الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف ضوء وعالم النساء المهمش

هدى توفيق

2015 / 6 / 30
الادب والفن


نصف ضوء وعالم النساء المهمش
قراءة في المجموعة القصصية نصف ضوء

عزة رشاد وموهبة الإبداع القصصي:
سبق للكاتبة عزة رشاد أن أصدرت "ذاكرة التيه" 2003، ثم مجموعتها القصصية "أحب نورا.. أكره نورهان" 2005، وفي هذه المجموعة القصصية الثانية، التي تضم إحدى عشرة قصة قصيرة، تواصل إبداعها القصصي المتميز، والمقترن بكتابة عزة رشاد الممتعة والعميقة في آن واحد، بحس قصصي يراوغ النفس بالتماهي في أحداثه والتفاعل من خلال تفاصيل محبوكة، في إطار فني ضروري، يخدم بلغة فنية فائقة التدفق والجمال.
تبدأ المجموعة في القسم الأول بقصة "نصف ضوء"، وإن كنت أظن أن ضوءه إكتسح النصف الآخر من المجموعة القصصية رغم إنتصافه. هنا، لمفردة النصف دلالتها كملمح أساسي لقصص تلك المجموعة، فمعظم القصص تعبر عن عدم إكتمال كل الأشياء التي تعبر عن حالات تعيش وتعبث داخل إطار النصف.. نصف عقل، نصف حياة، نصف وجه، نصف مهنة، نصف حقيقة، ويقودنا هذا النصف إلى للا شئ، بل وفي أحيان كثيرة يتجه مسار الأحداث في القصص إلى مصير مأساوي كما حدث في قصص: "عقدة لسان عم ريحان"، "عازل للصوت"، "أوسكار"، وغيرها من القصص.

العالم غير المرئي للنساء:
تتناول قصص تلك المجموعة العالم غير المرئي للنساء، والذي دائما ما يظهر بأقنعة متعددة، خافيا حقيقته ومكنونه الثري، بالغضب والتمرد والقهر والكبت لأبسط تفاصيل الحرية المتاحة. يغلف هذا العالم عنصران ينشقان عن بعضهما البعض حتى يكادا أن يمتزجا فيبدو لنا كوجهين لعملة واحدة، وهما عنصر الزمن.. عدو جمال المرأة والشباب والحيوية، والتهور والإندفاع المهروس بالطموح التي تمر تحت عباءة الزمن القاسي بمفهومه الديناميكي، ليصل بنا إلى الفراغ والكسل والتراخي، أي الموت المؤجل على عاتق عزرائيل، أما العنصر الثاني فهو الحكمة المستوحاة من الخبرة الحياتية التي ليس شرطها طول الفترة الزمنية، بقدر ما هي خبرة ممعنة في سبر غور النفس البشرية في الحياة ومع الحياة، بدقات زمنها الهالك.
قصة الرابحة أو عروس النيل: هذا العنوان الذي كنت أحسه جديرا بتسمية القصة، الرابحة ذات الذراعين المكتنزتين البديعتين، والساقين الطويلتين، لتلك الرابحة التي مازالت جميلة وشابة، لا يكبر شئ داخلها غير عنادها، وعدم التزامها منذ الصغر بالصوم أو حفظ القرآن، وحينما كبرت لا تحب الفيزياء، وتلبس الجونلة القصيرة وتركل كل من يعاكسها من الشباب بكل عنف في ذكورته، وأخيرا راقصة فنون شعبية، استمراء للمعصية، وإصرارا على مخالفة كل ما تعتبره صديقاتها من الدواعي الدينية التي يدعونها إليها، مستسلمات لما يحسبنه وازعا دينيا دون أن يدركن أنها عروس النيل، التي تنطلق أفعالها من معطيات حب الحياة والدلال والجمال، حتى لو كان والدها الحاج علي، وأمها الفلاحة الجاهلة، وتقطن في مكان ريفي فقير، يطلق عليه "البلدة"، تلك الرابحة هي حلم المؤلف الضمني، كونها تتمنى في أعماق نفسها أن تكون عروس النيل، لكنها للأسف إحدى الخاسرات الثلاثة.

قصة المفعوصة:
التي هي بين البكرية وآخر العنقود، لا تنال أية حقوق مثلهما، ومثقلة بأعباء المنزل، لأن البكرية مشغولة بالإبتدائية ثم الإعدادية، وآخر العنقود تستحوذ على إهتمام الأم، لذا اختارت المفعوصة، على مضض، أن يكون رفيقاتها الدودات السخيفات، لأنه لم يكن لديها خيار أفضل، وتسير بنا القصة بقدر عال من دقة التفاصيل بفنية وسلاسة ورشاقة لغوية.

قصة لا أحد يغضب من أميره:
من أشد التعبيرات التي أدهشتني وأثارت إعجابي تلك الفقرة البالغة الدهشة في صفحة 45:
"ناولتني امرأة تبدو إحدى القريبات، فنجان قهوة بكفٍ ممتلئة بخواتم ذهبية كبيرة وفجة، وقريبة الشبه من حشرات مجنحة موشكة على الطيران، فأحكمت قبضتي على الفنجان وأنا أتراجع بظهري إلى ظهر الكرسي خوفا من تحرك حشراتها".

قصة خيط ممدود:
إستخدمت الكاتبة أسطورة الفراشة الحمراء، التي هي أجمل الفراشات، ولكن عمرها قصير، كما أخبرها العجوز، حين التقط فراشة حمراء حطت فوق شعر الأم، هذا الأستخدام كان مؤثرا، ومنح القصة بعدا أسطوريا، أضفى على محتواها انتعاشة فنية مبهجة، رغم قتامة محور القصة لوليدها الفقيد الذي كان كلما أغمض عينيه ابتسم وكبر خده.

قصة نصف ضوء:
التي تسمى عليها المجموعة القصصية، تلك القصة هي التجلي لموهبة الكاتبة في الكتابة القصصية، ونحن نغوص في تخاريف سارة، وتفسيرها للظواهر العلمية، حتى إنها فسرت الحلم برؤية خيالية بحتة، وطفولة بريئة، لكن للعلم أيضا أن سارة، رغم تخريفاتها، لديها المعنى المكتمل لحالة نصف المعرفة والوعي والإدراك، بخيالها الجامح، وقد تعمق هذا المغزى في القصة من بداية السرد عن القمر، الذي إكتملت استدارته وصار بدرا، ثم نقرأ تحليل سارة لتلك الظاهرة العلمية، بأن القمر دائرة مكتملة طوال الوقت ثم يأتي جبلا ضخما يسير أمامه، فيهبط ظله.... إلى نهاية القصة.
ومع إسترسال المؤلف الضمني في الحكي، نكتشف أن سارة لم تكن غير عروسة قش، أي لم تكن سوى نصف حقيقة تضيئ في مخيلة الراوية التي ترغب بشدة ببقاء هذا النصف في حياتها، حتى تستطيع الحياة والإستمرار بعد موت عمها يوسف وأخيها الرضيع.

• في ختام هذا القسم نجد أن مفردة الموت هي القاسم المشترك في جميع قصص القسم الأول، وأن ظلال مفردة الموت هي الحل النهائي لعوالم تلك القصص.

القسم الثاني من المجموعة تحت مسمى "كانوا وما يزالون":

تبدأ بقصة "عقدة لسان عم ريحان":
وهي ليست مجرد قصة تعبر عن إنقراض مهنة الرفا، بل القصة تحوي تفاصيل واسعة عن مجرى الأمور الكبرى التي مرت علينا، مثال ذلك عندما صرحت الكاتبة على لسان عم ريحان قائلا:
"من الراديو كان يعرف كل شئ عن العالم، ولا يعرف شيئا في نفس الوقت. لن ينسى أبدا كيف أعلن أيام الحرب إياها أننا انتصرنا، ثم ظهرت الحقيقة مخالفة لذلك". وإن كنت أتفق مع مقولة الكاتب الكبير / يوسف الشاروني في دراسته الملحقة بالمجموعة القصصية أن القصة كان من الأفضل أن تنتهي هكذا:
"انحنى ظهره، وبانت كرمشات وجهه، ولم يستطع النطق".

قصة عازل للصوت:
العازل الفعلي في تلك القصة ليس عازلا للصوت، بل للمجتمع الذي شوه أحد أفراده "سومة الغولة" وأحرق نصف وجهها، فكان لابد لها أن تصنع لنفسها عازلا أقوى وأشرس مما شوهها، وقد عبرت عنه الكاتبة في تعبير فصيح ووافر المضمون حين قالت:
"حتى لأكثر مصاصي الدماء احترافا".
القصة ترسل لنا رمزا قويا عن مدى قهر المجتمع وظلمه الفادح.. داين تدان، فسواء رفض أو قبل هذا المجتمع، عليه أن يرضخ لوجود هذا المسخ وكل مظاهر غضبه وتمرده الكاسح.

القصتان "في الصالة المكتومة، دوائر الفوضى":
هما يمثلان تعبيرا ناعما ودافئا من خلال حوار خفي داخل الأنثى التي فقدت حبيبها وترثاه، وحينا آخر عندما فقدت الثقة في جمالها، وأن قيس لا ينتظرها كما تصورت، وجمحت أحلامها الأنثوية، إنه حوار فكري من الدرجة الأولى، يتخلله سرد كأمواج البحر.. يخفت مرة، ويرتفع مرة، فيبدو لنا أن تلك القصتين كقيثارة حب فاتنة، ملأها إحساس الفقد المريع والاشتهاء الأنثوي النابع من عقل امرأة، يموج عقلها بأفكار خاصة، ورؤية تأملية مرهفة الحس تجاه العالم القاسي، بعد أن خسرت حبيبها إلى الأبد، وخسرت معه كل دفء الأيام، قائلة في صفحة 3 في قصة "دوائر الفوضى": "رغم أنه صار لدي كل شئ يحلم به رجل كان أو امرأة".
ثم في قصة "في الصالة المكتومة" صفحة 77:
"الذهب معي الآن، لابد أنه يساوي الكثير، يمكنني أن أشتري كل ما أريد".
• إستخدام بعض التعبيرات العامية أضفى شعورا قويا على المجموعة بالمصداقية داخل النسيج القصصي، بالإضافة إلى مقطوعات من أغانٍ شعبية أحدثت قدرا كبيرا من التنوير داخل القصص كضرورة فنية.
• إستخدام الضمائر بين الغائب، والمخاطب والمتكلم آزرت حالة الإبداع بين الساردة مع أبطال قصصها، فأنتجت حضورا جذبت القارئ إلى القراءة الممتعة، في عوالم مدهشة وحاضرة المكان والزمان داخل عوالم السرد القصصي المميز النكهة.



عرض :
هدى توفيق
المصدر :
المجموعة القصصية :نصف ضوء
للكاتبة :عزة رشاد
الناشر :دار نشر هيفن 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع