الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاسيلي كوماروف .. قاتل متسلسل في زمن الثورة الروسية

محمد علي

2015 / 8 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في احد الأيام من عام 1921 كان الفلاح العجوز دميتري يتجهز للذهاب إلى منزل صديقة تاجر الأحصنة فاسيلي كوماروف , كان مسرورا لأنه كان يود أن يشتري حصانا يختصر به المسافة الطويلة بين المزرعة وبيته .. سار دميتري حتى وصل إلى بيت صديقة فطرق الباب , ففتح فاسيلي الباب واستقبل صديقة الفلاح بوجه بشوش ودعاة إلى الدخول لمنزلة المتسخ الحقير , فدخل دميتري إلى المنزل وتبادلا الحديث فيما بينهما وعرفه على زوجته صوفيا , وكان فاسيلي يحرص على الإفراط في تقديم الشراب لصديقة الفلاح , وبعد جلسة طويلة كان السيد دميتري في حالة من الثمالة , عندها أدرك فاسيلي أن الوقت قد حان , فاستأذن من ضيفة بحجة أن زجاجة الفودكا قد نفذت وانه ذاهب لجلب زجاجة أخرى , وترك الضيف مع زوجته صوفيا وهما يتناقشان , لكن بعد فترة قصيرة عاد فاسيلي وبيده مطرقة صغيرة , وقد تبددت ملامح وجهة البشوشه إلى ملامح مخيفة وكأنه مجنون , فقام بمباغتة دميتري بضربة قوية على رأسه , فصاح العجوز صيحة مدوية وسقط على الأرض مضرجا بدمائه , وكان جسده يرتجف من شدة الضربة والدماء تتدفق من رأسه , وفي تلك الإثناء انهال فاسيلي على ضيفة بضربة ثانية على رأسه .. وثالثة .. وأستمر بضربه ولم يتوقف إلا بعدما أدرك انه لا يضرب سوى قطع لحم متناثرة على الأرضية .

بعدما أتم كوماروف عملية القتل قام بسحل جثة ضيفة إلى المطبخ بينما كانت زوجته تنظف أرضية المنزل الغارقة بالدماء , وفي المطبخ قام فاسيلي بوضع الجثة على طاولة قذرة , ثم ذهب إلى الفناء الخلفي وعاد حاملا بيده منشار وحقيبة جلدية وقام بتجريد الجثة من الملابس وقطع اليدين والرجلين , وقطع الجسم إلى نصفين , ثم وضع كل هذه الأجزاء في الحقيبة الجلدية , وعندما انتهى من هذه العملية المضنية عاد فاسلي ويديه وملابسة ملطخة بالدماء , فركع مصليا بخشوع من اجل أن يرحم الرب تلك الروح التي قتلها !! .. وقد وصف فاسيلي تلك العملية قائلا : ( لقد كان عملا متعبا , لكنه أستحق العناء , فذلك العجوز كان يحمل معه 30 روبلا ) .

من هو فاسيلي كوماروف ؟
.
ولد بيتروف فاسيلي تيرينتيفيتش عام 1878 لعائلة فقيرة ، في مقاطعة فيتيبسك في روسيا , كان والدة مدمنا على الكحول , وكان دائم الضرب لفاسيلي , وبسبب التربية السيئة التي نشأ عليها فقد أدمن فاسيلي على شرب الكحول منذ سن السابعة عشر وفي تلك الفترة ارتكب أولى جرائمه , فقام بقتل احد الأشخاص وحكم عليه بالنفي 3 سنوات في احد معسكرات الأعمال الشاقة (كاتورغا) بتهمة القتل غير المتعمد لأنه كان ثملا ساعة وقوع الجريمة .

بعد الإفراج عنه في سن العشرين تزوج فاسيلي , وفي عام 1905 اندلعت الحرب اليابانية - الروسية فالتحق فاسيلي بالجبهة , وبعد محاولة فاشلة لسرقة احد المستودعات العسكرية تم سجن فاسيلي لمدة عام كامل , وخلال تواجده في السجن توفيت زوجته بمرض الكوليرا .

بعد إطلاق سراحه تزوج فاسيلي ثانية من امرأة تدعى صوفيا , وهي أرملة و أم لولدين , والتي ستصبح شريكته في جرائمه المستقبلية , وكان دائم الضرب لها ولأولادها . وبعد اندلاع الثورة البلشفية انضم فاسيلي إلى صفوف الجيش الأحمر لفترة قصيرة وتم أسره من قبل الجيش الأبيض , فقضى مدة في الأسر ثم أطلقوا سراحه فقام بتغيير اسمه إلى فاسيلي كوماروف وانتقل للعيش في موسكو , في شارع شابولوفكا .

==الحرب الأهلية الروسية وفاسيلي ==

كانت الحرب الأهلية الروسية فضيعة , أودت بحياة ملايين الروس , ويعود سبب اندلاعها لمجموعة من العوامل الخارجية والداخلية . إذ كانت هناك مشاكل ومماحكات مستمرة بين البلاشفة والحكومات الغربية لأسباب عديدة منها امتناع البلاشفة عن دفع الديون التي كانت تدينها الإمبراطورية الروسية لبريطانيا , وانسحابهم عن الحرب العالمية الأولى , وفضحهم لاتفاقية سايكس - بيكو .. كل هذا دفع بريطانيا والقوى العظمى للتحرك من اجل القضاء على تلك الحكومة المعادية لسياساتهم عبر دعم الجهات التي كانت ناقمة على الثورة البلشفية . وأبرز هذه الجهات طبعا كانت طبقة النبلاء والإقطاعيين والبرجوازيين الذين صادرت الثورة ممتلكاتهم وأراضيهم وقامت بتوزيعها على الفلاحين والعمال . فقام هؤلاء بتكوين جيش أسموه الجيش الأبيض بتمويل غربي , وكان هذا الجيش يضم الضباط الموالين للقيصر والقوميين والاشتراكيين المعتدلين يساندهم رجال الدين . أما الجيش الأحمر فقد كان مكونا من ملايين العمال والفلاحين اللذين وقفوا بجانب البلاشفة خوفا على المكاسب التي حققوها في ظل الثورة .

كانت حرب وحشية من الطرفين تسببت في ظهور مجاعة عام 1921 وكانت لها آثار سلبية على نفسية الشعب الروسي ومن ضمنهم بطل قصتنا فاسيلي كوماروف .

==جرائم القتل==

كما ذكرنا سابقا فأن فاسيلي انتقل إلى موسكو وهناك تظاهر بأنه تاجر أحصنة , كان يقوم بسرقة الخيول من المناطق المجاورة و يبيعها في منطقته بسعر غالي , لكن سرعان ما ترك مهنة السرقة بعدما تم سجنه عدة مرات . وفي عام 1921 كان البلاشفة الشيوعيين في طريقهم نحو النصر لكن المناطق التي حرروها كانت في حالة يرثى لها , وكانت المجاعة تهدد حياة 19 مليون روسي الأمر الذي جعل (لينين) يقوم باستحداث خطة النيب الاقتصادية ( وهي خطة تقوم على تراجع مؤقت عن الاشتراكية وتسمح للفلاحين بالاحتفاظ بالفائض من محاصيلهم وتسمح للأجانب بالاستثمار في روسيا ) , وكانت خطة ناجحة بالفعل , إذ تمكنت من إنعاش الاقتصاد ورفعت المستوى المعاشي للفلاحين , وربما كان لهذا الحدث اثر كبير في نفسية فاسيلي فقد كان يرى حياة الفلاحين تزدهر وتنمو وثروتهم تزداد في حين كان هو عاطلا عن العمل مدمن على الكحول , لهذا لم يكن لفاسيلي خيار آخر غير القتل من اجل الحصول على المال . وكانت أولى جرائمه هي قتل الفلاح العجوز دميتري كما ذكرنا بالتفصيل في بداية المقال.

كانت طريقة فاسيلي المفضلة في القتل هي تهشيم الرأس بمطرقة صغيرة , وبعدما ينتهي من تقطيع الجثة كان يضعها في حقيبة جلدية ثم يرميها في نهر موسكو . في البداية كانت عملية القتل صعبة بالنسبة لفاسيلي , لكنه أصبح محترفا بالتدريج وصار قتل الشخص وتقطيع جثته ورميها في النهر لا يأخذ منه سوى نصف ساعة .

فاسيلي قتل 15 شخص في عام 1921 , و12 شخص عام 1922 .

وقد تزايدت البلاغات عن مشاهدة السكان المحليين لحقائب جلدية تطفو على نهر موسكو , حقائب تحتوي على أحشاء بشرية , وبسبب تكرار المشاهدات انتشر الذعر والرعب في موسكو و أدركت الشرطة أنها تتعامل مع سفاح . وقد وصل الخبر إلى فلاديمير لينين الذي أمر شخصيا بتحويل القضية إلى الضباط الأكفاء في جهاز تشيكا ( جهاز الامن ) , لكن مع ذلك لم يتوقف فاسيلي عن القتل , وكانت هناك سيدة تدعى اولغا تيميشينكو وهي قريبة احد الضحايا الذين قتلهم فاسيلي , بدأت تشك بفاسيلي لأنها آخر مرة شاهدت فيها قريبها كانت وهو يهم بالدخول إلى منزل فاسيلي , فقررت إبلاغ الشرطة , لكن فاسيلي علم بنيتها , فدعاها للحضور إلى منزله بحجة إبلاغها عن مكان قريبها , ومع الأسف انطلت عليها الخدعة .

فاسيلي أراد أن يقتل السيدة أولغا بطريقته المعهودة , فدعاها إلى شرب الخمر , لكنها رفضت , وقالت إنها لا تشرب الخمر , وعندما ألح عليها فاسلي صرخت بوجهه واتهمته بقتل قريبها , فحصلت مشادة كلامية بينهما غضبت السيدة اولغا على أثرها وقررت ترك المنزل , لكن على بعد خطوات فقط عن الباب قفز فاسيلي عليها مثل حيوان مفترس وخنقها بكل قوته حتى فاضت روحها , فقام بحملها إلى المطبخ ومددها على الطاولة ثم اغتصبها وهي ميتة , وبعد أن قضى وطره منها قام بتشويه وجهها بالمطرقة حتى لا يتعرف إليها أحد , وقام بتقطيعها لينتهي بها المطاف في حقيبة جلدية طافية على نهر موسكو .

الطريف في قصة فاسيلي هو أنه كان رجل متدين يقضي الليل بأكمله وهو يصلي بخشوع من اجل أرواح ضحاياه ! .

بسبب المشاهدات المتكررة للحقائب الجلدية وتكاثف جهود الشرطة قرر فاسيلي دفن ضحاياه في الفناء الخلفي لمنزله بدل رميهم في النهر , وكانت زوجته تساعده في عملية الدفن , لكنها لم تنجو من شره , إذ قام بقتلها لاحقا بسبب شجار حدث بينهما , كما حاول قتل احد أبنائها لكنه تراجع بعد أن هددهم بأنه سوف يهشم رؤؤسهم إذا ما باحوا لأحد بسر مقتل أمهم .

وبعد تزايد الجرائم قامت الشرطة بنشر المراقبين السريين في كل أنحاء موسكو , واستعانوا بثلاثة أطباء نفسيين من اجل تحليل شخصية القاتل , وقد وصفه الأطباء بأنة رجل في الأربعينات من عمرة يستخدم أداة حادة في القتل وهذا ما يفسر رؤوس الجثث المهشمة وهدفه من القتل هو المال .


الشكوك حامت حول فاسيلي بسبب تزايدت شكاوى الناس ضده , فمعظم الضحايا شوهدوا وهم يدخلون منزله قبل اختفائهم , حتى جاء ذلك اليوم الذي قررت فيه الشرطة تفتيش منزل فاسيلي , فتقدم احد الضباط وطرق باب منزله برفقة عدد كبير من رجال الشرطة , وعندما فتح فاسيلي الباب قالوا له أنهم يريدون تفتيش منزله , فحاول فاسيلي تمالك أعصابه وقابلهم بوجه بشوش وابتسامة لطيفة مرحبا بهم , إلا أن بوادر القلق بدأت تظهر عليه , بالرغم من أن الشرطة لم تعثر على شيء , فقد حرص فاسيلي على التخلص من كل الأدلة التي تثبت جرائمه .

وبعد الانتهاء من التفتيش كان رجال الشرطة يغادرون المنزل , وشعر فاسيلي بارتياح كبير , لكن احد الضباط لاحظ الارتباك الذي كان يعلو وجه فاسيلي فعاد مجددا وقال له أنهم يريدون تفتيش الباحة الخلفية للمنزل , نزل كلامه كالصاعقة على رأس فاسيلي وبدأ وجهه بالاصفرار . وحين خرجوا إلى الباحة قال فاسيلي لرجال الشرطة انه يشعر بالبرد , وطلب أن يعود إلى داخل المنزل ليأتي بمعطفه . فوافق رجال الشرطة , ثم أخذوا يفتشون الباحة ويحفرون أرضيتها . وفي هذه الأثناء كان فاسيلي قد قفز من إحدى نوافذ المنزل وفر هاربا .

الشرطة عثرت على عدد كبير من الجثث المتحللة مدفونة في باحة منزل فاسيلي والذي كان قد هرب إلى قرية نيكولسكوي على بعد بضعة كيلومترات من موسكو , لكن سرعان ما وقع في قبضة العدالة وألقي القبض عليه . وقد أثارت قضيته ضجة كبيرة في موسكو , وعند التحقيق معه قال بأنه بريء و لكن مع التعنيف والضرب اعترف بقتلة لـ 33 شخصا بينما كانت الشرطة تعتقد أن عدد ضحاياه هو 27 فقط . وعندما سأله القاضي : لماذا قتلت كل هؤلاء الناس ؟ .. أجاب مبتسما : من اجل المال .
كان الجميع يعتقدون أن فاسيلي هو شخص مريض نفسيا , لكن التقرير الطبي والفحص النفسي اثبت انه عاقل تماما ويدرك جيدا تداعيات أفعاله , فتمت محاكمته , أما أبناءه فقد تم نقلهم إلى احد ملاجئ الأيتام في موسكو , ويقال بأن احد أبنائه شارك في الحرب العالمية الثانية وأصبح جاسوسا لدى الألمان وجرى إعدامه بعد انتهاء الحرب بتهمة الخيانة.

== المحاكمة والإعدام ==

تم الحكم على فاسيلي بالإعدام رميا بالرصاص , وقد غضب فاسيلي من الحكم وقال :( يجب أن تكرموني لأني قتلت البرجوازيين الأنذال ) . ثم أضاف قائلا وهو ينظر إلى ضباط المخابرات : ( يمكنكم الاستفادة من خبراتي بدل إعدامي .. فقط أعطوني مطرقتي الصغيرة وأعطوني أي سجين لليلة واحدة فقط وسأجعله يعترف بأنه ملك انجلترا ) ! . ويبدو أن فاسيلي كان جادا في كلامه مما جعل الضباط يزدادون اعتقادا بأنهم يتعاملون مع رجل مختل عقليا .

وبعد إخراجه من المحكمة ليتم نقلة إلى السجن تدافع سكان موسكو وهم ينهالون عليه بالحجارة والشتائم .. وكانت من ضمنهم امرأة عجوز ضربت فاسيلي بالحجارة وصرخت بوجهة قائلة : ( من أصل 33 قتيل كم تركت ورائهم من يتيم يا ابن العاهرة ؟ ) ... وقد حاول فاسيلي الانتحار في زنزانته لكنة فشل , وفي ليلة 18 حزيران / يونيو 1923 تم سماع عدة أطلاقات نارية في ميدان رماية مبنى المخابرات السوفيتية , وفي صباح اليوم التالي كان العنوان الرئيسي لمعظم الصحف هو خبر إعدام أول سفاح في تاريخ الاتحاد السوفيتي .

هوامش :

1- تشيكا : ويسمى أيضا بلجنة الطوارئ أو لجنة الدفاع عن الثورة , وهو جهاز أشبه بأجهزة الاستخبارات وكان يمثل النواة الأولى للاستخبارات الروسية بشكل عام وتطور لاحقا ليصبح جهاز الشرطة السرية السوفيتية ان كاي في دي (NKVD ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار