الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرورة التطرف والداعشية .. ودورنا جميعا

خالد الحروب

2015 / 7 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من دون التقليل من كل المعارك الخارجية المفروضة على المنطقة وشعوبها، يبدو ان معركة داخلية ليست بالسهلة، إن لم تكن دموية، يجب ان تُخاض ايضا ضد التطرف والتعصب وما ينتجان. في طول وعرض العالم العربي وفي كل بلادنه تقريبا ومن دون استثناء تتصاعد منحنيات التطرف لدى شرائح ليست بالقليلة، ولا الهامشية. والاستجابات التي ترسلها تلك الشرائح لدعوات التطرف وممثليها ومنظماتها مقلقلة الى ابعد حد. التعاطف المُعلن او المُستتر مع الحركات المسلحة والمتطرفة والدموية مثل داعش والقاعدة واخواتهما وما هو قريب منهما، يجب ان يبعث على الخوف العميق على مستقبل الشعوب وناسها وبلدانها.
تطرف المجتمعات اوشرائح عريضة منها والإنحدار إليه حالة سرطانية مرعبة تحدث بالتدريج وقد تصل الى نقطة مدمرة حيث تجلب الموت والإنهيار للمجتمع والوطن في لحظة يحدث فيها الانفجار الكبير، والتي عندها تفلت الامور عن السيطرة والقدرة على المعالجة. يكمن خطر التطرف والتعصب وخطاباتهما في توليد المناخ القابل للقتل والاستئصال عند شريحة من المجتمع، او عنده كله، بحق "الشرائح والمكونات الاخرى". ولا يحدث هذا المناخ او يتولد في لحظة زمنية واحدة او عقب حدث معين، بل يحتاج الى "سيرورة تطرفية" تتطور على مدار فترة زمنية كافية لإنضاجه. مثلا، لا يمكن تخيل بروز الحالة التطرفية الطائفية الراهنة بين الشيعة والسنة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كرد فعل على حادثة تفجير طائفي منعزلة او شيء شبيه بها. عمق التعايش ورسوخه آنذاك كان اكبر بكثير من ان يتم تذريته بحادث او حتى مجموعة حوادث تندلع من منطلقات طائفية.
السيرورة التطرفية ومنحيات التعصب التي انحطت اليها المنطقة منذ عقد الثمانينات على الاقل والتي تسببت فيها صراعات ومنافسات الخمينية الشيعية والسلفيات السنية، استهلكت الارث التعايشي العميق عند شعوب المنطقة، واستنزفته الى الحد الاخير. تحالفت الاسلاموية بتنوعاتها المختلفة مع تلك الصراعات وعلمت على تديين المناخ العام وتلوين افكار وسلوكيات الناس بالنظرة الدينية الضيقة المناقضة للنظرة المواطنية. وفي خضم فوضى الاجندات المحلية والاقليمية، التنافسية بين الدول المُستخدمة للاديان والطوائف، والاسلاموية بين الحركات التي كل منها يدعو لفكرة معينة (الخلافة، الاسلمة، الجهاد، ...)، كان الضحية الاولى والاهم هو فكرة المواطنة والتعايش داخل اوطان ما زالت في طور التشكل، وما زالت الأسس المدنية والدستورية والمواطنية المكونة لها طرية ولم تترسخ بعد. على ذلك، فإن الجزء اليسير من الطريق الذي كان قطع بإتجاه دولة المواطنة، والمتباين تبعا للبلد المعني، تم إيقافه واجبار الناس على العودة الى الوراء بحثا عن ولاءات وهويات ما قبل الدولة الحديثة وما قبل المواطنة.
وهكذا وخلال اربعة عقود كاملة على الاقل اشتغتل الطائفية الاقليمية والاسلامويات المحلية على تحطيم فكرة الدولة المواطنية، وعلى اختطاف المجال العام بإسم الدين، وعلى تديين كل الممارسات السياسية والاجتماعية والثقافية، وهو تديين محازب ومنحاز بحسب الجهة صاحبة النفوذ والسيطرة في هذا البلد او ذاك، او هذا الجزء من البلد او ذاك. كان ذلك جزء من "سيرورة التطرف" التي نقطف حصادها اليوم، لذلك لا يمكن محاصرة هذا التطرف عبر محاصرة العناصر والمنظمات والاحداث المتطرفة. علينا ان نعترف ان المطلوب هو اكبر من ذلك واخطر بكثير، وله علاقة بمعالجة مناخ التطرف وجذوره وخطاباته المُستبطنة في معظم مجالات اشتغال السياسة والاجتماع والثقافة والدين. لنتأمل مثلا الضجة الاعلامية والسياسية التي قد تنفجر في اي بلد إزاء اي احدث مسلكي هامشي وتافه لفرد او مجموعة افراد، او لممارسة صوفية مثلا، او لتعبير ديني مغاير لتعبيرات التي تعتنقها الاغلبية، حتى نرى عمق ثقافة الاقصاء والاستئصال التي صارت سمة قاتلة ودموية من سمات الاجتماع السياسي والثقافي في مجتمعاتنا.
احد الآليات وسيرورات التطرف المُكونة للتطرف (ثم للتدعشن لاحقاً) تكمن في التعليم ومنهاجه ومناظيره، وهو التعليم الذي اقحم فيه الدين والتدين لإنتزاع وتعزيز شرعيات سياسية للنظم الحاكمة. لكن تلك العملية الهادفة الى تعزيز الشرعيات انتجت معها وخلال عقود طويلة اجيال مشهوه من اشباه متدينيين، فاقدين لمعنى ومفهوم المواطنة، وهو ما قد اشار اليه كاتب هذه السطور ف مقالات سابقة.
يدفع هذا وغيره كثير الى فتح ملف في غاية الاهمية وهو إحالة مسؤولية مواجهة التطرف وسيروراته إلينا جميعا وليس حصرها بالحكومات، فالمجتمعات عمليا واولا وآخرا هي الخاسر الاكبر من وقوع المجتمع ضحية فكر الاستئصال والتصفية. هناك ضرورة ملحة للإقرار اولا بتغلغل الوباء التطرفي في جسد المجتمع وتضخمه عند بعض الشرائح، وبداية ظهوره عند شرائح اخرى، والكف عن خطاب الاعتذارية والانخراط في الجدل العقيم حول مسؤولية الاخر ام عدم مسؤوليته عما نحن فيه. السؤال والتحدي الحقيقي هو مواجهة هذا المرض وايقافه، ولنفترض ان الآخر هو المسؤول الاول والاخير عن ذلك فإن هذا الاخر لن يعبأ بتقديم الحل لنا. والجانب الهام في هذه المواجهة هو ضرورة حشد وتفعيل مكونات المجتمع التي ما زالت تتمتع بعدم الاصابة بالتطرف للإنخراط في مكافحته. وما صار مطلوبا وملحاً هو قيام المجتمع المدني والاهلي والديني المعتدل بحملات مكافحة التطرف في كل مناحي الحياة، بدءا بالتفسير الإحادي والتعصبي للدين ومناهج الدارسة والتعليم ثم الإعلام وليس انتهاءً بأنماط السلوك الاجتماعي وسيادة الاحكام المسبقة على الآخرين بسبب اختلافهم عن مُصدري تلك الاحكام في الفكر والمعتقد والسلوك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53