الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية التى تريدها اميركا

محمد مجدى عبدالهادى

2005 / 10 / 17
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


كثيرا ما يتحاور و يتناقش الناس فى المواضيع المختلفة ، فيتجادلون و يتناوشون ، يتفقون و يختلفون ، ثم يكتشفوا فى النهاية ان كلا منهم كان يتحدث لغته الخاصة ، و عن اشياء مختلفة ، فتذهب جهودهم هباءا ، و يبدو حديثهم كحديث الطرشان !1
و لا شك ان هذا يطول الكثير من مسائل حياتنا ، التى نختلف و نتفق بشأنها ، فنظل ندور و ندور حول المسألة دون حلول او مواقف محددة حقا ؛ لاننا لم نحدد و نعرف المسألة بدقة ، و لم نتفق حتى حول المفاهيم الاساسية ، و كل منا ينطلق من المفاهيم التى اتفق عليها مع نفسه ، متجاهلا ان الحوار علاقة بين اثنين على الاقل ، فالحوار بالضرورة حوار مع الاخر ؛و لهذ تبدو جدالاتنا -غالبا- كالحرث فى البحر ، بلا عائد نظرى او عملى ، و لا شك ان هذه احدى اخطر مشاكل العقل العربى
و يتضح هذا العيب بصفة خاصة عندما نتناول قضية عامة مفهومها ملتبس بالضرورة كقضية الديموقراطية ، فكلنا يتحدث عن الديموقراطية ، انصارها و اعدائها على السواء ، و لا شك ان سياسية القضية تلعب دورا فى هذا الالتباس ، خصوصا و قد اصبحت اكثر الكلمات شعبية
و رغم هذا ، فهناك من يتصورون اننا نتناقش حول مفهوم واحد ، و هؤلاء غالبا يتبنون رؤية مثالية للعالم ، تتعامل مع الكلمة اليونانية ، التى تعنى حكم الشعب لنفسه ، ناسين ان حتى كلمة الشعب حول معناها جدل ، و حول طريقة حكم الشعب لنفسه خلاف
اما اصحاب الرؤية المادية ، فلا يليق بهم الوقوع فى هذا الخطأ ، او الخطيئة لو شئنا الدقة ، بل يفهمون انه لا يصح لهم التعامل مع الكلمات المجردة ، بل مع الواقع الذى افرز هذه الكلمات
و عندما نتحدث عن الديموقراطية ، لا يصح ان نتحدث مع الكلمة اليونانية و معناها ...الخ ، بل نتحدث عما تعنيه هذه الكلمة للطبقات المختلفة فى مجتمعنا على وجه التحديد ، و عما تعنيه للقوى المختلفة الداخلية والخارجية التى يعنيها هذا المجتمع
فلا شك ان ديموقراطية الكومبرادور تختلف عن ديموقراطية الرأسمالية الوطنية ، و ان ما يسميه الثبوقراط ديموقراطية يناقض ما تعتقده البروليتاريا ، وهكذا
و لهذا عندما تتحدث الولايات المتحدة عن الديموقراطية ، لا يصح لنا ان ننخدع و نأخذ الامر على محمل الجد ، كما لو كانت تهتم حقا بالديموقراطية التى تعنينا ، بل يجب ات نبحث فى طبيعة الظرف ، و بالتالى فى حقيقة المعنى
فمثلا عندما شنت الولايات المتحدة حربها الدعائية على النظام المصرى و ديكتاتوريته ، هل كانت حقا حريصة على حرية الشعب المصرى ، و لو افترضنا صحة هذا جدلا ، فلماذا الان بعد اكثر من ثلاثين عاما من الدعم ؟فما الذى جد ؟ هل انقلبت فجأة حريصة على مصالح و حريات الشعوب ؟
لا بالطبع ، فالولايات المتحدة لا تتعامل مع اى مسألة الا من زاوية مصالحها ، انطلاقا من براجماتية عقلها الانجلو ساكسونى ، فهى عندما تتعامل مع النظم الحاكمة فى دول العالم الثالث ، فأنها لاتتعامل الا مع هذه المصالح ، ومدى استقرارها ، لذلك تبحث دائما عن من يخدم هذه المصالح و يحافظ على استقرارها بأفضل صورة ممكنة ، و على اساس هذا تتحدد كل سياستها تجاه هذه النظم ، بغض النظر عن طبيعة هذه النظم ، و مدى شرعيتها ، و حقيقة علاقاتها بشعوبها
اما لماذا تقف احيانا موقفا سلبيا -و ربما معاديا- من هذه النظم التابعة لها ،فأنه غالبا ما يكون لسبب من اثنين ،و ربما الاثنين معا ،اولا : رفض هذه النظم او تلكئها فى تنفيذ بعض مطالبها ، اى اميركا ، لأى سبب من الاسباب ، و ليكن مثلا عجز هذه النظم عن مواجهة شعوبها ، و هو فيما نرى اهم الاسباب
ثانيا ، و الاهم ، ضعف هذه النظم ، و صعود المد الجماهيرى المطالب بتغييرها ، مما يبشر بقرب نهاية هذه النظم ، بحيث لا تبقى اى فائدة من دعم هذه النظم،و يصبح الدعم المكشوف لها- فى الظروف العادية- ضارا و خطرا؛بما يؤدى الى ان تصبح تكاليف بقاء هذه النظم اكبر من عوائده
و يزداد الوضع خطورة ن عندما يظهر بديل ما تلتف حوله الجماهير ، فتبدأ فى بحث طبيعة هذا البديل -من زاوية مصالحها بالطبع و مدى استعداده و قدرته على خدمتها ؛لتقرر : هل تدعمه؟ ام تدعم النظام القائم ، اذاكان ثمة امل فى بقاؤه و قدرته على الاستمرار فى خدمتها بالدرجة المطلوبة ، ام تبدأ فى تخليق بديلها الخاص ، والذى تعده ليحل محل النظام القائم ، و يواجه البديل الذى تدعمه الجماهير
و لهذا عندما تقف اميركا فى صف المطالبين بالتغيير نزولا على رغبة الجماهير ، رافعة شعارات الديموقراطية ، فانها لا تفعل هذا ايمانا بحق الشعوب فى التغيير ، بل تفعل هذا تكيفا مع الواقع الجديد الذى يؤكد استحالة استمرار النظم القائمة ، و لادراكها لمدى خطر الدعم المكشوف لهذه النظم على صورتها دوليا ، و على مواقف الشعوب منها ،فانها تقف فى صف التغيير ، بغية التأثير فى اتجاهه ؛ حتى لا ينحو نحوا غير مرغوب فيه ، قد يضر بمصالحها مستقبلا
و اذا كانت اميركا فيما ترى - فى المرحلة الراهنة - ان نظما اكثر ديموقراطية فى دول العالم العربى ، تمثل حلا لمشكلة الارهاب ، اذتقلل من دوافعة ، و تضعف من حدته ،و هى رؤية صحيحة فى بعض الجوانب ؛ فهى لهذا تبحث فى التغيير نحو نظما اكثر ديموقراطية - بالمعنى الشكلى - تخدم هذا الغرضن و تمتص غضب الشعوب ، و تقلل من التجاوزات الفجة للنظم الديكتاتورية الصديقة ، التىتحرجها دوليا ، و امام شعبها ذاته ، كل هذا وغيره ،دون مساس بمصالحها ، اى دون ان يحدث تغيير حقيقى فى سياسات الحكم و توجهاته ، وبغض النظر عن تغير الوجوه و الاسماء و اليافطات الحزبية
ان اميركا ان ارادت لنا الديموقراطية ، فهى تريد لنا ديموقراطية على مثال ديموقراطيتها فى احسن الاحوال-و لا نقلل من اهمية هذا فى ذاته-،و كما تسيطر البلوتوقراطية المالية فى اميركا غلى اللعبة السياسية ، فتصدر حزبين كبيرين للحكم مستبعدة ما سواهما ، فيتداولانه، بلا اى فروق جوهرية بينهما ، و دون اى تغيير حقيقى فى سياسات الحكم التى تتحكم بها، فان اميركا تريد لنا حزبين كبيرين او ثلاثة ، لا يختلف اى منهم عن الاخر عموما ، ومن ناحية موقفه من مصالحها خصوصا، ليتداولوا الحكم فى لعبة ديموقراطية تخدع الشعوب ، و تمتص غضبها ، دون تغيير جوهرى فى السياسة المطبقة
و لهذا ، فالديموقراطية الامريكية ليست سوى "ديموقراطيو تبديل الخدم" ، سواء خدم الطبقة الحاكمة فى اميركا ، او خدم المصالح الامبريالية فى دول العالم الثالث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات