الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الكاتب المطيري والصلاة الموحدة بين السنة والشيعة
نذير الماجد
2015 / 7 / 14العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الصلاة الموحدة في جامع الكويت بين السنة والشيعة برعاية أمير الكويت لم تعجب الدكتور مطلق المطيري الكاتب في صحيفة الرياض، ففي مقاله الأخير الذي علق فيه على الحدث (8 يوليو 2015م - العدد 17180) انحاز إلى رأي المعارضين متذرعا بأن للعبادة شروطها وأركانها وأن التضامن والاتفاق ينبغي أن يكون على قاعدة المواطنة وليس المذهب والعبادة، فالاختلاف بين المذهبين قائم وسيظل..
يقول كاتبنا: " في العبادة نحن مختلفون ولكن على سلامة الوطن متفقون ". وإنه لكذلك، وينبغي أن يظل كذلك. إن التعايش لا يعني سلخ الجلود والتنكر للهويات. يذكرنا منطوق الخطاب وظاهره عند المطيري بأن التعايش ليس رديفا للتماثل، وأن الاختلاف هو الأرضية التي يجب أن نقيم عليها أخلاقيات وأدبيات التعايش والتوافق، وكل ذلك على قاعدة المواطنة والانتماء للوطن (ولكن ما هو الوطن؟ لا أحد يدري!).. كل هذا صحيح ولا يمكن أن نختلف عليه، ولكن الأمر الذي فات الكاتب المطيري هو أن هذا التعايش ليس واقعة تولد معلقة في الفراغ، التعايش ليس خيارا سهلا، ولا يمكن أن تقوم له قائمة إذا أخذ بصفته شيئا جاهزا أو دعوة استجدائية نحثّ من خلالها ونستعطف فرقاء الوطن على التنازل ولو قليلا عن نرجسياتهم الجماعية للتظلل تحت سقف المواطنة والوطن.
ما يظهر من الخطاب تفوته فكرة جوهرية، الفكرة التي مفادها أن التعايش بين المختلفين يفترض ضرورة التواضع المعرفي والتنازل بالتالي عن الملكية الخاصة للحقيقة الدينية المطلقة. بمعنى آخر: التغيير الضروري لإحداث التعايش في الواقع الاجتماعي يفترض سلفا تغييرا داخليا في الفقه والخطاب الديني. لا يمكن للجماعة المختارة/الطائفة الناجية أن تقيم وطنا أو تكون شريكا صالحا فيه، الجماعات المختارة والتي اصطفاها الله لا تقيم إلا أوطانا مغلقة، احتكار الحقيقة يقود إلى احتكار الوطن.
وبينما يضع كاتبنا مقالاته الأسبوعية تحت عنوان عريض ومغري هو "الخروج عن النص" نجده هنا حبيسا لهيمنته وسلطته وقيوده. إن الدخول في التعايش يفترض أولا الخروج عن النص وكسر هيمنته، بتأويله أو بتحريك وإزاحة دلالاته أو اخضاعه لاشتراطات المصلحة والعقل والمقاصد الإنسانية. الخروج عن النص يعني تقديم المقاصد الكلية على الأحكام الجزئية، بحيث تعطى الأولوية لروح العبادة ودلالتها الإنسانية فتصبح طقسا له طبيعة "الفلكلور" ولونا من ألوان الطيف. وحين يتسع الدين يتسع الوطن.
الكاتب المطيري لا يخرج عن النص وإنما يجعل منه صدفة مغلقة لا أحد قادر على كسرها والتحرر من اكراهاتها، فحين يقول أن للعبادة شروط صحتها فإنه يعيد انتاج الخطاب الديني التراثي نفسه الذي أوجد الانقسام والاصطفافات وقام بتأبيدها مانحا إياها سلطة النص وحكم القانون.. تصبح الصلاة هنا تجسيدا كاملا لعقل اقصائي مانوي :هم ونحن، صلاتهم وصلاتنا، معبدهم ومسجدنا.. الصلاة عند المطيري علامة ورمز لجماعة مختارة مسكونة باحتكار الحقيقة والاصطفاء الإلهي: لا يرفض الكاتب المطيري الصلاة الموحدة، إلا لأن الله يرفضها.. هكذا بنص القانون/ الفقه الذي يمنح المشروعية الدينية للكراهية والإلغاء.
إن الكاتب المطيري الخارج عن النص يقوم بتأبيد النص، والنص هنا سلطة أبدية لأن كاتبنا يحيله إلى "تقرير"، تأكيدات وثوقية حرفية ناجمة عن جزم إلهي، النص إلهي وكذلك قراءته البشرية، ليست الصلاة فسحة روحية وإنما توقيفا تبرره تأكيدات النص وتفسيره الفقهي والحرفي والظاهري الذي هو كذلك موقوف على السلف، تصبح الصلاة رمزا لحرفية النص وتأكيداته وسلطته التي هي نفسها سلطة الجماعة المختارة الضامنة للخلاص، هكذا تتكشف أدبيات الاقصاء والنفي بين سطور الكاتب، إن الله تعبير ميتافيزيقي لهذه الأدبيات المكرسة بسلطة الجماعة.. يقدم الله هنا بصفته ملكية.. الله المفصل على مقاس الجماعة/ الطائفة من الطبيعي أن ينحاز إليها.. يذكرني ذلك بإله إسرائيل الشعب المختار الذي يحظى وحده بعناية الله ورضوانه.
ولكن أدبيات النفي تتخذ شكل فضيحة، النفي والاقصاء مفردات منبوذة لا يمكن لأحد المجاهرة بها، ولهذا يلجأ الكاتب إلى التحايل عليها بالتأكيد على التضامن في الحي والشارع والمدرسة والعمل..الخ، "إلا المسجد طبعا".. غير أن الاقصاء المتجذر في الخطاب يظهر على السطح في صورة شطحات وسقطات لسان فاضحة، يتخذ شكل جينات داعشية. العنوان نفسه يشهد بذلك: "فليصلّ السني في مسجده والشيعي في حسينيته". من اللافت أن الكاتب الذي يرفض الصلاة الجامعة والمشتركة يلجأ إلى تسمية المسجد الشيعي بالحسينية، يحتكر كاتبنا كل شيء بدء من صحة الصلاة مرورا بالمسجد واسم المسجد وانتهاء بالخلاص والله والجنة، فكما أن الصلاة تخضع لشروط الجماعة المختارة، يبدو المسجد مكانا نقيا لا ينبغي تلويثه، مكانا محتكرا للجماعة، يقول الكاتب: "نريد تضامنا خاليا من الشوائب والنفاق، فصلاة السني في حسينية يريد بها أن يوصل رسالة سياسية وليس لتأدية صلاة، وكذلك هي حال الشيعي في مسجد السنة" يريد أن يقول باختصار: المسجد لنا وللآخر المعبد أو أي شيء آخر، أما الطرق إلى الله فتبدأ من الجماعة المختارة وتنتهي إليها، بعد أن كانت في يوم جميل مضى بعدد أنفاس الخلائق.. ألا يذكركم ذلك بأدبيات داعش وبياناتها التي تعلن فيها استهداف مساجد الشيعة التي تسميها معابد وحسينيات؟.
الصلاة الجامعة بين السنة والشيعة دعوة رمزية وحدوية لا يتسع لها صدر الكاتب المطيري، فالمكان "المسجد" الذي أرادت قوى الإرهاب والتطرف استباحته وجعله منطلقا لاستباحة الآخر والشريك الوطني، هذا المكان الذي تريد داعش تفتيت التعايش والمواطنة بتفتيته وتفجيره ينبغي أن يكون هو نفسه منطلقا لتعزيز التعايش والمشاركة الوطنية، هذا هو المغزى الإنساني للصلاة المشتركة بين السنة والشيعة، وهذه هي الرمزية المنبوذة في لاهوت الكراهية..
إن الجينات الداعشية منتشرة في كل مكان !
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مشاهد لاقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات ال
.. تجنيد اليهود المتشددين قضية -شائكة- تهدد حكومة نتانياهو
.. غانتس يجدد رفضه الإبقاء على التشريع الذي يعفي اليهود -الحريد
.. تسجيل صوتي لمحمد الضيف يدعو الشعوب العربية والإسلامية للزحف
.. من أحد رؤوس الكفر إلى أهم الصحابة.. من هو الصحابى الذى دخل ا