الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطيةوالاصلاح السياسي - وموقع اليسار منه - في العالم العربي

كامل عباس

2005 / 10 / 15
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


تدخل العدالة الاجتماعية في صلب مفهوم الديمقراطية عند الكثيرين في العالم العربي – مثقفون وجماعات سياسية - في حين يرى آخرون ومنهم انا , ان مفهوم الديمقراطية المعاصر يتضمن شكل الحكم فقط , أي ان أي نظام سياسي تتم فيه انتخابات حرة ونزيهة تؤدي الى حكم تداولي ,السلطات الثلاث فيه مفصولة عن بعضها , هو نظام ديمقراطي . حتى لو كانت تلك الديمقراطية تخدم مصالح فئة ضيقة وهامشية وتزيد من استغلالها للمنتجين الحقيقيين في المجتمع , بالمقابل : ان أي نظام سياسي تفرض فيه القوانين من أعلى هو نظام ديكتاتوري حتى ولو كانت تلك القوانين تخدم الحركة الاجتماعية ككل .
ان الديمقراطية تقودنا الى السياسية اما العدالة الاجتماعية فتقودنا الى الفلسفة ,
تعد الفلسفة الماركسية من أبرز النظريات الفلسفية التي تمحورت حول العدالة الاجتماعية وانطلقت من المصلحة العامة , والتي رأت ان الصراع الطبقي سيؤدي بالنهاية الى ديكتاتورية البروليتريا كمرحلة انتقالية الى الطور الاشتراكي في المجتمع الشيوعي , و أما في التطبيق العملي فقد انتهت كل الأنظمة الاشتراكية التي تبنت تلك الفلسفة الى انظمة ديكتاتورية شمولية تحصي على الشعب أنفاسه باسم المصلحة العليا للمجتمع .
على العكس من الفلسفة الماركسية انطلقت الفلسفة اللبرالية من الحرية الفردية , من الخاص الى العام وقد انتهت كل الأنظمة التي تتبنى اللبرالية الى انظمة ديمقراطية سياسيا فاسدة اجتماعيا , و لكنها فتحت صيروة يمكن لكل الطبقات الشعبية تحسين وضعها من خلالها اذا احسنت ذلك ,
والآن وفي ظل النظام العالمي الجديد هناك حقائق على الأرض لابد من التسليم بها لمن يريد أن يستعمل عقله , ومنها .
1- ان الراسمالية كمنظومة اجتماعية معممة على هذا الكوكب , والعالم في ظلها اصبح قرية واحدة تحكمها الشركات فوق القومية والمتعددة الجنسيات وقانونها الاساسي الربح وسمتها العامة التنافس .
2- ان بناء عولمة جديدة خارج التي نعيشها يصح في المريخ وليس على هذا الكوكب .
3- الحلم بدفن الراسمالية وبناء مجتمعات تحتقر الذهب وتحيله الى مراحيضها وحماماتها مؤجل – على الأقل في البلدان الضعيفة التطور مثل بلداننا
4- اذا صح ان العنف الثوري لعب دورا تقدميا في الماضي عبر الانقلابات الاجتماعية التي تم التعارف عليها انها ثورات , فانه على العكس من ذلك يمكن ان يلعب دورا رجعيا في عالمنا الحالي في ظل اسلحة فتاكة ومتطورة يمكن ان تحيل حضارة البشرية الى ركام خلال ايام . لم يعد العنف الثوري قابلة التاريخ ومولد الجديد ,
5- دخل عنصر جديد سيتعاظم دوره في المستقبل , انه ثقافة الانسان وحقوقه وما راكمته حضارة البشرية في اذهان الناس بحيث صار من الممكن ان يلعب الوعي دور مولد الجديد استنادا الى قيم الحق والعالة والتمييز بين ما هو خير وما هو شر, ما هو نافع وما هو ضار للانسان .
ان اليسار بشكل عام كان وما يزال يناضل من اجل العدالة الاجتماعية , من اجل توزيع عادل للثروة , من أجل دفع الظلم والاستغلال عن المضطهدين في الأرض , من اجل ان يأخذ المنتج ما يستحقه من قيمة عمله بدلا من التاجر والراسمالي , وهو مدعو الان ان ياخذ تلك الحقائق بعين الاعتبار ليكون لنضاله معنى ولا يتم تجييره ليخدم الطرف الاخر .
بناء على هذه المقدمة اقول : إن عالمنا العربي بحاجة الى اصلاح سياسي لكي يلتحق بركب العصر , والاصلاح لابد منه سواء اتى من الخارج ام من الداخل , فالأنظمة العربية الفاسدة واليكتاتورية جميعها والتي طورت جيوشها واجهزتها الأمنية لقمع شعوبها , اصبحت عبئا على تلك الشعوب وعلى العالم ايضا .
المفترض نظريا أن يكون موقع اليسار العربي في القلب من ذلك الاصلاح , لدفعه ما امكن كي يخدم الطبقات الشعبية العربية . ولكن على ارض الواقع , اليسار العربي مشتت ومشرذم ومفكك وجزء منه ملحق بمشروع "الجهاديين العرب" وجزء آخر يطالب بالدبابات الأمريكية لتفتح له صيرورة الاصلاح , وما عليه اذا اراد أن ينهض من كبوته الا الاستفادة من تجربة اليسار في الماضي وفي مقدمته الدرس الروسي . باعتقادي لو ان اليسار الروسي اخذ بوجهة نظر المناشفة ودعم البورجوازية الروسية وضغط عليها من اسفل لتنفذ المهام الديمقراطية بمنتهى الحرية والاتساع والجرأة كما كان يقول بليخانوف . لكان وضع الطبقة العاملة الروسية وبقية الطبقات الشعبية افضل حالا بكثير مما اوصلها اليه البلاشفة وثورتهم الاشتراكية . ليس امام اليسار العربي الا الأخذ برؤية وزير الثقافة اللبناني السابق – غسان سلامة - الخبير في المم المتحدة الآن - والتي صرح بها اكثر من مرة على الفضائيات العربية وهي العمل من داخل المشروع الأمريكي للتأثير فيه لمصلحة العرب . تجد هذه الرؤيا السياسية تتمتها الفلسفية في رؤية الفيلسوف العربي المغربي محمد عابد الجابري والتي عرضها في كتبه ومقالاته وكان آخرها مقالا في جريدة الاتحاد منشورا في 13 / 9/ 2005 تحت عنوان –مقاومة سلبيات العولمة من داخل العولمة نفسها - انهاه كما يلي
(( العولمة نظام system، والنظام لا يقاوم من خارجه إلا بنظام مكافئ له أو متفوق عليه. ونحن في العالم العربي نعيش حالة اللانظام. ليس لدينا نظام عربي يكافئ النظام العالمي للعولمة. فلا سبيل إذن إلى مقاومة سلبيات العولمة إلا من داخل العولمة نفسها، بأدواتها وبإحراجها في قيمها وتجاوزاتها. وأيضا بفرض نوع من النظام على الفوضى العربية القائمة، فوضى اللانظام.)) .
ما من خيار أمام اليسار العربي اذا اراد ان يلعب دورا في الاصلاح السياسي سوى العمل من اجل ان تسود الديمقراطية كنظام حكم كما سادت في اوروبا , واللبرالية كفلسفة في المجتمع . اللبرالية التي تاخذ بحقوق الانسان السياسية والاقتصادية و وفي مقدمتها الحق في العمل والضمان الصحي والاجتماعي , اللبرالية التي تتعاون فيها كل الطبقات الاجتماعية من اجل تنمية عريضة في المجتمع لا من اجل أن تزيد من استغلال المنتجين وتراكم الثروة بيد قلة قليلة في المجتمع , اللبرالية التي تحترم الراي والرأي الاخر وتتعاون مع كل من يجعل همه الانسان وحقوقه سواء كان علمانيا ام مسلما ام مسيحيا , هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة لمقاومة اللبرالية اليمينية المتوحشة التي يبشر بها المحافظون الجدد في امريكا واوروبا وتجعلنا نصتع مشروعنا الخاص بنا .اما الهروب الى الأمام او العودة الى الوراء فستفاقم من أذمة اليسار العربي . للانصاف . هناك تيارا آخر في اليسار العربي يمكن تسميته بحق- التيار الديمقراطي -لا يريد الأخذ باللبرالية كفلسفة . بل يضمن الديمقراطية قدرا من العدالة الاجتماعية , وهذا التيار موضوعيا يلتقي واليسار اللبرالي العربي اذا جازت التسمية بالأهداف القريبة والبعيدة وهي تحقيق الحد الممكن من العدالة الاجتماعية . ويبقي الخلاف الفكري او الأيديولجي حول الديمقراطية واللبرالية مشروعا بالمعنى النظري ولكن النفخ او المبالغة فيه يتحول الى سفسطة قد تضر الطرفين .
بوابة الاصلاح السياسي في العالم العربي بدأت من العراق الجريح ومن الخارج وعبر احتلال عسكري أمريكي. وعلى ذكر الاحتلال واذا اردنا الانصاف فهو ياتي الان استجابة لشروط تاريخية ودولية لم تعد تتحمل نظام ديكتاتوري فردي بيده القرار السياسي لوحده ويمكن لحماقته أن تطلق اسلحة تدمير شامل من عقالها . بالتاكيد كان افضل للبشرية وللعالم لو تمت ازاحة صدام حسين بطريقة سلمية وليست عسكرية . ولكنها فعلا ارادة اليمين المحافظ المسيطر في امريكا والذي يريد ترتيب العالم بما يخدم مصلحته وبالقوة . المهم جرى ما جرى , واصبح هناك احتلال امريكي للعراق وافقت عليه هيئة المم المتحدة واصبح جيشها هناك يقود متعددة الجنسيات .( تماما كما جرى للجيش السوري في لبنان حيث تحول الى قوات ردع عربية ).
الاحتلال الأمريكي الان يريد نشر الديمقرطية بالقوة , لأن الانظمة المستبدة لم تعد تخدمه ولا توفرله مناخا صالحا لاستثماراتها , أي انه انقلب على حلفائه السابقين كما انقلب على الطالبانيين الافغان .
المعركة على أشدها بين الاخوة الأعداء , بين امريكا وحلفائها السابقين – الحكام العرب الاستبداديون في العراق الجريح. وهناك تناغم خفي بين ثلاثة انظمة عربيه تخشى على نفسها من الديمقراطية الأمريكية

- مصر التي تطالب بهوية عربية في العراق ! وخاصة مثقفوها السلطويين الذين كانوا في السابق مع هوية فرعونية مميزة لمصر , استيقظ ضميرها العربي ولكنه خبا نسبيا بعد التفاهم مع الأمريكان على حل وسط
- والسعودية التي تعارض المشروع الأمريكي بحجة خطر تفتيت العراق وفيدراليته التي تخدم شيعة ايران
- وسوريا ذات السياسة الغبية والمباشرة والتي تقف ضد الاحتلال الأمريكي للعراق من منطلق النضال ضد الأمبريالية والصهيونية .
كل دول الجوار للعراق تشاغب على امريكا باستثناء تركيا لأنها ديمقراطية على الطريقة الأمريكية , ولديها برلمان منتخب وله كلمته المستقلة , والمعركة ليست سهلة كما تصور الأمريكان والبريطانيون . فالجهاديون العرب وحلفاؤهم بقايا حزب البعث الصدامي , اربكوها بمقاومتهم الارهابية . واظهروها للعالم انها عاجزة عن توفير الأمن وحماية المواطنين العراقيين . الصراع شديد ومرير الآن في العراق بين جهتين .
- جهة تريد شد التاريخ الى الوراء , تسندها اصولية يمينية ويسارية ( كتبت مرة مقالا من اجل العراق بعنوان - الاسلام والبلشفية مصدران للأصولية في وطن العراق الجريح - )
- وجهة تريد شد التاريخ الى الأمام بالقوة العارية . والجهتان تتخذان من جسد ابناء العراق سواتر وحواجز يتمترسون خلفها . كُتِب على هذا الشعب على مايبدو في الماضي والحاضر دفع فاتورة التقدم بسبب موقعه الجغرافي وثرواته الباطنيه وتاريخه الحضاري . ولذلك كانت نغمة الحزن في مواويل وفلكلور هذا الشعب هي الأقوى بين كل الشعوب وعنوانها = سكابا يادموع العين سكابا - . فالعراق هو الذي دخله الحجاج ورأى فيه رؤوسا أينعت وحان قطافها , وفي العراق قطعت رأس الحسين بن علي – شهيد الحق والضمير والقيم , وحملت على طبق , لتقدم الى الفاسق يزيد بن معاوية . والعراق الان يشهد تطاير أشلاء ابنائه الذين يفتشون عن لقمة الخبز , فتفاجئهم الحزمات الناسفة في الساحات العامة , او في دور العبادة , أو على مقربة من الدبابات الأمريكية ليرد هؤلاء بارهاب اشد فيدكون بقنابل طياراتهم وصواريخ بوارجهم , البنايات على رؤوس ساكنيها .
في ظل هذه اللوحة المعقدة أين يجب ان يقف اليسار العراقي المدعوم من اليسار العربي . هل يسهل عودة صدام ومعه الأفغان العرب الى السلطة , ام يقف مع امريكا التي تريد نشر الديمقراطية بالقوة وعلى طريقتها . انه موقف لايحسدون عليه وفيه الكثير من مكر التاريخ فاليسار العربي تربى على كره امريكا التي كانت على طول الخط وما زالت تدعم عدو العرب , الغزاة الصهاينة في فلسطين
ومكر التاريخ الان يطالبهم ان يكونوا الى جانبها , ليس الأمر سهلا ولكن اذا لم يكونوا بالشجاعة الكافية ويقفوا معها في العراق ضد الجهاديين وفلول صدام حسين فلن يكون لهم محل من الاعراب في المستقبل .
لاخيار سوى العمل برؤية الجابري وغسان سلامة لنكون ضد التخلف والجهل والارهاب والاستبداد . وخروج امريكا من العراق الأن لا يسهل علينا ذلك ,وعندما يزول خطر الارهابيين والبعثيين الصداميين يجب الوقوف بوجه امريكا بقوة لتنسحب من العراق في حينها حتى المقاومة المسلحة مشروعة ان لم تستجب لنداء العراقيين السلمي بالانسحاب .
كلمة أخيرة . لكل الأخوة العرب الطامحين لمشروع حضاري خاص بهم . اسلاميين وقوميين وشيوعيين , وهم يرون ان امريكا كانت ولا تزال تعرقل ذلك , والكثير منهم يصلي ويبتهل لله ان يزيد في الأعاصير الطبيعية التي تجتاحها علها تخفف من غطرستها واستكبارها . أقول لهم ان خير من يسهل على امريكا استغلال بلداننا هو الاستبداد والجهل والتخلف المعشعش في ربوعنا ,
- ديكتاتورية صدام حسين جلبت الدب الأمريكي الى كرم العراق .
- والاغتيالات السياسية في لبنان خدمت مشروعها فيه من دون احتلال
- والعمليات الانتحارية في فلسطين أضعفت انتفاضتها وسهلت على شارون التخلص منها
- والارهاب الأعمى في العراق يعطي المبرر للعالم كي يبقى الجنود البريطانيون والأمريكيون رابضين على قلب العراق .
ان خير طريقة لمواجهة المشروع الامريكي في الشرق الوسط هو نشر الديمقراطية وحقوق الانسان ومحاربة الجهل والاستبداد والارهاب والتخلف
أي انني كلبرالي سوري عربي يحلم ايضا بمشروع عربي خاص تنهض فيه بلداننا العربية ارى ان يكون عنوان مشروعنا الاصلاحي العربي
من الاستبداد الى الديمقراطية
كامل ابراهيم عباس – اللاذقية










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة