الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنقره.. وفوبيا الاكراد

زيرفان سليمان البرواري
(Dr. Zeravan Barwari)

2015 / 8 / 13
السياسة والعلاقات الدولية



شهدت السياسة التركية تجاه الأكراد تغييرا ملحوظا في ظل العدالة والتننمية، فالتغير البنيوي في مفاهيم السياسة الخارجية التركية من الواقعية التقليدية، التي قامت على أساس الأمن والقوة الصلبة إلى سياسة قائمة على المرونة والقوة المرنة قد حققت أهداف عجزت القوة الصلبة في تحقيقها لأكثر من ثلاثة عقود.

وكما أن العمق الاستراتيجي (Strategic depth) الذي أشار إليه داود أوغلو استند على إيجاد الدور والموقع الفعلي للدولة التركية من دولة تديرها مصالح الاتحاد الأوربي والغرب إلى دولة فاعلة في رسم سياستها الخارجية وإيجاد عمق استراتيجي جديد يتيح لتركيا دور إقليمي، تتحول من خلالها إلى دولة إقليمية مركزية في رسم السياسات الإقليمية لمحيطها الشرق أوسطي.

واستطاعت أنقرة من خلال مبدأ تصفير المشاكل (Zero Problems with neigbours) من إعادة الأمن وتقوية السلام في حدودها الجنوبية مع كل من العراق وسوريا، إلا أن الضربات العسكرية الأخيرة ضد العمال الكوردستاني، والتدخل العسكري في الملف السوري أعلن عن بداية حقبة جديدة في السياسة التركية والتي تقوم على البراجماتيكية ومفهوم المساعدة الذاتية ضمن إعادة المفهوم التقليدي في السياسة الخارجية التركية، والتي اعتمدت على أساس الواقعية الكلاسيكية والقوة الصلبة، حيث يُعتقد بناءً عليه أن تركيا محاطة بالأعداء وأن على أنقرة الاستعداد الدائم للمواجهة العسكرية مع الجوار المعتدي.

لاشك أن التطورات السياسية والأمنية واختلال موازين القوى قد أثرت على أولويات السياسيين في أنقرة ناهيك عن التغيير السياسي في الداخل التركي، الأمر التي أثر على تغيير توجهات السياسة الخارجية التركية.

إن تحليل مسألة الفوبيا التركية من العامل الكردي يتطلب الإلمام بالدوافع الداخلية والإقليمية وراء التحرك العسكري الأخير لتركيا ضد العمال الكوردستاني.

ففي البعد المحلي حمل التحرك التركي رسائل مهمة تتعلق بالتوازنات المحلية والسياسة العامة في تركيا، فالعدالة والتنمية من خلال قيامه بالضربات العسكرية، قد استهدف أطرافاً داخلية وخارجية في الوقت نفسه، ففي البعد المحلي هناك أهداف معينة في التحرك العسكري حاولت تعبئة وتوجيه الرأي العام التركي بما يخدم مشاريعهم، كما أن الانقسام الذي حدث قبيل الانتخابات العامة الأخيرة لم يكن في صالح المشروع السياسي للعدالة والتنمية خاصةً الإقبال التركي على الورقة القومية وانتخاب التيار القومي المتشدد وكذلك انتخاب التيار الكردي المناهض لحكومة داود أوغلو، مما تطلب إعادة توجيه الرأي العام في تركيا بما يخدم مسألة القومية. فالتيار القومي بدأ نجمه يتصاعد على حساب التيار الديمقراطي المحافظ، خاصةً بعد المخاوف الأخيرة لدى المواطن التركي جراء استهداف تركيا في الداخل من قبل مجموعات متطرفة، وتصاعد التاثير الكردي على المعادلة السياسية في تركيا.

إن الورقة السياسية وراء التحرك العسكري تكمن في خلق أجواء تسمح بإعادة الانتخابات واستقطاب أصوات التيار القومي لصالح العدالة والتنمية، كون الأخيرة لم تنس المصالح القومية التركية والمبادئ التي قامت على أساسها الدولة الأتاتوركية، وكذلك إضعاف التيار الكردي من خلال خلق توتر في قائمة (HDP) المختلط من عدة توجهات تركية وكردية مناواة للعدالة والتنمية، فضلاً عن تهديد الجماعات المتطرفة في الداخل التركي لوقف أي نشاط متوقع ضد المصالح التركية في الفترة القادمة، وذلك لكون الأمن الإقليمي بدأ يوثر سلباً على الأمن المحلي التركي ولذلك تتجه الأنظار نحو إعادة العامل الأمني في السياسة الخارجية التركية وانتهاء العمل بالمفاهيم الليبرالية في إدارة الملف الخارجي التركي مع كل من العراق وسوريا.

أما البعد الإقليمي أو الخارجي، فتحاول أنقرة أن تحقق أهداف معينة من خلال التأثير على الأحداث الإقليمية ورسم السياسات على الأساس التي تخدم الأمن القومي التركي، فالعدالة والتنمية على سبيل المثال تحاول جاهداً من تحقيق تحالف دولي مع الاتحاد الأوربي للعمل على وضع منطقة حظر الطيران داخل سوريا، الأمر التي يتيح لتركيا في حالة تحقيقها لهذا الهدف: أولاً إعادة التوازن مع إيران، فالتفاوض الإيراني – الغربي، واستمرار السيطرة العسكرية لبشار الأسد خلق حالة اختلال في توازن القوى مع أنقرة لصالح طهران، تركيا لديها مخاوف من التوسع في الدور الإيراني في كل من سوريا والعراق، وأن المفاهيم التي تدار بها العلاقات الدولية في الشرق الأوسط تستند على أساس سياسة القوة والواقعية السياسية مما تفرض على أنقرة التفكير في خياراتها المتاحة في صنع السياسة الخارجية لكي تحقق حالة من التوازن مع الدول الإقليمية الأخرى.

ثانيا: تحاول أنقرة وضع حد للتوسع الكردي والسيطرة الكوردية في شمال سوريا وذلك لمنع الأكراد من إعادة تجربة شمال العراق وخلق كيان كردي في ذلك المنطقة بحيث تدير وفق الأجندة التي تومن بها العمال الكردستاني مما تخلق حالة من اللااستقرار لدى أنقرة ومصالحها المستقبلية، فالمعضلة الأمنية (Security dilemma) ومفهوم (zero sum) تحتل الأجندة التركية في صنع السياسة الخارجية مع الكورد.

المعضلة الأمنية تعني كلما توسع القوة العسكرية والسياسية للأكراد ستكون على حساب المصالح التركية، فالقوة الكردية في شمال سوريا تعني ضعف الدور التركي في مستقبل سوريا، فالمحاولات التركية السابقة وفق معادلة الكل يربح في العلاقات الدولية لا يمكن تنفيذها في ظل التلاعب الإيراني بالأوراق المذهبية والعسكرية على حدود تركيا، وكذلك الدور الغربي المتردد في دعم أنقرة على مواجهة المشاكل التي تواجها جراء تعقيد الأزمة السورية.

إن فوبيا الأكراد لدى أنقرة في الوقت الراهن سوف تعرقل الجهود السلمية للقضية الكردية في الداخل التركي، وكذلك تتراجع العقلانية السياسية في التعامل مع الكرد في كل من العراق وسوريا وتركيا.

كما أن الجهود الأمنية والعسكرية لمدة ثلاثون سنة لم تعالج القضية الكردية، ولا أتصور أن يأتي الحل العسكري بأي نتائج في الوقت الراهن لا للدولة التركية ولا للأكراد أيضاً، لذلك يمكن التنبؤ بأن التحرك العسكري التركي تحرك تكتيكي وإن عملية السلام والمصالحة مع الكورد استراتيجية لايمكن لأنقرة التلاعب بها، وذلك لمعطيات محلية وإقليمية ودولية لا مجال لذكرها ضمن هذا المقال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة