الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ العرب الحديث .. تجارب مدمرة وفشل ذريع

منعم زيدان صويص

2015 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


منذ بداية القرن العشرين مرت الشعوب العربية بتجارب مريرة بعد تخلصها من الحكم العثماني، ولسؤ حظها كان الأتراك العثمانيون متخلفين من الناحية العلمية والثقافية، وتجاهلوا وأوقفوا التقدم الحضاري للأمة العربية مدة 400 سنة. غير أن هذه الفترة الطويلة تخللتها الحملة الفرنسية على مصر، التي تبعها بعد سنوات قليلة حكم محمد علي باشا، هذا العسكري الألباني الذي كان لبُعد نظره وحكمته أكبر الأثر على مصر وبلاد الشام. لقد استغل محمد علي الاحتكاك مع الفرنسيين فأوفد العديد من الشباب اللامعين في بعثات إلى باريس وعادوا بعقول مفتوحة ليساهموا في التغيير. وتخلل هذه القرون احتكاك آخر مع الحضارة الأوروبية، عن طريق فرنسا والوجود المسيحي في بلاد الشام. وكانت الحضارة الغربية سبقت العرب مئات السنين، بالضبط كما سبقت الحضارة العربية-الإسلامية الأوروبيين في العصور الوسطى. وأُدخلت الطباعة لمصر ولبنان وتُرجمت كتب المستشرقين، ومن سخريات القدر، أن الشعوب العربية اكتشفت في هذه الكتب بالذات مدى تأثير العرب والمسلمين في الحضارة الإنسانية، وساعد هذا الاحتكاك في تنمية روح القومية العربية، وخاصة في بلاد الشام.

غير أن هذه الروح لم تظهر بقوة وبوضوح إلا بعد تبني سياسة التتريك، في بدايات القرن العشرين، من قبل حزب تركيا الفتاة الذي كان هدفه تقوية وحدة الإمبراطورية العثمانية بدءا بتتريكها وإحلال اللغة التركية مكان اللغة العربية. وقد حدّثنا أجدادنا كيف أجبرت المدارس، على قلتها، بعد 1908 على البدء بتدريس اللغة التركية، وبعضهم كان يحفظ ما تعلموه كأطفال باللغة التركية في ذلك الزمان. واستغلت الحركات المعادية للحكم العثماني نشوب الحرب العالمية الأولى للثورة على الأتراك في الجزيرة العربية وبلاد الشام وكانت الثورة على شكل انحياز للحلفاء الغربيين ضد تركيا وألمانيا وروسيا، ولم يكن باستطاعة العرب أن يصنعوا شيئا لولا هذا التحالف، لأنهم، كجزء من الإمبراطورية، كانوا متأخرين من جميع النواحي.

وما إن فتح العرب عيونهم على العالم حتى اكتشفوا أن القوى الاستعمارية الكبرى ، فرنسا وبريطانيا، كانت تخدعهم وتتآمر عليهم، فقد قسمت الهلال الخصيب إلى عدة دول، وبدأت بريطانيا تخطط لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وطبعا هذا كان قبل هتلر وما سمي بالهولوكوست الذي كان سببا في دعم المطالب اليهودية، بالتركيز على ظلم أوروبا لليهود. وبدأ الشعب الفلسطيني يغرق في حرب مقاومة ضد الإنجليز والمهاجرين اليهود معا، الذين كانوا ليس فقط مدعومين من الغرب الذي كان يودّ حل المسألة اليهودية في العالم الغربي على حساب العرب ويكافئ اليهود على مساعدتهم للحلفاء في الحرب، بل كان المهاجرون اليهود متقدمين علميا وتكنولوجيا وماليا على الفلسطينيين، ومدعومين من قبل بريطانيا، القوة المنتدبة. وبدأت رحلة الآلام الفلسطينية منذ ذلك الوقت ولا تزال مستمرة. أما العرب حول إسرائيل فكانوا مكبلين بأغلال الحكم الاستعماري، ولم يتحرروا إلا في النصف الثاني من الأربعينات، عندما كان العالم يئن من الويلات الاقتصادية والإنسانية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية والتي أثرت أيضا على المنطقة وشعوبها الفقيرة.

وفي عام 1947 قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، ورفض العرب القرار بدون أن يعتمدوا على عناصر قوة تدعم موقفهم، وتظاهر اليهود بقبوله. غير أن موقف الفلسطينيين كان مبررا لأن عدد الفلسطينيين في القسم اليهودي نفسه كان أكثر من اليهود، وفي عام 1948 أُعلنت في فلسطين دولة، واعترفت بها القوى العظمي كلها، وانسحبت بريطانيا من فلسطين على عجل تاركة عرب فلسطين تحت رحمة اليهود الذين كانوا مسلحين لأسنانهم كما يقال، والذين كانوا قد كوّنوا فرق إرهابية ضد العرب والإنجليز معا، ودخلت بعض الجيوش المجاورة الحرب واستطاع الجيش الأردني أن يحتفظ بما سمي بعد ذلك الضفة الغربية، ومن ضمنها القدس، واحتفظ الجيش المصري بما سمي قطاع غزة. وبعد حوالي عقدين من الزمان، وبعد تهديد إسرائيل لسوريا، حاول العرب مرة أخري أن يهزموا إسرائيل وفشلوا الفشل الذريع الذي كان بذرة التحول في تفكير العرب والذي أضعف الروح القومية ودعم الاتجاه لتبني مبادئ الإسلام السياسي، والذي استمر بالتوسع وبلغ قمته في القرن الجديد، قرن الدمار والتفتت الحالي. وتراجعت قضية فلسطين وتفاقمت مأساة الشعب الفلسطيني.

في كل مرحلة من هذه المراحل وبعد كل هزيمة وفشل، كان قادة الرأي في العالم العربي يقنعون أنفسهم ويكتفون بإرجاع فشلهم إلى مؤامرات أجنبية للسيطرة على "مقدرات" العرب. وكان من السهل إقناع الناس بذلك. ومن شدة خوف العلمانيين من المتزمتين لم يكن هناك نقد ذاتي يفسر ما حدث سوى الطريق السهل وهو لوم الحكام جميعا واتهامهم بالفساد وبالعمالة للأجنبي. وكلما كان يذهب زعيم يأتي آخر أسوأ منه، وبقيت التهم ثابتة لا تتغير. وأخيرا انقسم العرب شيعا وتجمعات على أساس ديني، واستفحلت العداوة بينها، وثبت أن الهوية المذهبية أقوى من الهوية الوطنية.

وتبين أنه لم يكن العرب على استعداد للحرب في أي وقت، واستعملوا القضية الفلسطينية أداة ابتزاز ضد بعضهم البعض وانعدم التفكير العقلاني، وظهر وكأن العرب كانوا دائما يتوقعون من الأجنبي أن يحارب عنهم ويدافع عنهم أكثر من دفاعهم عن أنفسهم وأن يخدم مصالحهم وليس مصالحه، حتى أنهم أصبحوا يتهمون الدول الأجنبية الغربية بأنها تتآمر للقضاء على الشعوب العربية ولهذا فهي لا تتدخل لوقف الحروب الدينية والأهلية الطاحنة، وقالوا إنها هي التي دبرت الهجمات على نيويورك، وفي النهاية تفتقت أذهانهم عن الفكرة الكبرى وهي أن الغرب خلق القاعدة وخلق جبهة النصرة وخلق حتى الإسلام السياسي بهدف إنها الوجود العربي كدول محترمة.

لم يكن أحد يتصور أن الوضع سيكون كما هو عليه الآن، فهذا كابوس مستمر والمشاكل التي نتجت عن القتال في سوريا والعراق وليبيا واليمن لا يمكن حلها قبل سنوات عديدة وربما عقود، فقد تم تدمير جيل كامل وكل تقدم حصل حتى الآن . لا أحد يستطيع أن يتنبأ كيف سينشأ الأطفال المتأثرون بالحروب وما هو مستقبل العراق وسوريا، الدولتان الكبيرتان التين كانت تخشاهما إسرائيل. هل كنا نتصور أن جزءا كبيرا من شعوبنا سيلومون الأمريكان، كما يفعلون الآن، لعدم التدخل للقضاء على داعش بسرعة، قائلين إن هذا يثبت أن الأمريكان هم من خلق داعش لتصنع كل هذا القتل والدمار؟ لقد طالبوا أمريكا بإرسال جيوشها لتحارب داعش على الأرض وجها لوجه.

كان من الممكن أن تنجح ثورات الربيع العربي لو بقى العلمانيون يتقدمون الصفوف، ولو لم تدخل فيها حركات الإسلام السياسي المتعددة والمتضاربة وتخدع وتؤثر على الشعوب المقهورة، وينعدم التفكير العقلاني، وتنشب النزاعات بين المذاهب، ويُستقطب شذاذ الآفاق والقتلة الذي شوهوا الثقافة وصورة الدين الإسلامي، من جميع أنحاء العالم كي يتجمعوا في المنطقة ويعيثوا فيها فسادا. آلاف من المقاتلين يدخلون من الحدود التركية لسوريا والعراق ولكن تركيا لا توقفهم، أليست هي أسوأ عدو لهم؟ يجب أن يقتنع الناس أن الحكم الديني لن ينجح حتى لو اتفقت كل الآراء الدينية، وهذا مستحيل. كل دول العالم تحكمها المبادئ الإنسانية العلمانية التي يمكن تعديلها أو إلغاؤها إذا لم يتفق عليها الناس، وما الأديان إلا عامل روحي مكمّل لها، وخاصة في هذا العصر.

ولكن ما العمل الآن؟ على قادة الرأي والمثقفين والتربويين والكتاب أن يكونوا شجعانا وأن يوحدوا آراءهم، ويغرسوا حب الأوطان بدل جب المذاهب. في المرحلة الحالية يجب على الحكومات في الدول المضطربة أن تلجأ لفرض حالة الطوارئ، حيثما كان هذا ممكنا، كما فعلت تونس، وتطبيق النظام حتى تهدأ الأوضاع والنفوس، وبعدها تبدأ عملية التغيير في طرق التفكير وفي المناهج التربوية في جو من الهدوء والتصالح. صحيح أن هذه الخطوات ربما تأخذ وقتا طويلا، ولكنها لا بد منها، وهي في الحقيقة أقصر الطرق وأسهل تحقيقا من غيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام