الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية : بين هشاشة المفهوم والواقع المتخلّف

ياسر اسكيف

2005 / 10 / 15
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


الديموقراطية = حكم الشعب لنفسه بنفسه .
هو أبسط التعريفات لأنه الشرح الميكانيكي للكلمة الإغريقية . ومنه تحدّرت , متحوّرة ومتحوّلة , أشكال كثيرة تصرّ على نسبها . وامتدّ طيف المفهوم حتى شمل أشدّ أشكال القمع والتنكيل وحرمان الشعب من أبسط حقوقه . ولأن حكم الشعب لنفسه ككتلة بشرية كاملة هو معجزة عصية على التحقق , والتمثيل هو باب التحقق الوحيد فقد تكرّست آليات لا حصر لها , آليات لا مشترك بينها أحيانا ً , لتطبيق الصيغة التمثيلية . غير أن التاريخ قد أكّد حتى يومنا , وبصورة لا تقبل الجدل , بأن الصيغة التي أنتجتها المرحلة البرجوازية , والتي صانتها وأطّرتها الثقافة الليبرالية (بسوياتها الأخلاقية – القانونية – الاقتصادية ..... ) هي الأكثر أمانة وتطابقا ً مع المفهوم وروحه . ولهذا أسبابه التي لا بدّ من العودة إليها والتذكير بها لما تسلّطه من ضوء على التوهم بإمكانية قيام ذات الشيء بأسباب غيره .
لم تكن إعادة إحياء المصطلح الإغريقي ( ديموقراطية ) في المجتمعات الغربية قرارا ً يعبّر عن إرادة في التحقّق إنما محاولة لإيجاد مصطلح يعبّر عمّا يحدث , أي نوع من التوصيف للتحركات التي قام بها الشعب ( وبالأشكال المختلفة التي اتخذتها ) للكون مشاركا ً في تقرير نمط حياته وإدارته . وبالتالي لم يتّخذ المصطلح شكل التصوّر القبلي الذي على المستقبل أن يعتمده . وعليه نما المصطلح وتطوّر بالتساوق مع تقدّم حركة المجتمع وتطوّره , وبذات الوقت عانى من الانحراف والتشوّه الذي أصابه في أكثر من موقع ضمن التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية الواحدة . حيث تحوّل في مراحل تاريخية معيّنة إلى المعنى النقيض تماما ً ( ايطاليا – ألمانيا –أسبانيا – اليونان .... ) .
وهكذا تعرّف المصطلح على ذاته من جديد كجزء مكوّن من آليات الإدارة البرجوازية للمجتمعات , وبدا كأنّه أحد منتجاتها التي ميّزتها وحدّدتها .

وجاءت الماركسية لتعطي للمصطلح , ولأول مرّة في الأزمنة الغربية الحديثة , ثنائيّة قطبيّة مثيرة للجدل والاهتمام . ما من أيديولوجيا سابقة طرحت هذا المصطلح مقلوبا ً . ولأول مرّة يبدو المعنى الوحيد المتداول للمصطلح مهدّدا ً بالتقويض .
وبتبسيط , أراه مطلوباً ,ً يمكن القول , أن الماركسية قد تعاملت مع الديموقراطية الليبرالية , التي وصفت بها البرجوازية ممارستها السياسية , على قاعدة كل مابني على باطل فهو باطل . ولأن مفهوم الباطل هو مفهوم فقهي وأخلاقي فهذا يقتضي بالضرورة امتلاك الرافض للبديل الصحيح . وكان مصطلح ديموقراطية ديكتاتورية البروليتاريا . هذا المفهوم العجيب , الذي , وكما أزعم , كان واحدا من ثمرات الخطأ الكبير الذي اقترفته الماركسية , بحقها أولا ً كنظرية تحاول الكون علمية , وبحق الماركسيين الذين لم يتبينوا الفاصل بين اليوتوبيا والممكن واقعيا ً . وذلك الخطأ هو , بكل بساطة , إنهاء التاريخ , الذي تضمّنه البيان الشيوعي , والذي وضع حدودا ً نهائية لما ستؤول إليه البشرية . إن هذه المصادرة غريبة على المنطق الماركسي , وإشارة واضحة إلى خلل ما يعكسه تعطيل قانون الاحتمالات . والطامة الكبرى فيما يخص هذا الخلل , هو أن كل الماركسيين الذين جاؤوا بعد ماركس قد أغراهم هذا الخلل وكأنه الماركسية برمّتها .
من النقطة السابقة , كما أظن , بدأت مأساة الماركسية التي لم تنته . أي من اعتبارها منظومة شاملة لا يعتريها النقص ولا يأتيها الباطل من أي صوب . حيث تحوّلت إلى فكر الغائي لا يرى في الآخر سوى نقص عليه إتمامه أو اعوجاج عليه تقويمه أو زائدة عليه إزالتها .
والآن هل يمكن زحزحة مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا كشكل للممارسة الديموقراطية التلقائية ( كما نعلم تأتي الديموقراطية هنا كتحصيل حاصل للتساوي بين البشر في الحقوق والواجبات ) ليكون بيننا اليوم , مادام المجتمع الشيوعي والإنسان المتماثل في عالم الغيب ؟؟
لقد تمّ التلاعب والتمويه بديلا ً عن الزحزحة المعنيّة ونبتت ( الديموقراطية الشعبية )
وكأنما هناك ديموقراطية غير شعبية !
ولأنه ( ما حدا أحسن من حدا ) فقد صار الإسلاميين أيضا ً ديموقراطيين بإحيائهم لمبدأ ( الشورى ) على قاعدة ( وأمرهم شورى بينهم ) هذا المبدأ الذي لا يعدو كونه الإخراج الأمثل لاستبداد الحاكم عن طريق الفقيه . والذي لا يختلف كثيرا ً عن مجالس الشعب أو الأمة المنتشرة في عالمنا العربي .
والذي يمكن قوله بعد هذا كلّه . هناك شكل وحيد للديموقراطية عرفته البشرية وخبرته في العصور الحديثة , شكل نبت من حياة البشر وعاش بينهم . انّه واقع وليس سطور في الكتب , السماوية منها أو الأرضية .
في الحديث عن الديموقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي يجد المرء نفسه أمام أحجية ( البيضة والدجاجة ) فلا إصلاح سياسي دون مناخ ديموقراطي يجعل من الحاكم والمحكوم مواطنيين أمام القانون , وما من مناخ ديموقراطي يمكن أن يوجد في رحم الفساد السياسي . وحتى تاريخه ما من نظام فردي استبدادي قد أعطى هامشا ً ديموقراطيا ً مهما ضؤل حجمه إلا بضغط خارجي , أو مقايضة تقوي موقعه
وكي لا يبدو الأمر وكأنما جدار مصمت لا سبيل إلى اختراقه , يمكن المجازفة بالقول أن الثغرة الوحيدة المأمولة هي عنصر المقايضة , مع استبعاد أي أمل بالاعتماد على الخارج وضغوطه ( تحديدا ً بعد تجربة العراق وخلق دولة ما قبل تاريخية ) .
واعتماد عنصر المقايضة هذا يتجلّى بالعمل الاجتماعي – السياسي – الاقتصادي بعيدا ً عن نزعة المقارعة والمناطحة التي أرجعت القوى الطامحة إلى التغيير عشرات السنين إلى الخلف .

نعم . ما من سبيل إلى أي شكل من أشكال الإصلاح دون مناخ من الحرية ( الاجتماعية – الاقتصادية – السياسية ) حريّة يكفلها القانون ويصونها , وبذلك تختلف عن الحريّة الممنوحة كهبة يمكن استعادتها في أي وقت , هذه الحريّة التي يمكن استغلالها من أجل تكريس مساحات , ولو ضيّقة , من أجل قوننتها . وكي لا يكون كلامنا تهويما ً وتأتأة يمكن الحديث عن الساحة السورية كمثال .
في سوريا هناك العديد من الأحزاب السياسية التي تعمل في العلن , أحزاب الجبهة بالدرجة الأولى , وأحزاب أخرى بالدرجة الثانية . بالرغم من عدم وجود قانون أحزاب , وبالتالي ترخيص قانوني . ولكن هذه الأحزاب تمارس نشاطها في الساحة السورية مضافا ً إليها أكثر من منظمة وهيئة للدفاع عن حقوق الإنسان .

في سوريا تجلس المحجّبة والسافرة على مقعد دراسي واحد .
= = تدرّس مادة التربية الدينية إلى جوار نظرية داروين وسائر النظريات العلمية التي تنفي بشكل أو بآخر وجود الله .

وفي سوريا أيضا ً لا تبتعد الخمّارة عن الجامع , أحيانا ً , سوى أمتار قليلة .

قد تبدو الأمثلة السابقة بسيطة وساذجة , لكنها , برأيي على الأقل , تشير إلى جوهر يمكن أخذه على محمل الجد . وهو أن النظام الحاكم في سوريا مازال يدير أزمته بحنكة وذكاء , وهو لم يتورع عن إدارتها بعنف وقسوة حينما باتت تهدد وجوده فعلا ً ,عبر أربعين عاما ً . هذا الذكاء الذي افتقدته سائر التنظيمات السياسية التي وجدت فوق الأرض السورية . دون إغماض العين عن المقدرات الهائلة التي يمتلكها النظام وتفتقر إليها التنظيمات السياسية المعارضة .
ما العمل إذا ً ؟
لا بدّ من طرح السؤال التاريخي الذي أطلقه ( لينين ) والذي جاءت الإجابة عليه كارثة في التاريخ اللاحق للحركة الشيوعية .
انّه الآن سؤال مختلف . سؤال في البحث عن الآليات التي تجعل من المعارضات بكافة أشكالها جزءا ً من أزمة الأنظمة الاستبدادية . وبالتالي جزء من حل هذه الأزمة .
دأبت الأنظمة العربية على تدوير أزماتها آخذة بعين الاعتبار الضغط الخارجي وطول العمر . أي أن هذه الأنظمة لم تجد يوما ً في المعارضات جزءا ً من أزماتها وان أضحت إحدى هذه الأزمات في لحظة تاريخية معينة ( المواجهة المسلحة مع الأخوان في سوريا ومصر سابقا وفي الجزائر لاحقا ً وفي السعودية الآن مع مجموعات القاعدة ) .
الكون جزءا من الأزمة هو محاولة إنتاج وعي جماهيري مختلف , ليس عن طريق الأحزاب السياسية فقط , بل , وهو الأهم , بإنتاج ثقافة حرّة , ومحاولة تأصيلها كجزء من السلوك الاجتماعي . ما أقصده بالضبط هو تأصيل ثقافة أهلية وليس شعبية لما تحمله الأخيرة من معان ومدلولات سياسية بائسة . بمعنى آخر, استرداد الوطن من غاصبيه , وإعادته إلى أصحابه الذين بات معناه ملتبسا عليهم , حيث بات المواطن يرى في كلمة وطن اسم لملكية سلطوية لا أكثر . العمل المدني هو الوسيلة الأهم للاسترداد . وبالتالي أجد أن المهمة الأساسية لأطياف المعارضات العربية هي المبادرة إلى تأسيس جمعيات أهلية من قبيل
( جمعيّة الرفق بالحجر – جمعيّة حماية أشجار الرصيف – جمعية ترويج العرق البلدي ...... ) وصولا إلى جمعيات مناهضة العولمة والحرب على العراق .
هذا العمل الأهلي البعيد عن المخاوف المترتبة على العمل السياسي , والذي لن تقف السلطات أمامه مكتوفة اليدين , هو الوحيد الذي يعيد المواطن إلى ذاته , ويحوّله من رقم إلى كائن فاعل وحاضر كجزء من مجموع يمنحه الاعتبار ويأخذه منه .
هنا سينبري الكثيرون للقول بأن السلطات الغاشمة الحاكمة لن تسمح بأي حراك مدني
يهدّد بانتزاع أجزاء من مساحات سيطرتها . نعم بالتأكيد . وهنا على المعارضات جميعا ً الاستفادة من لحظة تاريخية تتجلى في الرغبة المحمومة لمراكز رأس المال العالمي في الحماية القانونية لمراكز توسع نفوذها ومنها المنطقة العربية .
إن الأنظمة العربية جميعا ً تحاول التكيّف مع رغبة تلك المراكز حفاظا ً على استمرارها وديمومتها . وهي في سبيل ذلك مضطرة للتنازل عن هوامش ليست قليلة
على المعارضات المسارعة إلى احتلالها أو الاستفادة منها والضغط من خلالها لانتزاع مساحات جديدة . ومرّة أخرى سأعود إلى الساحة السورية لمعاينة بعض من تلك الهوامش : هبوط مستوى القمع والاعتقال إلى حدود لم يكن أي سوري يتخيّلها .
إحالة أي موقوف بتهمة سياسية إلى المحاكمة مباشرة ( بغض النظر عن شرعية مثل هذه المحاكم ) بات السوريون يعتصمون في الساحات العامّة ( هذه لم تكن حتى في أحلامهم قبل سنوات ) المواقع الالكترونية السورية التي لا تترك سترا ً للسلطة دون أن يتم إغلاقها . نعم هي إشارات لا يعوّل عليها كثيرا ً ولكن أين المعارضات من استغلالها فعلا ً ومن محاولة إعادة المواطن السوري إلى مواطنيّته ؟ أم أن هذه المعارضات , كعادتها , تنتظر من السلطات , ليس الإصلاح الديموقراطي بوحي رباني فحسب , إنما التخلي عن الحكم بكامل إرادتها .
إن الانتزاعات المتتالية للهوامش , والمترافقة مع التأهيل المدني للمواطن المنخرط بالعمل العام , هي الآلية الوحيدة لنزع الصفة الارتدادية والنكوصية التي ستسم أية ممارسة ديموقراطية تحدث دفعة واحدة وبشكل مفاجىء , ذلك أن البنية الماقبل مدنية للمجتمعات العربية عموما ً ولغالبية أفرادها بشكل خاص , لا بدّ أن تمارس حياتها الديموقراطية على أسس التخلف . وهكذا تتحول الديموقراطية من رافعة للتقدم إلى نقيضها تماما ً , أي عيش التخلف بمنتهى الرغبة والحريّة والمشروعية . وفي التجربة العراقية مثال ساطع . وفي الحالة اللبنانية مثال أنصع , حيث مورست , وعبر عقود , ديموقراطية تستند إلى الانتماء الطائفي والمذهبي والعشائري والعائلي
التي هي بكل بساطة انتماءات ما قبل مدنية بل ما قبل تاريخية .
مرّة أخرى أعود للقول : ليست الديموقراطية مفهوما ً يحوّل , بتطبيقه القسري أو الطوعي ,مجتمعا ً لا ديموقراطي إلى عكس ذلك . بل ما يحصل غالبا ً هو إعادة إنتاج المفهوم وممارسته وفق القوانين التي تحكم التخلف . وهنا الطامّة الكبرى .














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر