الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة و الوعي و الفيتو

شوكت جميل

2015 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


الظلم و الفساد و الاستبداد و الاستعباد ؛ في ظني كل هذا ليس كفيلاً و لا كافياً بصنع ثورة ؛ إذْ يخبرنا التأريخ أن المظلوم ليس من يصنع الثورة ، و إنما المظلوم و قد وعى الظلم و أحسّه ، أو بعبارةٍ أخرى، فإنه الإحساس بالظلم و ليس الظلم من يصنعها .فلئن كان الظلم هو الدافع و الداعي الأول الذي يبوّق لها ، فأنه لا يغني شيئاً ،و يبات نسياً منسياً ، طالما لم يجد آذاناً تعي و قلوباً تحس، فإن هو وقع على نفوسٍ باردةٍ غافلةٍ لم تألف ذائقتها كراهة الظلم و النفور من العبودية ،و لربما تستسيغها و تستطيبها ، جاء طرقه على حديدٍ بارد ، فإن أصابت نفوساً واعية فعلت بها فعال السيل بجرفٍ هار... و لعل في الثورة الفرنسية أحسن البيان على ما تقدم.

لم تكن كثيراً من الممالك الأوربية بأسعد حالاً من فرنسا إبان الثورة الفرنسية ، و لم تكن شعوبها بأوفر حظاً أو أقل بؤساً من الشعب الفرنسي ، بل ربما كان الشعب الفرنسي هو الأكثر حظاً بين شعوب أوروبا_ خلا بريطانيا_ بيد أن الثورة ضربت بشعلتها فرنسا أول ما ضربت قبل غيرها ! ، و لم يكن "لويس السادس عشر" بأكثر فساداً و استبداداً من سالفيه ، و لعله كان الأقرب من بين أسلافه في فرنسا و أترابه في أوربا إلى الحرية و التسامح و الإصلاح ؛ بيد أن الثورة اشتعلت بفرنسا دون غيرها ،و على عهده دون عهد غيره ! ، و قد يقع هذا موقع العجب في نفوس البعض ، و لكن يزول هذا العجب او أكثره لو علقنا الثورة بالإحساس و الوعي بالظلم ؛ فقد توافر و اجتمع ،إذ ذاك ، لفرنسا دون غيرها طائفة من الفلاسفة و المفكرين أخذوا على عاتقهم تنوير الشعب بحقوقه و من ثم خلق وعي و حساسية جديدة للحرية و الظلم و الإستبداد ،و ألف الشعب الفرنسي مفاهيم لم يكن يألفها من قبل :"كالحق الطبيعي " و"سيادة الأمة " و"العقد الاجتماعي"
وكانوا قبلاً لا يعرفون سوى سيادة الملك المطلقة ، و حق طبقة الأشراف"الإقطاع"في جلد ظهورهم و سلب ممتلكاتهم ، و الامتنان لطبقة رجال الدين "الأكليروس" و هم يربتون على ظهورهم المجلودة للإستيلاء على ما تبقى في جيوبهم ،و كذا كان الحال في أكثر أوربا ، أما هؤلاء التنويريون ،الذين بثوا في روح الشعب الفرنسي هذا الإحساس بالحق و الظلم فكثر و منهم : رسو و لوبان و فولتير و منتسيكو و ديدرو و دالمبير..إلخ ، إذن كانت هذه الطائفة هي من قادت و شكلت مزاج الأمة و عيها و نفخت فيها روح الإحساس بالظلم ؛فتمردت على قيودها عن حق ، و هذا ما أسميه "بالوعي الحقيقي" ، فماذا عن " الوعي المزيف" ؟!


قلنا إن طائفة النخبة من المفكرين تقود عامة الشعب ،و لكنها قد تقودها لغرضٍ نبيل كما تقودها لغرضٍ خبيث ، و فد تقودها عن حقٍ أو عن باطل ، و ربما تقودها أحيانا كما تهرع الغنيمات وراء تيسها إلى الهاوية ،و لعل واحدا من كبار مزيفي الوعي في الثورة الفرنسية هو الدوق"أورليان " و هو ابن عم الملك ، و لم يكن هذا الدوق يرى في الثورة سوى المطية التي ستحمله إلى عرش قريبه ، فيجلس مكانه ،فأخذ يردد طرفه ، فوجد في هذا الشعب الذي و إن شرع في سبيل الحرية ،لم يبلغ بعد مرحلة الوعي الناضج ضالته ، فجعل همّه العبث في عقولهم ما شاء له العبث ،و يجمح بما استطاع جمعه منهم إلى متاهات تشط عن سبيل حريتهم و تذهب بهم كل مذهب مولغٍ في العنف و الدم ، يعمل ظاهراً للثورة و باطناً عليها ، مرةً لصالحها و مرة ضدها ، و هو في كل حال لا يفارق هدفه الوحيد و مصلحته الشخصية و حسب ،يكفي أن تعلم أنه في واقعة من وقائعه ،حشد حشداً كبيراً صاخباً من العامة يجول في شوارع باريس و هم يصرخون و يكررون ورائه" يسقط الفيتو...يسقط الفيتو " ...فكان إن سئل أحدهم عمّا يقصد بالفيتو؟..فتكون إجابته :إنما هو نوع جديد من الضرائب ،التي فرضها علينا زبانيه الملك ، قاتلهم الله ! ..فهكذا أفهمه الدوق "أورليان" و لم يعِ أن الفيتو هو حق الملك على الإعتراض على القوانين!

سؤال المقال

هل من حق المفكرين التضليل و التغرير بوعي الشعوب و لو لهدفٍ نبيل ؟..الإجابة قالها سلوك بعض النخبة في ثورات الربيع العربي !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!