الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بد للديمقراطية أن تنبع من الوطن ذاته، لأنها ليست حبة نبتلعها فنصبح ديمقراطيين بين ليلة وضحاها

عدنان حسين أحمد

2005 / 10 / 15
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


( ملف الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي )
عدنان حسين أحمد لـ" للحوار المتمدن "
لا بد للديمقراطية أن تنبع من الوطن ذاته، لأنها ليست حبة نبتلعها فنصبح ديمقراطيين بين ليلة وضحاها!
*هل أن الضغوط الخارجية قادرة على إقامة أنظمة ديمقراطية في العالم العربي، وهل يمكن أن يعد المشروع الأمريكي في العراق من دعائم إقامة الأنظمة الديمقراطية خصوصاً وأن إحدى نتائجه كانت كتابة دستور يؤسس لإقامة دولة دينية، وحكم رجال الدين؟
-لم يشهد العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921 وحتى الآن نظاماً ديمقراطياً حقيقياً، ونزيهاً، يحترم الناخب العراقي، ويستجيب لطموحاته، وحقوقه، وواجباته، وأحلامه المشروعة في الحياة. وكل الدساتير العراقية الحديثة المؤقتة سواء تلك التي كُتبت في عهد الاحتلال البريطاني، أو التي كتبتها الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت على حكم العراق، أو الدستور الجديد الذي كتب في ظل الاحتلال الإنكلو- أمريكي، والذي يُفترض أن يكون دستوراً دائماً للبلاد، لم تستجب لطموحات العراقيين وآمالهم التي سرعان ما تذوي، وتنطفئ، وتذهب أدراج الرياح، لسبب بسيط وهو أننا لم نتعلم بعد معنى السلوك الديمقراطي، ولم ندرك بعد كيف نتقاسم السلطة والثروة، وكيف نتخلص من آفة احتكارهما معاً. ولكي لا نظل مثيرين للعلل والأسباب، ولا نقدم مقترحات أو حلولاً ناجعة، أقول إن أول خطوة في مسافة الألف ميل الديمقراطية هي أن نتخلص من فكرة القائد الأوحد الذي يفكر بالنيابة عنا، ويخترع الحلول لكل معضلاتنا ولإشكالاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية. لا نريد من القائد أن ينهمك في تعليمنا أهمية أن ننظف أسناننا صباحاً أو قبل أن نندس في الفراش، وهو لم يمارس عملية تنظيف أسنانه إلا بعد أن خطف كرسي السلطة في رابعة النهار، وبمساعدة الأمريكان أنفسهم. نحن لا نريد رئيساً للجمهورية أو رئيساً للوزراء مُحاطاً بهالة من الأساطير، وجعبة من الحلول الجاهزة، فنحن نعرف جيداً أن بعضهم لا يعرف كم هو ثلث الثلاثة! ولم يرَ من العالم أبعد من أرنبة أنفه حتى وإن سافر إلى شرق العالم وغربه! ونحن نفهم جيداً أن بعض هؤلاء " القادة " يُبطِنون غير ما يُظهِرون، ويقولون ما لا يفعلون، وأن هذه الهالات الزائفة التي يحيطها بهم المطبلون والمزمرون ووعاظ السلاطين من المنافقين وذباب الموائد إنما يخدعون أنفسهم قبل أن يخدعوا شعبهم المبتلى بالحكام الجائرين، والمنظرين الفاسدين الذين لا همَّ سوى تجميل صورة قائدهم الممسوخة أو تحسين صورة حزبهم المشوهة. إن الديمقراطية تلتقط أولى أنفاسها إذا ما زالت صورة هذا القائد " الجهبذ والصنديد " عن الساحات والميادين العامة، وتلاشت الشعارات الحزبية الفارغة التي تمجد هذا الحزب أو ذاك. والطامة الكبرى أن كل هذه الأحزاب " على بساطة تفكيرها، وسذاجة أطروحاتها " تدعي أنها تمتلك الحقيقة كاملة، وأنها قادرة على إنقاذ الشعب من محنه المتلاحقة، وأنها سوف تقوده إلى بر الأمان، وتأخذ بيده إلى الحياة الحرة الكريمة التي تحترم الإنسان وتضعه في سلّم أولوياته، في حين أن واقع الحال أثبت أن الأحزاب العراقية برمتها قد فشلت فشلاً ذريعاً، ليس في أن تنقذ المواطن العراقي، وإنما في أن تضع كمامة الأوكسجين على أنفه كي تضمن له الشهيق والزفير لا غير! فمنذ عقود من السنين ونحن نسحل بعضنا البعض، ونغطّس بعضنا البعض في أحواض التيزاب، ونقصي بعضنا البعض، ونجرّع بعضنا البعض الثاليوم، والزئبق، والسموم الفتاكة، فلا الإسلامي يرحم العلماني، ولا القومي يرحم اليساري، ولا اليساري يرحم الديمقراطي أو اليبرالي وهلّم جرا، فمنذ ثمانين عاماً وحمامات الدماء تتفجر، وجريمة التصفيات الجسدية تزداد سعاراً وجنوناً، وحملات الاجتثاث لا تتوقف عند حد، فكل حزب يجتث أنداده، ويطاردهم، ويقصيهم، ويوغل بهم ذبحاً وتقتيلاً. لقد آن الأوان لهذه الأحزاب برمتها، ومن دون استثناء، أن تفهم بأنها كلها فشلت في إنقاذ الشعب العراقي على مر العصور، بل أنها كانت السبب الأول والأخير في جميع فجائعة، والسبب الوحيد هو عنجهية القائد، وواحدية الحزب، وهذا الكلام ليس مقصوراً على البعثيين الذين سلموا البلاد للمحتل الإنكلو- أمريكي، فجميع الأحزاب العراقية، كما هو واضح للعيان، لا تبحث إلا عن كرسي السلطة، ومصلحة أفرادها الشخصية. فإذا زالت مظاهر الهيمنة الحزبية، وتداعت هذه الصورة الأسطورية للقائد السياسي أو الحزبي، فإننا نستطيع القول بأننا قد أمسكنا بحافة الديمقراطية التي يبنيها المثقف، والليبرالي، وغير الخاضع لإرادة الأجنبي. لا بد للديمقراطية أن تنبع من الوطن ذاته، لأنها ليست حبة نبتلعها فنصبح ديمقراطيين بين ليلة وضحاها! الديمقراطية منهج، وأخلاق، وسلوك سياسي، وليست وجبة جاهزة يمكن استيرادها من البلدان الغربية المتحضرة لكي نكون كذلك. وفيما يتعلق بجوهر السؤال الذي يقول: " هل أن الضغوط الخارجية قادرة على إقامة أنظمة ديمقراطية في العالم العربي ". الجواب، هو من دون شك، نعم، ستقوم مثل هذه الأنظمة " الديمقراطية المقنّعة "، ولكنها ستتلقى النصيحة والإرشاد من البلدان التي جاءت بهذه الوصفة أو تلك. ستقوم ديمقراطية شوهاء لا يعرف الناخب لمن يصوّت، ومن هو الشخص الذي يمثله في البرلمان، وما هو مضمون البرامج الحزبية المتنافسة للفوز بالأغلبية الساحقة التي لها الحق في تشكيل حكومة نزيهة تقود الوطن إلى بر الأمان. وما حصل في أول انتخابات عراقية في ظل الاحتلال هو دليل دامغ على شكل الديمقراطية الشوهاء التي جاء بها الأجنبي للبلاد، فلا الأحزاب تريد أن تحقق للشعب مكاسب وأهداف واضحة، ولا قادة هذه الأحزاب يسعون لذلك لأنهم لا يستطيعون أن يفكروا خارج إطار هذا الحزب أو ذاك، فهم أسرى قناعاتهم الشخصية والحزبية الضيقة. فالأحزاب القومية الكردية لا تستطيع أن تفكر خارج إطار إقليم كردستان، وحزب الدعوة والمجلس الأعلى لا يكفان عن التطلع الأعمى إلى إيران التي تريد أن تنتزع الجنوب العراقي برمته بحجة إنقاذ الشيعة من تسلط السنة وتشبثهم بسدة الحكم على مرّ التاريخ. والغريب أن اليسار العراقي الذي كان يتطلع إلى الاتحاد السوفياتي، وإذا عطست موسكو أصيبت بغداد بالزكام، بات لا يرى الديمقراطية إلا بالسقوط في أحضان المحتل الأمريكي في حين أن نظرياتهم السابقة، وقناعاتهم القديمة كانت تقول بأن أمريكا هي عدوة الشعوب، ولا أدري أين سيضعون صراعهم الطبقي وحقوق الطبقة العاملة، وسيل من النظريات التي صدعوا بها سكان الكرة الأرضية برمتها؟ أما فيما يتعلق بالشق الأخير من السؤال والذي يؤكد على إقامة دولة دينية في العراق بحجة انبثاقها من المشروع الديمقراطي القائم على الانتخابات، فإن الجواب هو أن سوء فهم الديمقراطية، وسوء تطبيق مراحله لا بد أن تفرز أخطاءً من هذا النوع، فالمجتمع العراقي، وبالذات مثقفيه، وليبرالييه، والمتفتحين منه لا يريدون حكماً دينياً على الإطلاق، ولا يفضلون أن تطبيق الشريعة الإسلامية، ولا يحبذون أن يكون الدين الإسلامي هو المصدر الأساسي من مصادر التشريع، بل أنهم يريدون أن يكون الدين الإسلامي مصدرا مثل بقية المصادر الأخر،ً من دون هذه " أل " التعريفية التي تميزه عن بقية الأديان، كما أن المثقفين العراقيين لا يحلمون بإقامة دولة دينية، فنحن لدينا قناعة تامة بأن مكان رجل الدين هو الجامع أو الحسينية أو المدرسة الدينية، وعليهم أن ينشغلوا بأمورهم الدينية، وأن يبتعدوا عن اللعبة السياسية برمتها. ما حصل في العراق في أثناء الانتخابات الأولى يكشف رد الفعل السريع والآني والفوري للشخصية العراقية التي كانت تبحث بحسب تصوراتها عن الند، والمعارض، والمتضرر من قبل النظام الدكتاتوري السابق، فلم يجدوا بحسب تصوراتهم سوى القائمتين الشيعية والكردية فصوتوا لهم بأرقام بدت مذهلة وغير قابلة للتصديق مع إقرارنا بأنهم جاؤوا بمصوتين من إيران وغير إيران ليحصلوا على النسب العالية، ومع ذلك فإن أداء هذه الحكومة المؤتلفة كان سيئاً، ولم يفلحوا في إرساء الأمن، والتخفيف من حمامات الدم اليومية، كما لم يفلحوا في القضاء على الجريمة المنظمة، وعمليات السلب والنهب التي طالت كل الوزارات الحكومية. وإذا ما أراد رجل الدين أن يكون سياسياً فعليه أن يعلق عمامته في البيت، ويتخلى عن نبرته الدينية، ويخاطب الجميع بلغة حضارية فصيحة لا يمكن أن نردها إلى دين أو مذهب محددين.


السؤال الثاني:

كيف تنظر قوى اليسار والتحرر إلى ادعاءات الديمقراطية والإصلاح السياسي وكيف يمكنها أن تديم برامجها السياسية والاجتماعية خصوصا تلك المتعلقة بإقامة دولة العدالة الاجتماعية والمساواة والرفاه في ظل الواقع الذي يحدثه صراع الأنظمة الحاكمة مع دعوات الإصلاح والتغيير الخارجية؟
-لا بد من الاعتراف بالالتباس القائم لدى العقلية العالمثالثية التي تتصور بأن " قوى اليسار والتحرر العالمي " تمتلك مشاريع ديمقراطية أو أنها تحاول أن تصلح من شأن الأنظمة السائدة في بلدانها في حال حصول التغيير بالوسائل التقليدية القديمة أو بواسطة الإطاحة بالأنظمة القديمة من خلال صناديق الاقتراع. إن نظرة عجلى إلى الأنظمة الرأسمالية، الغربية منها على وجه التحديد، تكشف لنا بما لا يقبل الشك بأن الديمقراطية هي قرينة لهذه الأنظمة الغربية، أما ادعاءآت اليسار فلم تكن سوى وعود غالباً ما تتبخر إذا ما وصل هذا اليسار إلى السلطة، ولنا مثال ساطع في اليسار العراقي الذي تماهى مع المشروع الأمريكي، وضرب بالديمقراطية عرض الحائط، بمعنى أنه انجرّ وراء طموحات ومصالح وقياداته الشخصية الضيقة، وهذا الأمر ينسحب على ما نطلق عليه باسم " الحركات الوطنية " التي منحت ولاءها للحزب قبل أن تمنحه للوطن، وهنا تكمن الطامة الكبرى. فالأحزاب الإسلامية الشيعية تتجه وبكل قوة، مع الأسف، إلى إيران، بل أنها تفكر بالمصلحة الإيرانية أكثر مما تفكر بالمصلحة العراقية. أما الأحزاب الكردية فأقل ما يقال عنها الآن هي أحزاب قومية تنظر إلى مصلحة قوميتها الضيقة، ولا تعير شأناً لمصلحة العراق، وأعني هنا الحزبين الكرديين الكبيرين " الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني ". في حين أن أوضاع العراق الجديد تبشر بإمكانية قيام أجواء ديمقراطية إذا ما تخلت الأحزاب العراقية عن توجهاتها الحزبية الضيقة واتجهت إلى العراق بوصفه حاضنة الجميع التي لا تفرق بين عربي وكردي، وبين تركماني و كلدو آشوري، وبين إيزيدي و صابئي، وبين مسلم ومسيحي، أو بين سني وشيعي. اليسار العراقي وحركات التحرر الوطني العراقية إن وجدت بهذا المفهوم، لم تفعل ما فعله اليسار وحركات التحرر الموجودة في العالم، فبدل أن تُسقط الدكتاتور استعانت بالجيوش الأنكلو-أمريكية المحتلة، وساعدت على احتلال العراق، ثم جاءت لتدعي، وتكذّب أمام الملأ، بأنها ساهمت في تقويض الدكتاتورية ونخرها من الداخل، في حين أننا نعرف جيداً بأن هذه الحركات المعارضة برمتها لم تفلح في أن تقض مضجع الدكتاتور صدام، وتؤرق حزبه الفاشي. كان على هذا اليسار ومعه الأحزاب العراقية أن يلزموا الصمت، ويكتفوا بالقول إنهم لم يفلحوا في إسقاط النظام، وهذه حقيقة يعرفها الجميع. هذه الأحزاب العراقية بيمينها ويسارها، بأحزابها الدينية والقومية عليها أن تصارح الشعب أولاً بأن فشلت في إسقاط النظام، كما أنها مدعوة للقول علناً ومن دون زيف أو مواربة بأنها لم تفعل شيئاً، وأنها كانت عاجزة، وبعيدة عن ساحة المواجهة الحقيقية مع النظام السابق، وأن تكشف للمنتمين إلى هذه الأحزاب بأنهم لا يمثلون صوت الشارع العراقي برمته، فهناك الليبراليون، والمستقلون، والديمقراطيون الحقيقيون الذين يمثلون الجزء الأكبر من الشعب العراق، وبالتالي فهم أصحاب القول الفصل، وأصحاب الحق في أن يقرروا مستقبل العراق، وشكل النظام القادم فيه، وطبيعة الدستور الذي يجب أن ينضوي هذا البلد تحته، لا أن تأتي نسخة جاهزة معدلة يكيّفيها السفير الأمريكي على وفق ما تريد الإدارة الأمريكية. نحن نفتقر إلى المصارحة التي يحتاجها الشعب العراقي أكثر من أي يوم مضى. إن دعوات الإصلاح الخارجية والضغط على الحكومات لن يغير من الأمر شيئاً، فمعادلة الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقراً تتكرس يوماً بعد يوم، وما هذه الإصلاحات، في حقيقة الأمر، إلا عمليات تجميلية لن تحسن من واقع الحال شيئاً. فمتى ما ذهبت هذه الدناصير السياسية المتأبدة والملتصقة على كراسي السلطة، والمولعة بها حد الموت، عندها نستطيع القول بأن هناك تغييراً ما سيحدث في أفق الحكومات والأنظمة العربية التي لا تميل إلا إلى ترقيع الشقوق القديمة برقع جديدة لا غير! فليس هناك أي إصلاح في العالم العربي. الشيء الوحيد نستطيع أن نتأكد منه أن هذه الأنظمة قد جاءت بها الإدارة الأمريكية، وستستبدلها الإدارة الأمريكية متى ما شاءت، أو متى ما انتهت أدوارها المسرحية المرسومة بعناية فائقة.


السؤال الثالث:

هل أن وجود نظام ديمقراطي يمكنه أن يحدث تغيرات عميقة في بنية التخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي التي تعاني منها الدول العربية وهل يفسح المجال أمام الارتقاء بحقوق الإنسان وان يشيع مظاهر الرفاهية والتمدن ويحقق العدالة الاجتماعية؟
-لا بد من القول بأن الديمقراطية لا يمكن لها أن تنتعش في البلدان المتخلفة، فشرط الديمقراطية الأول أن تكون حاضنتها متحضرة، ومتفتحة، وقادرة على الانفتاح على الآخر، فإذا كانت البنية الثقافية والاجتماعية والسياسية، بحسب السؤال، هي بنى متخلفة في العالم العربي، وهي كذلك طبعاً، فإن الديمقراطية ستواجه الكثير من المصاعب والتحديات الجدية. فالوعي الديمقراطي بحاجة ماسة إلى مجتمعات تتطور تدريجياً في كل شيء، لا أن تقفز في حقل وتتخلف في حقول أخر، من هنا فإن البلدان العربية بحاجة لأن تتصالح مع نفسها أولاً قبل أن تبدأ في أي مشروع من مشاريعها سواء على صعيد التطور التكنولوجي أو نمو الحريات، أو ممارسة الديمقراطية بوصفها نظاماً نابعاً من حاجة المجتمع، وملبية لطموحاته وتطلعاته في تحقيق الرفاهية أو التمدن بمعناه المعاصر أو تحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية. كل هذه التمنيات المشروعة الواردة في متن السؤال يمكن لها أن تتحقق في حالة واحدة وهي إذا تخلت الأنظمة العربية عن احتكار السلطة، واحتكار الثروة، واحتكار الدين. فالدين لله، والوطن والثرة والسلطة للجميع. إذا تحقق هذا المبدأ، وطُبق بشكل عادل، وعملي فإن الديمقراطية ستجد طريقها الصحيح، وتحقق للعالم العربي معجزة جديدة ومذهلة قد لا تتحقق على مر التاريخ إذا ما ظل الحال كما هو عليه. الأنظمة العربية برمتها تسرق شعوبها علناً وفي رابعة النهار، ومن خشية أو خوف أو حياء، فمن أين تأتي العدالة الاجتماعية، والديمقراطية، وحرية الرأي والكلام والتظاهر، وتأسيس الأحزاب والجمعيات وغيرها من مظاهر التمدن والتحضر الموجودة في كثير من بقاع العالم؟ من أين تأتي الديمقراطية والعوائل الملكية، والأميرية، والسلطانية والجماهيرية والرئاسية تتناسل بإفراط مشكلّة مُستعمرات " أجنبية " مُهيمنة على ثروات هذه الشعوب العربية المدجنة والمغلوبة على أمرها؟ كيف نبني ديمقراطيات معاصرة وبعض العوائل الملكية بلغ تعداد ها ( 9.000 " نسمة ) يتقاسمون جل ثروات البلد؟ الديمقراطية بمعناها الحقيقي لا يمكن لها أن تتعايش في ظل أنظمة قمعية، مُحتكرة، مستبدة ومُهيمنة على كل شيء. الديمقراطية العربية تبدأ عندما نكتشف أول مرة بأن هناك رئيس وزراء ورئيس دولة يغادر السلطة بعد أول دورة انتخابية أو ثاني دورة في أبعد الأحوال، عند ذلك نستطيع القول بأننا قد خطونا الخطوة الأولى في طريق الديمقراطية الصحيح.

السؤال الرابع:

كيف يمكن التعامل مع التيارات الإسلامية التي يمكنها أن تصل إلى الحكم من خلال صناديق الاقتراع؟
-قد أثبتت القرون الأربعة عشر التي انصرمت بأن الكائن العربي المسلم، والمسلمين من غير العرب أنهم يضعون قدراتهم العقلية والذهنية في إطار قدري، ولا يميلون قطعاً إلى إعمال الذهن. بمعنى أن الإيمان وكل متعلقاته الدينية غير قابلة للنقاش بخلاف الإنسان الغربي أو غير المسلم عموماً، فالإنسان الأوروبي مثلاً لا ينظر بعين القداسة إلى موضوع الكنيسة، كما أن له الحق في أن يشكك حتى في وجود الخالق. من هنا فإن التيارات الإسلامية والتي كانت وما تزال هي الأخرى مكبوتة، وغير مرغوب بصعود نجمها عالمياً، قد بدأت تتململ، ومن البدهي كلما تضعف الأمة وتنهار يشرئب رجال الدين برؤوسهم، وتظهر هذه الحركات الإسلامية إلى السطح، وبسبب محدودية الوعي في هذه البلدان العربية والإسلامية عموماً فإن عنصر التفكير الجدي الخلاق يكاد يكون معدوماً أو ضيقاً ومحدوداً في الأحوال. وطالما أن الفرصة قد سنحت هنا وهناك في العالمين العربي ولإسلامي فقد وصلت بعض هذه الأحزاب إلى سدة الحكم، ومن الأمثلة المهمة في هذا المضمار أندونيسيا، وماليزيا، وتركيا، وإيران، والعراق حالياً. نعم، ستصل هذه الأحزاب الدينية إلى السلطة بحكم الديمقراطية التي تؤكد على حكم الأغلبية. فما الذي نفعله إذا كانت هذه الأغلبية هي أغلبية دينية؟ ولكن المهم في هذا الأمر هو هل تستطيع هذه الأغلبية الدينية بكل محمولاتها ورؤاها المتشددة أن تقود بلداً مثل العراق لا ينجح في حكمه أو قيادته إلى بر الأمان إلا نظام علماني متفتح يحترم الجميع، ويستطيع فعلاً أن يفصل بين الدين والدولة، فرجالات الدين مكانهم الطبيعي هو المسجد، والمدرسة الدينية وما إلى ذلك وليس المنابر السياسية وأروقة الدولة وسواهما. والمشكلة أن التيارات الإسلامية العربية أغلبها تيارات متشددة أصولية تريد أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء بما لا يحتمله عقل أو منطق.


السؤال الخامس:

كلما تم الحديث عن إحداث الإصلاح السياسي في العالم العربي، فأن الأنظمة الحاكمة تسارع لطرح خصوصية كل مجتمع. أو أنها تطرح الإصلاح السياسي التدريجي. هل أن الحديث عن الخصوصية والإصلاح السياسي التدريجي يمتلك أرضية واقعية؟
-لا بد أن لكل مجتمع على وجه الأرض خصوصية ما، غير أن هذه الخصوصية يجب ألا تكون ذريعة للتسويف أو التشبث بفكرة الإصلاح التدريجي من أجل كسب الوقت لمصلحة الأنظمة العربية الشوفينية والقامعة والمتخلفة في آن معاً. صحيح أننا لا يمكن أن نصبح بين ليلة وضحاها ديمقراطيين أو ليبراليين أو متفتحين ونتخلص فجأة من كل شيء دفعة واحدة. فالتطرف والأصولية والسلفية وما إلى ذلك من سمات وخصال باتت مقرونة بالعالم العربي والإسلامي ولا يمكن محوها في رمشة عين. فهذه المقومات والظواهر الحضارية تحتاج لبعض الوقت، وتحتاج إلى ثقافة تتأسس، وتترسخ يوم بعد آخر، ولكن السؤال المهم هنا هو: هل أن الأنظمة العربية التي تتمسك بمقاليد الأمور، وتتسنم كراسي السلطة في العالم العربي من أقصاه إلى أدناه لديها النية الحقيقية للإصلاح؟ ومن قال إن الإصلاح ينفع بمثل هذه الأنظمة العربية القائمة على القمع والمصادرة واحتقار الكائن العربي؟ هذه الأنظمة تحتاج فعلاً إلى من يقتلعها من الجذور ويرمي بها إلى هوة التاريخ السحيقة غير مأسوف عليها. هل أن هذه الأنظمة العربية تدافع حقاً عن المواطن العربي، وتريد له الخير والرفاهية والكرامة، أم أنها هي التي تصادر كرامته، وتهينه كل يوم، وتذله، وتسرقه، وتنهب ثرواته، وتطلب منه الطاعة والالتزام بحجة وأطيعوا أولوا الأمر منكم؟ ممكن أن نصدق ادعاءات هذه الأنظمة لو أنها جاءت وسوف تغادر السلطة بعد بضع سنوات، ولكنها كلها، ومن دون استثناء جاءت لكي تبقى جاثمة على صدور شعوبها، فعن أي إصلاحات نتحدث؟ أن موضة الإصلاحات التي تحدث في هذا البلد العربي أو ذاك فإنما تقع بسبب الضغوط الخارجية، الأمريكية بالدرجة الأساس، وبعض البلدان الأوروبية الكبيرة مثل إنكلترا، وفرنسا، وألمانيا، ولولا هذه الضغوط لما حدثت بعض الإصلاحات هنا أو هناك. يا ترى ما فائدة ما يسمى بالإصلاحات، والمرأة لا تستطيع أن تقود السيارة، أو لا تستطيع أن تخرج إلى السوق أو المدرسة أو الجامعة من دون حجاب؟ والطامة الكبرى أن هذه الإصلاحات الترقيعية أو التجميلية الهدف منها هو الإبقاء على هذه الأنظمة العربية الخانعة للأجنبي، والمؤتمرة بأمره، وهي التي تجبره على القيام بعمليات التجميل المؤقتة لأنها تريدها أن تبقى لأطول مدة زمنية ممكنة، أو إلى أن تفقد صلاحيتها، وعند ذاك ستقذف بها إلى سلة المهملات كما حدث مع النظام العراقي، ومن المؤكد أن هذه الحكاية ستتكرر في بلدان عربية وإسلامية أخر. الأرضية الواقعية الوحيدة التي يمكن أن يصدقها المواطن العربي، ويثق بها هي أن يرى هذه الأنظمة والحكومات تتبدل كل أربع أو خمس سنوات، وتذهب طواقهما لكي تكتب مذكراتها، أم أنهم لا يمتلكون أية ذكريات طيبة سوى القتل والتغييب والنهب الخارق للعادة؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة