الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام الصحيح مفهوم واقعيّ أم متخيل؟

فاتن نور

2015 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


..هناك من لا يريد أن يرى الحقيقة عارية؛ أو يدخل عليها سافرة دون حجاب، فالعريّ حرام..
في هذه المرحلة الدموية ترتفع عن نوايا طيبة الأصوات المنادية بالعودة الى الإسلام الصحيح؛ وإلالتزام بصراطه المستقيم من أجل الخلاص.
فما المقصود بـ “الإسلام الصحيح“؟
هل هو مفهوم نظري له متن وسند يرتكز على قاعدة تاريخية متماسكة، تؤهل الخروج به من صفته النظرية الى حيّز الممارسة والتطبيق، أم أنه مفهوم صوريّ متخيل ومضلل؟
ولكن بأي حال، نسأل بجدية ومن باب الكوميديا السوداء: كيف نعود ؟
هل نحزم عقولنا مثلاً ونستعد الآن لشد الرحال، أم نترك العجالة للشيطان وننتظر قليلاً، بضعة قرون آخريات لربما؛ حتى نتفق على ماهية "الإسلام الصحيح" ونعثر على عهد له أو عصر، ثم نثب عائدين بروح رياضية أكثر توهجاً؛ إذا لم نـفاجأ بظهور منقذ مخلّص.
"الإسلام الصحيح" لا يخرج بتصوري عن كونه مفهوم متخيل لا يرتقي حتى الى مفهوم النظرية ..لماذا؟
ليس لأنه عصيّ على التطبيق، ليس لأنه يجهد النفس بالركض وراء اللامستطاع، ليس لهذه الأسباب وما شاكلها رغم أهميتها.
وحتى تتضح الرؤية نطرح بعض الأسئلة: ما هو الدين؟
هل الدين رسول وكتاب فقط، أم الدين ثقافة تراكمية متحركة؛ مصدرها رسول وكتاب ومكتبة ؟
الشق الأول ربما يمثل مفهوم الإسلام الصحيح عند الطائفة الأكبر؛ التي ما انفكت تنادي بالعودة الى القرآن وسنة نبيه العظيم بصفتهما روح الدين الصحيح. لذا سنقف عنده ونسأل:
هل ثمة كتاب يقرأ نفسه أم لابد له من قارئ ؟
آوليس "القراءة" هي مفرق الطرق لما تفرزه من أفكار وفلسفات وما تنتجه من تفاسير وتفقهات ؟
كيف جاءت المذاهب والطوائف والفرق والملل؟ هل نزلت بوحي من السماء أم بوحي قراءات مختلفة من قبل جهابذة القوم؛ وكل قراءة أنتجت مدرسة فقهية أو مذهب له اتباع ومشايخ ومنهج مستقل في الاستنباط والتشريع-;- ويقف على خلافات عقدية وفقهية مع غيره من المناهج.
وإذا كان مفهوم الإسلام الصحيح عالق بالعودة الى القرآن قبل أي شيء بصفته المصدر الجوهر الموحى به؛ والعودة الى القرآن عالقة بقراءته؛ والقراءة ستضعنا بدورها على محك الإختلاف الذي نحن غارقون فيه أساساً؛ فأي معنى أو قيمة لهذا المفهوم الذي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة بحثاً عن قراءة توحيدية تمثل الإسلام الصحيح؛ وأي خيال هذا وأهل الدين لم يتفقوا حتى على أول أركان الإسلام؛ ونصه لا يتجاوز السطر؟
ومع أن الاختلاف غير مذموم بحد ذاته لكنه بحدين في هذا الحال؛ الأول فيه إثراء وإنتاج معرفي مثمر. والثاني فيه بلاء وإنتاج مدمر. والفصل بين الحدين وأيهما الصحيح أو الأصح مسألة نسبية تماماً؛ يدعمها القرآن نفسه لما به من سيولة تأويلية خرافية الطابع؛ تسهّل سكبه في الكأس المحببة للقارئ. ولما يمتلكه الإنسان من ناحية آخرى وبصفته كائناً اجتماعياً؛ من فطرة استثمارية. بمعنى استثمار كل ما يحقق له استراتيجية من استراتيجيات بقائه وبقاء جماعته. وكل الأحياء مجبولة على هذه الفطرة بشكل أو آخر. وحتى لو كان القرأن بلغة لا يكتنفها الغموض والعسر؛ وأول سوره فيه فاتحة ردع؛ تلزم المسلمين بالنص الحرفي والظاهر من الكلام؛ وتتوعدهم بجحيم الآخرة إذا مارسوا حرفة التأويل والتفسير؛ حتى لو افترضنا هذا جدلاً، فلن يتفق المسلمون على قراءة واحدة للقرآن أو على إسلام صحيح.. لماذا؟
الجواب بسيط وبديهيّ؛ لأنه من المحال أن تخنق عقول أمة كاملة بحبال كتاب أو كتابين مهما كانت قيمتهما وصفتهما؛ فلابد أن يحدث الانشطار والتفجّر الفكري كحتمية تاريخية وإنسانية لا مفر منها ولا مهرب.
الدين ثقافة لا يختصرها كتاب مهما بُذِلت الجهود. والثقافة كيان حي يتناسل وينمو ويتحرك في البعد الزمني بموازاة تناسل اتباعه؛ ويتراكم عن مصدره بأطنان من الكتب والمجلدات؛ ينال بعضها صفة المصدر أو المرجع الموثوق الذي تعتمده فئة من الاتباع أو اخرى.
الدين؛ ولأنه كيان ثقافي حي، وحياته من حياة إنسانه؛ ولا قيمة له بدونه أو وجود؛ تظل قيمته عالقة بما ينتجه الأتباع على مر الزمن ويصيبه ما يصيبهم من ترف فكري أو كساد.
والجدير بالذكر هنا؛ هو أن السياسة كثقافة هي الأخرى؛ لا تسير بموازاة الثقافة الدينية إلاّ اذا كانت الاخيرة تحقق مصالح السلطة والدولة. فالخلافة الراشدية مثلاً؛ قفزت على القرآن في أكثر من موضع وحالة، وشرعت لقتل من ترك الله عقابهم الى الآخرة. هل حكم الردة إسلام صحيح يسنده النص القرآني أم محض قرار سياسي ؟
هل قتل الممتنع عن دفع ضريبة مالية إسلام صحيح أم سياسة عنف لغرض اقتصادي؟
هل صناعة طبقة من المنافقين بفرض الهوية الإسلامية عليهم وهم ليسوا بمسلمين؛ إسلام صحيح أم طغيان سياسي؟
هل ترهيب المدن وفرض الدين بقوة السلاح ثم التقول لا إكراه في الدين، إسلام صحيح أم غزو سياسي وأطماع توسعية؟
هل الفتن والحروب وقتل المسلم للمسلم والتمثيل بجثته وتركها دون دفن؛ إسلام صحيح ؟
هل سرقة بيت مال المسلمين إسلام صحيح؟
هذه أمثلة وجيزة من عصر الراشدين فقط، المبشرين بجنة الخلد. فهو عصر سياسي-دنيوي بامتياز؛ بجنباته ثقافة دينية وأناس وقادة متدينون قاموا بأعمال طيبة لا تنكر؛ لكنه ليس عصر إسلام صحيح بالمفهوم الذي يطرحه المسلمون وجهابذتهم. وبرزت في غضونه قيادات سياسية محنكة في الحقيقة وعلى درجة رفيعة من الدهاء والحكمة، تجاوزت على الدين وسيرة نبيه اجتهاداً من أجل توطيد أركان الدولة وتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية وصقل مهاراتها الثقافية. متى يدرك المسلمون أن الشغل السياسي ليس شغلاً دينياَ؟
المشكلة في أهل الدين هي قراءتهم للتاريخ بعقلية دينية صرفة ومتحيزة؛ فتختلط عليهم الرؤية وتصبح السياسة دين والدين سياسة، وهذا الخلط عادة؛ يسير بأتجاه واحد يصب لصالح دينهم. فالإخفاقات السياسة والفساد السياسي لا تحتسب إخفاقات دينية وفساد ديني؛ ويلقون بها على عاتق الحاكم الفاشل أو المفسد لتنزيه الدين؛ بيما يحسبون الإنجازات السياسية إنجازات دينية يفخرون بها. وهكذا بالنسبة لما تنتجه الثقافة الدينية؛ فالأعمال الصالحة في سلة الدين؛ والطالحة على الفاعل. مع أن دينهم يفرض العدل في المعاينة والحكم على الأمور.
هناك من لا يريد أن يرى الحقيقة عارية؛ أو يدخل عليها سافرة دون حجاب، فالعري حرام. هنالك من لا يريد أن يفهم أن الإنسان هو من يمنح الأشياء قيمتها. فالدين لا يمنح الأنسان قيمته؛ قبل أن يمنحه الإنسان قيمة. فكلما تردت قيمة الإنسان، تردت القيمة التي يمنحها الى الأشياء والأحداث والمفاهيم وخلافه. فقبل أن نطلق مفاهيم مثل الإسلام الصحيح والإسلام الخاطئ، الأجدى أن نجرع مر الحقيقة؛ أن نزن قيمة الدين؛ ليس بميزان الكلام الطنان والحبر الرنان، بل بحجم قيمة أتباعه في العالم.

فاتن نور
August 17, 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل