الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي استبدادي بطبعه

عاصم منادي إدريسي

2015 / 7 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد الثورات/الاحتجاجات التي صنعتها شعوب الدول الإسلامية في الشرق والمغرب الكبير استبشر الكثيرون خيرا اعتقادا منهم أن زمن الاستبداد الذي عاشوه مع أنظمتهم السياسية السابقة قد ولى إلى غير رجعة ولن يعود مجددا. وبما أن هذه الشعوب قد جربت كل الألوان السياسية في الحكم وسط معارضة الأحزاب/الجماعات ذات التوجه الإسلامي، تلك الجماعات التي لطالما تظاهرت بمظهر الزهد في الحكم وملذات الحياة ودعت إلى الله والعودة للإسلام، الشيئ الذي أكسبها تعاطف الشعوب ودعم عامة الناس الذين وثقوا في الإسلاميين ودافعوا عنهم اقتناعا منهم أن رجال الدين هم الأقدر على تدبير أمور الناس في الحياة السياسية.غير أن صدمة الشعوب ستكون كبيرة بعدما وصلت جماعات الإسلام السياسي للحكم في عدة بلدان (مصر.تونس.المغرب...) ولم تستطع الوفاء بوعودها والتزاماتها تجاه عموم الناس. أكثر من ذلك حاولت إعادة إنتاج استبداد من نوع جديد، لا يستمد مشروعيته هذه المرة من قوته العسكرية، بل من الله تعالى، وذلك من خلال رفعهم لشعارات الحاكمية لله والعودة للإسلام الحقيقي والعمل بتوفيق وتسديد من الله...، لكن الشعوب الإسلامية كانت أذكى من أن تنطلي عليها هذه الخدعة، فوقفت صدا منيعا أمامها وما تزال تواجه مختلف محاولات التضليل والتغليط التي تتم باسم الدين أو العودة إلى الحق...
ففي صراعاته ومعاركه السياسية ومن أجل تحقيق طموحاته الانتخابية يستعمل خطاب جماعات الإسلام السياسي مجموعة من المفاهيم العامة كأدوات للنيل من خصومه وضرب مصداقيتهم في الصميم. ومن أهمها نجد مفاهيم العلماني والكافر والملحد واليساري والقاعدي. تعتبر هذه الأخيرة بمثابة توصيفات وأحكام جاهزة يستغل الخطاب الأصولي/السلفي اختلاط مدلولاتها عند أغلب الناس، تلك المدلولات وأشكال الفهم التي تقتنع بأن ما يجمع بين العلماني اليساري والقاعدي هو معاداة الدين والتقاليد والآداب العامة والأخلاق المعتدلة...
وهنا أود الإشارة إلى أن الفكر الأصولي عند جماعات الإسلام السياسي يرتكز على ثلاثة مبادئ لا حياة له بدونها. وهي استغلال الدين من جهة، والجهل والأمية والتخلف من جهة. وتكريس نظرية المؤامرة من جهة أخيرة.
يظهر استغلال الفكر الأصولي للدين في تظاهر سياسييه بالزهد في ملذات الحياة الدنيا والتعبد تقربا من الله عز وجل، لذلك يتقمص حملة هذا الفكر دور المدافع عن الدين (تأويل وفهم معين للدين. أي فهم طائفي ومذهبي محدد للدين) الناطق باسم الحق والشرع في وجه كل الدسائس التي يفتعلها المتأثرون بالغرب الكافر الراغبون في تحويل المجتمع الإسلامي المحافظ إلى مجتمع إباحي جنسيا...
يدرك الوعي السلفي حجم المفعول السريع والتأثير المرعب للخطاب الديني على عامة الناس. لذلك يحرص السلفيون على تغليف مواقغهم مهما بلغ حجم السخف فيها بغلاف ديني وملئ خطبهم بالمواعظ والآيات والأحاديث وحكايات السلف...، وفي الوقت نفسه يحملون مسؤولية كل أشكال الفشل التي تتخبط فيها المجتمعات الإسلامية المتخلفة لمن يصفونهم بالعلمانيين الملاحدة الكفرة الذين يريدون تدمير الهوية الدينية وكل ما له ارتباط بالإسلام حسب زعمهم.
وبما أن كل جماعات الإسلام السياسي التي باتت تملأ المجتمع تفتقد لأي ذهنية سياسية أو تخطيط أو تنظير للمستقبل، وبما أن إيديولوجياتها الإقصائية القائمة على تمجيد الجماعة وتعظيمها والاعتقاد في صدق أفكارها وثبات دعاويها في مقابل النظر إلى الأطراف المختلفين معها بوصفهم خطأة ضالين، يعني رفضها المبدئي لأي تعايش أو قبول بالتعددية والتنوع في الآراء والمواقف والإيديولوجيات، يلزم عن هذا المبدأ الضيق إقصاء الفاعلين السياسيين من جهة.ورغبة في التحكم في الفضاء العمومي من جهة ثانية من خلال توظيف/استغلال الدين لجذب الأتباع والأنصار.
وبسبب القصور السياسي الذي تحمله هذه الجماعات بحكم انغلاقها على ذاتها واقتناعها بقداسة أفكارها وعدم استعدادها للانفتاح على العالم، غالبا ما كان الفشل حليفها في كل تجارب الحكم التي حاولت قيادتها بمجموعة من دول العالم الإسلامي(أفغانستان.باكستان.مصر.المغرب.تونس...).
فالفعل السياسي العالمي المعاصر يتطلب متخصصين ومستشارين في العلاقات الدولية والاقتصاد والإدارة ومخططين في التعليم وخبراء في التجارة العالمية، وليس أئمة ومتفقهين في المذاهب الدينية وواعظين وخطباء جمعة وأعياد كما هو الشأن عند جماعات الإسلامي السياسي التي تخرج من حالة الدعوة والوعظ والإرشاد مباشرة إلى السياسة وقيادة الدول. والحل الوحيد الذي تلجأ إليه لتبرير فشلها السياسي هو مشجب "المؤامرات الداخلية التي يقودها العلمانيون والملاحدة المعادون للدين بدعم من الخارج المتربص بهم الرافض لوجودهم بسبب تبنيهم للإسلام كمرجع في الحكم".
يميل الإسلاميون كثيرا لنظرية المؤامرة لأنهم يجيدون دور المظلوم المقهور المرفوض لا لشيئ إلا لأنه يدافع عن الإسلام. وهي فكرة كافية لتحريك عواطف عامة الناس الذين لا يمكن التحكم فيهم بالخطاب العقلاني الحجاجي، بل فقط بالخطاب العاطفي والبكاء وادعاء المظلومية وإلصاق الفشل بالغير. ذلك من أجل التغطية على الفشل الذي منووا به في تدبيرهم للشأن العمومي.
ما يلاحظ من محددات الفكر الأصولي/السلفي الذي تعمل به جماعات الإسلام السياسي أنه يفسر كل المشاكل التي يعانيها والفشل الذي يعيشه من خلال اتهام المعارضين له بالتشويش عليه والتآمر ضده. لكن الواقع يحكي قصة أخرى سنحاول الوقوف عند أبرز تجلياتها في الأسطر التالية.
بينت تجارب حكم الإسلام السياسي في مختلف دول العالم الإسلامي عن هشاشة واضحة في طريقة نظرته وتقييمه للأمور، فتدبير وتسيير وسياسة المجال العمومي اليوم تتطلب مخططات استراتيجية ومشاريع تنموية ينهض بها أبناء الحزب المتخصصون في الطب والتعليم والتربية والتجهيز والفلاحة والعلاقات الدولية والتجهيز والأمن...، وهنا تظهر الوظيفة الأساسية للأحزاب السياسية، يتعلق الأمر بالتكوين المستمر لشباب الحزب وقواعده، ذلك التكوين الذي يساير التغيرات والتطورات التي تجري على مستوى العالم في كل المجالات، وهذه هي نقطة الضعف التي تعانيها مختلف الأحزاب السياسية في البلدان المتخلفة بشكل عام وتظهر بوضوح أكبرعند جماعات الإسلام السياسي للسبب التالي.
غالبا ما تنطلق جماعات الإسلام السياسي من دعوى "الحكم بما أنزل الله والدفاع عن الدين"، ومن ثمة يعتبرون كل من يختلف معهم علمانيا يهاجم الدين ويرفضه. وانسجاما مع هذا المبدأ يرفضون الأخذ بالمناهج و الأفكار المعاصرة والسياسات الجديدة بدعوى أنها صناعة الغرب الكافر الذي يتآمر ضد الدين ويستهدف المتدينين. وهذا التقوقع على الذات يعني استحالة وجود القدرة على التعامل مع هذه القوى السياسية القوية مستقبلا.
إن نجاح الجماعات الإسلامية سياسيا يقتضي منها اليوم خلع جلباب الدين وتجاوز الأفكار الضيقة التي لم يعد ممكنا تطبيقها في العالم المعاصر (القرية الصغيرة المفتوحة). فالانغلاق على الذات ورفض الآخر المختلف في الدين مرد غباء، والحديث عن المؤامرة الخارجية مجرد مبرر يصلح كعزاء للتغطية على الفشل والقصور الذاتي وتبريرهما أمام الرأي العام لتضليله. كما أن الحديث عن مؤامرة تحالف العلمانيين والغرب الكافر ضد حكم الإسلاميين ما عاد كافيا لإقناع الذات قبل الغير. فالمواطنون لا يحتاجون إماما للصلاة والوضوء والخطبة، بل يحتاجون للتشغيل والتطبيب والتنقل المريح والسكن والبنى التحتية القوية والتعليم الراقي والحياة الكريمة واحترامهم بصفتهم ذواتا عاقلة تنتمي إلى مملكة الإنسانية بكل ما تحمله الإنسانية من معاني حقوقية وأخلاقية كونية،ومن يستطيع تحقيق هذه الشروط هو الأجدر بالحكم مهما كانت معتقداته الدينية. فليست تعنينا درجة تدين الفاعل السياسي ولا إيمانه. ولسنا نهتم لصومه وصلاته وحجه ووضوئه، فتلك أمور لا يحاسب عليها المسؤول السياسي أمام الشعب. بل أمام الله، ولم يخول الله لأي بشر صلاحية محاسبة الناس، لذلك سنحاسب المسؤول السياسي عن مدى تطبيقه ببرنامجه السياسي الذي نال بسببه أصوات الشعب، ومدى حرصه على سير المرفق العمومي وحماية المال العام وضمان التطبيق الفعلي المتساوي للقانون بين كل المواطنات والمواطنين، وفي ذلك فليتنافس السياسيون والسياسيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س