الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهاصات الفكر الاجتماعي في عصور ما قبل التاريخ

حسني إبراهيم عبد العظيم

2015 / 7 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إرهاصات الفكر الاجتماعي
في عصور ما قبل التاريخ

مقدمة:
إن البحث عن إرهاصات للفكر الاجتماعى في عصور ما قبل التاريخ (أي قبل معرفة الانسان للكتابة) يعد عملية شاقة, وذلك لأن الإنسان لم يترك وثائق أو أثار مدونة يمكن من خلالها التعرف علي أنماط تفكيره فى هذه المرحلة الطويلة.

بيد أن علماء الآثار والتاريخ والأنثروبولوجيا استطاعوا ان يصلوا إلي قدر كبير من المعلومات حول حياة الإنسان فى هذه المرحلة, وذلك من خلال دراسة الآثار التى تركها الانسان كالرسوم المنقوشة علي الكهوف, والمدافن, والأدوات التى كان يستخدمها الانسان في حياته, هذا بالإضافة إلي دراسة الحفريات الخاصة بالإنسان في هذه المرحلة كالهياكل العظمية, والجماجم, وأيضا الحفريات الخاصة بالكائنات الحية النباتية والحيوانية التى عاصرها الانسان.

وسوف نحاول فى هذه المقال التعرف علي أهم السمات الثقافية والاجتماعية لهذه المرحلة, ونحلل تبعاً لذلك أهم الأفكار التى كانت سائدة بين البشر في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ البشرية, ومن أجل تحقيق ذلك فإننا سوف نتعرض للقضايا التالية:

1ـ إشكالية بدء الوجود الانساني علي الأرض.
2ـ عصور ما قبل التاريخ : السمات الثقافية العامة.
3ـ طبيعة الفكر الاجتماعي فى مرحلة ما قبل التاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمثل قضية نشأة الإنسان وتطوره إشكالية علمية معقدة واجهت علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخين وعلماء الآثار، وغيرهم من المهتمين بهذا الشأن. وقد طرح الباحثون – وخاصة في مجال الأنثروبولوجيا الفيزيقية - نظريات ورؤى متعددة ومتباينة حول عمر الإنسان على الأرض، وبدء نشأته عليها، والمراحل المختلفة لتطوره عبر آلاف –وربما ملايين- السنين. وقد استندت هذه النظريات إلى المخلفات والآثار التي تم العثور عليها في أماكن مختلفة من العالم.

وقبل التطرق لمناقشة هذه القضية ، نود أن نشير في البداية إلى موقف الأديان السماوية منها، ذلك أن كثيرا من الناس يستندون في فهم تلك القضايا على مرجعيات دينية، ونصوص يظنون أنها نهائية ومطلقة ولا تقبل الناش، ويؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى إغلاق أي باب للاجتهاد العلمي المنهجي.

وسوف نتحدث باختصار عن تحديد عمر الإنسان كما جاء في العهد القديم وفي القرآن الكريم. حيث يميل العديد من الباحثين في أمور الكتاب المقدس إلى أن عمر الإنسان يتراوح بين 6000 إلى 7000 عام . يقول أحد رجال الدين المسيحي: إن تقدير عمر الإنسان على الأرض عند المجتهدين من دارسي الكتاب المقدس هو حصيلة جمع أعمار بني آدم من آدم حتي المسيح عليه السلام ,مضافا إليها مدة ألفي عام من تاريخ التجسد (حسب الاعتقاد المسيحي) إلي اليوم. أما الفترة الأولي من آدم إلى السيد المسيح فمحسوبة علي ضوء ما جاء في الإصحاح الخامس من السفر الأول في العهد الجديد وهو سفر التكوين ومطلعه: (هذا كتاب مواليد آدم علي النحو الآتي:عاش آدم مائة وثلاثين سنة وولد ولدا علي شبهه كصورته ودعا اسمه شيث..وعاش شيث مائة وخمس سنين وولد أنوش..وعاش أنوش تسعين سنة وولد قينان..وعاش لامك مائة واثنتين وثمانين سنة وولد ابنا ودعا اسمه نوح.

علي هذا النحو احتسب بعض الدارسين للكتاب المقدس الفترة من آدم إلي نوح بأنها 1056سنة..وهي الفترة الوحيدة التي يمكن أن يعتبر حسابها دقيقا. أما من نوح إلي المسيح فلا يوجد نص صريح يحددها علي وجه الدقة,لكن بعض المجتهدين حاولوا أن يحسبوها بمقارنة تاريخ الملوك بحسب التاريخ المدني, وقد اختلفت التقديرات:فبعضهم قدر المدة من آدم إلي المسيح بأنها 4004 سنة,وآخرين قدروها بأنها 5001 ,وآخرون بأنها 5008 سنة.

الملاحظ هنا وفقا لاجتهادات بعض المفكرين المسيحيين أن ثمة تأكيدا على أعمار محددة لأبناء آدم، وهي بالتأكيد اجتهادات غير دقيقة،إذ أن علم السكان (الديموجرافيا) Demography يؤكد أن متوسط عمر الإنسان القديم كان منخفضا جدا( تراوح بين 30 و40 عاما تقريبا) ، كما أن الاكتشافات العلمية تؤكد – كما سنبين بعد قليل – أن عمر الإنسان على الأرض يتجاوز مئات الآلاف من السنين، وهو ماوضع علماء اللاهوت في مأزق حقيقي.

أما الإسلام فلم يهتم كثيرًا بالوقوف عند البداية الزمنية أو المكانية للإنسان، وإنما ركز على كيفية خلق الإنسان، وفلسفة وجوده على الأرض،إن القرآن الكريم في حقيقة الأمر ليس كتابا في التاريخ، وإنما بالأحرى هو كتاب في فلسفة التاريخ، فالملاحظ على القصص القرآني أنه لايهتم بزمن وقوع الحدث، ولا بمكان وقوعه، كما أنه لا يعير الأسماء اهتماما يذكر. يهتم القرآن بالوقائع والأحداث والدروس التي يمكن الاستفادة منها، ويترك التفاصيل الجزئية للاجتهاد العلمي البشري ؛ فيحاول الباحثون التعرف على مكان وقوع الحدث وزمانه.

فالقرآن الكريم يخبرنا أن بداية الوجود الإنساني قد ارتبطت بخلق آدم وحواء – عليهما السلام - فالله تبارك وتعالى خلق آدم وكرمه على كافة مخلوقاته، وخصه بالعقل،ويقرر القرآن بوضوح أن الله قد خلق الإنسان في الأرض وليس في الجنة ، كما هو الاعتقاد الشائع في الخطاب الديني المعاصر، جاء في سورة البقرة:" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" والجنة المذكورة في قصة آدم ليست جنة الفردوس، وإنما هي حديقة على الأرض بمواصفات محددة. وكان الهدف من خلق الإنسان هو عبادة الله وعمارة الأرض، والحقيقة أن الإسلام قد أعطى الفرصة للإنسان لكي يفكر بنفسه في عملية الخلق، فلم يحجر على الآراء، وإنما أمر البشر أن يبحثوا بحرية كاملة في زمان ومكان نشأة الإنسان، ويستعين في ذلك بالقدرات العقلية التي منحها الله له، ولذلك لا نجد صداما بين القرآن الكريم والنظريات العلمية التي أرخت لنشأة الإنسان.

ولقد اجتهد العلماء الاجتماعيون طويلاً في تحديد بدء ظهور الانسان علي الأرض, وقد تباينت أراءهم, واختلفت نظرياتهم حول هذه القضية, نظراً لانعدام الأدلة الحاسمة والقاطعة لتحديد عمر الانسان علي الأرض, ولكن يمكن بشكل عام استخلاص بعض القضايا العامة المتفق عليها بين العلماء.

يري علماء الأنثروبولوجيا الفيزيقية والآثار أن عمر الانسان علي الأرض يتجاوز المليون عاماً بكثير، حيث ظهرت "الإنسانيات المبكرة" خلال عصر الجليد " أو ما يعرف بالبليستوسين" الذي بدأ منذ حوالي مليون وثمانمائة ألف سنة، وقد عثر العلماء على العديد من الآثار والمخلفات التي تدل على ذلك في العديد من المناطق في القارتين الإفريقية والآسيوية.

فقد عثر العلماء في شرق إفريقيا على بقايا وآثار إنسانية يعود تاريخها إلى فترة تمتد من 1.8 –1.6 مليون سنة، تكشف عن وجود إنسان على درجة مقبولة من التطور، وقد أطلق الأنثروبولوجي الأمريكي المعروف "لويس مورجان"L. Morgan على هذا الإنسان مفهوم "الإنسان الماهر" Homo Habilis حيث أنه كان في هذه المرحلة في بداية طريقه نحو امتلاك التقنية (التكنولوجيا) وقد كانت الأدوات المستخدمة بطبيعة الحال شديدة البدائية، فقد اتسمت الأدوات التي تم العثور عليها في منطقة "أولدواي" Old Way في تنزانيا بالبدائية المفرطة، والخشونة الواضحة، وعدم الإتقان، ويرجع ذلك إلى أن الإنسان لم يدرك في هذه المرحلة خصائص الأشياء، كما أنه لم يكشف إمكانياته العضوية بالإضافة إلى بدائية التركيب الفيزيقي له، بحيث لم يتمكن من توجيه الضربات بشكل متقن.

وقد حدث تطور لاحق للإنسان بظهور ما يعرف بالإنسان "منتصب القامة" وذلك منذ حوالي 700.000 عام، وقد كان أكثر تطورًا من الإنسان الماهر، وأكثر قدرة على التكيف مع البيئة، وطور عناصر ثقافية متعددة، وقد عثر العلماء على بقايا هذا الإنسان في قارة آسيا وبالتحديد في جزيرة "جاوة" ومنطقة "بكين".

ففي جزيرة "جاوة" Java الإندونيسية تم الكشف عن مخلفات للإنسان يرجع تاريخها إلى حوالي 700.000 سنة، أطلق عليه العلماء مصطلح "إنسان جاوة" ودلت الأدوات التي عثر عليها في هذه المنطقة –كالسواطير، والفؤوس الحجرية، والمقاشط المشطوفة- على أنه كان صيادًا ماهرًا ومنظمًا، حيث عثر على بقايا عظام لغزلان وثيران، وخنازير برية، ونمور، وحيوانات وحيد القرن، وقد أكدت الأدوات المصنوعة وجود تطور واضح في قدراته العضلية والذهنية.

وعثر العلماء في منطقة "بكين" عاصمة الصين الحالية على مجموعة ضخمة من بقايا لإنسان عاش في هذه المنطقة منذ ما يزيد على 460.000 سنة، وسماه العلماء "إنسان بكين" وكان أكثر تطورًا من إنسان جاوة، فكان صيادًا أكثر مهارة، وجامعًا للثمار بطريقة منتظمة، كما أنه قد عرف النار، واستخدمها في كثير من شئون حياته، كالتدفئة والإنارة ومطاردة الحيوانات لاصطيادها.

ومن الجدير بالذكر أنه لم يتمكن من إشعال النار بطريقة مقصودة، وإنما اكتفى باستخدامها من مصادرها الطبيعية – عند حدوث البراكين - وكان ينقلها مشتعلة من مكان إلى مكان، وتدل بقايا الحيوانات التي عثر عليها أنه كان يصطاد الخرتيت، والنمر، والحصان البري، والخنزير والغزال والجاموس الوحشي.

وبعد ذلك، ظهر ما يسمى بالإنسان العاقل Home Sapiens وكان ذلك منذ حوالي أربعين ألف سنة تقريبا، وكان ذلك في العصر الحجري القديم الأعلى، ويمثل هذا الإنسان قمة التطور العقلي والفيزيقي، وقد وجدت بقاياه في مناطق كثيرة من العالم منها الجزائر والمغرب ومصر والسودان، وجنوب شرق آسيا واستراليا، وجنوب أوروبا، وينتمي كل سكان الكرة الأرضية في الوقت الراهن للإنسان العاقل، وقد تمكن هذا الإنسان من تشييد حضارات عظيمة وراقية كالحضارة المصرية، والهندية، والصينية، والسومرية، والبابلية ... الخ. وتمكن كذلك من إنجاز أعمال رائدة، ومتطورة على مر العصور، حتى وصل إلى أوج تقدمه وعظمته في مختلف المجالات خلال العصر الحديث.

ثانيا: عصور ما قبل التاريخ: الملامح الثقافية العامة:

يقصد بعصور ما قبل التاريخ كما بينا منذ قليل الفترات الزمنية السابقة علي معرفة الانسان للكتابة وتدوينه لتاريخه, بمعرفة الكتابة تمثل نقطة فارقة فى تاريخ الإنسانية.

وقد قام العلماء بتقسيم مرحلة ما قبل التاريخ إلي عدة عصور حجرية, وذلك لأن الحجر كان المادة الأساسية التى صنع منها الانسان كافة أدواته, فالتقسيم قام علي أساس نوع المادة المستخدمة فى تجهيز الأدوات الانتاجية التى يحتاجها الانسان. وقد حدد المؤرخون وعلماء الآثار والأنثروبولوجيا المراحل الرئيسية لتطور الإنسان في العصور التالية:

أولاً: العصر الحجري القديم:

وهو فترة تاريخية طويلة بدأت منذ أكثر من مليون عام وتنتهي في عام 10.000 ق.م، ونظرًا لهذا الطول فقد قسمه العلماء إلى ثلاثة عصور فرعية كالآتي:

أ. العصر الحجري القديم الأدنى (ينتهي عند 100.000 ق.م).

ب. العصر الحجري القديم الأوسط (يمتد من 100.000 – 40.000 ق.م).

ج. العصر الحجري القديم الأعلى (يمتد من 40.000 – 10.000 ق.م)

ثانيًا: العصر الحجري الوسيط (الميزوليثي):

وهو أقصر العصور الحجرية، إذ أنه يمتد من عام (10.000 – 8.000 ق.م (.

ثالثًا: العصر الحجري الحديث (النيوليثي)

يشغل الفترة من عام 8.000 حتى عام 4.000 ق.م.

وبعد انتهاء هذه العصور الحجرية دخل الإنسان عصر المعادن، حيث اكتشف الإنسان لأول مرة المعادن، وبدأ في صنع أدواته منها، فاكتشف في البداية النحاس، ثم القصدير، وصنع خليطًا من النحاس والقصدير فأخرج معدن البرونز، وأخيرًا دخل الإنسان عصر الحديد في حوالي الألف الثانية قبل الميلاد، وقد ازدهرت الحضارات الشرقية القديمة بداية من العصر الحجري الحديث.

ومن الجدير بالذكر أن الإنسان قد عرف الكتابة حوالي عام 3000 قبل الميلاد، ويرى بعض المؤرخين أنه قد عرفها حوالي عام 3200 ق.م، والأرجح أن معرفة الكتابة قد استغرقت هذه المرحلة أي من عام 3200 حتى عام 3000 ق.م، واختلف المؤرخون في أي الشعوب كانت أسبق في معرفة الكتابة، فيرى بعض المؤرخين أن المصريين كانوا الأسبق في ذلك، بينما يعتقد آخرون أن السومريين كانوا الأسبق، ويرى فريق ثالث أن الكتابة تمت معرفتها بصورة متزامنة لدى الشعبين. وقد كانت الكتابة حدثًا ضخمًا، ونقطة فارقة في التاريخ الإنساني، وقد أطلق المؤرخون على الفترات التاريخية السابقة على معرفة الكتابة مصطلح "عصور ما قبل التاريخ" وهي تتضمن العصور الحجرية المختلفة، وبداية عصر المعادن.

والملاحظ علي عصور ما قبل التاريخ أن المادة الأساسية التى تعامل معها الانسان هي الحجر, وبالتالي فيمكن القول بأن الانسان في هذه الفترة ابتكر ثقافة حجرية, ولقد تطورت الآدوات التى استخدمها الانسان من الشكل البدائي الساذج إلي شكل أكثر اتقاناً وجمالاً, ويمكن تحديد أبرز الملامح الثقافية ـ الاجتماعية للانسان في هذه المرحلة فى النقاط التالية:

1ـ اتسمت الأدوات الحجرية التى استخدمها الانسان في بدء وجوده علي الارض بالبدائية المفرطة, والخشونة الواضحة, وعدم الاتقان, وذلك لأن الانسان لم يكن قد تعرف علي خصائص الأشياء بعد, ولم يدرك إمكانياته الذاتية, بالإضافة إلي ضعف قدراته البدنية التى لم تمكنه من توجيه ضرباته بشكل متقن, ومع التطور الزيني ازدادت الأدوات جودة واتقاناً.

2ـ كان النشاط الاقتصادي للإنسان القديم قائماً علي صيد الحيوانات وجمع الثمار, وفي مرحلة متقدمة اتجه لصيد الأسماك, ولقد استطاع الإنسان صيد الحيوانات الضخمة كالفيل, والحصان البري, وقد طور لذلك بعض الأدوات كالفأس الحجرية, العصا الخشبية ذات الرأس الحادة, وحفر حفرات واسعة وتغطيتها بفروع الأشجار كشراك للحيوانات.

3ـ استخدام الانسان خلال العصور الحجرية الكهوف كمساكن له, يأوي إليها, وتحميه من الحيوانات المفترسة المحيطة به, وتقيه من الظروف المناخية القاسية كالحرارة الشديدة, أو البرد القارس, والعواصف والأمطار ... إلخ.

4ـ تعرف الإنسان علي النار ابتداء من العصر الحجري القديم الأسفل, ولكن اكتشافه للأساليب الصناعية لإشعال النار يعود إلي بداية العصر الحجري القديم الأوسط قبل حوالى مائة الف عام, وقد لعبت النار دوراً مهماً في التطور الإنساني, ويري بعض الباحثين أن اكتشاف النار يمثل الثورة الصناعية الأولي في تاريخ الإنسان.

5ـ بدأ منذ العصر الحجري القديم الأعلي (أى منذ أكثر من أربعين ألف سنة) حدوث العديد من التغيرات في نمط التقنية, وفي أشكال الاقتصاد, وفي نمط الحياة والعلاقات الاجتماعية, والفكرية, إذ حدثت تطورات هامة في كل هذه الجوانب.

6ـ ظهرت الفنون الجميلة لدي الانسان في هذه المرحلة, ونالت تطوراً كبيراً بعد ذلك, ففي العصر الحجري القديم الأعلي بدأ النقش علي جدران الكهوف, ووجدت أدوات مصنوعة من العظم وزينت بنقوش معينة لحيوانات ونباتات وأشخاص، كما استخدم الأنسان الأصداف, وبيض النعام المنقوش عليه صور معينة , والوشم , والخرز, وأسنان الحيوانات كأدوات للزينة.

7ـ عرف الانسان خلال المراحل المبكرة فكرة دفن الموتي بطريقة منظمة, حيث تم العثور علي مدافن جماعية, وفردية, ووجدت مدافن خاصة بالرجال والنساء, ويبدو أن الموت قد ارتبط بالعديد من الأساطير الأفكار البدائية .

8ـ كان التنقل والترحال هو السمة الغالبة للانسان فى العصور الحجرية, إذ أن الهجرة كانت ظاهرة طبيعية في حياة ذلك الانسان الذي يقوم اقتصاده علي صيد الحيوان وجمع الثمار وقد بدأ الانسان في الاستقرار في العصر الحجري الحديث منذ حوالى عشرة آلاف عام عندما اكتشف الزراعة, وبدأ يعيش علي ضفاف الأنهار.

يتضح من خلال الملامح السابقة أن الانسان قد مر بمراحل متعددة من التطور الثقافي والإجتماعي, وهو ما يعنى أن فكرة كان في تطور دائم, ولم يتوقف لحظة عن التفكير في كل عناصر البيئة التى كان يعيش فيها.

ثالثا: طبيعة الفكر الاجتماعي في مرحلة ما قبل التاريخ:

إن الانسان مخلوق فريد, استطاع بفضل ما وهبه الله له من قوي عقلية وبدنية أن يطور من حياته, ويغير من واقعة, وكان يطمح دائماً إلي الارتقاء والسمو, ولذلك فقد كان الفكر ملازماً للوجود الانسانى.

لقد مال الإنسان منذ وجوده إلي الاجتماع بأخيه الإنسان, ولقد عبر الفلاسفة عن ذلك بأن الإ نسان مدنى بطبعه, أى محباً للاجتماع مع بنى جنسه, وبحكم هذه الطبيعة الاجتماعية, لم يعش الإنسان وحيداً بمفرده, وإنما عاش في إطار جماعة من البشر, وقد حدث الاجتماع في البداية بطريقة تلقائية دون قصد أو وعى أو تخطيط, وظهرت بذلك أبسط أشكال التجمع, ثم نظمت هذه العملية بالتدريج, حتى ظهرت الجماعات الاجتماعية المنظمة, التى بدأت بالأسرة التى تترابط بروابط وثيقة, ثم العشيرة, فالقبيلة فالدولة فالأمة ... إلخ.

ولو نظرنا إلي الفكر الاجتماعي في مرحلة ما قبل التريخ نجد أنه فكر معيشي (إن صح ذلك المفهوم) فالانسان قد شُغل في بداية وجوده علي الأرض بتوفير حاجاته الأساسية, فلقد اهتم بكيفية جمع طعامه, وإعداد مكان يأوى إليه يحميه من الحيوانات الضارية, وظروف الطبيعة القاسية, وعمل ملابس تستره وتحميه من حرارة الشمس وبرودة الجو, فقد تطلبت كل هذه الأمور أن يعمل عقله, ويقدح ذهنه لتدبيرها, فاستطاع أن يتوصل لصيد الحيوانات وتناولها, وجمع الثمار, وصيد الأسماك, واستخدام جلود الحيوانات كساءً له, ويتخذ من الكهوف بيوتاً, كما استطاع أن يطور بعض التكنولوجيا البدائية لتسهيل أمور معيشته.

فلقد تأمل الإنسان البيئة من حوله, واستخدم قواة العقلية للكشف عن خواص الأشياء الموجودة حوله ليستغلها في نفعه, فصنع أدوات بسيطة من الأخشاب والأحجار وعظام الحيوانات, وتكونت لديه بذلك أو ل بذور المعرفة العلمية, التى حاول تطويرها دائماً.

وقد كان اكتشاف النار نقلة عظيمة الأهمية في تاريخ الانسان, حيث فتحت أمامه مجالاً واسعاً وعلماً جديداً من المعرفة, هو عالم التغير, وذلك لما تحدثه النار من تحولات سريعة في المادة, حيث أوحى له ذلك بأن هناك قانوناً للتغير يكمن وراء تلك الظواهر الطبيعية، والواقع أن عملية اكتشاف النار في ذاتها عملية إبداعية تنم عن قدرة الانسان على الابتكار وإيجاد الحلول للمشكلات التى تواجهه.

إن توصل الانسان لخلق النار الصناعية (عملية إشعالها) أدي إلي اعتزاز الانسان بقدراته وتميزه عن كل الكائنات المحيطة به, ولقد أدى اكتشاف النار إلي عدة نتائج هامة, مثل استخدامها في طهي الطعام, والإضاءة وفي مطاردة الحيوانات أثناء صيدها, وفي التدفئة, وأنشطة حياتية أخرى.

ولقد تمكن الإنسان من تحصيل معرفة جيدة بالتاريخ الطبيعي للحيوان, وذلك من خلال ملاحظاته للحيوانات التى يصطادها, حيث عرف أهم سماتها, وجوانب الاستفادة منها, وقد أدي ذلك إلي تمكنه من استئناس العديد من الحيوانات وتسخيرها في خدمته, وكان الكلب والماعز والأغنام والأبقار والجمال والجياد من أوائل الحيوانات التى قام الانسان باستثناسها, وذلك خلال العصر الحجري الحديث.

وقد تمكن الإنسان أيضاً في هذه الفترة من تكوين معرفة جيدة بعالم النبات, فقد لاحظ طريقة نمو النباتات, وتعرف علي بعض الأصناف, واستخدام الأخشاب في صناعة بعض أدواته, ولاحظ ما يوجد بين النباتات من اختلافاتً, وقد مكنته كل هذه المعارف من التوصل إلى زراعة المحاصيل التى يمكن الاستفادة منها, وهو ما حدث قبل اكثر من عشرة آلاف عام.

ورغم كل هذه المعارف المتعددة, فقد عجز الانسان عن فهم الكثير من الظواهر الطبيعية المحيطة به, وأحس أمامها بالضعف, ولذلك فقد نسج العديد من الأفكار غير المنطقية حول الظواهر التى عجز عن فهمها, وهنا نشأت الأسطورة في تاريخ الفكر الاجتماعي.

يقوم الفكر الأسطوري علي أساس تفسير الظواهر الطبيعية بقوى غير منظورة توجد فى عالم آخر, هو عالم ما وراء الطبيعة , ولقد تصور الانسان البدائي أن هناك قوة عظمي توجد فى عالم ما وراء الطبيعة, ولكن تأثيرها يتغلغل في كل الأشياء, ولابد من استرضائها, والخضوع لها حتى لا تسبب لها ضرراً أو تصب عليه لعناتها.

ومن أجل استرضاء هذه القوي, كان يقوم ببعض الطقوس والشعائر, مثل تقديم القرابين, وذبح الأضاحي, وإقامة بعض الطقوس الراقصة.

إن الإنسان البدائي لم يتمكن من فرض سيطرته على العالم الغامض من حوله, لذلك فقد جمح خياله متخطياً الواقع, فوقع في شباك السحر والأسطورة, والكهانة, ولم يكن لديه طريق ليستر عجزه عن فهم العالم والسيطرة عليه والاستفادة منه.

يتضح مما سبق أن التفكير الاجتماعي في عصور ما قبل التاريخ قد غلب عليه السمة الميتافيريقية, وذلك نظراً لعجز الإنسان عن فهم العديد من الظواهر المحيطة به, وقد كانت الأسطورة حلاً جيداً لكافة المشكلات الفكرية التى واجهته في ذلك الوقت المبكر من تاريخ البشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مداخلة -1
شاكر شكور ( 2015 / 7 / 27 - 19:07 )
لاحظت استاذ حسني بأنك لم تستشهد بنص آية من الكتاب المقدس يقول أن عمر الإنسان يتراوح بين 6000 إلى 7000 عام وأنما نسبت هذا التقديرالى الباحثين وأنت تعلم ان البحوث والأجتهادات هي من افكار بشرية تقبل الخطأ اوالصواب خاصة وأن الباحثين لم يتأكدوا تماما كم كانت تساوي السنه من عدد الأيام في زمن خلق آدم ، تقول ايضا (فالقرآن الكريم يخبرنا.... بخلق آدم وحواء) ، لم اعثر الى اية آية قرآنية تذكر اسم حواء فمن اين جئت بهذا ألأسم ونسبته الى القرآن ؟ تقول (إن القرآن الكريم ليس كتابا في التاريخ، وإنما هو كتاب في فلسفة التاريخ) ، انا لا ارى اية فلسفة في التاريخ في القصة الخرافية المذكورة في سورة الفيل وأرسل عليهم طير من ابابيل ، تقول (القصص القرآني أنه لايهتم بزمن وقوع الحدث ، ولا بمكان وقوعه ........ ويترك التفاصيل الجزئية للاجتهاد العلمي البشري) ... يتبع رجاء


2 - مداخلة - 2
شاكر شكور ( 2015 / 7 / 27 - 19:09 )
وهذه هي مشكلة الأسلام لأن عدم اهتمام القرآن في كل ما ذكرته آنفا هو الذي جعل المفسرين يتخبطون وفي الآخر يقولون عبارة (وقد اختلف المفسرون و الله اعلم) كما ان هذا هو السبب الذي جعل الله كأنه لا يعرف الغيب كعبارة (ان مات اوقتل) او التخبط في عدد اصحاب الكهف او عدم معرفة اسم ابن ابراهيم المقدم للذبيحة هل هو اسحق ام اسماعيل ومن هو الذي شبه به بدل عيسى كل هذه الأمور المفقودة تقلل من درجة التصديق الأيماني وتفقد مصداقية وقوع الحدث وتشير الى ان المتحدث من البشر قد نسى التفاصيل ، تقول (والجنة المذكورة في قصة آدم ليست جنة الفردوس، وإنما هي حديقة على الأرض) أغلب التفاسير المعتمدة لمعنى سورة الأعراف 24 هوهبوط آدم من الجنه الى الأرض اي من الأعلى الى الأسفل ، هذا وأن اغلب المفسرين لآية تجري الشمس لمستقر لها كذلك عبارة والى الأرض كيف سطحت يعتقدون بأن الأرض ليست كروية فما الذي جاء به القرآن وكان كاملا غير مقطع الأوصال ؟؟ تحياتي


3 - الأستاذ شكور تحياتي 1
حسني إبراهيم عبد العظيم ( 2015 / 7 / 28 - 16:47 )
الأستاذ شاكر شكور تحياتي لكم وشكرا على تواصلكم الكريم
فيما يتعلق بما طرحتموه من ملاحظات يسرني أن ألفت انتباه سيادتكم لما يلي،
أنا بالفعل لم استشهد بنص من الكتاب المقدس يقول أن عمر الإنسان يتراوح بين 6000 إلى 7000 عام، ولكنني اعتمدت على ما جاء في الإصحاح الخامس من السفر الأول في العهد القديم وهو سفر التكوين ومطلعه: (هذا كتاب مواليد آدم علي النحو الآتي:عاش آدم مائة وثلاثين سنة وولد ولدا علي شبهه كصورته ودعا اسمه شيث..وعاش شيث مائة وخمس سنين وولد أنوش..وعاش أنوش تسعين سنة وولد قينان..وعاش لامك مائة واثنتين وثمانين سنة وولد ابنا ودعا اسمه نوح. وهذا النص يؤكد أن عمرالبشرية من ادم الى نوح حوالي ، 1056، وهذا رقم غير صحيح بالمرة وفق معطيات علم الديموجرافيا، وفيما يتعلق بذكر اسم حواء في القرآن الكريم فأنا اتفق معكم في أن القرآن الكريم لم يذكر اسم حواء وإنما اكتفى بذكر آدم عليه السلام فقط، وتلك ملاحظة اشكركم عليها


4 - الأستاذ شكور تحياتي 2
حسني إبراهيم عبد العظيم ( 2015 / 7 / 28 - 16:51 )
أما قولي إن القرآن الكريم ليس كتابا في التاريخ، وإنما هو كتاب في فلسفة التاريخ فأقصد أن القرآن الكريم لا يهتم – مثل علم التاريخ - بتسجيل الأحداث وتحديد الأزمنة والأمكنة وأسماء القادة والحكام، وإنما يهتم بالعبر والدروس التي يمكن الاستفادة منها في الحدث التاريخي، أما ما تظنه قصة خرافية في سورة الفيل فأدعو سيادتكم لقراءة التفسير الرائع لتلك القصة في تفسير المنار للشيخ رشيد رضا رحمه الله، حيث لا يسمح المجال بذكر ذلك التفسير الآن
وقولكم إن عدم اهتمام القرآن بزمن وقوع الحدث ولا بمكان وقوعه يجعل المفسرين يتخبطون، فهذا كلام غير دقيق، ذلك إن القرآن كما ذكرت منشغل بالقضايا الكبرى التي يتأسس حولها الحدث التاريخي، ولا يبالي بالجزئيات التي لن تؤثر كثيرا في الحدث، فليس المهم اسم ابن إبراهيم عليه السلام، ولكن المهم هو تلك الاستجابة العظيمة لنبي الله إبراهيم للوحي الذي يأمره بذبح فلذة كبده، والمهم أيضا تلك الطاعة الفائقة للابن،


5 - الأستاذ شكور تحياتي 3
حسني إبراهيم عبد العظيم ( 2015 / 7 / 28 - 16:53 )
وليس مهما أن يكون أصحاب الكهف خمسة أو ستة أو عشرة، بل المهم هو قدرة هؤلاء الشباب على معرفة الحق وتحدي قومهم، ثم معجزة تغييبهم في النوم أكثر من 300 عام، وعودتهم مرة أخرى للحياة، أما عبارة افإن مات أو قتل، فهي لم ترد في سياق الاخبار عن الغيب، وإنما جاءت في سياق إثبات بشرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسريان ما يجرى على البشر من موت أو قتل عليه. أما عباره فقد شبه لهم في سياق نفي الصلب عن السيد المسيح عليه السلام فقد تعني أن الأمر التبس عليهم.
وموضوع الجنة أنها على الأرض فهذا رأي عدد كبير من العلماء،
أخي الكريم إن إحدى دلائل عظمة القرآن التي أؤمن بها أنها تركت لي المجال لكي أبحث بحرية في كل الظواهر الاجتماعية والطبيعية، وبالتالي فلا يصطدم القرآن بأي اكتشافات علمية يتفق العلماء على صحتها، فعندما يتحدث العلماء عن مكان وجود ادم وعن تاريخ وجودة، وعن أعمار البشر في تلك الحقبة، فكل ذلك لا يتعارض مطلقا مع القرآن الكريم
لك خالص تحياتي وشكري على تواصلكم الكريم

اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح