الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي والإسلامي نَمُوذَجًا للفصام !

هادي بن رمضان

2015 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إننا لابد أن نعترف بأن الدين قديم قدم الإنسان نفسه , قد ترك أثره في كل معالم الحضارة الإنسانية . دون عنصر الدين وفكرتي الثواب والعقاب لربما لم يكن الجنس البشري ليستمر حتى هذا اليوم . أمام الصراع العنيف لأجل البقاء بكل الأساليب العدوانية , أحدث الدين ثورة في التعامل بين الأفراد (أفراد المجتمع والمعتقد الواحد) بأن فرض عليهم قيودا كان لا بد منها لإحلال النظام . "الأخلاق الإنسانية" , أخلاق الرحمة والتضامن والتعاطف والتي تستمر في التمثل سلوكيا حتى لو تعارضت مع الواقع المادي هي صنيعة دينية قللت من حدة وقسوة صراع البقاء بتقديمها لبعد اخر للوجود يعقب الموت , فالحياة إذا قد أصبحت غير مهمة ولا تستحق القتال لأجل ملذاتها .

يفترض -من وجهة نظر دينية- في المجتمع المتدين والملتزم في تدينه إشاعة السلام بين أفراده لا الإقبال بشراهة على الحياة الدنيا ففي النهاية هي مجرد إختبار , وكل أشكال اللذة غير قَيِّمة . تمثل اليوم المسيحية هذا النموذج الأخلاقي المثالي للدين وكذلك المتصوفة المسلمون ونظريا السلفيون إذا ما قضوا على ما يسمونه بال "جاهلية" .

إن المجتمع المتدين الملتزم, نظريا, لا يجب أن يحمل مجالا للبغض والكراهية والحقد والعنف ولا أن يمارس أفراده صراعا عنيفا للتفوق الدنيوي . أفراد هذا المجتمع يسعون للحياة الاخرة وكأنهم منفصلون عن الواقع المادي . هذا هو النموذج الأخلاقي للدين الذي إقتبست منه لاحقا "الإنسانية الادينية" كل قيمها وأعلنت عن نفسها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . "الإنسانية الادينية" هي الأخلاق الدينية التي يمكن أن تتخذ بعدا كونيا بعد إقصاء الجانب المدمر من الدين .

إن المجتمعات المادية من إلتزم أفرادها بنظرة مادية للوجود , سيحكمها نظريا قانون صراع البقاء بكل قسوته , خاصة في النموذج الليبرالي -بالمعنى الإقتصادي للمصطلح- . وسيستمر أفرادها في خوض هذا الصراع بكل الأساليب الممكنة مادامت الحياة واحدة فانية . إننا لو حذفنا "أخلاق العبيد" الميتافيزيقية كما يصف نيتشه الأخلاق المسيحية/الإنسانية لأجيز حينئذ للأفراد أن يسحقوا بعضهم البعض في صراعهم بكل الطرق الممكنة . سيوجد مجال للتسامح والتعاطف بين الأفراد كسلوك غريزي/طبيعي , لكنه معرض للزوال فور إصطدامه بالواقع المادي المتغير , نقيضا للأخلاق الدينية الانفعية التي لا تتعامل مع الوجود المادي المتغير وتتعالى عنه .

فإذا كانت مجتمعاتنا متدينة تفرض الصوم بالقوة , تحارب الجنس خارج الزواج , تبيح قتل المرتد , تبغض من تعدى على مقدساتها وتجيبه بالعنف الدامي , تتبنى أخلاق الشرف والعفة الدينية , إذا لماذا تحافظ مجتمعاتنا المتدينة على طابع مادي في أسلوبها في الحياة بسعيها العنيف لجمع الثورة والنفوذ بكل الأساليب مع تبنيها لنظرة عنصرية لشعوب أخرى تعتنق نفس عقيدتها الدينية ما تجرمه الأخلاق الدينية التي يفترض أن هؤلاء ينتمون إليها ؟

لماذا تمارس شعوبنا المتدينة كل أساليب القهر والعنف والقمع ضد من جاء بفعل حرمته الشريعة , ثم مالت هي نفسها -والتي يفترض تدينها- إلى خوض صراع عدواني لأجل البقاء والإرتقاء في السلم الإجتماعي بمعزل عن كل القيم الدينية ؟

إن النموذج الديني يفترض مجتمعا مغرقا في الروحانية يتعامل مع الحياة بما هي زائلة فانية وبالتالي زوال كل مظاهر الصراع العنيف لأجل البقاء مع نمط "منهك" من الطقوس الدينية . أما النموذج المادي فهو نموذج مفرغ من كل قيم وروابط روحية يسعى فيه الأفراد بكل الطرق لإستغلال حياتهم الفانية الواحدة , كلما أفرط المجتمع في -تفكيره المادي- كلما أصبح أكثر قسوة وبرودا , مع تجنبه لاثار الصراعات الدينية وتوفيره لحياة مستقرة ومجالا واسعا لحرية التعبير .

النموذج العربي الإسلامي اليوم هو نموذج مفرط في تطرفه الديني , مفرط في سعيه المدفوع بدوافع مادية , جمع بين عدوانية الإنسان البدائي وبين نزعة دينية قائمة على الإرهاب , وإذا إجتمعت البرودة المادية بالإرهاب الديني فالنموذج سيكون كارثة مروعة . وستكون نتيجته الحتمية أن يصنع أفرادا مضطربين فصاميين يميلون لقمع الاخر المخالف والتضييق عليه مع سعي دائم إلى الرحيل نحو العالم الغربي للتنعم برخائه المادي مع محافظتهم على نزعة الإرهاب والكراهية والتقوقع على الذات .

إن من نتائج هذا النموذج المشوه أفراد يطالبون بقتل كل من تعدى على معتقداتهم الدينية , ما معناه أنهم متدينون , يتعاملون في المقابل مع متدينين -من نفس معتقدهم- من شعوب أخرى تعامل السيد مع العبد . كما يتعامل السعوديون مع العمال اليمنيين , أو كما يتخذ اللبنانيون الطائفيون المتدينون موقفا عنصريا من السوريين الاجئين . إن من نتائج هذا النموذج أيضا أفراد مدمنون للخمر والزنا , ينتصرون للجماعات الإسلامية المسلحة ويتمنون قيام دولة الخلافة . وأفراد اخرون يطلبون من كل أنثى أعلنت عن إلحادها ممارسة الجنس (إذ يفترضون مباشرة بأنها فرصة لإشباع شهوانيتهم مع فرد غير مكبل بنصوص دينية كحال الأنثى المتدينة) فإذا رفضت أتهمت بالكفر والعهر وتمنوا لها الهداية !

إن التفسير الموضوعي لأسباب قيام هذا النموذج أن العالم العربي والإسلامي قد فشل في كل شيئ وفي كل مشاريعه التحررية الإقتصادية والفكرية فلم يبقى له لمقارعة الأجنبي إلا عنصر الدين . فمهما كان حجم التفوق الأجنبي فالدين يقنع أنصاره بأن فعل هذا الأجنبي بلا قيمة وصاحبه في النار فالقيمة لا تستمد إلا من عالم اخر مافوق-طبيعي . وفور إستحضار الدين لسد فجوة الشعور بالنقص يقع إستحضاره بكل همجيته ورجعيته وكل صراعاته القروسطية للبرهنة على التمسك به مع الحفاظ على نزعة مادية في الحياة تجمع بين الشهوانية واللذة والإرهاب . فالمجتمع العربي والإسلامي ليس متدينا لإقتناعه بعقيدته ولا لبحثه فيها , بل لأنها السلاح الوحيد الذي يمنحه معنى وجوده ويواجه بها عجزه ونقصه أمام الاخر . وفور أن يتخلص الفرد من نزعة الإنتماء -عرقية كانت أو دينية- أصبح أكثر سلاسة في تعامله مع الاخر وأقل حاجة للدين لتبرير عجزه إذ لن يملك إنتماءا يوحي له بهذا العجز .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
هادي بن رمضان ( 2015 / 8 / 3 - 21:02 )
لجمع الثروة والنفوذ*

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53