الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة الي عضوات واعضاء الحزب الشيوعي السوداني

عادل عبد العاطي

2005 / 10 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الزميلات والزملاء عضوات واعضاء الحزب الشيوعي السوداني :

تحية طيبة ..

قد يستغرب البعض منكن/م أن أكتب لكن/م هذه الرسالة المفتوحة؛ بعد ان دخلت في الأعوام الأخيرة في معارك متعددة ضد القيادة اليمينية لحزبكن/ م ؛ ومع عدد من عضويتكم أثر ان يدافع عن منهجها وسلوكياتها ولو بابشع الطرق. لا ابرئ نفسي اليوم من المسؤولية عن بعض تلك المعارك؛ ولا عن التطرف والقسوة في الرد في بعض الأحيان؛ ولكني اعتقد ان الانسان لا ينبغي ان يكون أسير مشاعره المريرة وصراعاته الصغيرة؛ اذا كان الأمر يتعلق بالهم العام.
وقد يرفض البعض الأخر مخاطبتي لكن/م؛ ما دمتُ قد تركت الحزب الشيوعي منذ قرابة العشر سنوات؛ وما دمتُ انشط في حزب آخر؛ قد يعده البعض منافسا لحزبكن/م؛ وأردُ ان قضايا السياسة السودانية واصلاح الاحزاب السياسية هي قضايا عامة؛ يحق ويجب علينا كلنا المشاركة فيها؛ وانني لا اعتبر الديمقراطيين والثوريين والاصلاحيين من الشيوعيين منافسين لنا؛ وانما حلفاء متوقعين؛ لذا اخاطبكن/م اليوم بمنطق زمالة النضال؛ ومن منطلق الهم المشترك.
وددت ان اناقشكن/م اذن؛ حول القضايا المحورية التي تواجهها بلادنا ومواطنينا؛ وهي قضايا الأزمة السودانية التي تراكمت حلقاتها؛ وافضت الى الوضع المأساوي الراهن؛ انهيارا اقتصاديا واجتماعيا؛ وحربا اهلية مستعرة في مناطق البلاد المختلفة؛ وتسلطا سياسيا وهوسا دينيا؛ وصل اقصاه خلال ال16 عاما اليباب الاخيرة؛ ويريد اعادة انتاج نفسه في نظام نيفاشا الجديد؛ اى الانقاذ 2.
إن هذه الأزمة الوطنية الشاملة؛ كما نعلم جميعا؛ هي نتيجة لازمة لواقع التخلف والاستغلال والتسلط الموجود في مجتمعنا؛ والذي تعيشت عليه وعمقته مختلف النخب السياسية والعسكرية التي حكمت؛ باختياراتها الاجتماعية والسياسية الضحلة؛ في تغليب اقتصاد الاستهلاك على الانتاج؛ والكهنوتية على الدولة العلمانية المدنية؛ ودولة السادة والقادة والعساكر؛ على دولة المواطن. لعبت في كل هذا قيادة الاحزاب الطائفية والفاشية الاسلاموية ومتسلطي العسكر ولوردات الحرب الدور المقدم؛ وكان نظام الانقاذ هو التجلي الاسؤأ لهذه القوى وتلك الاختيارات.
لقد لعب الحزب الشيوعي السوداني؛ ومنذ تاسيسه في منتصف اربعينات القرن المنصرم؛ وحتى العام 1971 ؛ دورا كبيرا في محاربة هذا الواقع والقائمين عليه والمنتقعين منه؛ وسلك طريقا شاقا في نشر قيم الاستنارة والعلمانية والعدالة الاجتماعية؛ وبنى مؤسسات جماهيرية ناضلت من اجل حقوق المواطنين؛ من نقابات عمال واتحادات مزارعين وتجمعات موظفين وتنظيمات طلبة ونساء الخ الخ؛ ورغم الأصل العقائدي والمحيط العالمي الستاليني في الحركة الشيوعية الذي نشأ وترعرع فيه الحزب؛ والاخفاقات والاخطاء والتجاوزات في الكثير من المواقف والقضايا؛ فان قادته الشهداء المؤسسين قد حاولوا وانجزوا الكثير؛ في طريق الثورة السودانية وتحرر الانسان السوداني.
الا ان المجموعة التي صعدت في ظل ظروف استثنائية لقيادة الحزب العليا؛ بعد العام 1971؛ وعلى رأسها السكرتير العام محمد ابراهيم نقد؛ قد سلكت طريقا يمينيا مغايرا؛ يقوم على التصالح مع قوي اليمين السوداني؛ وخصوصا قيادة الاحزاب الطائفية؛ والتعايش مع واقع التخلف والاستغلال والتسلط؛ والتبرير له؛ وسلكت هذا الطريق بانسجام منذ العام 1977؛ وحتي يومنا هذا؛ بعد ان ابعدت وصفت المخالفين؛ وليس اقلهم الشهداء خضر نصر وعبد المجيد شكاك وحسن الطاهر زروق والخاتم عدلان.
إن هذه القيادة بذلك قد عطلت ليس فقط امكانيات عضوية الحزب الشيوعي الخلاقة؛ ولم تهدر فقط تضحيات ونضالات مئات والاف الشيوعيين؛ بل هي في المقام الأول شوهت وعطلت انطلاق الحركة الديمقراطية الجماهيرية للتغيير؛ ولعبت وسطها دور حصان طروادة؛ جابرة لها لمصالح اليمين السوداني؛ وذلك في سفور ولسان يميني مفصح مرات؛ وتحت شعارات يسارية خادعة مرات اُخرى.
إن اغلبنا يذكر الدور الضعيف الذي قامت به هذه القيادة في التصدي لنظام مايو؛ ودعوتها لجبهة مع قوى اليمين تجمع الطالح والصالح؛ وتصفيتها لبؤر العمل الديمقراطي والثوري في الجيش والنقابات وحركة الطلبة؛ وتحالفها بعد انتفاضة الشعب في مارس /ابريل 1985 مع قوي اليمين الطائفي؛ ودعمها لحكوماتهم بل واشتراكها فيها؛ وتعطيلها ووقوفها ضد استمرار الهبة الجماهيرية ضد حكومة الصادق/ الترابي في نهاية عام 1988 والمسماة بانتفاضة السُكّر.
ويعلم اغلبنا كذلك معرفة هذه القيادة بتفاصيل انقلاب يونيو 1998 الفاشي؛ وعجزها عن التصدي له؛ واكتفائها بتبليغ المعلومات للصادق المهدي ورجال مخابراته؛ وعجزها من بعد عن التصدى الناجع لهذا النظام؛ ورهنها ارادة الحزب الشيوعيب وعضويته وجماهيره لتجمع الطائفيين تحت قيادة "مولاهم" الميرغني؛ ومحاربتها بضراوة للعديد من القوى والعناصر الوطنية التي حاولت شق طريق ثوري وجماهيري للتغير؛ ومن بينهم الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان.
إن هذه القيادة التني استخدمت كافة اشكال التآمر واغتيال الشخصية وعبادة الفرد واستلاب العضوية وتسطيح الفكر؛ لفرض توجهاتها وادارة هذا الحزب العريق؛ كما وثّق للأمر الزميل حسن تاج السر؛ عضو سكرتارية الحزب المركزية منذ عام 1971 في مساهمته النقدية عن وضع الحزب؛ قد إستمرأت هذا الطريق اليميني؛ والذي تصدت بعنف وشراسة لكل محاولات التمرد عليه؛ وتنكرت بذلك لكل التراث الثوري الايجابي لشهداء الشيوعيين ومؤسسي الحزب ولنضالات وتضحيات عضوات واعضاء الحزب العظيمة والكبيرة.
ان هذا الخط اليميني لا يتبدى فقط في قضايا السياسة والتحالفات والتكتيكات؛ بل هو يتعداها الي قضايا البرامج الهامة؛ فإن هم هذه القيادة اليمينية لم يعد هو التغيير الايجابي للواقع السوداني؛ وهزيمة المسؤولين عن طريق الازمة والآلام؛ وانما التعايش مع هذا الواقع والتعيش منه؛ وتقديم التنازلات الفكرية والسياسية لقوى اليمين والهوس؛ حتى وصلت الى تقبل نظام الإنقاذ وعرابييه؛ والانخراط في مؤسساته وفي صفقة نيفاشا التي انتجت ىدولة الانقاذ الثانية.
لقد مزق قلب الكثير من الوطنيين زيارات قيادات الحزب الشيوعي للسفاح حسن الترابي؛ ومحاوراتهم المتعددة مع حزبه الفاشي؛ ومحاولتهم ادخاله حلبة الحياة السياسية من الباب؛ بعد ان اخرجه اخوته الاعداء من النافذة؛ ويد الترابي وحزبه لا تزال ملطخة بدماء الشرفاء؛ وطرحه الفاشي لم يزل قائما. كانت هذه الممارسات بالنسبة للكثيرين؛ العنوان الاكثر سطوعا؛ وان لم يكن الاكثر اهمية؛ للدرك الاسفل الذي يمكن ان تصل اليه هذه القيادة اليمينية؛ في طريق الهزيمة والتسوية والتصالح مع قوى التسلط والاستغلال من اليمين السوداني؛ ولو كانوا من القاتلين لعضويتها.
ويأتى موقف هذه القيادة الانبطاحي الآن من النظام؛ وتقبلها لصفقة نيفاشا؛ ودخولها في هذه القسمة الضيزي بين من لا يملك ولا يستحق؛ وتجاهلها للجرح الدامي في دارفور؛ واعراضها عن قضايا الحريات التي تنتهك كل يوم؛ وانشغالها بتنظيم نشاطات جماهيرية هشة؛ تريد ان تثير بها حماس وتعاطف العضوية؛ بدلا من الانخراط في النضال الجاد ضد النظام؛ ومواجهة قضايا اصلاح وتغيير الحزب؛ دلائلا لكل متابع؛ ان الطريق اليميني قد اصبح خيارا ابديا ثابتا لهذه القيادة؛ تسير عليه غير عابئة بل وعابثة؛ بقضايا المواطنين وتضحيات الوطنيين و واعتراضات اغلب الشيوعيين.
إنني اعتقد جازما؛ إن الحزب الشيوعي السوداني لن يعود الى ساحة النضال الفعلي؛ من اجل قيم الديقراطية والتحرر الانساني والعدالة الاجتماعية وعلمانية الحياة السياسية والاجتماعية؛ ما ظلت هذه القيادة اليمينية ومن تعدهم للحلول محلها؛ على رأسه. كما اعتقد جازما؛ ان الطريق الحالي للحزب الشيوعي السوداني؛ في العمل السياسي وفي المواقف الفكرية والبرامجية؛ انما يشكل خصما من رصيد القوى الديمقراطية والثورية في بلادنا؛ ودعما لمواقف قوي التسلط والاستغلال والتخلف في السودان.
ان قواعد احترام الأخر؛ تفترض الا نقول للأخرين ما ينبغي ان يفعلوا. انني شخصيا كنت عضوا بالحزب الشيوعي لمدة 13 عاما؛ رفضت في بعضها اى اتهام لهذه القيادة باليمينية؛ وتمسكت عاطفيا بالحزب حتى بعد ان اتضح لي الطريق الخطير الذي تقوده فيه هذه القيادة؛ ولكني في النهاية لوحدي وبتطوري الخاص؛ وبعد معاناة والم كبيرين؛ قد قررت الخروج منه؛ عندما علمت بانعدام مواعين الاصلاح في الحزب؛ ولذلك لا يمكنني ان اقول للأخرين ما يفعلوا؛ طالما انا إحترمهم واحترم انسانيتهم وتفردهم.
لكن بالمقابل فان الواجب الوطني يفرض على ان ان اقول ان هناك واجبا للشيوعيين في تغيير هذه الحال؛ والتجربة تفرض على ان اقول انهم لن يستطيعوا ذلك؛ ما داموا يعملوا تحت تلك الاطر التي تسيطر عليها هذه القيادة اليمينية؛ وانها لن تألوا جهدا؛ لاسكات اى صوت معارض؛ وقتل صاحبه او صاحبته معنويا؛ وان الحل الوحيد هو في تكوين قوى التغيير والاصلاح والتجديد داحل الحزب الشيوعي لاطرها ومنابرها الخاصة؛ وان تعلن قطعا سياسيا وبرامجيا وسلوكيا مع توجهات هذه القيادة؛ وان تمد يدها لقوى التغيير والحداثة والثورة في السودان؛ في الاتجاه المعاكس ليد قيادتها الممدودة والخاضعة لقوى التخلف والاستغلال والتسلط في السودان.
إن قضية الاصلاح ليست حكرا على الحزب الشيوعي؛ بل هي قضية تواجهها كافة مكونات الحركة السياسية السودانية؛ وعلى كل ان يواجهها في بيته الخاص. انني شخصيا لم اتورع عن نقد الذات؛ وعن نقد مختلف تجاربي السياسية؛ وفي الحزب الذي انتمي اليه اليوم ينتظرنا عمل شاق طويل للتطوير وتجاوز القصور. بل لقد ذهبت في العام السابق الي توجيه رسالة لشباب وشابات حزب الامة؛ توسيعا لمواعين الاصلاح؛ لكني كنت ولا ازال مهتما ومنفعلا بقضايا الاصلاح في وسط الحركات والتنظيمات الديمقراطية والثورية في السودان.
إنني اؤمن مثل عبد الخالق محجوب؛ ان قوى التغيير في السودان صغيرة ومبعثرة؛ ولكنها يمكن ان تحقق الكثير اذا ما ترابطت وتوحدت؛ واعلم انه لا طريق لقوى التغيير في السودان غير الوحدة؛ ولا امكانية لهزيمة النظام الحالي؛ الانقاذ 2؛ الا وفق برنامج وطني شامل؛ يتم الاتفاق عليه بالحوار الندِّي؛ وعبر قيادات جديدة؛ تتبلور بالنضال؛ وتكتيكات جماهيرية واضحة وشفافة؛ وعودة الي طريق النضال الجماهيري المجرب.
من هذا المنطلق أمد يدي لكل اعضاء وعضوات الحزب الشيوعي؛ ممن لا تزال قيم الحرية الانسانية والعدالة الاجتماعية والعلمانية وكرامة المواطن والتغيير عزيزة على قلوبهن/م؛ وومن لم تستبطنهن/م الهزيمة التي ركبت قيادة الحزب الشيوعي اليمينية؛ للحوار والتنسيق والعمل المشترك؛ بما يخدم تلك القيم؛ وبما يهزم القوى والعناصر والعلاقات المناقضة لها؛ سواء كانت في وسط اعدائنا المعلنين؛ او كامنة بين المتسترين في صفوفنا.

مع الشكر والتقدير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس


.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق




.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي


.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع




.. صاروخ للاحتلال يدمر برجا سكنيا بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة