة، وغفلتها، بعد أن أديت رسالتي الأسرية، والمدرسية على أكمل وجه.



برأيك لماذا الكتابة في مجتمع متوسط معدل القراءة فيه لا يتجاوز ربع صفحة للفرد سنويا ؟وماذا تعني لك الكتابة؟

كل كاتب، ومهما كان اتجاهه، لديه ما يقول، فالقلم هو وسيلة اتصاله في الحياة، وفي المحيط..وفي ضخّ الغليان الذي يعتمل في فكره، وقلبه..على السطور..قد يصطدم بالمشهد الثقافي، ولكنه لن يتوب عن الكتابة ، لأنها قدره.. ولكن أعتقد بأن عالم الاتصال الفضائي الفيسبوكي..حرّك رواكد الأدب..وصارت الأفكار تطرح عبر النت بأيسر السبل..فلي تجربة رائعة من خلال انتسابي إلى مواقع أدبية مميزة، كان لي الشرف في الإشراف على القسم الخاص بــ ( القصة) بها...فلقد كتبت من خلالها قصصا كثيرة أعتز بها، وكونت صحبة مائزة من نخبة المثقفين الذين تعلمت منهم، وأفدت من خبراتهم.. صحيح بأن رواد الرواية، وعالم القصة والسرد..يميل إلى الذبول قليلاً، نتيجة للبحث عن المواضيع السريعة، الوامضة،التي تؤخذ كوجبة / التيك أوي/ (عاالماشي) في عصر كل مابه يلهث، ويتسارع، ويختصر. الكتابة بالنسبة لي هي توأمي الملاصق لي،( السيامي) ..إذا انفصلت عنه، تذوي أوردتي، وأفقد نبضي.


من خلال تجربتك هل تحظى القصة القصيرة بنفس درجة الاهتمام كما الحال بالنسبة للرواية و الشعر ؟

لكلّ مدرسة روّادها، وقاصديها، وجماليتها.. ولكل مبدع حظوة في المتابعة لمن يهتم بنتاجه المميز، إلا أني أجد في القصة القصيرة، عالماً من الإبحار اللامحدود والغوص في قضايا المجتمع، بسرعة أكبر تواكب الواقع، تحاكيه، برصد أكبر، متعدد المواضيع، كثيف الصور..ناهيك بأن رتم الحياة صار يحمل إيقاعاً سريعاً..قد لا يجد في الرواية الوقت الكافي للقراءة..أو لإفراد الوقت الضنين من أجلها. ولكن يبقى الشعر هو أكسير الحياة، وشلالها الدافق الذي يزيح التشوّه عن القلوب التي صحّرتها الأحداث الدامية في بلادنا الموجوعة، والرواية تبقى ذاك العالم الخصيب الممتد عبر الوجدان..الساكن في الذاكرة، من جيل إلى جيل.


كيف تعرفين مصطلح( الحداثة)؟ و هل فشل أدونيس في احداث ثورة فكرية في الثقافة العربية؟

( الحداثة) يعرفها أصحابها بأنها: ثورة فكرية على الإرث السلطوي التراكمي ...في الأدب، واللغة، والدين، والمجتمع، والسياسة..وكلّ ما يحدّ طلاقة العقل، ويعيقه عن الخروج من عقاله، ويؤطّره، ويحنّطه..وكان ( أدونيس) رائداً في هذه المدرسة ..من خلال رسالته التي وضح فيها كل الأسباب الداعية لها.
برأيي: أن الساحة الأدبية تحتاج إلى المسير خطوة، خطوة في هذا الطريق الحداثي، نعرّفه، نلقي الضوء عليه بتأنّ، وحذر، وألا نحرق المراحل، بل تعمل المدارس الأدبية الناقدة على التنبيه لضوابطه، حتى لا يصير مطية لكلّ من هبّ، ودبّ..فيستسهل اللغة العربية، ويحشوها، بشعر مهزوز الهوية، والتفعيلة، ضعيف الصياغة، ويصير السرد أحجية، وألغازاً..يلعب على وتر الغموض، والتأويل، والتخمين..والغوص في مشاهد مبهمة، غامضة الحدث...مبتورة المشهد الحكائي..كي يبقى المعنى في قلب القارئ يفسره..مثل لوحة تجريدية لها متاهتها..ودلالات لا يعرفها إلا نخبة النقاد، والمثقفين..و الأدب، كالفنّ، وجد أصلاً خبزاً للشعوب، وارتداداً لتطلعاتهم، ودواء ناجعاً يمس آلامهم، أحلامهم، طموحاتهم. لست مع الأطر القديمة البائدة، التي تكبّل القلم، وتقيّد تحركه على الورق..ولكني أيضاً أتحفّظ على الحداثة بلا ضوابط..إلا من شاعر متمكن من بحور الشعر، وأراد أن يجدد في أوزانه، وقوافيه.. ويتخفف منها متى أراد..أو من ساردٍ، له باع طويل في الكتابة، يطرح بين الوقت، والآخر نصوصاً إبداعية، تعزف على وتر المهارة الفنية، اللغوية، المثيرة للدهشة، وإعمال الفكر، لالتقاط الومضة..بلا افتعال، أو استعراض لمهارة.


برأيك هل المشهد الثقافي في الوطن العربي يعيش حالة من الفوضى؟


من الطبيعي أن يكون المشهد الثقافي في قمّة التشظّي، والتباعد في وجهات النظر، وفي فوضى عكستها الظروف الراهنة التي يعيشها الوطن العربي، زمن الصراعات ، والمؤامرات، وانتهاك سيادة البلاد بحجج واهية..لارتباطها بأهدافٍ متباينة..الكاتب هو عين بيئته..يشاهد الزاوية التي تلاقي تناغماً في ثقافته، تنشئته، ميوله. الطامة الكبرى حين يبتعد عن صوت العقل، والضمير، والمبدأ..فيميل كل الميل لطرف دون آخر من خلال عصبية قبلية لم يتخلص من براثنها. الكاتب الذي أحترمه هو الذي يمثل لي صوت الحق، بإنصافه، واعتداله..ورؤاه، وتطلعاته، يحاكي نبض الشعب، يتحسس مأساته عن قرب بلا تنظير.. يرى بكلتا عينيه، كلّ الزوايا، يدرك بحدسه الواعي أبعاد الموقف، ويصلح شأن الوطن، يخاف على مستقبله، بأفكار تنويرية، تهدف إلى تقديم الحلول الناجعة، التي تجمع الناس على قلب سواء، لا يتحزّب إلى أي طرف بشكل مطلق، وبلا ضوابط، ينتقد الخطأ أيّاً كان مصدره، لا يحابي منتقما، ولا يجامل على حساب مبادئه، إن القلم أمانة، طوبى لمن يدرك قداستها،.

كيف ترين مستقبل سوريا ؟وهل من حل للأزمة الراهنة؟


أرى المستقبل، ومن غير مبالغة، مستقبلاً مشرقاً، يتاح لكلّ دولةٍ، نفضت عن كاهلها غبار الحرب الطاحنة، وخرجت من محنة قاسية، أتلفت شرايين البلد، والبشر....البلاد التي تنهض عقب الحروب، أكثر حرصاً على السلام، والبناء ...والأمثلة كثيرة عبر التاريخ: انظري إلى ألمانيا، اليابان، فيتنام، . المهم في الأمر هو الوعي، والإصرار على اجتياز هذا الامتحان العسير، بروح فاعلة، متجدّدة، لا تجترّ الألم، ولا تطيل الوقوف على الأطلال،روح متآخية، تتقبّل الآخر، ولا تخوّنه إن خالفها الرأي،نعالج الأمور بمسؤولية مشتركة، من خلال شعور قوي بالمواطنة، والتعددية، والعدالة، والمساواة،بذات الفسفسائية الجميلة التي زخرفت حياتنا بألوان متكاملة، ميزتنا، وحفرتْ في وجداننا عميقا. بنى الخالق الكون على التوازن، فلكلّ فعل ..ردّة فعل..لقد أدمتْ القذائف الحارقة، قلب الوطن والشعب..ومن الطبيعي إن صدقتْ النوايا، أن تخرس لعلعة الرصاص إلى الأبد، وأن نلتفت لإعمار البلد، والإنسان فيها..فلقد شوهتْ روحه تلك المآسي المروّعة التي عاش فصولها، بلا رحمة..وكان الثمن فادحاً..دفعه من دمه، وبيته، وتشرّده في أصقاع البلاد البعيدة، تحت مزاجية، ورحمة الدول بين متقبّل بمنّة، ورافض، ومشفق....ومساوم لقاء خبطة سياسية، أو مادية.. طبعاً الحلول العسكرية ليس لديها إلا المزيد من القتل، والخراب، وتأخير فرص السلام، لابد إذن من حلّ سياسي عادل، على أن يكون بروح سورية، وبصوت سوري، يضمن وحدة الأرض، ويحمي الشعب بكل مكوناته،ويعيد ترتيب البيت السوري، بنضج، وحكمة، وجعل هذا الهدف من الأولوليات...فبلدنا اليوم يحتاج إلى مواطن نظيف يدافع عن كينونته، لم يعد الأمر على نطاق هذا التوصيف الذي يحصر المواطن: معارض، أو مؤيد: بل: وطني، وغير وطني...لن يبكي على الوطن إلاأصحابه،ولن يشعر بالذنب، إلا من فرّط به، وهو يرى بعينيه هذا الكمّ من الغرباء اللاعبين، دون أن يفعل شيئاً.


ما هو تعريفك للتطرف؟ وكيف دخلت بعض المصطلحات لقواميسنا مثل( الارهاب.. التطرف ؟

إذا تمعّنا فقط بحلم اسرائيل القديم، بإقامة دولتها من حدود الفرات إلى النيل، لو أوقفنا هذا الصخب قليلاً وتذكرنا تصريحات الكوندريزا القبيحة( الفوضى الخلاقة ) ..لو تتبعنا مجريات الأمور في العزف على الوتر الطائفي، وإضعاف الجيوش العربية، وصراع الأشقاء العرب فيما بينهم، وضمن البلد الواحد..لعرفنا كيف تشكّل الإرهاب. وكيف تسلّل إلى مفاصل جسد أوطاننا...في غفلة عنا... لقد استغلت الحركة الصهيوأميركية.. الفساد الذي كان ينخر أنظمتنا العربية، فدفعت بكل الوسائل لكي تستغل نقاط الضعف، وتعمل عليها، وتشتغل على إشعال فتيلها، عملت على تفتيت الوطن، وجرّ أبناء البلد الواحد إلى صراع طائفي، عرقي، ديني، سياسي...حتى سالت الدماء، ..وتضاعف الفساد، وتمزقت وشائج المواطنة..وبرز التطرف، والإرهاب ، لينوب عن يد المستعمر، دون أن يريق هذا المستعمر نقطة دم واحدة..بل استخدم هؤلاء نيابة عنه،باسم الدين، والمغالاة فيه.. بشعارات لا تمتّ للدين الإسلامي بصلة. جماعات ضالة، مضلّلة، مأجورة جاءت لهدف محدد، وستذهب كما أتت عندما تنتهي من مهمتها...لو استطاعت لا قدر الله.. هناك مخطط استعماري لا يخفى..يسعى نحو التقسيم، وقد اشترى بعض النفوس الضعيفة لتحقيق مآربه...ومن هنا من الواجب أن ندفع عن البلد هذا البلاء، بكل ما أوتينا من قوة..وكشف الفساد ، والقضاء عليه بكل أشكاله، وتوحيد الصفوف، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان .


ما رأيك في الجوائز الأدبية العالمية و العربية . ولمن تمنح؟

الجوائز حين تمنح لمن يستحقها تأتي في مكانها، يجب أن تكون خاضعة لمعايير نقدية قوية، دقيقة، محايدة، لا تلعب بها الأيدي في الخفاء، لتلميع بعض الأسماء، ووضعها تحت دائرة الضوء.. الجوائز محطة هامة، تشير إلى حالة إيجابية في تعزيز، وشكر الكاتب القدوة الذي يحمل رسالة إنسانية هادفة، وأسلوب إبداعيّ ،أخّاذ، يتعشق بالضمائر، بلا تكلّف، أو وصاية، يحاكي الواقع بمصداقية شديدة. للأسف أحياناً، تمنح الجوائز لمن لا يستحقها، لمن يشريها بأساليب شتى التفافية.. وتلعب الشللية، والوساطات دورها في ذلك، فيتم التكريم لمن يدّعي الأدب، ويهمّش المبدع الذي لا يجيد سياسة التلميع، وتمسيح الجوخ، وحبائل الوصول.

هل تفكر ايمان الدرع في خوض تجربة الرواية أو السيرة الذاتية؟

من الأسباب التي دعتني إلى الاستقالة المبكرة: إتمام عدة مشاريع أدبية كنت قد شرعت بها، وحالت التزاماتي دونها، منها إكمال رواية كنت قد وضعت خطوطها، وبدأت في كتابة اولى فصولها...ولكن أحداثها لم تعد تتماشى مع الظروف الحالية، فأوقفتها، متجهة إلى رصد أوضاع البلد وأنينها..في تفاصيل جديدة مستمدة من الواقع.أشخاصها حقيقيون، من لحم، ودم، ومن قلوب تحترق.وهو ما يسمى أدب الحروب. أيضاً كنت قد بدأت في كتابة السيرة الذاتية، تحت عنوان / درب حلب، ومشيته / أحكي عن أهم المحطات في حياتي العائلية، والمهنية، وأخصّ بها: المرحلة الفاصلة في حياتي ..ومسرحها / حلب / ..ولكني تعبت ..فاستجرار الذكريات من مناطق تعلمها الآن أنها تحت خط النار، وأهلها متعبون، ينزحون، يستشهدون،بيوتهم مهدمة، وأسواقهم خربة،وشوارعهم، كئيبة، حزينة.كل ذلك ..يجعل من الذكريات مدعاة للبكاء على أمكنة عاشت في الروح، وهي الآن مقفرة، بالكاد تدفع عنها سكرات الموت. ..مما دعاني أيضاً للتوقف عن سرد أجمل احداث العمر إذ لا حيلة لي في ذلك. ولاخيار.


الى ماذا تصبو ايمان الدرع؟ و ماذا حققت الى الان ؟و هل هي راضية على مشوارها الكتابي؟

أصبو إلى أن أكون نسمة محبة تعبر القلوب، وتبقي أثراً يضيء الذاكرة..حتى بعد الرحيل..أصبو إلى تحقيق أمنياتي في السفر، والتجوال في أرجاء العالم، أصبو إلى تحقيق مشاريعي الأدبية المتوقفة، بعد أن يعود الأمن والسلام إلى بلدي الحبيب، الجريح، أن أعيش الجو الأدبي الذي حرمت من نشاطاته، نتيجة التزاماتي العائلية، الوظيفية، وفترة الحرب البغيضة التي جمّدتْ ضخّ مياه الحياة في عروقنا. حققت الكثير...الفرحة تغمرني حينما أجد الدهشة، والمحبة في عيون قرائي، عندما تستزيدني في الكتابة، وتسأل عني حين أتأخر في طرح النصوص، لأسباب خارجة عن إرادتي، حين أعلم بأن نافذتي، وأنا في إقامة شبه جبرية على مكتبي،تستدعي الطيور الوفية، المتابعة بحرص، وتفاعل، وتشجيع، وتقدير كبير لحروفي. نعم أنا راضية عن مشواري الكتابي، لأن ما يصلني من حصاد مباشر من قراء أوفياء يحرصون على متابعتي، هو الجائزة الكبرى عندي، فمن طبيعتي، عدم الاكتراث لدائرة الضوء، والسعي وراء الشهرة، لا أحب هذه الجلبة، بل في كثير من الأحيان أنا كسولة في النشر، أكتفي بمنشورات نافذتي. بهدوء، و صفاء ذهن. هذا التواصل الصادق مع الأصدقاء، والقراء..هو غاية سعادتي..




شخصيات في سطور

هاروكي موراكامي
هاروكي موراكامي، هوكاتب ياباني، ومترجم ، أحد الكتاب القليلين، ممن ذاع صيتهم عربياً، وعالمياً..بفترة قياسية، إذا قيس بغيره، حصل على عدة جوائز أدبية عالمية، وصاحب الحظ الأوفر في ترشيح أعماله الروائية، لجائزة نوبل،تتميز كتاباته بحضور ثريّ للسوريالية، الأحلام، الجنس، التأمل، الفلسفة، الموت، والموسيقى، أسلوبه ( كافكاوي ) إذ يجعلنا ندخل في عالمه المتخيّل الغرائبي، لنبحث عن الحقيقة، بسردٍ يثير الفكر، ويشوّق العين للمتابعة.صنفته مجلة الغارديان، على أنه أحد أبرز الروائيين على قيد الحياة.

يوسف ادريس
كاتب قصصي، مسرحي، وروائي مصري، يتميز قلمه بالدقة، والتركيز، اشترك في مظاهرات كثيرة ضد المستعمرين البريطانيين، وضد النظام الملكي ( الملك فاروق) .... قدم للأدب العربي أكثر من عشرين مجموعة قصصية، وخمس روايات، وعشر مسرحيات، ما أهله لأن يكون: أمير القصة القصيرة، بلا منازع، انعكس اختصاصه في (الطبّ النفسي) على كتاباته، فأعطتها عمقاً، يغور في الروح الإنسانية، ويتغلغل بها، مفكر كبير، من أبرز كتاب القصة القصيرة في الأدب العربي في العصر الحديث، وأشهر المجددين في فنونها، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات العالمية


غسان كنفاني
غسان كنفاني، روائي، وقاص، وصحفي فلسطيني، جلّ كتاباته تدور عن القضية الفلسطينية، وحال أهلها، والدعوة إلى التحرر من العدو الصهيوني، وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، توزعت إقامته بعد نزوحه من عكا ..متنقلاً بين لبنان، ودمشق،والكويت، تم اغتياله على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية ( الموساد) بتفجير سيارته في بيروت .عن (36) عاماً في الـ(1972)...من أروع ما قرأت له: رجال في الشمس، أم أسعد، أرض البرتقال الحزين)..ومن أروع عباراته المحفوظة عنه : ـــــ كل دموع الأرض، لا تستطيع ان تحمل زورقاً صغيراً، يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود . ــــ تعلمت في طفولتي أن أحبّ البسطاء، أن أرتّب خريطة هذا الوطن، وأن أقف في صفّ الفقراء.


نيكولاي غوغول
كاتب روسي، مجدّ انتقل بأدبه من الرومانسية التي كانت سائدة في عصره، إلى الواقعية، إذ جعل من الفقراء أبطالا لقصصه، يلامس أوجاعهم، كاشفاً استغلال الإقطاعيين لهم ..في عهد الإقطاع القيصري وغوغول الذي يعدّ مؤسس المدرسة الطبيعية في النثر الروسي، ذهب إلى أبعد من ذلك أيضاً، فأبدع تحفاً من السوريالية الروسية المدهشة. وقد خاطب أمه يوماً بقوله: "يعتبرني الجميع غريبا، لغزا لم يستطع أحدهم فك رموزه. لك أن تسمينني كيفما تشائين. ولكن، ثقي أن المشاعر النبيلة تملأ دائما كياني، وصدقي أنني سأبقى طول عمري نصيرا للخير. ..نهايته مأسوية نظراً لفرط حساسيته، وهواجسه، وخوفه من الموت..فتدمر قبيل وفاته بدنيا، وعقلياً......من أجمل ما قرأت له : قصته / المعطف/ بأسلوبها الفني الملفت والتي تعتبر علامة فارقة في عالم القص عالميا.


كلمتك الاخيرة للقراء..

أقول للأحبّة: اقبضوا على أحلامكم جيداً، مهما كانت التحديات، والخيبات، عيشوا لحظة الفرح بعمق ، ستبقى زاداً لكم كلما تعبت بكم الدروب.. و حاولوا ألا يطيل الألم مكوثه في صدوركم ..لأنه سيمسح معه كل شيء جميل. ابحثو عن السلام، في نفوسكم، مع محيطكم، في أوطانكم، ففيه تذوب منغصات، ومآسٍ، وويلات.. ما كانت لتكون لولا نسيانه، في لحظة، غاب عنها العقل، وتاهت الحكمة .


بطاقة القاصة ايمان الدرع
تاريخ ومكان الازدياد..
تاريخ مولدي هو الزمن الموازي لبدء تاريخ سوريا الحضارة، من عمر صفصاف بردى حفيدة زنوبيا، رغم أنوف الحاقدين، مكان مولدي: دمشق القديمة، ساروجة....
الدراسات
إجازة في الآداب، قسم اللغة العربية العمل.. قمت بتدريس ( مادة اللغة العربية)في كبرى ثانويات حلب، ودمشق، وريفها،. ثمّ كلفت بمهام إدارة / ثانوية بنات قدسيا / لفترة طويلة..ومنها حصلت على الاستقالة، وبدأت مرحلة جديدة.
الاصدارات:
المجموعة القصصية الأولى : ( إني آسفة) عام 2007
المجموعة القصصية الثانية: ( آه لو تشرق الشمس) عام 2009
تحت الطبع :
المجموعة القصصية الثالثة ( لا بدّ أن أعيش) جاهزة للتوقيع، بانتظار عودة أحبتي في الخارج ـ حين الفرج ـ كي يباركوها ككل مرة عندما أحتفل بإصداري الجديد.
المجموعة القصصية الرابعة: ( أنا والليل، وعازف السكسفون)... مجموعة قصص اجتماعية، إنسانية، وطنية منوعة..
المجموعة القصصية الخامسة : تحكي عن المحنة السورية الأليمة / ( القمر في لامبيدوزا )..وهي شاهد على الجرح، دونت فيها مشاهد عايشتها عن قرب، صورة ناطقة لما حدث. في بلدي الموجوع..





نص( لابد أن أعيش) للقاصة ايمان الدرع

قرّرتُ أن أعيش ، ببساطةٍ هذا ما نويته الآن ، وأنا أرفع الكفن عن جسدي ، لم ألقِ بالاً لقطط الدار التي تنطّطتْ من جحورها ، تتراكض في الفسحة السّماوية ، محدثة جلبة ، وضوضاء ، تناثرتْ على إثرها قطرات من إبريق الشّاي السّاخن ، فوق الطّاولة التي اهتزّتْ مولولةً بذعرٍ . تشاغلتُ ، أدندن أغنية فيروزيّةً ، ، خالطتُ لحنها بصفيرٍ متقطّعٍ ، أمطّ شفتيّ ، مغمضاً عينيّ ، محاولاً ألاّ أفتحهما ، رغم تعلّق القطّ الأكبر بثيابي، طالباً مصروفه اليوميّ: أبي : أين الخرجيّة تأخّرت عن المدرسة ..؟؟؟!! رفيقة المعارك / ريّا / ترأّفتْ بي على غير عادتها ، شمّتْ بأنفها الحسّاس رائحةً غريبةً ، من التمرّد على الموت ، تطفح من خيوط ملابسي . تأرجحتْ المخدّتان، المحشوّتان أسفل ظهرها ، يمنة، ويسرة، وهي تعدو نحو الرفّ التعيس ، البارد ، تخطف بأناملها الخشنة ، قطعةً نقديّةً، معدنيّةً ، تدّسها في جيبه : خذها وانصرف عن وجهي . ابتلعتُ لقمتين هانئتين ، وأنا أتخيّل تفاصيل هيفائيّة التكوين ، تروح ، وتجيء أمامي ، بدلعٍ ، وغنجٍ . آاااه كم يُفرحني قلقك يا امرأة ، وأنت ترقبينني بتفحّص مريبٍ ، مسندةً رأسك الحيران على كفّك ، تطرقين الأرض بقدمك ، بوقعٍ رتيبٍ ، تحسّين بأعراض سعادة مباغتة تجتاحني ، لا تعرفين مصدرها . نثرتُ قطرات العطر المتبقّية في قعر القارورة ، دفعة واحدةً على طرفي رقبتي ، وقبل أن أستدير ، شددْتُ طرف القميص فوق البنطال ، أُخفي الرّقعة اللّعينة ، التي أعيت زوجتي في رتقها . أغلقتُ باب الدّار ورائي ، استقبلتني لوحات الشّارع ،بألوانها الواقعيّة ،الانطباعيّة . أغمضتُ عينيّ ، تذكّرتُ شعار اليوم : قرّرتُ أن أعيش .. اجتزت الحفر بنجاحٍ ، وأنا أتقافز فوقها كالبهلوان ،تحاشيت أن أدوس فوق أكوام ال ...لا لا لا أريد أن ألفظ اسمها ، سأكتفي بالنظر إلى أصص الورود فوق الشّرفات . سيل عرمرم يدفق بسخاءٍ في عرض الشارع ، من قسطلٍ مكسورٍ، ضلَ مجراه ، ولا يعرف أين المصبّ !!! يحمل رائحة نفّاذة ...أخّاذة . ضغطت أصبعيّ على فتحتي أنفي ، وانحنيت أرفع أسفل البنطال ، أنأى بنفسي عن رشقاتٍ آسنةٍ ،كادتْ تصيبني، عند مرور قافلةٍ من السيّارات المسرعة ، تسبقها أبواقها العالية . أوووف ...الحافلات تغصّ بالركّاب ، ولا تكترث بالعالقين في ساحة الانتظار...ياربّي ..تأخّرت عن الدوام ...ما العمل ..؟؟ ومثل (الخواجا ) أوقفتُ سيّارة أجرة ، تكلّمت من رأس أنفي ، بلهجةٍ واثقةٍ : إلى حيّ الميدان يا معلّم. ( وأنا ألبس ملامح مسؤول وقور ، لا يتكلّم إلاّ بمقدارٍ ) . لفحني هواء رطبٌ ، من خلف النافذة ، أتأمّل الوجوه ، ليست كلّ الوجوه : الباسمة فقط ، الأنيقة ، المترفة ، فأهل الغنى والسّعادة ،لا تخفى ملامحهم. وبسرعة البرق ، أشيح بوجهي ، عن كلّ بائسٍ مثلي ، يذكّرني بقلّة حيلتي ، بثيابي الباهتة ، بجيوبي الفارغة، بأحلامٍ تقتلني شوقاً ، ولا أطالها . لم أكترثْ بقسمات ِالمدير المرعبة ، وهو يرمقني كعادته بعينَي ضبعٍ ، ليخترقني بجبروته ، ويخيفني بإيماءاته الحادّة ، ليقتل الصوت الحرّ ، الكامن بي . قرّرتُ أن أعيش ، حدّقتُ بعينيه مليّاً ، دون أن أرفّ ، تعمّدتُ أن يرى ابتسامة عريضة على وجهي ، أمشي بثقةٍ استعراضيّةٍ ، كادتْ تفضحني، لولا إصراري على الهدف. دخلتُ مكتبي دونما اهتمامٍ ، وخلّفته ورائي ، تعلوه الحيرة ،والقلق، على إبطال مفعول سلاحٍ ، فقد صلاحيّته. ولأوّل مرّةٍ ،بتّ أحسّ، بأنّ توقيعي صار له بعض اعتبار . عينا زميلتي ، الجالسة قبالتي على المكتب الآخر ، قفزتا من محجريهما، وهي تركّز حيناً على بنطالي ، ثمّ تهرب بهما، عبر النّافذة، متلعثمة . لم أعرف السرّ ، إلاّ عندما بانت لي رقعة البنطال ، وهي تتّسع ، تشدّ معها، كلّما استُجمعَ من خيوط الرّتق ، وأفانينه . بابتسامةٍ بلهاءَ ، سحبتُ الحقيبة ، أتستّر بها، وقد خلتُ أنّ الرّقعة اتّسعتْ أكثر، وأكثر ، حتى بانتْ أمام كلّ العيون ،وفضحتني ،أثناء انصرافي ، فهرولتُ مسرعاً . قرّرتُ أن أعيشَ ، تجوّلتُ في سوق الحميديّة ، أبحث عن بنطالٍ جديدٍ ، عضضْتُ على شفتي ، أفرك ما تبقّى في جيبي من أوراقٍ نقديّةٍ ، أتنقّل بحسرةٍ ، أمام واجهات المحال : هذه ليست لأمثالك أيها الشقيّ ...لا يهمّ ..لا يهمّ هنا في الحارة الخلفيّة سأجد ما يناسبني ، لن أتعكّر . البنطال على مقاسي ، كم أبدو أنيقاً، وسيماً به ؟؟؟!!! ...ولكن ..تبّاً وضح التباين ، القميص لم يعُد ملائماً ، ماذا لو أبدلته بجديدٍ أيضا ؟؟؟!!! فكرة صائبة بلا شكّ . نقدتُ البائع الثمن الذي استعصى في جيبي متردّداً ، داعبني قائلاً : هاتها ..لقد نشّفت دمي ، لكثرة ما ساومتني . الحذاء الجديد المناسب ، أكمل فرحتي ، فغدوت كالطّفل ليلة العيد . قصدتُ الدّار ...تارةً أمشي على اثنتين ، وتارة على واحدة، أحجل كالطيور ، أطير...أطير. المكان هادئ ، لا حراك ، لا ضجَة ، الطاولة خاوية من الطعام ، والقطط الجائعة تنتظر من يطعمها، ترمق ما أحمله في يدي متضوّرة ، ورفيقة المعارك تسند رأسها على يدها ، تطرق الأرض بقدمها بوقعٍ رتيبٍ ، تغوص بمخدّتيها المحشوّتين ، في كرسيّ الاستنطاق . مضيت إلى الداخل ، أبتلع غصّة الانكسار ، رميت الأغراض جانباً ، وقرّرتُ أن أسحب الكفن المندّى على جسدي من جديد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز


.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن




.. هنا تم دفن الفنان الراحل صلاح السعدني


.. اللحظات الاولي لوصول جثمان الفنان صلاح السعدني




.. خروج جثمان الفنان صلاح السعدني من مسجد الشرطة بالشيخ زايد