الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستشراق بين الاختلاف والائتلاف

هشام حمدي

2015 / 7 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يصف محمد عابد الجابري في كتابه المعنون "مسألة الهوية-العروبة والإسلام...والغرب" مفهوم الاستشراق بأنه بناء ل (الأنا) الأوروبي ولجوء إلى عمليات عزل وإقصاء (الآخر) ويعني به الشرق معززا قوله بنماذج وأمثلة لهذا الإقصاء الذي بدأه بالإقصاء العقلي، والإقصاء الحضاري فالإقصاء العرقي ثم الإقصاء الجغرافي، أما إدوارد سعيد في كتابه عن الاستشراق فيعبر عنه بأنه تمييز وجودي ومعرفي، وبأنه نزوع امبريالي وجناح كشفي للاستعمار، ويضيف بأن الغرب جاهل بحقيقة الشرق والإسلام لأنه "أي الغرب" يستقي معلوماته من مصادر تفتقر في كثير من الحالات إلى الموضوعية والنزاهة والتجرد أو الإحاطة الكافية بحقيقة الشرق والإسلام، كان من نتائجه صدور أحكام وتصورات ساهمت في صوغ منظور الغرب عن حقيقة الدين كما ساهمت في صوغ منظور المسلمين من إسلامهم؛ هيرا كليس وأخيل وإياكس وديوني زوس هم أوائل نماذج الكشافة والاستطلاع للعقلية الغربية، الاسكندر والروم وولادة المسيحية أكست الشرق شكلا جديدا بالنسبة للغرب عامة والأوروبيين خاصة، لم يعد الشرق وجهة رائعة ومكانا بديعا يبهر الأنظار بثرواته بل أصبح اتجاها إجباريا، فبعد ظهور الإسلام قلبت جيوشه المناخات السياسية والمعنوية رأسا على عقب، وأصبح الإسلام قوة لا يمكن لقوات الجيش وأنظمة الدول ردعها، فقد صار جارا للغرب وتلا ذلك الحروب الصليبية والمواجهة مع صلاح الدين الأيوبي وما جرى في الهند وأفريقيا إلى ظهور الخلافة العثمانية على المنصة.
قبل أن يتم تثبيت المعايير المحددة للاستشراق كان عند الغرب كذلك شغف وحب للمشرق، فلو تم تناول الاستشراق كعلم لوجدناه عبارة عن بحوث علمية وتحاليل في مجالات عدة الهدف منها تمكين الغرب من معرفة الشرق بكل جوانبه وهذه الجوانب هي دراسة كل ما هو تاريخي وديني ولغوي واجتماعي وأثري كمساهمته في حل الأبجدية الهيروغليفية في الكتابة المصرية الفرعونية والترجمات من اللغات السامية التي على رأسها العربية والدراسات الأثرية وما إلى ذلك، الشرق بالنسبة للغربيين منذ عصور قديمة عبارة عن عالم فانطازيات مليئة بالمخلوقات الغريبة والذكريات العجيبة حينا والأحداث المريبة والخارقة للطبيعة حينا آخر.
وفي سياق تأسيس تحليل للخطاب الاستشراقي لنابليون ورينان وبورطون وألفونسو دي لامارتين وإدغار كوينس ونورفال والكثيرون أمثالهم رغم استمرار فعالياتهم في مجالات خاصة بهم من سياسية إلى دينية ولغوية إلا أن لهم نقطة مشتركة وهي التعرف على الشرق وعدم انتقال الهزيمة الناتجة عن التقاء الواقع الحقيقي بالواقع الافتراضي الذي شكلوه وصاغوه في عالمهم الخيالي إلى شعبهم، وكذلك فهم أبعاده الاستعمارية المرتبطة بالقوة المادية وأشكالها الرمزية الاستعمارية، يمكن معرفة الكيفية التي استطاعت من خلالها الثقافة الغربية أن تنتج وتستهلك وتؤبد وتقمع وتشكل وتمثل الشرق علميا وسياسيا وسوسيولوجيا وإيديولوجيا وعسكريا وتخيليا في فترة ما بعد الحداثة.
وتظهر آثار هذا الاستعلاء الاستشراقي في المناهج المدرسية وحتى الجامعية في العالم الغربي التي ما تزال مثقلة بكم هائل من المعلومات المغلوطة والمضللة عن الإسلام والشرق التي تعود في جذورها إلى مرجعيات القرون الوسطى مصطبغة بروح الحروب الصليبية التي تحوي الكثير من التعصب و لي أعناق الحقائق لإثبات مزاعم واعتراضات قبلية عارية عن الصحة، هذا المنهج الصارم ترافق مع إحساس بالضعف وتوافق مع شعور بالهزيمة حيث فقد الباحثون الثقة بقدراتهم على إنتاج مفهوم ما عن ثقافتهم ما عزز مشروع التغريب بأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية وطُبعت حياة المسلمين بالأسلوب الغربي فاضمحلت شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المنفردة فصاروا أسرى التبعية للحضارة الغربية.
إن الانجرار إلى خطاب شمولي ببديهيات ومسلمات إطلاقية، يبجل الذات ويضفي عليها كل الصفات وخصائص العظمة والشمول، وفي المقابل يزدري الآخر المقابل بكل ما فيه انطلاقا من مقولة أننا والآخر يعبر كل واحد فينا عن نسق حضاري وثقافي متمايز ولكل منهما خصوصيته الشديدة ومنطقه الداخلي وزمنه الحضاري وأطره المرجعية والمنهجية التي تتحدد وقد تتجدد من داخل النسق نفسه وليس من خلال أي تلاقِ أو تكامل مع الآخر، إن هذا الانجرار يمثل استجابة كلية لإرادة أطروحات كتلك التي دعا لها لويس ماسينيون أو جيب أو غيرهما حيث اعتبرا أن مصلحة الغرب تكمن في الدفاع عن إسلام محافظ منغلق على ذاته، لأن هذا فقط ما سيشكل الحاجز الأفضل ضد عدوى انتشار الثورة في المجتمعات الإسلامية مع ما تعنيه ثورة من تنمية وتطوير وتنوير وتحرير وبناء مجتمع متماسك قادر على الاستقلال والمبادرة، بل إن منطق الانغلاق ورفض الآخر يصادم روح الإسلام التي تدعو إلى التكامل والتعارف.
أخيرا، يجب أن نعي وندرك أن المسألة إذن ليست ما كتبوه وما قالوه أو ما كتبه وقاله المتأثرون بهم إنما هي أساسا ما لم نكتبه وما لم نقله نحن حتى الآن، حيث يجب أن نرى أنفسنا بعيوننا قبل أن نحكم على صورتنا في عيون الآخرين.
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على