الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم مات كلب الزعيم

على المحلاوى

2015 / 6 / 25
كتابات ساخرة


الساعة الأن العاشرة صباحا
قطع للبرامج العادية في التليفزيون الحكومي لإذاعة بيان
أيها السادة بعد محاولات مستميتة من الاطباء كانت إرادة الله ، ففي ساعة مبكرة من صباح اليوم ، انتقل إلى السماء الكلب الشهير والمرافق دائما للزعيم ، وعلينا جميعا وبقلوب صابرة راضية تقبل قضاء الله ، ولمعرفتنا بما كان يتمتع به الشهيد من مكانة عظيمة في قلب الزعيم وبالتالي قلب كل مواطن حر محب للزعيم ومخلص لدولته ، ، فإن حكومة الجمهورية تعلن الحداد الرسمي ثلاثة أيام ، ولا ننسى في هذه الظروف أن نتقدم بخالص التعازي إلى فخامة الزعيم في هذا المصاب ، ونعلن تضامننا حكومة وشعب معه في ما أصابه من ألم جراء فراق الفقيد ، كما ندعوا جموع الشعب إلى التكاتف والتآزر والوقوف صفا واحدا خلف الزعيم حتى يجتاز وتجتاز البلاد هذه الأزمة
(الله ـ الزعيم ـ الوطن)
ثم تلى البيان أغاني عسكرية ووطنية ممجدة للزعيم ، وتغير في خريطة البرامج التليفزيونية والإذاعية وغلبة البرامج الدينية ، مع مضاعفة لعدد النشرات الإخبارية لمتابعة الحدث
نقلت جميع القنوات الخاصة أو قنوات رجال المال (السياسية ، الأغاني ، الدراما ، الطبخ، الرياضة، عالم الحيوان، عالم سمسم) هذا البيان ،زد على هذا إحدى المذيعات أجهشت بالبكاء عند تلاوة البيان ،بينما قناة للرقص الشرقي قطعت كليبات الرقص وبدأت بإذاعة قرأن ، جميع المذيعات وفى ظرف دقائق ظهرن بالملابس السوداء ، وظهرت فجأة بعض التجاعيد على الوجوه بل وأصبحت أعينهم حمراء (طبعا من الدموع)، وكان لهذا الخبر الصاعق أن أصبح من الصعب عدم التفاعل معه وإهماله من قبل تلك القنوات ، فحتى قنوات الاطفال أصبحت تذيع أفلام كرتون وبرامج عن الكلاب ،(مع ملاحظة أن جميع الكلاب في الأفلام كانوا طيبين خيرين وغيرهم من الحيوانات هم الأشرار)
أما القنوات الدينية فلقد جلبت الشيوخ على عجل للحديث عن علاقة الإنسان بالحيوان وخاصة الكلاب ، وكيف ان الله قد خصها في الكتاب المقدس بأحكام وحجز لها أماكن خاصة في الجنة ، وذهب بعض الشيوخ إلى ان وفاة كلب الزعيم هو اختبار لنا من الله ليعرف مدى تحملنا للصدمات ، فإن صبرنا على هذه الفاجعة فلنا الجنة بأمر الله ، ورغم علمنا بمدى ما كان هذا الكلب يتمتع به من مكانة في قلب الزعيم فهو صابر محتسب ومفوض أمره لله وهذا قمة الإيمان ، ولهذا فعلى الشعب أن يتخذ من إيمان الزعيم قدوة ونموذج وهدى ،و هناك حكمة من هذا البلاء فالله أرسل لنا هذا الاختبار لمعرفة الصالحين من الفاسدين ، والخونة من الوطنيين ، والأخيار من الأشرار ، فكيف هذا ؟ من سيلتف حول الزعيم ويواسيه هو من الصالحين أما من سيستغل الأمر لزعزعة الأمن أو التظاهر والاحتجاج على أمرا ما فهؤلاء هم الخونة الاشرار ، ولم ينسى أي شيخ منهم أن يتقدم بخالص العزاء إلى الزعيم على هذا الفقيد الغالي إلى قلبه وقلوبهم جميعا، وجميعهم ختموا أحاديثهم بالدعاء (وكانت الدموع تبلل لحاهم ، وصوتهم يتخلله النحيب ) أن يسكن الشهيد الجنة ، بل وأن ينزله منزلة الصديقين والشهداء ، وأن يخفف عن زعيمهم ألم الفراق ( أمين يا رب العالمين)
القنوات السياسية سارعت لمواكبة الحدث ، وأخذت تتلو البيان كل فترة من الفترات ، وتذيع برقيات العزاء الواردة من كبار رجال الدولة والوزراء إلى الزعيم لوفاة أعز الأحباب إلى قلبه وقلوبهم جميعا ، وتلقت سيل من الاتصالات الهاتفية من المشاهدين وقد أعربوا جميعا عن صدمتهم وحزنهم لدى سماع الخبر وجميعهم بلا استثناء وفى هذه الظروف يجددون البيعة للزعيم ويعاهدونه أن يظلوا أوفياء له مدى الحياة ، ثم حضر الخبراء والمحللين إلى غرف البث على الهواء ، للحديث عن ما حدث ، وكيف حدث ،ولماذا حدث ، وكيفية التعامل مع ما حدث ، وهل كان يمكن أن لا يحدث ما حدث ، وماذا بعد أن حدث ،وما هي النتائج والعبر مما حدث، وانعكاسات ما حدث على الاحداث ، هنا مؤيد وهناك معترض ، وهذا يحذر، وذاك يتفق، أما هذا الأخير فيدعوا إلى التهدئة وعدم الفزع ، تهتز أكتاف وتنعقد جباه ،تحرك بتوتر نظارات نظر ثم تفرك أصابع ، تعلو اصوات وتنخفض أخرى ، ترتفع أيدى وتلوح أزرع ، كل هذا في محاولة لرسم تصور وتقريب ما حدث إلى أذهان المشاهد ، اختلفوا نعم ولكنهم اتفقوا على أمرا هام وهو ان الزعيم حاليا في محنة والاعداء متربصين على حدود الوطن ، ولهذا فلقد أخذوا جميعا يدقون بأقصى ما فيهم من عزم على ناقوس الخطر ، مطالبين الشعب بالتضامن خلف القيادة حتى يجتاز الوطن هذا المنحدر
القنوات الوثائقية طوال اليوم كانت تذيع وتكرر الفيلم التسجيلي عن الفقيد، وأبرز الفيلم رحلة كفاح ونضال الزعيم من أجل الوطن ، وفى الفيلم نتعرف كيف التقى الزعيم أول مرة بالشهيد ، وسر المكانة الكبيرة لهذا الكلب في نفس الزعيم ، ونكتشف أن الزعيم ألتقى به في أحد مكبات القمامة في بداية حياته حينما كان مطارد من شرطة البلاد بتهمة القيام بعمليات إرهابية سميت بعد هذا (نضالية) ، وكيف كان الزعيم يقتات (أيامها) من صناديق القمامة وبمجرد أن وقع نظر الكلب على الزعيم فقد أحبه حتى أنه (أي الكلب) ألقى إليه برغيف من الخبز كان في فمه ليس شفقة على الزعيم حينها (حشا لله) ولكنه الإعجاب بالزعيم وشخصيته والتنبؤ المبكر بموهبته الفذة وعبقريته ، فيكفي هذا الكلب فضلا أنه أول من أحس وأدرك هذه العبقرية قبل أي فرد من بنى الوطن، ومن يومها صارت صداقة أقرب للأخوة بينهم ، واشتركوا معا في الكفاح ، فكان الزعيم يقوم بعمليات المقاومة (الإرهاب) ضد سلطات الدولة المنتخبة بينما الكلب يحضر له الطعام بعد سرقته من المحلات ، وكم تحملوا من المخاطر والازدراء من الجهلاء، وقد رافق الكلب الزعيم في رحلة الصعود للسلطة درجة درجه عن طريق الدسائس والمؤامرات ، ثم كان التربع على القمة بعد قيامه بقيادة الثورة (انقلاب دموي) ونجاحه في السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد

(أبرز ردود الأفعال حيال البيان)
ـ فور إذاعة البيان هبطت مؤشرات البرصة وقلت قيمة الأسهم المتداولة وطغى اللون الأحمر على شاشات التعاملات
ـ ورفعت حالة الطوارئ في جهاز الشرطة (المرفوعة أصلا من قبل الوفاة) في عموم البلاد وزاد البوليس السياسي من تواجده في الميادين العامة والشوارع الرئيسة وتم القبض على بعض المعروفين من (المشاغبين) خشية انتهاز الخونة والمعارضين للزعيم والوطن للحدث لإحداث الفتن أو الخروج بمظاهرات ، مستغلين انشغال الزعيم وحزنه على الفقيد
ـ أعلنت جمعية (كلنا فداء الزعيم) عن إنشاء صندوق وفتح حساب موحد في جميع البنوك لجمع التبرعات من الشعب لبناء نصب تذكاري و تمثال ضخم للشهيد في أشهر ميادين العاصمة وهو ميدان الزعيم (الأحرار سابقا) وصدر الأمر بنقل التمثال القديم الموجود في الميدان (لأحد الكتاب) إلى احد الميادين في الأقاليم
ـ مع الإعلان أن غدا عصرا هو ميعاد دفن الجثمان ، أعلن رجل الاعمال الشهير عن تحمله الكامل لنفقات بناء مقبرة فخمة تليق بالشهيد ، وصرح بأن العمال والبنائين قد شرعوا بالفعل في العمل منذ الصباح وبمجرد العلم بخبر رحيل الفقيد
ـ مع انتشار الخبر وقرب حلول المساء أرسلت برقيات عزاء من عدد من زعماء الدول ، وكان من اللافت أن جميع برقيات المواسين والمعزين كانت من زعماء أمثال الزعيم ( من يتمتعون بمكانة عظيمة في نفوس جميع مواطنيهم) ولم يكن من بينهم رؤساء دول أو حكومات
(عـنـدمـا حـل الـمـسـاء)
ـ أحد مقدمي البرامج على إحدى الفضائيات أعرب عن قلقه على الزعيم خاصة وأنه لم يظهر للعلن منذ إذاعة خبر الوفاه ، وطالب الزعيم أن يتغلب على أحزانه ويظهر على الشاشات حتى يطمئن جموع الشعب المحبين والقلقين عليه
ـ وعلى فضائية مماثلة وفى نفس التوقيت وفى سبق صحفي أعلن المقدم عن مفاجأة وهى أن هناك عدد من السياسيين ومجموعة من المنظمات والحركات السياسية والاهلية من بينها جمعية الدفاع عن الكلاب ومنظمة (شبيبة فدائي الزعيم) ، قد تقدموا بعدد من البلاغات إلى النائب العام يعربون فيه لاعن شكوكهم بل عن يقينهم أن وفاة الفقيد لم تكن طبيعية بل عملية اغتيال مدبرة ، وأن هناك دوافع سياسية وراء الحادث ، وقدموا عدد من تقارير لأطباء تؤكد أن الفقيد قد فارق الحياة نتيجة وضع مادة سامة غير معروفة إلى الأن لدى علماء الكيمياء في الطعام
وأتهمت تلك البلاغات عدد من المعارضين بالاسم (بينهم معارضين هاربين خارج البلاد) بأنهم وراء هذه المؤامرة ،بهدف الانتقام من الزعيم لفوزه الساحق للمرة الرابعة على التوالي في الانتخابات الديموقراطية الأخيرة وفشل المعارضين في إحراز أي نتائج تذكر ،وتم إجراء اتصال هاتفي من البرنامج مع النائب العام الذى أكد صحة تقديم البلاغات ، وأشار إلى أنهم قد بدأوا بالفعل في التحقيق وأنه أصدر أمرا بسرعة القبض على من وردت أسمائهم في هذه البلاغات للتحقيق معهم وحبسهم حتى يتبين صحة ما نسب إليهم ، وأنه خاطب الإنتربول بشأن المعارضين المقيمين في الخارج لسرعة القبض عليهم وجلبهم للبلاد ، للخضوع لقضاء البلاد ، ونوه سيادته إلى أن القضاء في البلاد مستقل وعادل وشامخ ولا يخضع أو يتأثر بالضغوط السياسية على الإطلاق ،وأقسم بالله ثلاث مرات وهو طاهر(كـمـا قـال) لأنه أنتهى للتو من صلاة العشاء أن لا علاقة بين إتهام عدد من المعارضين بأنهم وراء جريمة الاغتيال وكون أنهم من المعارضين لنظام الزعيم
ـ ومع قرب نهاية اليوم وحلول منتصف الليل كان هذا هو المشهد ، شوارع العاصمة شبه خالية ، ولا يوجد بها سوى مركبات الشرطة ومدرعات للجيش منتشرة في كل مكان تخرج من فتحاتها فوهات الرشاشات سريعة الطلقات مشرعة وعلى أهبة الاستعداد ،وأفراد من الأمن ضخام طوال غلاظ يحملون بأيديهم العصى ويتمنطقون بأحزمة قنابل الغاز يجوبون الشوارع لرصد أي تحركات ،بعض العيون المتلصصة على الشارع من خلف النوافذ (والبلكونات) ، وكلاب ضالة تتجمع على أكوام القمامة وأحد الأفراد أشعث الشعر رث الثياب ينافس الكلاب في البحث عن طعام في تلك النفايات، عدد قليل من المارة يتحركون في الشوارع ويعتقد أغلب الناس أنهم رجال الشرطة السريين والمتخفين بذي مدنى ومهمتهم التحرك داخل الأحياء ووسط التجمعات ، سكون الليل يخيم على الأجواء ولا يقطعه سوى أصوات ضوضاء تأتى من بعيد تعلو كلما اتجهت إلى أشهر ميدان ، وهو ميدان الزعيم (الاحرار سابقا) أما مصدر الصوت فهو أزيز ألات ومعدات وحفارات سلاح المهندسين تعمل بكل همة ونشاط على قلع التمثال القديم القابع في الميدان من سنين لأحد الكتاب ،تمهيدا لاستبداله بتمثال للفقيد ، والمهندسين يعملون حسب التعليمات على إزالة أو هدم هذا التمثال قبل بزوغ شعاع الشمس وحلول ضوء الصباح
وقد بدأ التوتر يظهر عليهم لأنهم كانوا يظنون أن التمثال مجوف ومصنوع من الصلصال ومن ثم سهل الهدم أو الاقتلاع ، فاكتشفوا أن التمثال منحوت من حجر صوان وقاعدته مصبوبة من الخرسانة والفولاذ وهو من المتانة والقوة بحيث بدا لهم عصيا على الهدم أو الاقتلاع
الساعة الأن الثانية عشر وقد أنتصف لـيـل العاصمة
لا زال عسكر الزعيم (وتنفيذا للتعليمات) يحاولون هدم تمثال (أحد الكتاب) قبل حلول شمس النهار وانقشاع الظلام مما سيؤدى إلى تجمع وتجمهر الناس
ولازال تمثال (أحد الكتاب) يرفض في تحد ترك مكانه لأحد الكلاب ، وقد خيل لكل من شاهد التمثال أنه قد طرأ عليه بعض التبدل عما كان ، فقد ارتفعت رأس التمثال عما كانت وأصبحت تنظر إلى السماء في شموخ وكبرياء ، وقد ظهرت علي الوجه بعض علامات قلق واشتياق ( قلق) من طول الانتظار (واشتياق) لضوء الصباح
انتهى اليوم
ولكن لم ينتهى الصراع .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض