الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزهر وداعش وما بينهما

سميح مسعود

2015 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عقد الأزهرمؤتمراً لمواجهة الارهاب والتطرف في كانون الأول الماضي ، ساهم فيه شخصيات دينية بارزة من مسلمين ومسيحيين على إختلاف طوائفهم ، تم عقده في وقت بالغ الدقة والتعقيد والخطر المُطبق على الدول العربية ، نتيجة إرتفاع منسوب الوحشية التي تمارسها الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها داعش بشكل متعمد ومحسوب ، وما يترتب على ممارساتها من انتهاك للكرامة والقيم الإنسانية ، و إهدار للدم وارتكاب أبشع الجرائم والتباهي بنشرها عبر مختلف وسائل الإعلام باسم الدين .

وقد أكد البيان الصادر عن المؤتمرعلى ان " الجرائم التي تقوم به الحركات الإرهابية والميليشيات الطائفية تجاوزت كل الحدود التي رسمتها الأديان والأخلاق " كما أكد أيضاً " على أن الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب تحت رايات دينية ، لا تتعارض مع صحيح الدين فحسب ، لكنها تسيء إلى الدين الذي هو دين السلام والوحدة ودين العدل والإحسان والأخوة الإنسانية " .

في هذا البيان تعمد الازهر عدم تكفير داعش وغيرها من الحركات الظلامية الأخرى ، التي نشأت وترعرعت في ظل ثقافة تكفيرية متطرفة خطيرة تُكفر كل المسلمين الذين لا يمارسون الحياة الإسلامية واتباع تعاليم الإسلام في السياسة ، بالاعتماد على أفكار الخطاب الديني المتشدد لابن تيمية وسيد قطب وابو العلاء المودودي، التي تُحل دماء المسلمين وأموالهم إعتقاداً منها أن مسلمي هذا العصر من الكافرين .

وبرر الأزهرعدم تكفيره داعش وغيرها من الحركات الظلامية المتطرفة الأخرى ،لأن للتكفير ضوابطه في نهجه الأشعري " ولا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه " ولهذا اكتفى فقط باعتبار داعش من المُفسدين في الأرض ويجب معاقبة اتباعها وقتلهم ، وقد أثار هذا الأمر انتقادات جهات إعلامية وسياسية ودينية على المستويين المصري والعربي، وتم طرح الموضوع برمته في وسائل الإعلام المختلفة ، وأشار وكيل الأزهر في تصريحاته الصحفية إلى أن الأزهر " لم يُكفر أي شخص أو جماعة على مدار تاريخه " .

أقصر كلامي هنا على قبول التصريح السابق على علاته ، لكن السؤال الذي يجدر طرحه هو : لماذا لم يتخذ الأزهر على مدار تاريخه أي إجراء ضد شيوخه الكبار الذين أفتوا بتكفير عدد كبير من الشيوخ والكتاب ؟ وأكتفي هنا بإعطاء أمثلة على ذلك، منها أن الأزهر قد شكك في عقيدة المُصلح محمد عبده وأجبره على التخلي عن منصبه كمفتي للديار المصرية ، وأخرجه من زمرة شيوخه لانه دعا إلى إصلاح الازهر، كما حاكمت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشيخ التنويري علي عبد الرازق في عشرينات القرن الماضي وجَرد ته من درجته العلمية ، وعزلته عن القضاءلأنه كتب في كتابه "الأسلام وأصول الحكم " أن الخلافة ليست من أصول الدين الإسلامي ، ودعا فيه أيضا إلى مدنية الدولة ، كذلك إتهم الأزهر طه حسين بالتعدي على الدين بسبب كتابه " في الشعر الجاهلي" وسهل بهذا تكفيره من قبل المتشددين ، واتهم الأزهر أيضا خالد محمد خالد باعتدائه على الدين في كتابه "من هنا نبدأ " واعتبره من المارقين ، كما كفر الأزهر الكاتب نجيب محفوظ ومنع نشر روايته " أولاد حارتنا " وبناء على تكفيره حاولت مجموعة من المتطرفين قتله .

وفي أواخر الثمانينات من القرن الماضي صدرت فتاوى بارتداد الراحل فرج فودة بسبب نقده للدولة الدينية والدعوة لمدنية الدولة ، وقد كفرته جبهة علماء الأزهر ببيان صريح أدى إلى إغتياله ، وأيد تكفيره من شيوخ الازهر الشيخ محمد الغزالي بفتوى مفادها " أن من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة " ، ولا أغفل هنا ذكر مساهمة الأزهر في تكفيرنصر حامد أبو زيد وتفريقه من زوجته " لأنه لايجوز لمسلمة أن تتزوج كافراً " على حد تعبيرهم ، وتم ذلك كله بسبب أرائه التنويرية ، وأزيد في هذا السياق أيضا مساهمة الأزهر في تكفير الشاعر المصري حلمي سالم بدعوى الإساءة للإسلام في قصيدته " شرفة ليلى مراد " .

وهناك امثلة أخرى كثيرة من تاريخ علماء الأزهر تُضيف رتوشاً وتفاصيل دقيقة في مجال التكفيرلا يتسع المجال لذكرها في هذه العُجالة ، تشير كلها إلى أن للأزهر سابق عهد في ممارسة تكفير بعض المفكرين لأسباب من " الصغائر" التي لا تُرقى بأي حالٍ من الأحوال إلى الجرائم الوحشية التي ترتكبها الجماعات الإرهابية ، وما دام الأمر كذلك يحق التساؤل بصوت عالٍ : كيف يُكفر الأزهر كتابًا ومفكرين ويتجاهل تكفير القتلة من مستغلي الدين كداعش وغيرها من الجماعات الأخرى التي تكفر المخالفين لها وكل عناصرها من القتلة والمجرمين والمفسدين في الأرض ؟

ومن أجل وضع النقاط على الحروف بدقة في الإجابة على هذا التساؤل ، أستمد الإجابة عليه من أراء عدد من الضالعين في أمور الأزهر نفسه ، وأبدأ بالباحث في الإسلام السياسي ثروت الخرباوي (القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين وصاحب الكتاب الشهيرسر المعبد ) فقد بين في مقابلة أجرتها معه إحدى القنوات الفضائية ، تم نشر تفاصيلها فيما بعد في الصحافة المصرية " أن الازهر لم يُكفر داعش لأنه مؤمن بما تفعله من أعمال ! " مشيراً إلى " أن الأزهر كان من الممكن أن يُعلن " أن داعش ليسوا كفاراً ولاهم مسلمين " .

وهناك إجابة من الشيخ الأزهري صبري عبادة وكيل وزارة الأوقاف المصرية الذي يعتبر داعش كافرة دينياً ويجب قتالها ، باعتبارعناصرها من خوارج الزمن الحالي في صفاتهم وفكرهم وأفعالهم ، وقد صرح في هذا الشأن للصحافة المصرية بقوله : " صُدمت لعدم تكفير الأزهر لداعش ، فما بالك بالنسبة للناس العاديين الذين سيفهمون الأمر بأن داعش ليست من الكفار وتعمل لصالح المسلمين " وأضاف قائلاً في حديثه للصحافة أيضاً : " بيان الأزهر الذي أصدره في نهاية مؤتمره َصدم العالم لأن الأزهرعمل على إخفاء الحقيقة وتستر على أفعال داعش الإجرامية ."

وهناك إجابة مهمة على السؤال السابق من داخل الأزهر نفسه ، من الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر ، فقد أبدى تخوفه - في تصريح له للصحافة المصرية – من أن يَفهم العامة عدم تكفير الأزهر لداعش كتأييد لها ولأسلوبها وجرائمها الوحشية ، واضاف قائلا في تصريحه : " إن في بيان الأزهر تبرئة لساحة داعش الدينية وسوف تستغلها داعش لصالحها باعتبارها طبق من فضة ، وأن العامة سيفهمون الأمر عكس ما يريده الأزهر ويعتبرون داعش منظمة تعمل لصالح الإسلام ، وأن القتل والحرق والذبح تم لصالح الإسلام ".

وتجدر الإشارة إلى أن الهلالي تعرض لهجوم كبير من قبل أعضاءٍ في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر بسبب تصريحاته وإصراره على وجود " لوبي" إخواني سلفي من المتطرفين، يُسيطر على مركز إتخاذ القرارفي الأزهر بشكل عام ، ويُمكن التأكد من وجود هذا " اللوبي " من واقع بيان الدعوة السلفية في مصر الذي أصدرته تاييداً للأزهر في رفضه تكفير داعش .

كما يمكن التأكد من هذا " اللوبي " الذي يتحكم بالأزهر من وجود درجة عالية من التقارب بين الفكر السلفي التكفيري ومناهج كتب الفقه بالمعاهد الأزهرية التي تبيح قتل المسلم لتركه الصلاة ، وقتل المرتد عن الإسلام ، وقتل الأسرى ، وقتل الكفار بالإسلام (بدون تحديد واضح لدياناتهم أو مذاهبهم) وفقء أعينهم وتقطيع اياديهم وأرجلهم ، وتبيح أيضاً أكل لحوم البشر والمرأة والصبي دون شيها ، وتجيز للإنسان قطع جزء من جسده وأكله إذا إضطر، وكذلك تدعو إلى منع بناء الكنائس والتمييز بين المسلمين وأهل الكتاب وإهانتهم في بعض الأحيان .

إن هذه الافكار الغريبة القائمة على الجهل والقتل والدم والعنف وإقصاء الأخر ، بعيدة كل البعد عن النص الديني من قرآن وسنة ، تعتمد في أساسها على تأويلات فقهاء من زمن مضى لا تُناسب الزمن الراهن في القرن الحادي والعشرين ، ويترتب عليها إنتهاك للعقول والوعي والكرامة الإنسانية ، يعتمدها الازهر في كتب تُدرس في معاهد دينية مصرية كثيرة إبتدائية وثانوية تابعة له ، ومن أهم هذه الكتب التراثية : " الشرح الصغير " و " الروض المربع بشرح زاد المستنقع " و " الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع " و " الإختيار لتعليل المختار " .

وقد ظهرت في الأونة الأخيرة دراسات واستطلاعات صحفية كثيرة عن هذه الكتب اجمعت كلها على أنها بمثابة " باب خلفي للإرهاب والطائفية والعنصرية في مصر " ومن أهم هذه الدراسات ، دراسة نشرت في ملف موسع أصدرته صحيفة " اليوم السابع " المصرية بتاريخ 26 نوفمبر 2014، متوفر في موقعها الإلكتروني على الإنترنت ، يمكن للمهتمين الإطلاع عليه .

وهنا يتجلى لنا الأزهر بوضوح كحاضنة مهمة للتكفير ورعاية الحركات التكفيرية ومقاومة الحداثة والحياة العصرية ، تُعارض أنشطته مستجدات المدنية الحديثة وكل ما يتصل بالتقدم الحضاري ، و لهذا لا أغالي القول أن وجود الأزهر في الزمن الحالي كعدمه ، خاصة أنه لا قدسية له وفتاوي شيوخه غير مُلزمة ، وأنه إنزلق في اعماله على مدى الايام إلى خدمة السلطة الحاكمة ، بتقديم الدعم الشرعي والديني لمواقفها وقرارتها السياسية وبخاصة قراراتها المشبوهة وغير الوطنية .

وهنا يبرز سؤال جديد : ماهو المطلوب في زمن الظلمات العربية الحالي لمواجهة مناهج التعليم الأزهرية المتخلفة ومواجهة داعش وغيرها من حركات التكفير والتطرف والارهاب ؟ وتشُدني للإجابة على هذا السؤال إجابات عدد من الذين سبقوني في طرحه ، الذين أدركوا أن المطلوب هو تجديد الخطاب الديني بالابتعاد عن الخطاب الديني المتشدد وتبني خطاب متصل بواقع الحياة المعاصرة ، من أسسه تشجيع الفكر والإبداع والابتعاد عن ثقافة الجمود والتلقين ، وتعزيز القواسم المشتركة بين المذاهب والأديان المختلفة ، ونشر قيم التسامح واحترام الآخر ، بالإضافة إلى تنقية الموروث الفقهي من التشدد والتطرف والعنف ، والتأكيد على الجوانب الروحية والمعرفية والقيم الإنسانية والمحبة والعدالة والحرية السامية للدين.

بهذا يمكن تنقية الموروث الفقهي من الاخطاء والتجاوزات والخرافات التي ساهمت في ظهور الحركات الظلامية التكفيرية المتطرفة التي تُحقق أهدافها بممارسة الغلو والإرهاب وإلغاء الأخر وإقصائه من الوجود ، وبهذا يمكن الوقوف في وجه الفكر الإلغائي، واجتثاث التطرف الديني بكل أشكاله .

ذلك هو الرهان الوحيد الممكن في المرحلة الحالية لوقاية المجتمعات العربية من تداعيات الإرهاب والإستبداد والتخلف .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح