الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكبة بالكرامة الإنسانية قبل نكبة العروبة والإسلام والأقليات

سماح هدايا

2015 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



الفتنة بنت الماضي؛ لكنها تتعمق وتتوسع بفعل نظام الاستبداد وداعميه من قوى الهيمنة الأجنبية التي تتفق مصالحها معه في استغلال الشعوب ونهب ثرواتها، وما يرافق ذلك من جهل وتفكيك للهوية الوطنية والأخلاقية الجامعة.
تقدّم هذه القوى، مجتمعة، في مساعيها المناهضة للحريات تسويغا ماكرا لدعم الطغيان ومحاربة النهضة الشعبية التاريخيّة، متمثلا بسياق المظلومية والخوف من الإرهاب والخشية على مصير الأقليات؛ فيرخون الأصوات لترن بمطالب التطمينات والضمانات والتسويات وبشرعيّة إنشاء كانتونات عرقية وطائفية تحمي حقوقهم ومصالحهم؛ ومن يرفع رأسه مواجها مخططاتهم وما تمليه من نزاعات، ومن يحمل السلاح ضد النظام المستبد الطاغي في سبيل الحرية والعدل والحق هو إرهابي ويحمل مشروع تطرف إسلامي، أو عصبوي عربي، ويعملون على طرح سياسي واسع مآله أن نظام الأسد هو الوحيد القادر على الوقوف في وجه التفكيك وعلى صد الارهاب ودحر داعش ولجم وحش التطرف وحماية الأقليات.
هذا بلد بلا حدود للهويات المتكاثرة المتناحرة، وفي تنوعه التاريخي الفريد غنى مذهل؛ لكنْ، هنا أيضا مناخ خصب لحضور الجاهلية بشراسة، رغم إنشاءات الخطاب والثقافة، عندما تتمتع الخرافات والشفاعات الجاهلة والمظلوميات الدينية ببريقها المقدس المؤثر ؛فيمكنها تفجير طاقة هائلة لشحن التعصب والعنف والتوحّش والغرائز البدائية . التنوع الذي يلغي فكرة هوية ورؤية موحّدة واتفاق أخلاقي وعقد تعايش هو فوضى وتشرذم خصوصا لما يتموضع في حركات سياسية وفكرية وحزبية. ويصبح نموذجا مثاليا للفوضى والقطعانية الضالة بمسميات هويات وحريات. فتتحرك الخرافة بلا قيد، ويفقد العقل الشرعية ويتحول النفاق إلى طريقة ...

النفاق أشد أنواع الانحطاط ، خطر اجتماعي يسيطر ويمتد ويعوّق الفعل الجيّد، وقد يرتدي لبوسا دينيا أو قوميا أو عنصريا أو معاديا للدين؛ معدنه الانتهازيّة، وغايته المصلحة والمكسب والسلطة، يشيع التجهيل بالمفاهيم والمباديء والمثل العليا، ويسوّغ الحروب الشرسة على الآخر ويفكك الوحدة الوطنية ومشروع بناء أمة ودولة وطنية، بشعارات ظاهرها حق وباطنها باطل يدفع ثمنها في الأغلب الخاسرون من البسطاء والمساكين والضعفاء والجاهلون. وشبيه النفاق منطق الحياد فهو إنكار للحقيقة؛ الحياد أمام مشاهد الدمار هو مهزلة. الشجاعة الاخلاقية تتطلب موقفا منحازا للحق والعدل والكرامة الإنسانية والمساواة القانونية التي تشمل الجميع.

صحيح أن الحاضر إرث الماضي، لكن التاريخ في زمن الثورة لا يعود للوراء حيث الطغيان. وصحيح أنّ تداعيات الثورة دموية، وأنّ فيها توصيفا سلبيا كثيرا فيما جلبته من تطرف ودموية وعنف وتنظيمات متوحشة، لكنّ أساس الخراب هو القهر السياسي والطغيان والاسئثار الفئوي الضيق الذي استقوى على الشعب عقودا وحصاد تخلف تاريخي استمر قرونا؛ فقد أدخلت الثورات العربية شعوبها في أفق تاريخي جديد، ومثّلت مرحلة جديدة من التاريخ والوعي ومن دورات الحضارة والسياسة. وللثورة ظرفها وواقعها وتاريختها؛ فلايمكن رؤيتها خارج واقعها والتطورات الجارية فيه.
لا مجال للتسامح مع الجهل والعصبيات؛ فالتّمييز وما يفرضه في ظرف تاريخي عنصري من الاضطهاد، اعتمادا على الدين أو المذهب أو العرق أو الجنسية أو الانتماء لجماعة فكرية هو محرك الصراع الأهلي والحروب الأهليّة الكبرى التي قد تتسبب في كوارث اجتماعية ووطنيّة ودوليّة. وللأسف كثير مما يقال في الأحداث وخلفياتها العنصريّة والمتخلّفة يبقى تنظيرا وخارج السياق التاريخي وبلا حامل واقعي ولا يستطيع استيعاب حركة التغيير الحادة. فقد أقيمت عبر سنوات اجتماعات ومؤتمرات وندوات وأصدرت بيانات تكرر خطابها واستمر الواقع بالانهيار في العنف ومن سيء لأسوأ.. لذلك فجزء من الحل هو الفكر وإصلاح عقول المفكرين والسياسيين؛ لكي يصلحوا واقعهم ويتمكنوا من تقديم خطاب عاقل أخلاقي وإنساني وتنموي.
فلو كان هناك عقليّة سياسيّة جامعة ناضجة مرنة موحّدة متفقة على إسقاط الحكم االاستبدد الأسدي تؤمن بالسيادة الوطنية ومباديء الحرية والعدل والمساواة والديمقراطية التّحررية؛ لما ظهر هذا الأداء السياسي الضعيف وذلك التّرهّل الفكري والجمود؛ ولأحسنت إدارة الواقع الجديد في إشكالياته وأزماته؛ فأي ثورة بحاجة إلى فكر ليؤطّر معنى الثورة؛ المفكرون السوريون والعرب مطالبون بتقديم منظور فكري عصري وأصيل يلائم التغيير ومطالب الناس لكي تستمد منه وتستنير به بديلا عن الفكر التقليدي الديني واللاديني وعن ضيق الرّؤية؟
أي مجتمع يحتاج لفكر. ولأن الواقع العربي الثقافي والسياسي لم يقدم عبر عقود طويلة بديلا متنورا وناضجا وموضوعيا في ظل غياب الحرية والعدالة؛ لجأت الناس في ظل المآسي والفجائع للحضائن العقائدية وأطّرتها سياسيا لتساندها معنويا في الحرب والمقاومة وانبثق عن الجميع، مجموعات متطرفة وانتهازية غادرة وعنيفة وظالمة. المفكرون السوريون الإنسانيون والعقلاء هم ما يحتاجهم المجتمع بشدة الآن بعيدا عن البنادق والقضبان؛ لكي ينظموا عمل الناس ومساق سيرهم وتفكيرهم لصناعة أفكار خلاقة، تعتمد صلاحيتها على فهم الواقع و الاندراج فيه منطقيا وإنسانيا، بما يفيد المجتمع والفرد وبناء دولة وتنشئة أمة. .فإنّ من أهم الأسس في تقويض الاضطهاد والاستبداد والوصول إلى حالة التعافي من أوبئة العنف والعصبوية وتحقيق المجتمع المستقر الكريم هو بناء منظومات الثقافة التنويريّة والتنموية وإقامة المراجعات الفكرية والعقائدية الناقدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة