الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استفزاز الذاكرة في (ما بعد الخريف) دراسة نقدية للمجموعة القصصية ( ما بعد الخريف ) للقاص عبدالكريم الساعدي بقلم الناقد: علوان السلمان

عبدالكريم الساعدي

2015 / 7 / 11
الادب والفن


استفزاز الذاكرة في(ما بعد الخريف)
دراسة نقدية للمجموعة القصصية ( ما بعد الخريف ) للقاص عبدالكريم الساعدي
بقلم الناقد: علوان السلمان

القص القصير تعبير عن الواقع المتداخل والخيال لتحقيق الوظيفة الإيحائية والجمالية عبر وعي المنتج وخزينه المعرفي المحقق للمتعة من جهة والمحرك للذاكرة الباحثة عن المنفعة من جهة أخرى..بنسيج فني تشكل الدلالات النفسية والاجتماعية روحه وعموده الفقري..
و(ما بعد الخريف)المجموعة القصصية التي خلقت عوالمها ذهنية متأملة لواقعها فكانت شاهدا ببصمة مبدعها عبدالكريم الساعدي..وأسهمت دار أمل الجديدة في نشرها وانتشارها/2015..كونها شاهدا على واقع أكلته الحروب فكان تركيزها على الهم الاجتماعي والنفسي كونه محرك فاعل ومؤثر في الوجود ابتداء من العنوان بفونيماته الثلاثة الدالة على ظرفية زمانية وواقع مأزوم تكشف عنه صورة الغلاف بمياهه الآسنة ومحيطه الظلامي الرامز بسواده ونص الإهداء الموازي...
(إلى..
من توضؤوا بشهد الحرائق
أحلامكم التي وطأتها سنابك الدمع
ما زالت تهطل) ص5
..إضافة إلى كشفها عن زمن القص 1984 ـ 2014 وهي فترة مكتظّة بالحروب والحصارات..(هي ذات الألم..أكفان..وخوف..كنت وحيداً سقيما لما احترفت الكلام يخالني أمسك ضوءاً يستفز الوجع..كان خريفاً متجبراً..مكابراً..)..ص7..
هذا يعني إنّ المجموعة تشكل موقفا مؤطراً بإطار الحياة المكتظة بالمتناقضات المتصارعة الحادة وهي تسير بخطين متداخلين: أولهما واقعي وثانيهما تخييلي..
(وأنا معلّق في قبضة عينين تهزئان بأنفاسي اللاهثة بأطياف الحنين وأصداء الذكريات..أخشى أن تفتح لي جرحاً في خاصرة العشق..ومما زاد ارتباكي أنّه كان يفاجئني كلّ لحظة وعيناه تقفان عند اسم علي..كنت كنصف ميت أذوق مرّ الهوان..
ـ ما اسم أبيه؟
ـ ..............
كنت أطوف حول ملامحي المختبئة بين السطور بخشوع ناسك..كان يشبهني تماما..مرت ثوان بعمر الكون وأنا أرتل في المدى دعاء له نبض خوفي وضعفي وأنين الأمهات..عيناي تدوران بين الأسماء المرثية وبين ظلّ أمي القابعة خلف أسلاك المنايا..إنّها مسافة شهقة موت أو حياة..مسافة ثماني سنوات رعب متشحة بسواد القهر والحزن والتلاشي ..تدور في قبضة الموت ولما انغلق فضاء المجهول وختم على قلقي بالشمع تحررت من أسر كابوس العزاء..هرعت إلى أمي ملوحا لها عن بعد بضوء أمل لعلها تستظل به..كانت فرحة لأنّه لم يمت..
ـ ألم أقل لك إنّ الموت لا يقدر أن يحزّ رقبة الورد؟ أريد أن أراه..) ص20..
فالنص يعبر عن لحظات مشبعة برائحة الحياة المأزومة وتفاصيلها بجمل سريعة متلاحقة بدلالاتها الحركية وانتقالاتها المتداعية..الموظفة بقصدية عبر مشاهد وصور وأجواء كاشفة عن لحظات الموت الذي يسير بموازاة الواقع بلغة مجازية مانحة إياه عمقا فكريا وبعدا دلاليا باعتماد القاص التكثيف على مستوى السرد والحدث والشخصية والحوم حول العمق السايكولوجي ورد الفعل النفسي بلغة انفردت بدقة تعابيرها التي تتسم بدور وظيفي في معناها..مع ابتعاد عن الاسهاب والاستطراد الوصفي واعتماد الرمز كوسيلة لإغناء عوالم النص والتعبير عن اللحظة المشهدية الحافلة بالاستثنائي من الواقع واستفزاز الذاكرة المستهلكة..كونه قدرة مشحونة بدلالات تفرض التاويل من اجل استنطاق الوجود...
(اختلس ميقات الطيوف كي لا يستبيحني المكان.احدق في خيط من نور يتدلى من مصباح معلق في سقف صالة انتظار المشفى..يمضي على هدب الفراغ فاغرق فيه..وقبل أن يغزو جرحي صرير الباب استيقظت..انفض عن أنفاسي رعشة القلق ودوامة الانتظار..أرتل حلمنا المكتوم..انهض من مكاني يأتيني الصوت ممتشقاً وجه الحيرة والانكسار حين حاصرتني العيون بعطفها قالوا..
ـ إنّها ماتت
ـ أيّ واحدة منهما؟
ـ ....................
اعتقلني الذهول وانتظرت الدموع لكنها لم تأت..كانت الدموع تترقرق في عيون الناعي..امتد صمتي وذهولي في حناجر الصدى..صدى لهائي المهزوم يشيعه الوجع ولوعة الفراق في حواس الغرباء..وحين لم يعد غير الموت حاضرا..أضحت الأحلام تلاشيا..تعكزت طرف الغياب لألملم الفجيعة وانتظرت خطواتي لتخوض في مواسم العذاب..مواسم يلجمها السواد والغربة المميتة..لقد آن لي أن أعانق جرحي..لكن من سيشهق بالصراخ عند مدن طريدة أطفأت مصابيح المساء..ابنتي التي تحمل دفء العالم ام زوجتي التي أضنتها جراح المنافي؟ لا ادري..كانت عيناي تدوران بين باقة الزهور وبين لعبة ابنتي..)ص42..
فالنص يركز على الهم الاجتماعي كمحرك فاعل ومؤثر في الواقع الاجتماعي داخل بنية السرد عبر لغة تمتلك دلالاتها لخلق تركيبة مكونة من الحلم المتداخل والواقع ليضفي عليه تسجيلية تمتلك قدرتها على التقاط اللحظة المشهدية الغنية بدراميتها النافدة في أعماق الوجود ومحاولة الكشف عن دواخل الشخصية الأنموذج عبر حوارها الذاتي(المنولوجي) والتي تعد وحدة أساسية منبثقة من واقع متشظ..باعثة للوعي عبر التساؤلات التي أضفت النمو الفكري عليها كي تحقق حضورها وتسهم في انبثاق هواجسها الحيوية.. بلغة تلامس الحياة بتراكيبها المشهدية وطراوة ألفاظها الواضحة المعالم ببعدها عن التقعر..
وبذلك قدم القاص نصوصا مكتظة بشحناتها الدلالية وترميزاتها المستفزة للذاكرة وتوثيق لحظتها العيانية التي شغلت مساحات زمنية لأحداث نامية مستجيبة لشخوصها مع اقتراب من التخييل والمجاز في التصوير ومزج الحقيقة بالحلم باعتماد لغة تلامس مجرى الحياة ونبضها المنطلق من لحظة وعي متجاوز للواقع وافرازاته للتعبير عن رؤية انسانية تقوم على التركيز الدلالي بألفاظ موحية مثيرة للتأويلات بتجاوزها المعنى المتفرد بأحاديته..فضلا عن إنّه يوظف تقانات فنية منها التنقيط (النص الصامت)الذي يستدعي المتلقي كي يكون مسهما في بناء النص..
ـ إنّها ماتت
ـ أيّ واحدة منهما؟
ـ ................ /ص42
...فضلا عن أنّه يوظف الهامش للشرح والتوضيح بعيداً عن الدلالة الفنية والجمالية..إضافة ألى أنسنة الجمادات وجعلها فعلاً فاعلاً في الواقع..
(على مسافة موت أحمر يقف(كردمند) شامخاً مدججاً بمذاق الغضب..تنحني الريح له بعدما تواطأ الموت معه..يحدق من أعلى قمته بعينين لا يخونهما المدى صوب(جومان)..) ص27..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا