الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أمريكا والشارع العربي .... - - كلام على مقربةٍ من مقالة الدكتور فيصل القاسم
أنيس يحيى
2005 / 10 / 16الصحافة والاعلام
الواردة في الحوار المتمدن – العدد 1343-10/ 10 : 2005
كان الأحرى بهذا الكلام أن لا يكون رداً على مقالة ولو هي لاعلامي بارز كالدكتور فيصل القاسم . ولكني وجدت أن للتعليق فائدة أكبر ، تتمثّل في دعوة بعض أصحاب الأقلام العرب ، خاصة تلك التي تظهر التزاماً صادقاً بالقضايا العربية المعاصرة ، إلى التريّث قليلاً قبل إشهار مواقفهم من قضايا ترتّد بنتائجها على شرائح واسعة من مجتمعنا ، فإما تدفعه إلى الاتجاه المعاكس لمصالحه , أو على الأقل تزيد من ارتباكه واحباطاته التي تدفعه بدورها إلى اليأس الذي لا يجد دواءاً له سوى الارتداد إلى ماضٍ لا أمل في استنهاضه .
لا بد في البداية من الاشارة إلى أن كثيراً من هذه الأقلام لا تنكر المأساة التي تنال من الشعوب العربية ، بل على العكس فأنها تجهد في توصيفها ، حتى بات المواطن العربي فريسة سهلة لحركات لا تمتّ إلى عصرنا بصلة ، أو حتى إلى العصر الذي مضى ، من شدّة تخلّفها ، وابتعادها عن كلّ الأنماط السياسية التي ابتدعها العقل . فها هو فيصل القاسم يصف الشعوب العربية بـ " الأغنام التي لا يأبه لثغائها الرعيان " .
من الخطأ أن نحمّل أحداً في العالم مسؤولية هذه المأساة ، فأباؤنا حمّلوها في السابق إلى بريطانيا أو فرنسا . وجيلنا يحمّلها للويلايات المتحدة الأميركية . إلى مَن يحمّل المسؤولية الجيل القادم يا ترى ؟ للصين مثلاً ، أو لسيريلانكا ، أو غواتيمالا ؟
نحن صنّاع مأساتنا دون شك ، وكلّ اتهام لسوانا ما هو في الواقع سوى إمعانٌ في المأساة . لا يتسع المجال في هذه المقالة إلى تحديد أسباب الواقع الذي وصلنا إليه . لكنني أجد علةُ ولّدت باقي الأسباب . هذه العلة هي الثقافة .. ثقافتنا ، وهي الثقافة الموروثة من قرون بعيدة ، ورثناها بارادة واعية ، ونصرّ أن لا يرِث أبناؤنا ثقافة سواها . ثقافةٌ تتحكّم بمجمل سلوكياتنا إلى حدٍ بعيد ، حتى أنها تتمثّل وكأنها المقّدس الذي لا حياد عنه . ما زلنا حتى اليوم نواجه العالم المتغيّر باستمرار ، بثقافة آحادية جامدة لا يفهمها سوانا .. نعاني منها ، ونتحدّث فيما بيننا عن اشكالاتها ، ونسفّهها أحيانا كثيرة ، لكننا نسرع أمام أي متغيّر إلى هيكلها لاضاءة الشموع ، واظهار كل أشكال الموالاة والانقياد .
أليس من التعجّل يا دكتور فيصل أن نقول أن حكّام العرب من صنيعة اميركا ؟ أجيب بالنيابة عنك . بلى .. هو غاية في التسرّع . صحيح أن الأميركيين استفادوا إلى أقصى الحدود من واقع رثّ صنعه العرب بأنفسهم طيلة قرون طويلة ، وهذه مسألة لا يعاب الأميركيون عليها إلى الحد الذي نتهمهم به ، فلو لم تكن أميركا لاستغل واقعنا دولة أخرى . العرب صنعوا واقعهم بأنفسهم ؛ واقعٌ قوامه طاعة ولي الأمر ؛ فالحاكم عندنا ، كَبر أم صَغر يملك الأرض وما عليها بتفويض من أهل الدنيا وأهل السماء . لو كان باستطاعة الأميركيين تنصيب حكام على العالم لكان وجه الأرض مختلفاً . لماذا فشل الأميركيون في إزاحة رئيس فينـزويلا شافيز رغم إعلان رغبتهم العلنية بذلك ؟ لماذا فشلوا في الضغط على اسبانيا وغيرها من الدول لابقاء جنودهم في العراق ؟ نحن حالة متميزة في هذا العالم . فكم من الضيوف على برنامجك التلفزيوني " الاتجاه المعاكس " دافع عن حكامنا وانظمتنا باستماتة . حتى أن بعضهم كاد أن يخرج من الشاشة للامساك بأعناق المشاهدين بعد أن خرج من ثيابه لشدة فجوره واطمئنانه إلى صحة ما يقول . صدام حسين نفسه ، الذي بزّ سادة جهنم في قسوته واجرامه وجد من يدافع عنه ، ويصنفه ببطل المواجهة ، أو صاحب المشروع النهضوي الفريد لانقاذ الأمة . قبل سقوط صدام بواسطة الاميركيين ، كنا نظن أن هؤلاء " المثقفين " و "العروبيين " أدرى منا بواقع الأمة مما كان يضطرنا إلى مراجعة مواقفنا ، والانقياد أحيانا إلى " بطولات " أولئك الأبالسة الذين يحيطون بنا من جميع الجهات . لكن بعد سقوط صدام على يد القوات الأميركية ، وانكشاف العراق على حقيقته ، ومشاهدتنا هول الكارثة التي عاشها العراقيون ، أصبحنا أكثر صلابة في تسفيه هؤلاء ، ومقاومتهم بكل الأساليب .
أنت تعرف يا دكتور فيصل بالتأكيد أن دساتير أوروبا التي لا تسترشد بأكثر من الحرية ، تمنع إعتناق النازية أو حتى الدفاع عنها . ما زال العالم العربي ملىء بالدكتاتوريين ، وما زالت أعداد كبيرة من " المثقفين " تعتاش من تدبيج قصائد المديح لهؤلاء ، ومن كتابة المقالات المملة على صفحات الجرائد الممولة من الدكتاتوريين أنفسهم . عدو العرب ، ليس أميركا أو سواها من الدول الطامحة . عدو العرب الحقيقي هو ثقافتهم . وكل تصويب إلى غير هذا الهدف يساعد في استمرار الإعاقة .
أليس بمستغرب أن نصبح جماعة منعزلة في هذا العالم ؟ نصرف طاقاتنا وامكاناتنا في إعلاء الجدران العازلة عن العالم ، ثم نتبارى في توزيع التهم على الآخرين ، ونتضرع إلى الله أن يهدّ أميركا ويدمّرها ، حتى أصبحت جعبة الله مليئة بأقوالنا الفارغة . جلّ ما نقدر عليه هو حرق العلم الأميركي في مناسباتنا " الوطنية " ، ثم تبدأ جوقة الشتّامين لأمريكا . اذا كان يحلو للبعض إضافة اسم لشتّامٍ جديد ، فليضف اسمي إلى ترسانة الشتائم التي لم يبقَ لدينا سواها ، نزوّد سفاراتنا في دول العالم بتلك الترسانة الفريدة ، ونرسل واحدة بحلّةٍ مزخرفة منها إلى الأمم المتحدة ، حتى لا يفوت أحد من أبناء الأرض الاطلاع على انجازاتنا ، وعلى الحضارة التي نَعد العالم بها .
لا أجد مجالاً للمقارنة بيننا وبين أي كيانٍ ، أو شعب آخر على هذه الأرض . الجميع استطاع فتح معابر للتواصل مع الآخرين . يختلف معهم ، يعارضهم ، ينافسهم ، لكنه واقف إلى جانبهم فوق خشبة المسرح العالمي . صحيح ليس لهؤلاء دور البطولة ، ولكنهم لم يرتضوا البقاء في العتمة متفرجين .
أخيراً لا بد من توضيح مسألة حتى لا أتّهم بلا مبالاتي " بثغاء القطعان " . لست مدافعاً عن أميركا أو سواها ، رغم أنني لا أجاري الكثيرين الذين لا يحلو لهم سوى صنع عدو وهمي يتذرّعون به لاخفاء مثالبهم . لكنني أحاول تحديد الداء قبل اجتراع كؤوس الأدوية . على أمل أن أبدي رأيي حول أسباب كراهية العرب للاميركيين على صفحات الحوار المتمدن في وقتٍ لاحق .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. صحف فرنسية : -العرجاني من تهريب أسلحة عبر الأنفاق إلى احتكار
.. السعودية.. تنظيم عملية خروج ملايين الحجاج من الحرم المكي تثي
.. غارات إسرائيلية على حلب تقتل أكثر من 40 عسكريا سوريا.. ما ال
.. المرصد السوري: أكبر حصيلة من القتلى العسكريين السوريين في غا
.. شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري