الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برلمان العالم وإصلاح الأمم المتحدة،الجمعية العامة للأمم المتحدة ومتطلبات التوازن والإصلاح

سعد سلوم

2005 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في الوقت الذي برز فيه للسطح موضوع أصلاح الامم المتحدة وتم التركيز فيه-كالعادة-على الشؤون التي تهم الدول الكبرى(وإن يكن الخطاب الاعلامي يجعل الاهتمامات تمتد على مساحة شاسعة) واختصر موضوع الاصلاح في وجوب توسيع عضوية مجلس الامن، تناسى الكثيرون الدور الهام والتاريخي الذي تضطلع به الجمعية العامة التي تضم جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة.
ولو اجرينا كشف حساب سريع بالانجازات لما استطعنا ان نغض النظر عن مسيرة الانجازات التاريخية للجمعية العامة والتي تتعلق بقضايا عظيمة الاهمية بالنسبة لدول العالم النامية مثل:- قرار الجمعية العامة رقم 1514 لسنة 1960 الذي ينص على التصفية الفورية وغير المشروطة للظاهرة الاستعمارية، قرارها الصادر عام 1962 الذي يؤكد حق الشعوب في ممارسة سيادتها على ثروتها الوطنية وتقرير مصيرها السياسي والاقتصادي، دورها في احلال الصين الشعبية محل الصين الوطنية وفي مجلس الامن، اعترافهما بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في عامي 1970، 1971، اقرارها ضرورة قيام نظام اقتصادي دولي جديد مبني على الانصاف وتساوي جميع الدول بالسيادة 1974، ولا ننسى قرارها الشهير في اعتبار الصهيونية شكلا من العنصرية والتمييز العنصري 1975...الخ.
فقد كانت هذه الانجازات تؤشر على تصاعد ثقل القوة السياسية لدول العالم النامية على مستوى الجمعية العامة للامم المتحدة كما تؤشر على النضال المرير الذي خاضته تلك الدول للتخلص من الهيمنة بكافة اشكالها وتفصح عن رغبتها في خلق نظام دولي مرتكز على اساس ثابت ومنصف ومكرس للسلم والعدل والقضايا التي تهم الجماعة الدولية باسرها. وانها رأت ان خير وسيلة لتحقيق ذلك هي العمل الجماعي الدولي من خلال الامم المتحدة..


برلمان العالم :
الجمعية العامة هي الجهاز العام للأمم المتحدة والذي يتكون من جميع الدول الاعضاء فيها(المادة9/1) من الميثاق. لذا فان طبيعة تشكيل الجمعية العامة تعد ترجمة حقيقية لمبدأ المساواة بين جميع الدول الاعضاء دون تفرقة بين دول صغرى ودول كبرى كما هو الحال في مجلس الامن كما ان ((لكل عضو في الامم المتحدة صوت واحد في الجمعية العامة)) (المادة 18/1)من الميثاق.ولذلك فان الانظار تتجه اليها بوصفها تجسيدا لما ينبغي ان تكون عليه العلاقات بين الدول من احترام وتقديس لمبدأ المساواة.انطلاقا مما تقدم فان الجمعية العامة تتمتع بجملة من الاختصاصات التي تجعل منها مركزا للاشراف والمراقبة كما انها تمثل منبرا عالميا تجد فيه كل دولة فرصتها للتكلم وطرح وجهة نظرتها حيث تستمع اليها في جلسة عامة جميع دول العالم وقد يصح ان نطلق عليها تسمية(برلمان العالم)ومن هنا جاء دور الجمعية العامة كمحفل للتداول والنقاش في جميع الشؤون الداخلية حيث ان لها بمقتضى الميثاق ان ((تناقش اية مسالة أو امر يدخل في نطاق الميثاق أو يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه أو وظائفه، كما ان لها فيما عدا ما نص عليه في المادة (12) ان توصي اعضاء الهيئة أو مجلس الامن او كليهما بما تراه في تلك المسائل والامور))(المادة 10 من الميثاق)
ان المادة المذكورة أعلاه تعهد للجمعية باختصاص عام وشامل ويذهب رأي في توضيحه ذلك للقول:- ان المادة العاشرة تنشأ حقا واضحا للجمعية العامة لمناقشة اية مسالة أو اية قضية تدخل ضمن نطاق الميثاق وذلك النطاق يتضمن كل مظاهر الميثاق وكل شيء يتضمنه، وكل شيء يغطيه ويتضمن ديباجة الميثاق والإغراض المهمة والمبادئ التي أشتمل عليها وفعاليات جميع الاجهزة وحرية حق المناقشة غير المقيد والتي تمتد عليها منطقة كبيرة.

ما الذي أحدثه صقيع الحرب الباردة؟

ان تراجع دور مجلس الامن في مواجهة المسؤوليات والتبعات التي القاها عليه الميثاق لتنفيذ وادارة نظام الامن الجماعي خلال فترة الحرب الباردة بسبب ا لاستعمال المفرط لحق الاعتراض (الفيتو) داخل المجلس قد ادى إلى اتجاه الانظار إلى الجمعية العامة لاسيما بانها تتمتع باختصاصات سياسية عامة كما ان الدول الكبرى ليس لها ان تستعمل حق الفيتو داخلها أو داخل لجانها مما نجم عنه تعزيز احتصاص الجمعية العامة في حفظ الامن والسلم الدوليين الذي ترتب عليه التوسع في دورها لتحقيق هذا المقصد، وقد تزعمت الولايات المتحدة هذا الاتجاه الذي كان من اهم مظاهره أنشاء الجمعية الصغرى وهي الفكرة التي تبنتها الولايات المتحدة عام 1947 في أوج صراعها مع الاتحاد السوفياتي وقد كان الهدف من انشاء هذه الجمعية هو ان يوجد إلى جوار مجلس الامن هيئة دائمة تستمر طوال العام وتعالج ما قد يعرض من المسائل وخاصة ما يتصل منها بالامن والسلم الدوليين وهو ما جعل الجمعية العامة جهازا دائم الانعقاد كما انها منحت سلطة التحقيق وهو اختصاص لمجلس الامن طبقا للمادة (23) من الميثاق ولم تكن الجمعية العامة تملكه من قبل.
وقد تعرض قرار الجمعية العامة بانشاء الجمعية الصغرى إلى انتقادات من قبل الاتحاد السوفياتي ودول الكتلة الشرقية التي قررت انشاء الجمعية الصغرى يعد مخالفا لنصوص الميثاق ويرمي إلى سلب اختصاص مجلس الامن كما قامت بمقاطعة اعمالها بحيث اصبحت معطلة وبالذات منذ عام 1958. الا ان اهم تطور في دور الجمعية يتمثل باصدار القرار الشهير المعروف بقرار الاتحاد من أجل السلام

قرار الاتحاد من اجل السلام

يرتبط صدور هذا القرار بظروف الحرب الكورية، فعندما هاجمت القوات الكورية الشمالية كوريا الجنوبية سارعت الولايات المتحدة إلى تقديم طلب مستعجل لانعقاد فوري لمجلس الامن وتم تكييف الحالة على انها اخلال بالسلم فتم بناءً على ذلك استصدار ثلاثة قرارات حاسمة في شهري حزيران وتموز عام 1950 وضعت اساسا قانونيا للتدخل الامريكي في كوريا.وكان من الواضح ان النجاح الامريكي في استصدار هذه القرارات انما يعود إلى مقاطعة الاتحاد السوفيتي لجلسات المجلس بسبب اعتراضه على رفض قبول عضوية الصين الشعبية بالامم المتحدة واحتلالها للمقعد الدائم بمجلس الامن المخصص للصين والذي كانت تحتله وقتذاك الصين الوطنية.(1) وحين بدأ يظهر اتجاه الاتحاد السوفيتي في العودة إلى حضور اجتماعات المجلس خشيت الولايات المتحدة عرقلة الفيتو السوفيتي لجهودها في كوريا ونتيجة هذا التوقع قررت ان تتقدم إلى الجمعية العامة بمقترحات اتشيسون (نسبة إلى اتشيسون وزير خارجيتها انذاك) والتي نصت صراحة على تحمل الجمعية العامة مسؤوليات محددة في حفظ السلم والامن الدوليين في حالة عدم تمكن المجلس من القيام بذلك بسبب استعمال احدى الدول الكبرى لحق الاعتراض وبناء على هذه الاقتراحات اصدرت الجمعية العامة بتاريخ 3/11/1950 ثلاث قرارات تحت رقم 377(5) حملت اسم (الاتحاد من اجل السلام)(2):
1-تضمن القرار الأول حق الجمعية العامة في الانعقاد في دورات غير عادية خلال 24 ساعة اذا قرر مجلس الامن ذلك بالاغلبية أو بناءا على طلب اغلب اعضاء الامم المتحدة حين يفشل المجلس أو عند اختلاف راي الدول دائمة العضوية في شان موقف أو نزاع يهدد السلم والامن الدوليين.
2-اوصى القرار الثاني باتخاذ الخطوات اللازمة لتطبيق الميثاق وبالذات الفصول الخامس، السادس، والسابع وبايجاد الوسائل الفعالة لتطبيق المواد 43،45،46،47 من الميثاق.
3-اوصى القرار الثالث الاعضاء الدائمين في المجلس بالاجتماع ومناقشة جميع المسائل التي تهدد الامن والسلم الدوليين ومناقشة الامور التي تعيق نشاط الامم المتحدة ولهم في سبيل حل الخلافات والوصول لاتفاق ان يتباحثوا مع الدول الاخرى التي يعنيها الامر وقد اعترض الاتحاد السوفيتي في البدايةعلى هذا القرار- ذلك انه عاد في ما بعد وبارك القرار بوصفه وسيلة تحد من سيطرة الدول الاستعمارية ولا سيما بعد ان اصبحت الدول الصغرى تنظر الى الجمعية كأداة لتحرير الشعوب ومحو صور الاستغلال في العالم. وقد تحمست الولايات المتحدة لهذا القرار بحجة حماية استقلال دولة صغيرة مثل كوريا ولا يخفى الدافع وراء ذلك وهو الحيلولة دون التوسع السوفيتي في المنطقة على حساب مصالحها ومناطق نفوذها، وبذلك تم الاستناد إلى قرار الاتحاد من اجل السلام في العمليات الحربية في كوريا فقد بدا واضحا ان الولايات المتحدة قد قامت بتوظيف القرار لتغطية تدخلها العسكري في كوريا بين عامي 1950-1953.
لذا ليس من الصعب تبين ان التوسع الذي طرأ على دور الجمعية العامة لم يكن نتيجة طبيعية للعجز المستمر لمجلس الامن انما اتى في مراحله الاولى بناء على الجهود الامريكية التي سخرت ما كانت تتمتع به من نفوذ كبير في الجمعية العامة لتستبدل بنظام الامن الجماعي الذي نص عليه الميثاق(الفصل السابع من الميثاق) نظاما يكون فيه مركز الثقل للجمعية العامة.وكان وراء ذلك الرغبة في تزويد الولايات المتحدة بسلاح جديد يساعدها في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي وذلك باخضاع منازعات الدول الكبرى تماما كمنازعات الدول الصغرى لاجراءات الامن الجماعي ولذلك نجد ان الولايات المتحدة قد قبلت وايدت استعدادها للتنازل عن (حق الاعتراض) والاخذ براي الاغلبية داخل الجمعية العامة وبذلك حاولت الولايات المتحدة ان تقود الجمعية العامة وراء سياسة كادت تقلب نظام الامن الجماعي إلى نوع من التحالف ضد الاتحاد السوفيتي.فمن اصل (51) إلى (60) دولة هي قوام الامم المتحدة ما بين عامي 1945-1955 كانت الولايات المتحدة تهيمن على الاكثرية الساحقة ولا سيما عبر ضمانها اصوات (20) دولة امريكية لاتينية لم تخيبها اكثريتها الساحقة مرة واحدة طوال تلك السنوات واصوات بلدان حلف الشمال الاطلسي كلما لم تتعارض المصالح بصورة مباشرة وصريحة(3).لذا نجد ان الجمعية العامة قد وافقت ما بين عامي 1946-1953 على (800 قرار) وقد هزمت الولايات المتحدة في اقل من 3% من هذه القرارات ولم تكن هذه الاخيرة تنطوي في أي منها على مصالح امنية للولايات المتحدة.(4)وبذلك يبدو قرار الاتحاد من اجل السلام في صورة اجراء امريكي بحت اتخذ لخدمة المصالح الامريكية باسم الحفاظ على الامن والسلم الدوليين الا انه قد ترتب عليه ان الجمعية العامة قد كسبت سلطات كانت حقا مقصورة على مجلس الامن بعد ان اقرت لنفسها اختصاصات لم يعترف لها بها ،فالقرار المذكور قد جعل الجمعية العامة من الناحية القانونية شريكة للمجلس في سلطاته التي يمارسها لحفظ الامن والسلم الدوليين اما من الناحية الواقعية فان الجمعية العامة قد حلت بمقتضى هذا القرار محل مجلس الامن.

المفارقة التاريخية

وقد شهد المجتمع الدولي تطورات متسارعة منذ عام 1954-1965 وذلك من خلال زيادة عدد دول العالم النامية بعد سلسلة متتالية من التحرير والاستقلال للشعوب المستعمرة وظهور دول جديدة ضمت إلى الامم المتحدة وتحالف هذه الدول داخل اجهزة المنظمة الدولية(5).وذلك باتباعها سياسة متميزة عن سياسة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وهي سياسة الحياد الايجابي وعدم الانحياز والتي اصبحت هي الخيار السياسي لمجموعة كبيرة من الدول التي لا تربط نفسها في المجال الدولي بالاهداف السياسية والايديولوجية والعسكرية التي يتبناها أي من المعسكرين الشرقي أو الغربي
وقد فشلت الولايات المتحدة في ممارسة الرقابة الكاملة على القرارات التي تصدر عن هذا العدد الكبير من الدول، فضلا عن صعوبة التاثير فى هذا العدد الكبير من الدول التي تنتهج سياسة متميزة.
لذا شعرت الولايات المتحدة بما يمثله هذا الدخول الفاعل لمجموعات من هذا النوع إلى المسرح العالمي فبدات تبدي تذمرها وخشيتها وتتحدث عن ضرورة اعادة النظر بمبدا المساواة بين الدول في الامم المتحدة أو مبدأ صوت واحد لكل دولة.حيث دعا وزير خارجيتها الاسبق (هنري كيسنجر) عام 1974 إلى تعديل الميثاق لالغاء قاعدة المساواة في القيمة القانونية للاصوات في الجمعية العامة للقضاء على تكتل دول العالم النامية في الجمعية العامة ولما راى استحالة ذلك لان التعديل يتطلب اغلبية الثلثين وليس من المعقول ان توافق هذه الدول لجأت الولايات المتحدة إلى هدم المنظمات الدولية العالمية وشلها عن طريق الانسحاب منها كما فعلت مع اليونسكو أو عدم دفع نصيبها في ميزانيتها كما فعلت ذلك مع الامم المتحدة وغيرها أو عن طريق المساومات المالية وقطع المعونات وجدولة الديون في مواجهة الدول التي لا تناصر سياستها في المنظمات الدولية خاصة الامم المتحدة.(6)هذا من جهة ومن جهة اخرى فان اتجاه الكتلتين الشرقية والغربية قد بدأ يسير نحو نوع من الوفاق بدأ منذ عام 1963 حيث وقع الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة معاهدة حظر التفجير النووي في الفضاء الخارجي واعقب ذلك سلسلة من اللقاءات والتصريحات والمعاهدات انتهت بمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية وانتهى الوفاق في اعلى مراحله بالتعايش السلمي بين الكتل والمذاهب والايديولوجيات في حدود اتفاقية يالتا وقد تاكد هذا التطور بابرام معاهدات الحد من الاسلحة الاستراتيجية المعروفة ب(سالت 1 وسالت 2). وهذا التحليل يقودنا الى استنتاجين تاريخيين على قدر كبير من الاهمية هما:
-ان الدولة التي تبنت( قرار الاتحاد من اجل السلام ) هي ذاتها التي تخلت عنه فيما بعد حينما لم يعد يخدم مصالحها المرسومة وبذلك لم تكتف بصراعها مع الاتحاد السوفيتي بسد طريق الالتجاء إلى مجلس الامن انما هي حاولت اغلاق الطريق الاخر، (طريق الاتحاد من اجل السلام)
-ان قرار ( الاتحاد من اجل السلام ) اذا كان قد خدم لدى صدوره مصالح الولايات المتحدة فقد تبين انه سيف ذو حدين وان تحول الموازين داخل الجمعية العامة فسح الطريق لاستخدامه لمصلحة دول العالم النامية والتي جوبهت جراء سياستها الحيادية بطروحات امريكية عن وجوب تحرير الامم المتحدة مما اطلق عليه فقهاء الغرب (هيمنة الدول الصغرى). وهذا التحرير لا يمكن ان يتحقق الا بايقاف توسع دور الجمعية العامة والرجوع لمجلس الامن حيث يكون انذاك بالامكان مباشرة الرقابة على ما يصدره من قرارات تخص قضايا الامن والسلم الدوليين .

ثقل الازمنة الحديثة المظلمة !
الا اننا نجد ان التحولات الراهنة في النظام الدولي قد انعكست سلبا على مطامح دول العالم النامية فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة بالنظام الدولي لا سيما بعد احداث 11 من أيلول وما نجم عنه من مظاهر الهيمنة االعسكرية الامريكية على العالم قد هز اركان وركائز النظام الدولي كما صيغ في ميثاق الامم المتحدة واثر في مفهوم القانون الدولي ومبادئه التي تطورت منذ التاريخ الحديث مما يهدد بالعودة لمرحلة الدولة العالمية التي مثلتها فترة الامبراطورية الرومانية التي يجمع الشراح على اختفاء القانون الدولي خلالها واستعلائها على الشعوب الخاضعة لها بحرمانها من شرف الانتماء إلى القانون الروماني وتعويضها عن ذلك بقانون يتفق مع طبيعة الشعوب المقهورة هو قانون العبيد،(7)فـخارج الحدود التي تحد الامبراطورية ليس على ((البرابرة)) الا الطاعة كما كان الرومان بالامس لا يهتمون بالهجرات وبالحروب وبالفوضى التي تحصل خارج جدران روما هكذا الامريكيون اليوم يعتقدون ان شعوب العالم النامية يمكن ان تظل إلى الابد محصورة في الظلمات ((الخارجية)) فالفوضى امر مستحب ان كانت عند الاخرين(8).وبذلك استحالت دول العالم النامية إلى احد موضوعات النظام الدولي اكثر مما هي فاعلة فيه كما ان الدول المهيمنة على النظام الدولي اصبحت تتعامل معها بشكل استعماري مكشوف ومفضوح وتتدخل بشكل فج وباللجوء إلى الوسائل الاستعمارية التقليدية.وبذلك فان ما تقدم قد اثر سلبا على ثقل وتماسك دول العالم النامية داخل الجمعية العامة للامم المتحدة وعلى دور الاخيرة في مجال حفظ الامن والسلم الدوليين .




ضعف تماسك دول العالم النامية داخل الجمعية العامة للامم المتحدة بات من المعروف ازدياد عدد الدول الاعضاء في الجمعية العامة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك دول:- الاتحاد السوفيتي، تشيكوسلوفاكيا، يوغسلافيا، وقد اختفت الكتلة الاشتراكية التي كانت تشكل حزمة تصويت واحدة في الجمعية العامة وظهرت بعض الكتل التصويتية الجديدة مثل كتلة الدول الاعضاء في مؤتمر الامن والتعاون الاوربي الذي يزيد عدد اعضائه عن (52) دولة وهذا يعني ان دول العالم النامية لم تعد قادرة على حشد ثلثي اصوات الجمعية العامة لمناصرة قضاياها في مواجهة الدول المهيمنة على النظام الدولي كما كان الوضع عليه سابقا. مما ادى إلى احداث قدر كبير من الفوضى والارتباك انعكس على تماسك دول العالم النامية داخل الجمعية العامة. وليس ادل على ذلك من تمكن الولايات المتحدة عام 1991 من قيادة حملة ناجحة لالغاء قرار الجمعية العامة في مساواة الصهيونية بالعنصرية. فهذا القرار التاريخي الذي اتخذته الجمعية العامة في دورتها الثلاثين قد جاء نتيجة لتضامن عوامل تاريخية وموضوعية وذاتية لفترة تربو على الربع قرن( ) وبقي قانونيا في سجلات المنظمة الدولية حتى تم الغاؤه عام 1991 عندما اصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 86/ 46 بتاريخ 16/12/1991 وفيه تقرر الغاء الحكم الوارد في القرار المرقم 3397 (الدورة 30) والمؤرخ في 10/11/1975 وقد صوت لصالح الالغاء (111) دولة وضده (25) دولة وامتناع (13) دولة عن التصويت وعدم مشاركة 17 دولة، فالدول الرئيسة في العالم قد صوتت لصالح الغاء القرار فالهند ويوغسلافيا (قادة عدم الانحياز) ودول امريكا اللاتينية في معظمها وكذلك الاتحاد السوفيتي (السابق) ودول اوربا الشرقية والغربية ولم تشارك الصين في التصويت والقلة القليلة من الدول الاسلامية هي التي صوتت ضد الالغاء وهي ايران وباكستان، اندنوسيا، بنغلاديش، ماليزيا، افغانستان بل ان بعض الدول العربية قد صوتت لصالح الالغاء! وذلك رغم عدم وجود اية مسوغات أو مبررات موضوعية تبرر هذا الالغاء مما عد سابقة قانونية و سياسية خطيرة في تاريخ الامم المتحدة.وشيئا فشيئا باتت الجمعية العامة اشبه بهيكل فارغ تتخلله اشباح التوصيات غير الملزمة واصبحت القوة الادبية والمعنوية لقراراتها تنضم الى متحف التاريخ.
اختلال التوازن بين الجمعية العامة ومجلس الامن كشفت التحولات الدولية الراهنة عن اختلال التوازن بين الجمعية العامة ومجلس الامن لصالح الاخير وقد بدأ هذا جليا في تصدي المجلس لمعالجة جميع المشاكل والازمات الدولية في مقابل تهميش دور الجمعية العامة .
وقد اثار هذا الاختلال قلق دول العالم النامية التي دعا رؤساء الدول أو الحكومات فيها في مؤتمر القمة العاشر لرؤساء دول أو حكومات بلدان عدم الانحياز المنعقد في جاكارتا للفترة من 1-6 أيلول 1992 إلى ضرورة ان تبدي بلدانها استجابة واتخاذ القرارات بشان جميع القضايا ذات الاهمية العالمية، وهذا يتمشى بصورة كاملة مع التزام جميع الدول باحترام مبدأ التساوي في السيادة والحق في المشاركة بصورة ايجابية في تعزيز المصالح الجماعية للمجتمع الدولي، كما طالبوا بمزيد من التحسين للهيكل التنظيمي للجمعية العامة واسلوب عملها لكي تكون اكثر استجابة لمقتضيات العصر وشددوا على اهمية تطابق دور مجلس الامن مع ولايته كما حددها ميثاق الامم المتحدة حتى لا يكون ثمة تعد على سلطة وحقوق الجمعية العامة وهيئاتها الفرعية(9)كما رأوا ان امام الامم المتحدة بوصفها التجسيد العالمي للتعددية فرصة فريدة كيما تكون الاداة الاولية الجماعية لاقامة نظام دولي جديد يقوم على مبادىء العدالة والمساواة لذا لابد من اعادة تشكيل الامم المتحدة واضفاء الطابع الديمقراطي عليها(10)، في هذا العصر الذي بات فيه الدور المركزي للامم المتحدة في مجال صون السلم والامن الدوليين في اطار الامن الجماعي وفقا لاحكام الميثاق اكثر اهمية اليوم عما كان عليه في أي وقت مضى.(11)

خارطة طريق للاصلاح

ان اصلاح الامم المتحدة لا يمكن ان يكون ناجعا دونما تحقيق توازن في الاصلاح بين مجلس الامن والجمعية العامة وان ذلك يستدعي في رأينا تحقيق المتطلبات الاتية:
1-اجتماع الارادة الدولية على تخليص المجتمع الدولي من هيمنة القطب الواحد واعادة التوازن السياسي من جديد داخل التنظيم الدولي وذلك بتكييف المؤسسات الدولية وتنشيط دورها لخدمة الاهداف والمبادئ الجديدة التي يتم الاتفاق عليها وبشكل يمنع الدول الكبرى من فرض ارائها وسياساتها على المنظمة الدولية وذلك يتطلب اولا وقبل اعادة النظر في تركيبه مجلس الامن وسلطاته تعزيز وتوسيع سلطات الجمعية العامة للامم المتحدة في حفظ الامن والسلم الدوليين
2-تصحيح الاوضاع والعلاقات القائمة بين اجهزة الامم المتحدة بشكل يعبر عن الاوضاع الدولية الجديدة ويضمن حقوق ومصالح دول العالم النامية التي تشكل نحو ثلثي البشرية من خلال تفعيل دور الجمعية العامة التي تمثل كافة الدول وخلاف ذلك لا يعني سوى غياب ديقراطية العلاقات الدولية والاتجاه نحو الاستبداد الدولي وانتهاج سياسة الهيمنة بصرف النظر عن الشكل الذي تتخذه سواء كان ذلك من قبل دولة منفردة أو مجموعة من الدول
3-التاكيد على ان احترام القانون الدولي هو اساس السلام والامن وانه يمثل اهمية خاصة في هذا العصر الذي شهد تحولات في العلاقات بين الامم. ففي هذا العصر لم يعد هناك مكان لاستخدام القوة من جانب واحد أو مطالبة بعض الدول بممارسة حقوق خارج نطاق اراضيها
4-زيادة التنسيق داخل الجمعية العامة بين المجموعة العربية ومجموعات دول العالم النامية الاخرى: المجموعة الافريقية والاسيوية والمجموعة الامريكية اللاتينية على اساس من آلية الاتحاد من اجل السلام التي ينبغي ان يعاد تفعليها خدمة لمصالح المجتمع الدولي لا سيما في الحالات التي يتوقف فيها مجلس الامن عن ممارسة دوره في النزاعات التي لا تمس مصالح اعضائه الدائمين بصورة مباشرة وبعد ان تبين بالنسبة للدول النامية ان المجلس قد اصبح يخدم مصالح الدول المهيمنة على النظام الدولي وبما لا يتفق مع ارادة الجماعة الدولية التي تشكل الجمعية العامة مراة عاكسة لها.
ويمكن الاشارة بهذا الصدد إلى ما ورد في اجتماع اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الامم المتحدة وبتعزيز دور المنظمة الدولية التي عقد في نيويورك للفترة من 10-20 نيسان/ 2000 حيث ناقشت اللجنة موضوع السلم والامن الدوليين من خلال المقترحات والتوصيات المقدمة من الدول.وقد قدم الوفد الكوبي في الدورة السابقة للجنة ورقة عمل منقحة وعنوانها ((تعزيز دور المنظمة وتحسين فعاليتها)) يمكن تلخيص اهم ما ورد فيها كالاتي:-
1-ان تحقيق ديمقراطية المنظمة الدولية ويشمل ذلك مجلس الامن ينبغي ان يتم بصورة متوازنة فالامم المتحدة تواجه تحديا خطيرا يرتبط ارتباطا وثيقا بتوزيع السلطات والمسؤوليات بين الجمعية العامة ومجلس الامن فلابد من وضع حد لاختلال التوازن بين هذين الجهازين في الوقت الذي همش فيه المجلس بصورة متزايدة الجمعية العامة.
2-ان مجلس الامن قام في السنوات الاخيرة بالاستئثار بسمؤوليات تتجاوز فصل السلطات الذي ينص عليه الميثاق فمثلا لا يمكن اعتبار ان الميثاق قد منح مجلس الامن على وجه الحصر مسؤوليات وضع مبادئ وسياسات من اجل توجيه عمل المنظمة فهذه المسؤولية استنادا إلى نص المادتين (10،11) من الميثاق تقع على عاتق الجمعية العامة بوصفها الجهاز المكلف صراحة بوضع هذه المبادئ والسياسات العامة.
3-لا يمكن الحديث عن تقدم فعلي وبناء في مجال اصلاح المنظمة وتنشيطها دون النهوض بعملية اصلاح تجعل الامم المتحدة اكثر ديمقراطية وتعيد مبادئ الميثاق إلى ممارستها وتطبق الديمقراطية داخل مجلس الامن وتعيد إلى الجمعية العامة صلاحيتها التي تم اغتصابها أو انتقاصها.
لكن عمل اللجنة قد اصطدم مع عدم توفر روح التعاون من جانب الولايات المتحدة الامريكية مع بقية اعضاء اللجنة بسبب عدم توفر الارادة السياسية للدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية في التوصل إلى توافق بالراي بشان الموضوعات التي تساهم في دعم الميثاق وتعزيز دور المنظمة ومن الجدير بالذكر ان وفدا عراقيا شارك يومذاك في عمل اللجنة وذهب الى ان عدم قدرة اللجنة في التوصل إلى نتائج عملية تصب في خدمة تعزيز دور المنظمة يرجع إلى عدم رغبة بعض الوفود في تعزيز العمل الموضوعي للجنة لان ممارسات حكوماتها الانفرادية اللاشرعية على ارض الواقع تتناقض واحكام الميثاق.ان اتجاه الولايات المتحدة نحو تغييب ارادة الجماعة الدولية التي تمثل الجمعية العامة للامم المتحدة بحق مراة عاكسة لها وذلك من اجل ربط المنظمة الدولية بمصالحها الكونية واضفاء الشرعية على سياسة الهيمنة التي تنتهجها ضد ارادة المجتمع الدولي وبالمخالفة مع احكام قواعد ميثاق الامم المتحدة يستدعي تفعيل دور الجمعية العامة في ميدان حفظ الامن والسلم في العالم لا سيما في ظل الاتجاه الحالي نحو اغتصاب سلطاتها أو الانتقاص منها والذي ربما كان امرا مستساغا لو ان الجمعية العامة كانت مجرد هيئة استشارية محدودة العضوية ولم تكن الهيئة التي تمثل جميع دول العالم وهذا امر يتعارض مع ابسط قواعد الديمقراطية داخل الامم المتحدة رمز العالم الحر الديمقراطي (الولايات المتحدة واوربا الغربية)!






الهوامش
1-محمد عزيز شكري،التنظيم الدولي العالمي بين النظرية والواقع،دار الفكر العربي،1973،ص472.
2- L.H.Woolsey, The Uniting for Peace - Resolution of the U.N.- American Journal of International Law,Vol. 45, No. 1, 1951, PP. 129-130.
3- كميل داغر، الامم المتحدة وموازين القوى المتحولة في الجمعية العامة، دار الطليعة، بيروت، 1978، ص33.
4-صالح جواد الكاظم،مباحث في القانون الدولي،دار الشؤون الثقافية ،بغداد، 1991،ص27.
5- مصطفى عبدالعزيز، التصويت والقوى السياسية في الجمعية العامة للامم المتحدة، سلسلة دراسات فلسطينية، بيروت، 1968، ص ص187-189.
6- عبد العزيز محمد سرحان،مصير الامم المتحدة بعد حرب الخليج،القاهرة دار النهضة العربية،1992ض191
7- المصدر نفسه ص195.
8-جان بيير شوفنمان،انا وحرب الخليج،ترجمة حياة الحويك وبديع عطية دار الكرمل للنشر عمان،1992، ص 109
9-(من الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العاشر لرؤوساء بلدان عدم الانحياز المنعقد في جاكارتا للفترة من 1-6 أيلول 1992 الفقرة 3)
10-( الفقرة 23 من رسالة جاكارتا الصادرة عن المؤتمر المذكور )
11- ( الفقرة 25 من المصدر نفسه)


الجمعية العامة هي الجهاز العام للامم المتحدة والذي يتكون من جميع الدول الاعضاء فيها لذا فان طبيعة تشكيل الجمعية العامة تعد ترجمة حقيقية لمبدأ المساواة بين جميع الدول الاعضاء دون تفرقة بين دول صغرى ودول كبرى كما هو الحال في مجلس الامن .
مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س