الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم الأحزاب الكبيرة

خليل كلفت

2015 / 7 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يحلم كل حزب من الأحزاب اليسارية التى تكوَّنت بعد ثورة يناير بالتحوُّل إلى حزب كبير وقوىّ وفعّال ومؤثر فى قضية التغيير الاجتماعى والسياسى. غير أن كل حزب منها يعانى صعوبة، وربما استحالة إحداث هذا التحوُّل؛ وتكثر تفاسير هذا الوضع.
وتكثر اقتراحات تحوُّل كل حزب صغير إلى حزب كبير.
ونقف هنا قليلا للإلمام ببعض تفاسير الحالة واقتراحات التغيير.
وبدلا من فكرة أنه لا يمكن تفسير أوضاعنا أو تغييرها على أساس مفاهيم عامة، ينبغى أن نحاول التوصل إلى مفهوم ملائم، وأن نحاول تطبيقه، بالمرونة الواجبة.
ويركِّز التفسير الذى أسمعه على نقص التمويل، ونقص الكادر، وعدم الوحدة، ويجرى التأكيد على "ضرورة" الحزب. ويجرى تفسير غياب وحدة أحزاب اليسار باختلاف الرؤَى، ويبدو هذا الاختلاف فيما يتعلق بأحزاب اليسار الرئيسية مُبالَغا فيه.
ويُقال إنه لو كانت هذه الأحزاب موحَّدة فى تنظيم يسارى واحد عند الثورة لكان لدورها شأن آخر. ولا شك فى أن هذه الخواطر مهمة ومترابطة، ولكنْ جزئيا، وجزئيا للغاية فقط.
ويمكن توسيع الموضوع ليشمل كل أحزاب مصر، وهنا نجد نفس المشكلة وإنْ بصورة أقلّ، وأقلّ كثيرا أحيانا.
وترتبط مشكلة حجم الحزب ودوره، ضمن أشياء أخرى، بحالة كلٍّ من المجتمع بمختلف طبقاته والدولة بكل مؤسساتها، وبتاريخ المجتمع والدولة وتأثيرهما فى الحياة السياسية الراهنة.
وتطمح الأحزاب إلى السيطرة على السلطة لإعادة تنظيم الدولة وَفْقَ رؤاها التى تعكس مصالح طبقاتها. والحزب الكبير وحده هو الذى يمكن أن يتولى سلطة الدولة، فيكون حزبا حاكما، أو حزبا من المحتمل أن يكون "قادرا على انتزاع السلطة".
وفى مصر رأينا قبل ثورة يناير حزبين كبيريْن. أحدهما حزب حقيقى وهو حزب الإخوان المسلمين السرى، والثانى، حزب تابع لمؤسسات وأجهزة الدولة وليس له دور حقيقى فى الحكم، وهو الحزب الوطنى الديمقراطى.
ولا يهروِل الناس إلى هذه الأحزاب بمئات الآلاف والملايين إلا عندما يكون الحزب فى السلطة أو مرشحا لذلك، وفى هذه الحالة تنجذب الجماهير إليه بوصفه حزب مغانم قائمة أو محتملة.
ويتبنَّى الحزبان رغم الدعاوى الوطنية عند أحدهما، والدعاوى الإسلامية عند الآخر، الأيديولوچيا الپراجماتية الرأسمالية الأمريكية السائدة فى عالمنا. وإذا كانت جماهير الحزب الوطنى دنيويين ولا علاقة لهم بِقِيَم وطنية إلا عند حدوث تطورات كبرى، فإن جماهير الإسلام السياسى بدورهم دنيويون بالغو الدنيوية.
وليس لدينا الآن حزب مرشح لتولِّى الحكم قريبا، حتى إذا تم القضاء تماما على مشروع الدولة الإخوانية.
وقد ظل الحزب الواحد يحكم مصر طوال عقود منذ حركة 1952، دون رتوش فى عهد عبد الناصر، ثم برتوش التعددية الحزبية الصورية منذ السادات.
وكان الغرب أكثر نجاحا منّا فى التعددية الصورية، لأنه كان أكثر نجاحا منّا فى "حَيْوَنَة" البشر، والحقيقة أن التعددية مع "الحَيْوَنَة" لا تكون إلا صورية.
فلماذا سارت الأمور على هذا النحو؟
وتخضع مسألة وجود وتكوين ونمو وموت الأحزاب لقوانين اجتماعية لا مفرّ منها، وترتبط ارتباطا وثيقا بحالة كلٍّ من الدولة والمجتمع.
ومن خلال تصفية الحريات الحزبية والنقابية والصحفية، تمَّت مصادرة الحياة السياسية، وهذه المصادرة قائمة إلى يومنا هذا.
وكانت الضربة الكبرى التى قصمت ظهر الأحزاب جميعا، وحظرت تكوينها، وأخضعت النقابات لسلطة الدولة، على مدى ستين سنة، تعنى أن إحياء أحزاب قديمة وتكوين أحزاب جديدة لن يتحققا إلا فى إطار التعددية الصورية، فلا تستعيد قوتها الأصلية، ولا تتجاوز معادلة الأحزاب الصغيرة والمقيَّدة، وسيظل محكوما عليها بالضعف والعجز والقزمية، لزمن طويل.
أىْ أن حالة الدولة ومؤسساتها وقوانينها أغلقت باب الحزب الكبير، وظل مغلقا بإحكام.
وفى الأحوال العادية يهرع الناس إلى الحزب الحاكم ليُوفِّر لهم بعض المزايا ويجنِّبهم بعض الشرور، ويكونون سياسيا فى حالة لامبالاة تامة تقريبا. ومع الفقر والإفقار المتواصلين تحلُّ أزمة اجتماعية وسياسية قد تفتح بابا إلى التمردات والانتفاضات وحتى الثورات.
وقد ينمو فى قلب هذه البيئة الاجتماعية-السياسية حزبٌ يضع نصب عينيه الوصول إلى السلطة، ويهرول الناس إليه بحكم معاناتهم وبحكم وعوده بالتغيير، وبحكم قوته المتعاظمة التى تُقنع الناس بقدرته على الوصول إلى الحكم.
وهكذا كان لدينا حزبان كبيران؛ الحزب الوطنى العاجز تماما عن الحكم أو التغيُّر، والحزب الإخوانى الذى امتلك قوة عددية وسياسية وعسكرية هائلة، فأقنع مئات الآلاف من الأعضاء، والملايين من المتعاطفين بأنه الحزب الحاكم القادم.
ونتائج الصراع معروفة جيدا، حيث كانت الدولة بقيادة الجيش هى التى نجحت فى هزيمة الحزب الأقوى، بالارتكاز على وضع خلقته الثورة.
على أن الجدل بين الجماهير والأحزاب ظل كالمقطوع، حيث وضع قسم من الجماهير أمله فى الحزب الإخوانى، ووضع قسم آخر أمله فى دولة بلا أحزاب، ويمكن القول إن الدولة هى التى سعت إلى تحريك الجماهير عندما حاصرها وحاصر الشعب كله خطر مُحْدِق.
والحزب ضرورة؛ غير أنه لا مناص من تأجيل مناقشة حدود تحقيق هذه الضرورة، وما يُوصَف بمشكلة حزب الهدف الواحد.
3 يوليو 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال