الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاءاً للشهيد سالم أيوب حنا رمّو(هيتو)

كمال يلدو

2015 / 7 / 20
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



تنتصر الحياة بالولادة وتَدحر الموت، وتنتصر الأفكار بتقديمها الأفضل لرفعة البشرية. وقد يسود الخطأ لفترة، ظنًا بأنه باق للأبد، ودون اعتبار للتجارب التي سبقته. هكذا عاش العراق تأريخه السياسي الحديث، اناس يقتادون للسجون والمعتقلات والمشانق، بين التعذيب والحرمان والبطش، ليس لجريمة ارتكبوها بحق الشعب، بل لأنهم يحملون افكار غير الأفكار التي يحملها السلطان، فخسرنا الألاف والملايين بين شهيد ومهاجرومغترب، فيما السلاطين انتهوا الى مزبلة التأريخ. الألم يكمن اليوم في أن الحكام يكررون نفس الأخطاء وبذات العقلية الرعناء، وهم لم يفهموا بأن هذا البلد بحاجة لقانون يساوي بين ابناءه، بحاجة لتنظيم العمل السياسي والحزبي، بحاجة لفصل الدين عن الدولة، بحاجة لنظام مدني، بحاجة لقوانين تحمي الحرية والديمقراطية، فهل من سامع؟
***
ولد الشهيد "سالم أيوب حنا رمّو" في مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى يوم 6 كانون ثان عام 1946 وفي محلة (سينا)، تزوج من السيدة "بديعة اسحق بيبو اسطيفانا" عام 1974 ورزقا ببنتين وولد واحد (إيفا 1974، لينا 1976 و قيس 1978) ولو قـدّر له الحياة الآن لكان قد شهد زواج ابناءه، وولادة (7) احفاد ايضا. درس الأبتدائية والمتوسطة في مدارس ألقوش، اما الثانوية فقد أكملها في (ثانوية المشرق المسائية) بشارع ابي نؤاس ببغداد، مفضلا العيش في العاصمة وتحمّل ألم الغربة عن أهله، على الوقوع فريسة سهلة لعصابات الحرس القومي عقب نجاح انقلابهم المشؤوم عام 1963 وقيام تلك القطعان بالأنتقام من الأهالي والبلدات التي كانت تؤيد ثورة 14 تموز، وحيث كانت ألقوش واحدة منها. اشتغل في الكثير من الأعمال حتى استقر به الحال في اوائل السبعينات، حينما فتح (أسواق الشمال) بمنطقة الغدير بالمشاركة مع شقيقيه (بطرس وكريم)، وعقب تلك البداية فتح محلا جديدا في منطقة الكرادة وأسماه (أسواق سالم) مع السادة حافظ العوصجي وحنا بجوري شريكاه.
ولتقليب ذلك التأريخ ومعرفة تفاصيل ساعاته وأيامه، إذ انه مازال شاخصا بذاكرة وعيون السيدة "بديعة اسحق اسطيفانا" زوجة الراحل حيث تقول: كنت أعلم بأن زوجي يسارياً ومؤمناً بالأفكار الأشتراكية، ولا عيب او غرابة بذلك، اولاً لأنه حق شرعي للأنسان، وثانياً لتأثره بالمناخ الثوري الذي كان (ومازال) في مدينتنا الغالية ألقوش. بعد اشتداد الحملة البعثية على الوطنيين منذ اواخر 1978، فقد اعتُقل من قبل رجال الأمن العامة (سيئة الصيت) للمرة الأولى يوم 15/4/1979، وبقي عندهم ثلاثة ايام، وحينما افرج عنه اشترطوا عليه التعاون معهم، ولم يتمكن من خيانة اهله ورفاقه، وزادت تهديداتهم له من أجل التعاون ، اي بالمعنى الآخر للكلمة ، أن يخون ضميره، ولم يقبل بذلك حتى حل يوم الثلاثاء 27/5/1980 حين اقتادوه من محل عمله (اسواق سالم) في منطقة الكرادة وفي تمام الثامنة مساءا (وكأنهم لا يستطيعوا الأنتظار لليوم التالي صباحا!) وقالوا لشركاءه، انهم سيستجوبوه لمدة (5) دقائق ويعود، وها هو العمر و (35) عاما مضت و (سالم) لم يعد.
لم يكن أحد منّا يعلم بما الذي يجري خلف جدران الأمن العامة، لكننا كنّا نمني النفس بأنهم مسجونين وحتما سيأتي اليوم ويُطلق سراحهم، وعلى هذا الأساس كنتُ أقدم العرائض لغرض المواجهة، او معرفة مصيره او أيّ شي عنه، ويأتي الجواب يوم 27/10/1983 ، أي بعد ثلاث سنوات وخمسة شهور : إذ بلغتُ رسميا بأن زوجي "سالم أيوب قد أُعدم لعدم تعاونه مع الجهات الأمنية وأنه كان مجرماً ولا يستحق الحياة"! علما انهم لم يسلمونا جثته، ولم يبلغونا بمكان دفنه ، وفوق كل ذلك منعونا من اقامة مراسم العزاء لروحه. هكذا بكل بساطة يسدل الستار على حياة انسان، له زوجة وعمل وعائلة وأطفال وأصدقاء ومحبين، ولكن له رأي سياسي آخر، وللأسف على هذا الشعب الذي حكمته مجموعة من المجرمين الجهلة ، والذين لا يعرفون اي معنى للوطنية. المضحك المخزي أن يجري استدعائي الى الأمن للتوقيع على ورقة تثبت بأنهم قد بلغوني، كيف تكون السفالة إذن. ومع كل التراجيديا في هذا المشهد فأن تداعياته لم تنته، إذ لم تتوقف الزيارات الشهرية لمنتسبي الأمن العامة لبيتنا بغية (تجديد المعلومات) والمضايقات الحياتية او اثناء المراجعات الرسمية، وحتى في المدارس مع اولادي، حيث اضطررتُ للأدعاء بأن (زوجي مات) تخلصاً من اقاويلهم وتعليقاتهم.
وعن ظروف حياتها بعد اعتقال زوجها وتغييبه لاحقاً تقول زوجته السيدة "بديعة اسحق بيبو":من السذاجة القول بأن حياتنا لم ترافقها الصعوبات، مع كل ما كان يمر به البلد من أزمات، متمثلة بالحرب مع ايران ثم الكويت والحصار وأرهاب البعث والأمن العامة، كانت صعبة ومقرفة، لكن بصيص الأمل يأتي أحيانا من قلب الأنسان، وأنا بالحقيقة كنت محظوظة بأخوة زوجي (بطرس وكريم وأمهم العزيزة راحيل جردو) وموقفهم النجيب من محنتي اضافة الى موقف عائلتي وبالأخص والدتي التي ساعدتني كثيرا في العناية بأولادي حينما كنت في العمل، فهم لم يتركوني وحدي وكانوا معي دائما وأنا ممتنة لهم طوال حياتي. لقد تمكنتُ بعد فترة من فتح محل لبيع الأحذية بالمشاركة مع أخي (صباح اسطيفانا)، حتى حل العام 1998 إذ قررتُ الخروج من العراق، للخلاص من ملاحقاتهم وسياستهم البائسة مع الناس، وأنا الآن مقيمة في ضواحي ديترويت، وسعيدة مع ابنائي وأحفادي والأهل، وكل الناس الطيبين.

اما زميله في الدراسة د.كريم كَردي فأن ذكرى الشهيد "هيتو" تمر صعبة وثقيلة عليه ويقول: عملنا سوية انا والراحل في (اتحاد الطلبة) عندما كنا في المتوسطة، وبعد انقلاب شباط 63 غادرنا الى بغداد والتحقنا بمدرسة (النجاح المسائية) ، فأكمل هو الثانوية بينما تعرضتُ انا للأعتقال وحكم عليّ لمدة (5) اعوام. لقد كان (سالم) انسانا وطنيا آمن بالأفكار السياسية عن قناعة ، وأمتاز بالجرأة والشجاعة والثقافة والمواقف الصلبة، وأشعر بالأسى أن يخسر وطننا ناسه بهذا الطريقة (الرخيصة) فيما كان من الممكن ان يكون انسانا من بناة هذا الوطن.
اما الأستاذ موفق حكيم، فأنه يتذكر الشهيد في كثير من المواقف و منها: بأنه كان شجاعا ومثقفا ورياضيا ، وانه حصل على بطولة رمي الثقل على مستوى محافظة نينوى عندما كان تلميذا في المتوسطة، وأحزن كلما مرّت ذكراه، كان شابا وسيما. الذكر الطيب له دائما.
وتكمل السيدة "بديعة اسحق بيبو" كلامها قائلة: مع كل ما في المشهد من حزن وألم لكني على يقين بأن الأفكار التي آمن بها زوجي هي الصحيحة لحكم العراق، ولابديل عن قيام حكم وطني مدني بقيادة الناس المخلصين بديلا عن القتلة والمجرمين والمتخلفين. أنا فخورة بأني "زوجة الشهيد هيتو" وربيّتُ اولادي على تلك المحبة والقيم، وأسمه كان دائما عالي، فيما هم وثقافتهم وشعاراتهم الى غير رجعة.

وتنهي زوجة الراحل كلامها: اتمنى ان يحل السلام في وطننا الغالي، وأن تنتهي حالة الحرب والقتل والدمار، وأن تنتصر المحبة والأخاء على الكراهية، وأن تندحر قوى التخلف والظلام ويعود العراق لأهله سالما معافى.

**الذكر الطيب للشهيد سالم أيوب حنا رمّو (هيتو)
** المواساة لأسرته (بديعة، إيفا، لينا وقيس) وكل عائلته الكريمة
**العار لقتلته المجرمين بأمل أن ينالوا يوما جزائهم العادل
**النصر للأفكار والقضية التي آمن وأستشهد في سبيلها.

تموز 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد كمال يلدو
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 20 - 15:47 )
مرحبا
إن كان الشهداء يستحقون التحية
فأنت تستحق أكثر من تحية لوفائك الكبير لهم


2 - الأخ سيلوس العراقي
كمال يلدو ( 2015 / 7 / 21 - 00:54 )
لك مني الشكر الجزيل لمرورك الكريم وتعليقك الجميل. ان ما اقوم به هو واجب تجاه .عوائل الشهداء ومحبيهم

اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا