الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الف حرز وحرز : سيكولوجية العقل المزيف

علي عبد الرحيم صالح

2015 / 7 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وسط هذا الكم الهائل من المشكلات وتعقيدات الحياة اليومية يحاول بعض الناس في العراق مواجهة مشكلاتهم وضغوطهم النفسية بوسائل وطرائق غيبية غامضة ، إذ يذهب البعض الى تغيير مستقبلهم الحالي وصناعة مستقبل اخر بوسائل بعيدة عن العقل والمنطق ، مثل لجوء الناس الى استعمال التمائم في حل مشكلاتهم الاسرية والمهنية ، او توظيف بعض الاحرزه التي تعينهم في عمليات الشراء او النجاح في الامتحانات او حتى الفوز في الانتخابات، فضلا عن ذلك يذهب البعض الى معالجة نفسه عن طريق ادعية خاصة من دون استعمال اية ادوية او الاستنجاد بطبيب بشري مختص ؟ هذه السلوكيات نشاهدها كل يوم مثل شد التمائم على معاصم اليد او تعليقها حول الرقبة ، وفي عتبات المنازل او المرآة الامامية للسيارات او حملها في الحقائب ومحافظ النقود ، مما تعكس هذه الامثلة مساحة كبيرة من تفكير الناس ، ونكوصا فكريا الى مراحل بدائية من الوعي البشري ، وشرخا كبيرا في الايمان بقوى العلم وفضائله الكبيرة على حياة الانسان. إننا لا ننكر اهمية القوى الروحية أو الايمان بها في حياة الناس ولكن ليس في الدعاء وحده يعيش الانسان ، ولو قمنا بمقارنة ببسيطة لوجدنا هذا الفرق واضحا ، على سبيل المثال نلاحظ ان الناس في الغرب بعيدون جدا عن استعمال هذه التمائم والاحرزه وهم متفوقين في حياتهم ومتقدمين بدرجه هائلة في حين ان رغم ايمان العقل العراقي بقوة هذه الوسائل ألا ان الفشل والخوف يعيشان معه يوميا، لأن هذه الاساليب الحياتية غير مجدية في حل الواقع العراقي المرير او كوسيلة مباشرة للتخلص من خطر الارهاب وظلم الساسة وضعف الثقة بالاخرين ، مما جعلت حياة العراقي صعبة ومتأزمة وخيالية من المنطق ، فضلا عن انحراف معتقداته وافكاره عن المسببات الرئيسة لمشكلاته اليومية وإزاحتها نحو مسببات وقوى قد لا يكون لها اثرا في حياته الشخصية والاجتماعية .
((النكوص الحتمي))
ان النكوص النفسي الذي وقع فيه العقل العراقي في ضوء استعمال التمائم والاحرزه جاء نتيجة يأسه واحباطه المستمر من الواقع الذي يعيش فيه ، فبعد ان عجز العراقيون في الحصول على حقوقهم الحياتية والمشروعة بطريقة تحقق لهم الكرامة والسعادة والرخاء فان العقل العراقي بدأ بالنكوص اجتماعيا نحو ابتداع بعض الوسائل اللامعيارية في تحقيق هذه الحاجات ، فوفقا لعالم النفس (ميلتون) ان الناس عندما يقبلون على الالتزام بأهداف المجتمع وقوانينه المشروعة التي تكفل لهم متطلبات الحياة (تعليم ، صحة ، قوانين عادلة ، نزاهة سياسية) ويجدون الفرص نحو تحقيق هذا الالتزام مغلقة امامهم او ان توزيع الفرص غير متكافئة فانهم يبتدعون مجموعة من الوسائل لتحقيق هذه المتطلبات ، وهذه الوسائل قد تكون غيبية او غير مشروعة ، وبما ان العراقيين عاشوا في مجتمع مهدد بالخطر الدائم ، وحياة تنافسية شديدة على الحاجات وموارد الرزق ، وصراعا اجتماعيا وسياسيا كبيرا فأنهم لم يجدوا الفرص الكافية لمواجهة هذه المشكلات ، لذلك نكص القسم الكبير من الوعي العراقي نحو الاساليب الغيبية في الحصول على ابسط متطلبات الواقع اليومي ، فنجد ان العراقي يشد الاحرزه في يده من اجل التوفيق في الامتحان (التعليم) ، ويقرأ الادعية من اجل الشفاء (الصحة) ، ويحمل التمائم من اجل انجاز معاملته الرسمية (القوانين الرسمية) ، ويدعوا على الساسة الظالمين بدلا من الانتفاض على ظلمهم (النزاهة السياسية) .
((العجز العراقي المكتسب))
ان شغف العراقيين بالتمائم والاحرزة دليل على عجزهم النفسي في تحدي واقعهم الخارجي والاستسلام لمثيراته الخارجية ، والذي جاء كما قلنا عن الواقع المظلم والمأساوي الذي فرض عليهم نتيجة جهلهم بعدم انتخاب نخبة سياسية واكاديمية اجتماعية يمكن ان تقود البلد الى بر الامان . إن هذا الواقع المأساوي طبع العقل العراقي – وفق منظور سليجمان- بثلاثة اخطاء معرفية في تفسير الاحداث الخارجية :
-الانتشارية : بعد ان فشل العراقيون ولفترة طويل من العيش حياة هادئة وخالية من الانقلابات العسكرية وقادة طغاة يتحكمون في مجرى حياتهم فان العراقيون اصبحوا يعممون هذه الخبرة من الفشل على كافة نواحي التقدم في الحياة ، وان لا أمل لديهم في الاستقرار.
- الديمومة : بعد ان اصبح العراقيون يؤمنون بان هذا الفشل دائم ومستمر في حياتهم الاجتماعية والسياسية ، فان العراقيين باتوا يائسين ومتعبين وغير مهتمين لما يجري حولهم من احدث سواء كانت تفجيرات او انتخابات او ان يتولى اي طاغي سياسي سيادة الحكم .
- الشخصاينة : بعد الياس والتعب الذي نشعر به الان فان اي حدث سيء يقع لنا فاننا ننسبه الى انفسنا وذلك في ضوء مجموعة من المعتقدات، مثلا اننا شعب لا نستحق الحياة او اننا غير قابلين للإصلاح والتغيير .
ان هذه الافكار كما يشير Torgler ,2007 تؤدي بهم الى الشعور بالمزيد من اليأس والاحباط ، وللتقليل من هذه المشاعر السيئة وبطريقة سحرية لا تسبب لهم التعب او المحاسبة والاذى فان التميمة خير وسيلة للشعور بالامان والنجاح والتفوق في الحياة .

((الوهم الديني))
ان اشد من يحث الناس في اللجوء الى استعمال التمائم والادعية من دون الحكمة والعقل هم الدجلة والمشعوذين الذين يدعون عمل الرقية ، إذ انكر وتحايل بعض هؤلاء على الاقوال الكريمة التي تحث على طلب العلمِ في كافة اشكال الحياة وكونه فريضة على كل مسلم ومسلمة ، لذا ذهبوا في التلاعب بعقول الناس وخلق قوى غيبية شريرة تتحكم في مصائرهم وعقولهم وصحتهم ومستقبلهم . إن المشكلة الكبيرة في هذه القضية ان ايمان العقل بهذه القوى الغيبية يجعل الفرد يعتقد بفقدان سيطرة التحكم في مجريات حياته ، وانه شخص ضعيف وعاجز امام هذه القوى ، مما يؤدي ذلك الى القلق والارباك والحيرة ، وحالة من الوسوسة والقلق الدائم من الاصابة بشر هذه القوى . وبما ان هذه القوى غيبية وغير مرئية وان الفرد لا قدرة لديه على طردها او السيطرة عليها فانه يلجأ الى رجال الدين الذين يروجون لمثل هذه الاعمال ، ويتوسلون بهم ويطلبون رحمتهم وبركتهم الدينية في طردها. وبدوره فان لهؤلاء المشعوذين اساليبهم الخاصة في اقناع الناس الخائفين والايحاء لهم بأدعية الطمأنينة والراحة ، واقران هذه الادعية بجو روحي خاص واحاديث قدسية منسوبة الى كتاب الله والانبياء والأولياء الصالحين من اجل تأكيد مصداقيتها ومفعولها الروحي ، وبما ان هذه الاجواء تولد لدى الخائفين حالة من الخشوع والرهبة وتصديق امكانية هذا العمل فانهم سرعان ما يستعيدون القوة والسيطرة على ذاتهم وبيئتهم الخارجية من جديد ، ولكن هذه السيطرة مرهونة بهذا العمل (التميمة او الحرز) الذي سيعطيه المشعوذ لذلك الخائف .
((تمائم الخير والشر))
ان التمائم التي يعطيها رجل الدين الزائف او صاحب الرقية على انواع عديدة ، وهي تتحدد وفقا لمصدر الخوف الذي يعانيه الفرد ، إذ ان لكل خوف تميمة او حرز خاص يقي صاحبه من الاذى ، وقد يكون هذا الحرز عبارة عن خشبة او ورقة او حجرا او اي شيء مادي يمكن ان يلمسه الخائف ويؤمن به ويشعره بالسعادة والامان. إن من المميز في هذه التمائم والاحرزة – كما قلنا سابقا – انها تطرد افكار الشؤم والشر ومشاعر الخوف والقلق واستبدالها بافكار التفاؤل والخير ومشاعر الراحة والطمأنينة ، لذلك نجد ان لكل حرز مفعول خاص يعمل على طرد الشر الآتي من مصدره ، وتحصين الخائف منه . وبما ان مخاوف الانسان عديدة ومشتركة بدرجة كبيرة فاننا نجد ان اكثر التمائم والاحرزة تتجه نحو بعض القضايا الخاصة ، هي:
- تمائم الحفظ والامان : غايتها حفظ الخائف من الحوادث والكوارث المادية ، مثل التمائم التي تعلق في السيارات والمنازل ومناطق معينة من جسم الانسان.
- تمائم الرزق : غايتها الحصول على الكسب المادي والنجاح في الاعمال التجارية والمهنية ، وتعلق هذه في المحال والمعامل والمصانع التجارية.
- تمائم النجاح : غايتها التوفيق في الدراسة وطلب العلم ، ونجدها لدى طلبة الجامعة والاساتذة والباحثين.
- تمائم الزواج : غايتها طرد الحسد والشر عن الازواج وحفظ الزوج من الوقوع في الخيانة الزوجية ، فضلا عن علاج العقم ومسائل الانجاب.
- تمائم السياسيين : غايتها الحفظ من مكائد المنافسين والخصوم في العملية السياسية ، والفوز عليهم في الانتخابات.

((متلازمة الحرز والتميمة))
إن الايمان بالتميمة والحرز يعكس مجموعة من الخصائص المعرفية والشخصية للمؤمن بها ، وتتمثل هذه الخصائص بالقدرية ، إذ يؤمن الشخص صاحب الحرز ان هناك قوى شريرة تتحكم بحياته وتحدد مصيره ، وهذا الاعتقاد يرتبط بسمتين في الشخصية بدرجة عالية تدعى الاولى بالحذر ، والتي فيها يراقب الفرد بصورة شديدة اي تغير جديد يطرأ على حياته اليومية ، فإذا اعتقد الفرد بان هناك اشارات غير طبيعية تحدث له فانه سرعان ما يقوم بقراءة التعاويذ والقيام ببعض الطقوس وتعليق الحرز الذي عمل له ، مما تؤدي هذه الحالة بالفرد الى التشاؤم (السمة الثانية) ، والذي يتوقع الفرد في ضوئه بانه سيصاب بأذى وان اموره لا تسير على ما يرام ؛ وبما ان المتشائم يخاف من الجديد والمستقبل فانه يكون شخصا ماضويا وتقليديا ، وهو ما يطلق عليه بـ (المحافظة) وهي ميل الفرد الى التمسك بالقيم والعادات السلوكية التقليدية ورفض الانفتاح وتقبل الاشياء الجديدة ، لهذا السبب نجد ان مثل هذا الفرد يتمسك بالنظام الاجتماعي التقليدي حتى لو كان هذا النظام قاسيا وظالما. إن المتعب والمؤذي في الشخص صاحب التميمة قليل الايمان بمنجزات العلم والتطور ، وصاحب نظرة ضيقة وسطحية للحياة ، ويتمسك بكل ما هو خرافي وزائف ، فضلا عن ذلك تمسكه الشديد بمعتقداته وافكاره الدينية والاجتماعية والسياسية ، لذا يحمل مثل هذا الشخص استعداد تعصبيا متطرفا نحو هذه الافكار ومن الصعوبة تغيير رايه واقناعه بشيء يخالف عقديته او منظومته المعرفية ، مما يدعونا ذلك الى الشعور بالاسف والحزن لأن نتائج الدراسات والملاحظات التي نقوم بها يوميا تؤكد ان القسم الكبير من ابناء مجتمعنا (مواطنين عاديين ، موظفين ، معلمين ، اساتذة جامعة) ما زالوا متمسكين بهذه الطريقة من التفكير ، مما يبقي مجتمعنا متخلفا وجامدا ومنقطعا عن ما وصلت اليه الشعوب من تطور ، فضلا عن تمسك ابناءه بالكثير من الافكار والنظم السلطوية الظالمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذنا العزيز
فريد جلَو ( 2015 / 7 / 5 - 09:54 )
وصل الامر بأن يفتتح المشعوذون عياداة علنيه وفي مناطق مهمه من بغداد ترفع يافطات عريضه تعلن فيها عن دجلهم مثل العلاج بالسحر والتميمه والخ ويقال ان شخصيات بارزه بالدوله تتعامل معهم ------------ ويقول امين عام نقابه الاطباء انهم غير معنيو بذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ اليس من حق الاطباء والمواطتين على نقابه الطباء ووزارة الصحه ووزارة الداخليه ملاحقة من ينتحل صفة الاطباء والصيادله وهؤلاء المشعوذين------- حتى انهم يحتلون شاشات بعض الفضائيات ويحضرني هنا ان احد ادعياء الدين كان يتحدث في احدا الفضائيات سأنقل حديثه كما هو --- كنت اتجول مع طبيب باكستاني زار العراق في المدينه ----------- وتعصب كثيرا عندما رأى العدد الكبير من الاطباء والصيادله في المدينه وقال لي كيف تذهبون الى الاطباء وانتم تجاورون الامام وهو افضل طبيب

اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح