الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قضية فتاتي انزكان -لنكن صادقين- لهذه الأسباب يتوجب على الحكومة الاستقالة

نبيل بكاني

2015 / 7 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


من كان يتصور أن مجرد تنورتين قصيرتين ستزلزلان أركان هذا المجتمع، وتقسمانه الى فريقين متناحرين، كل واحد منهما متشبث بموقفه الى درجة غير مسبوقة. فريق متسامح متضامن والاخر حاقد متشفي في ما حدث للفتاتين صاحبتي التنورتين، بل تجده مطالبا بالقصاص منهما معتبرا انهما مكمن البلاء والفتنة. وكل ذنب الصبيتين، أنهما اعتقدتا في بلد "المؤسسات والقانون" أنهما فعلا حرتين في لباسهما وماكياجهما، كما هو الشأن داخل اي مجتمع عريق شهد منذ القدم تعايشا وقبولا بالاختلاف.

كيف نتصور اذن، التسامح والتعايش وقبول الاختلاف داخل المجتمع الواحد، بعد هذا اليوم. لقد مر يوما كئيبا بالفعل، هكذا أحسسته، عندما وصلني خبر اعتقال فتاتين في مدينة "انزكان" ذات الثقافة الامازيغية الممزوجة بثقافة الوافدين عليها من العرب، من طرف البوليس، وايداعهما السجن الاحتياطي داخل قسم البوليس حتى الصبح، وزاد من تأثري تدفق المزيد من المعطيات حول ظروف وملابسات الاعتقال "الشنيع"، بعد ان عرفت ان سبب الاعتقال الرئيسي هو قيام بعض المتحرشين بمحاصرتهما وارغامهما على اعطائهم ارقام هواتفهما، وعندما قامتا بالاتصال بالشرطة، التي حضرت على الفور فوجئتا بالضابط وهو يأمرهما بمرافقته بعد ان اتصل بنائب وكيل الملك في المحكمة الابتدائية بالمدينة، الذي أعطاه تعليمات التحفظ عليهما.

الأفضع من كل ذلك، والذي لا يتصوره انسان له ضمير وحس انساني، هو ما جرى داخل مخفر الشرطة، وكما جاء في شهادة الفتاتين اللتين استقبلهما راديو بلاس لمدة تقارب الساعة والنصف، سردت فيها الفتاتان ملابسات القضية وظروف الاحتجاز، التي تؤكد على استمرار التعذيب في السجون واماكن الاعتقال في المغرب، وان كان نوع التعذيب في هذه الحالة يمكن تصنيفه ضمن خانة التعذيب النفسي.

ذكرت الفتاتان ان رجال الامن فرضوا عليهما ارتداء جلابيب اتوا بها من محلات مجاورة، كانت تلك، الخدعة التي لم تفطن لها براءة الصبيتين، وراءها محاولة اثبات "جرم" لم يحدث، فحين تلتقط الصور والفيديوهات للفتاتين وهما مقتادتان من طرف الشرطة، ترتديان جلابيب فان من سيشاهد هذه الصور والفيديوهات سيعتقد للوهلة الاولى أن الفتاتان كانتا فعلا في وضع يستحق المساءلة القانونية، وأن الشرطة "سترتهما" بالجلابيب، وهذا اخلال بالواجب المهني يستدعي لوحده مساءلة رجال الامن الذين قاموا بهذا الفعل الخسيس، ذكرت الفتاتان في شهادتهما المبكية، أن ضابط الشرطة القضائية حرر لهما محضرا وفرض عليهما التوقيع عليه رافضا منحهما حقهما في الاطلاع عليه، وهذا فعل ثان يستحق هو الآخر المساءلة الادارية والقانونية للضابط، لتتضح خلفيات رفضه اطلاعهما على مضمونه، حيث أن ماذكر فيه زورا وتلفيقا يمكن اذا ما بنت عليه المحكمة أحكامها ان يقود الى السجن مباشرة، حيث ان من ابرز ما ذكر فيه، هو اعتراف الفتاتين بالاخلال بالحياء العام وبشكل جد فاضح مع اعتراف صريح بتعمدهما اغواء الشباب في السوق، طبعا كل هذه الاقوال هي مجرد ادعاءات زور، حسب ما أكدته الفتاتان الى جانب أن أي عاقل سيرى حجم المبالغة في كتابة المحضر، وبالطبع ما يرفع اي لبس عن موضوع تضمين أقوال مغلوطة ضمن المحضر، هو رضوخ هيأة المحكمة لطلب استبعاد محاضر الشرطة، يوم الاثنين في أولى جلسات المحاكمة. الا أن ما يزلزل كيان أي ضمير حي، هو ما حدث خلال فترة الاحتجاز بالمخفر، تقول الفتاتان أن سبعة من رجال الأمن كانوا يتناوبون على تعذيبهما نفسانيا، حيث بين الفينة والاخرى يباغثهما رجل أمن وهما داخل الزنزانة ليقتادوهما الى قاعة التحقيق، حيث تتلقيان وجبة من الاهانة والشتيمة وكل أصناف التحقير والاذلال، وتؤكد الفتاة بالحرف أن أحد هؤلاء الجلادين سألها بأسلوب سوقي فاق كل وضاعة ونذالة، اذا ما كان المتحرشون بها في السوق قد "خوروكما" وهي مفرضة عامية في منتهى السوقية والوضاعة، ومرادفها اللغوي في الفصحى "هل حشروا أصابعهم في مؤخرتكما"، هكذا وبمنتهى السفالة والنذالة، تعامل فتاتان لا ذنب لهما في مكان يفترض انه حصن آمن للمواطن، كان مذنبا أو غير منذنب، فيما كان يطلب منهما بقية العناصر الامنية، الالتفاف والاستدارة أمامهم كي يطالعوا مفاتنهما جيدا، طبعا كل هذا بحسب ما صرحت به الفتاتان.

أصدرت ولاية الامن بأغادير يوم الاثنين، حيث تشهد المحكمة الابتدائية لانزكان، أولى فصول محاكمة الفتاتين، بيانا كذبت فيه ما جاء على لسان الفتاتين، من اتهامات بالتحرش الجنسي التي وجهتها الفتاتان لرجال الشرطة أثتاء احتجازها لهما في المخفر. التستر على جريمة التحرش يفسر كمشاركة في الجريمة، ولاية الامن تنفي حالة التحرش وكأن مسؤوليها كانوا حاضرين خلال فترة الحراسة النظرية (الاعتقال الاحتياطي)، هذا يسمى "تغليط الرأي العام" ونفي حدوث جريمة من دون الادلاء باثباتات البراءة. عندما تدعي الولابة اجراءها تحقيقا في الموضوع وان نتائجه أنصفت عناصر الأمن، ووصفت الفتاتين بالكذب، فان موقف الولاية هنا ضعيف وضعيف للغاية، لأن التحقيق، ولي يكتسي طابع المصداقية يتوجب أن تقوم به جهة محايدة.

الولاية اقحمت نفسها في الموضوع، وبالتالي صارت طرفا في القضية ويتوجب على الداخلية او رئيس الحكومة مساءلة مرؤوسيهم في هذه الولاية، هذا من جهة، واما من جهة ثانية، فصدور البيان متزامنا مع قضية معروضة التداول أمام القضاء، يدخل في باب التأثير على القضاء وعلى فصول المحاكمة النزيهة.

ان ما صرحت به الفتاتان لهو أمر بالغ الخطورة، فالأمر هنا يتعدى تجاوزا فرديا، لأن الاتهام هنا أصبح موجها الى فريق أمني ومن تم لقسم الشرطة ولرئيسه المسؤول الأول على كل ما يحدث داخل المؤسسة الأمنية الموضوعة تحت مسؤوليته؛ فما يضمن أن ما وقع في هذا المخفر، لا يقع في باقي أقسام الشرطة على امتداد خارطة المغرب، وبالتالي المسؤولية باثت تقع على جهاز الأمن ككل فضلا عن الوزارة الوصية وهي وزارة الداخلية التي تتحمل المسؤولية أمام البرلمان وأمام الشعب، ومن تم، ولفضاعة وهول الواقعة، التي مست في العمق موضوع حقوق الانسان ولارتباطها بالعامل الاديولوجي، الذي ينظر الى لباس المرأة المغربية من منظوره الفكري، فان عواقب الحادثة تترتب على الحكومة برمتها، ولهذا أنا كمواطن من هذا البلد، أرى أنه، وصونا لحقوق الانسان، أن الواجب الوطني والانساني، قبل الواجب السياسي، بفرض على الحكومة تقديم استقالتها، لأن فشلها الذريع، في حماية أمانة حقوق الأفراد داخل هذا البلد، وتساهلها فيما يخص الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والانسانية، وأن فشلها هذا بات يهدد الاستقرار والأمن الاجتماعيين للمجتمع ككل، وأنه لا طائل من استمرارها في تسيير شؤون البلد، واستمرارها أصبح مكلفا جدا وينبئ في كل يوم بكارثة جديدة، يذهب ضحيتها المواطن المقهور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمنيات بين التحديات والإنجازات المسيرة مستمرة


.. الحروب والكوارث الطبيعية تُعرض الأطفال للإصابة بالاكتئاب




.. الشهباء تكتسي ثوبها الأخضر بقدوم فصل الربيع


.. أقوال المرأة خالدة في ذاكرة التاريخ




.. أفولكي للنساء… ربع قرن من العمل على إدماج المرأة في التنمية