الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش حادثة - لباس فتاتي إنزكان-

عاصم منادي إدريسي

2015 / 7 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ملاحظات على هامش واقعة لباس فتاتي إنزكان
قد لا يختلف عاقلان في أننا نعيش في دولة متخلفة تتحرك ببطئ شديد في اتجاه التقدم المنشود مقارنة بشبيهاتها في المشرق والمغرب الإسلاميين. تتميز دولتنا بكونها تحاول أن تتسربل بسربال الديموقراطية والحداثة دون أن تفكر في تعديل مقاساتها القديمة الضيقة التي لا تتسع لقيم التنوير والحداثة. تتوالى الأحداث التي تؤكد بشكل لا يقبل الشك أن ارتباطاتنا الثقافية بالتخلف والجهل والأمية والشعوذة تحفظ للكهنة الجدد مكانتهم داخل المجتمع، بل ازداد نفوذهم وتأثيرهم في مجتمع الجهل المتخلف إلى حد صاروا معه قادرين على إهدار دماء من يختلفون معهم وتهييج العامة ضدهم واتهامهم بالردة والكفر والزندقة.
داخل هذا المجتمع يعرف الكهنة ورجال الدين أنه يكفي أن تربط أحكامك بالإسلام وحماية الدين ضد العلمانيين الملاحدة آكلي رمضان تاركي الصلاة وغيرها من الأحكام المسبقة حتى تثور العامة وتبدأ هجومها ووحشيتها ضد الحقوقيين المناهضين للظلم والاستبداد والتعذيب ومصادرة الحريات والحقوق.
آخر هذه الوقائع قصة "فتاتي إنزكان" التي انقسمت بصددها مكونات المجتمع إلى تيارين مختلفين، يدين أولهما لباس الفتاتين للتنورة ويعتبره استفزازا لمشاعر الصائمين ومخالفا لتقاليد البلد المسلم، ويدعو إلى الضرب بيد من حديد على هذه التصرفات. بينما يذهب الثاني إلى أن هجمة الناس ضد لباس الفتاة يعد مغالاة وتطرفا وتضييقا على الحياة الخاصة للناس.
بالنسبة لي، يسوؤني كثيرا أن يستغل الأصوليون مثل هذه الحالات للإساءة إلى قيم الحداثة والتقدم والعلمانية والتنوير، واتهامها بتخريب التقاليد وخدش الحياء العام والدفاع عن الإباحية والعلاقات الجنسية والانحلال الخلقي، لذلك لا بد من مساءلة هذه الإدعاءات كشف تناقضاتها.
فيما يتعلق بدعوى "استفزاز لباس الفتاتين للصائمين"، لا يصح هذا الرأي إن فكرنا في منطلق الصيام ومبدئه الأصلي، وهو الامتناع عن الملذات الحسية طلبا لرضى الله، ومن ثمة فهو ممارسة لقناعة دينية راسخة لا يمكن إضعافها مهما كانت الإغراءات، وعندما يتعلق الأمر بالقناعات والمعتقدات الداخلية فالأصل هو الاختيار الحر، مصداقا لقوله تعالى "لا إكراه في الدين". فالشرع يضعنا أمام الاختيار بين القيام بالفعل أو الامتناع عنه، وهي الحرية التي يلزم عنها تحمل كل شخص لمسؤوليات أفعاله أمام الخالق لا أمام الناس.
إذن. إذا كان الصائم ممسكا عن الطعام والشراب والجنس عن قناعة ذاتية، فلن يضره أبدا عدم مشاركة الآخرين له في معتقده وممارساته. كما أن اختلاف الآخرين معه وعدم التزامهم بما يلتزم به هو لا يضره في شيئ، ولن ينقص من حسناته ما دام كل شخص مسؤولا عن ذاته فقط مصداقا لقوله تعالى " ولا تزر وازرة وزر أخرى". ومن ثمة فليس مباحا للصائم أن يتهجم على الآخرين والأخريات بسبب لباسهم (ن) أو إفطارهم (ن)، لأنهم لا يتهجمون عليه بسبب صيامه، أكثر من ذلك يكشف هجوم الصائمين على الغير بسبب اللباس أو الإفطار عن ضعف إيمانهم وهشاشة مبادئهم وقناعاتهم الدينية. فعندما تكون الأسس والقناعات صلبة يمارسها صاحبها حتى لو اختلف معه العالم أجمع، ولن يفعل عكسها فقط لأن الجماعة تفعل ذلك. فالصدق يبقى سلوكا طيبا حتى لو لم يقل الصدق أحد، والكذب يبقى فعلا منحطا حتى لو كذب العالم. من هنا نصل إلى أن مبررات الجماعة الدينية في التهجم على الفتاتين لا مبرر له شرعا ولا خلقا.
عندما نعترض على مثل هذه المسلكيات فليس من منطلق الهجوم على الدين أو الانتقاص من المتدينين. بل بدافع الوقوف في وجه كل حملات التضييق التي تستهدف الحريات العامة وفي مقدمتها حرية/حق اختيار المعتقد الديني، لأن السماح بمثل هذه التضييقات الحقوقية يعني توسيع دائرة الممنوعات والمحظورات والارتكاس إلى الأصولية/السلفية الضيقة.تلكم الأصولية التي ما فتئت ترى في تنور وتحرر أبناء الشعب فقدانا لمكانتها وسلطاتها، ولم يكن أمامها من طريق لللحفاظ على تلك المكانة الاجتماعية إلا من خلال استغلالها للدين وتصوير الحقوقيين المناهضين للظلم بمظهر أعداء الدين وخصوم التقاليد المدافعين عن الفواحش. لذلك تسعى جاهدة إلى استغلال هذه المناسبات للنيل من سمعة من تسميهم ب"العلمانيين والحقوقيين".
هذا لا يعني أننا ندافع عن الإباحية والفواحش كما يعلن يزعم الخطاب الأصولي المتطرف، بل ندافع عن قيم الاحترام والالتزام والحق في الاختلاف والتنوع والتعدد والتعايش والتسامح وتقبل الآخر المختلف مع الذات، وهو تقبل نابع من كوننا كأشخاص لسنا مسؤولين عن الحياة الروحية والمعتقدات الدينية لغيرنا من الناس، فأن يختار شخص ما القيام بما نعتبرها آثاما وخطايا سيضر بذلك نفسه فحسب، وهو ضرر لن يمسنا كأشخاص، ومن حقه أن يتصرف في حياته الخاصة كما يشاء طالما يحترم القوانين ولا يعرض أمن وحياة غيره للخطر. نستطيع محاسبة الناس عن المعاملات البشرية والتصرفات التي يحتكون فيها مع بعضهم البعض من صدق/كذب أو أمانة/خيانة أو وفاء/غدر أو حب/كراهية...، فهي وحدها من يممن اعتمادها كمعايير للحكم على الناس وتقدير أهميتهم، أما المعتقدات الشخصية فليست تصلح أبدا كمعايير.
نخلص أخيرا إلى أن المرحلة الحالية بما تعرفه من ردة على مستوى الوعي الحقوقي وتمدد الخطاب السلفي الأصولي مستغلا حالة الجهل والأمية والتخلف التي تمر منها مجتمعاتنا الإسلامية، تتطلب منا التنبه إلى المؤامرات التي يحيكها السلفيون لفضح خيوطها والتأكيد على أن قيم الحداثة والتنوير التي ينادي بها العلمانيون والحقوقيون جوهرها الأساسي هو ضمان حق الاختلاف في الرأي والمعتقد مع الحفاظ على أمن وسلامة كل فئات وأبناء وطوائف المجتمع من جهة، وتكريس الديموقراطية وحقوق الإنسان وعلى رأسها حق الحياة من جهة أخرى. وأقصر طريق لمواجهة الخطاب الأصولي المتطرف هو التربية والتعليم، وليس القمع والعنف.
الدرس الذي يجب أن يتعلمه الأصوليون اليوم أن تفجيراتهم وتهديداتهم وقتلهم للأبرياء واتهامهم للحداثة زورا وبهتانا بالفواحش...، لن تدفعنا أبدا إلى الدعوة لتصفيتهم أو إباحة دمائهم كما يفعلون، فمبدأ حق الاختلاف يتسع للجميع بما في ذلك خطابهم، وهو المبدأ الذي ناضل العلمانيون والحقوقيون والحداثيون لتحقيقه وقدموا التضحيات الجسام من شهداء ومعتقلين ومنفيين لينعم به الجميع، وبفضل تضحياتهم استطاعت كل جماعات الإسلام السياسي أن تصل للمنزلة التي لم تكن ترها في أجمل أحلامها، وهي الوصول إلى سدة الحكم. لا يمكن للعنف والقمع أن ينهيا التطرف مهما كانت طبيعته، بل إن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق غرس مبادئ التفكر العقلاني/العلمي الذي سيفضي استعماله في النهاية إلى القطع مع مظاهر الجهل والخرافة التي يعشش فيها التطرف، وهذا دور المدرسة، فالأفكار لا تنتزع بالعنف والقمع والتعذيب والسجن والعقاب، الفكرة تواجه بفكرة أخرى، هذا هو جوهر العقلانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحجة الأعياد اليهودية.. الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي لمدة


.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر




.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري


.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد




.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ