الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم الله - الجزء الخامس و الأخير : إثبات وجود الله !؟

مهاب مجدى يوسف
()

2015 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مقالتين سابقتين في " علم الله " قمت بتحليل نموذجين مما يطلق عليه البعض " إثبات " وجود الله - البرهان الأخلاقي ، و وجود الكون . بالطبع هناك العديد و العديد من المواضيع لتحليلها تحت هذا العنوان ، لكنني رأيت أن أختار فقط مثالين لتوضيح الفكرة الرئيسية لهذه السلسلة ، و هو ما انتهى به كلتا المقالتين "أن هذا ليس إثباتاً ، لكنه إشارة قد تشير إلى وجود إله"، و كل إشارة يمكن نقدها و نقضها ، و يمكن نقد النقد .... وهكذا .

لا يوجد " إثبات " لوجود الله ، و هذا ليس بمثابة رأي لشخص درس كل ما " سُمي " بالإثباتات و قام بتحليلها ( لأنني فعلياً لم أفعل ) بل هو رأي مبني على ثلاث نقاط هم :

أولاً : مفهوم الإثبات :
----------------------
الإثبات هو تقديم ما يكفي للتأكد و لإقرار شئ بنسبة 100 % ، لن أتحدث عن 100 % مرة آخرى و لكن يمكن الرجوع لمقال " عندما أتحدث عن - الجزء الثاني : الحقيقة 2 " . فليس هناك ما هو مُؤكَد تماماً أنه يوافق الواقع و لكن هناك ما هو أقرب إلى الواقع ، و هذا الأخير نصل إليه بالتجربة ، و لكنه يظل " غير مؤكَد بنسبة 100 % " و يخرج عن نطاق الإثبات . [1]
" ما يكفي للتأكد " ، أعتقد أنه من المنطقي أن كل شئ أريد إقراره ( و إن لم يكن بصورة مطلقة / 100 % ) لابد و أن أقدم حجةً تتوافق مع حجم ما أريد التأكد منه ، فلا يكمنني أني أتخيل ما هي الحجة التي تتوافق مع التأكد من شئ بحجم وجود " إله " ( أو الإله ) !!

ثانياً : طبيعة الله :
------------------
كل موجود في عالمنا لابد و أنه مادي زماني مكاني ، و عليه يمكننا القول بأن شئ موجود بناءاً على أنه مادي زماني مكاني ، و هذا هو مفهومنا عن الوجود . و لكن عندما ننطلق من مفهوم " إله خارج الزمان و المكان و غير مادي " ، لأنه خالق الزمان والمكان و المادة ( بحسب ما إنطلقنا ) ، هنا لا يمكننا فهم هذا الوجود . فإما أن نقول أن وجوده يختلف عن وجودنا ، أو أنه " غير موجود " بحسب مفهومنا عن الوجود .
و إن أردنا أن نطبق مفهوم " ما هو أقرب إلى الواقع " - بإعتبار قضية وجود إله من عدمه هي في ذاتها مطلقة و لكن نريد قياسها و قياسنا نطلق عليه " حقيقة " – لن نستطيع ! لأن القول بأن هناك شئ أقرب إلى الواقع يكون كنتيجة " تجربة " ، و لكن طبيعة الله ( الغير زمنية الغير مكانية الغير مادية ) أعتقد أنها غير قابلة للتجربة للتأكد من وجوده أو من عدم وجوده .

ثالثاً : مفهوم الإيمان :
---------------------
و هي أهم نقطة للحديث عن عدم وجود إثبات ، فتعريف الإيمان "هو الثقة بما يُرجى والايقان بأمور لا ترى" ( عب 11 : 1 ) . و هنا يمكنني أن أسميه " إختيار " ، لأنه مجرد إختيار أن تثق فيما تترجوه . فهذه الإشارات على وجود الله غير كافية للتأكد من وجوده ، لكنها كافية كي تختار أن تصدق . و هنا نأتي للمعضلة الإيمان/الإثبات ، فالإثبات لا يتماشى مع طبيعة الإيمان !! فالقول بأن للأرض جاذبية ليس فيه أي إختيار ، فأنت " مُجبر " أن تقبل أن للأرض جاذبية ، أما الإيمان بوجود إله فمن المُفترض أنه يكون عن " إختيار " .
لذا فالإشارة " ليست برهاناً يخاطب العقل و يفرض نفسه عليه ، بل هي علامة تُعرَض على الشخص ليؤمن بالله .... فهي تُعرَض ولا تُفرَض عليه . و إن رفضها الشخص ، ظل سليم العقل لأن العلامة تخاطب حريته في أن يؤمن أو لا يؤمن . فالعلامة – على خلاف البرهان – تفتح مجالاً لحرية الإنسان " . [2]
هنا نقطة في غاية الأهمية ، لأن مَن يؤمن بوجود الله ، فهو فقط اختار ذلك .. و مَن لم يؤمن ، فهو لم يختار أو - ربما - يريد المزيد ليختار . فنخرج عن دائرة قول بعض المؤمنين بأن الإلحاد هو مرض نفسي ، أو العكس .


نقطة أخيرة كختام لهذه السلسلة ... " الإيمان و نقطة الإنطلاق " :

ينطلق الأخ جورج من أن المسيحية الأورثوذكسية هي الحق ، و من ثَم يبحث عن أيهما أقرب إلى الحق ( على سبيل المثال ) : " مدرسة الأب متى المسكين أم مدرسة البابا شنودة " ...
و لكن الأخ مينا ينطلق من أن المسيحية هي الحق ، و من ثّم يبحث عن أيهما أقرب إلى الحق : الكاثوليكية أم الأورثوذكسية أم البروتستانتية ...
أما الأخ عادل ينطلق من أن الله موجود ، و من ثَم يبحث عنه في جميع الأديان ، ليختار ديانة يرى أنها أقرب إلى الله ...
و الأخ فوزي ينطلق من أن هناك منطق عقلي ثابت كافي للقياس ، و منه يبحث هل هناك إله أم لا ...
و يمكن للأخ حمادة أن يسأل هل فعلاً يجب أن ينطلق من المنطق ( كقواعد و علم وضعه آخرون ) ؟؟ أم عليه أن يضع لنفسه منطق خاص ليصل به إلى نتيجة خاصة من حيث وجود إله أو معتقد ما ؟ و هل اللغة التي يستخدمها للتعبير مصطلحاتها كافية لشرح ما يعتقده ؟ ام عليه ان يخترع لغة بمصطلحات ومفاهيم جديدة حسب ما يعتقده ؟؟ يبدو - سطحياً - أن هذا ساذج جداً ....!!

و هذا ما أفترضه ، أن نقطة الإنطلاق هي أيضاً إختيار ، و كلما كانت نقطة الإنطلاق بعيدة يظن الشخص نفسه أنه أكثر ذكاءاً ممن ينطلق من نقطة قريبة ، و يظن مَن ينطلق من نقطة قريبة أن مَن ينطلق نقطة أبعد أنه غبي أو مريض و ما إلى ذلك ... لا شك أن الإنطلاق من نقاط أبعد أفضل – إلى حد ما . لكن أعتقد أن الإعتراف بأنها جميعاً نقاط للإنطلاق - و ما أنت إلى شخص اختار نقطة من هذه النقاط – يجعل قبول الآخر أسهل و أوضح ...
.
.
http://www.facebook.com/mohab.magdy.youssef
______________________________________________
[1] المزيد حول هل هناك شئ مُطلق في قياسنا له :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=473726
[2] بين وحي الله و إيمان الإنسان ، الأب فاضل سيداروس اليسوعي ، ط2 ، صـ102،103








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س