الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا السودان بين جذب العرب وشدّ الأفارقة

خالد فضل

2015 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لنكن صرحاء , هل السودان في المخيلة الشعبية العربية بلد عربي ؟ لا أتحدّث عن عضويته الرسمية في الهيئات والمؤسسات الموسومة بالعروبة بدءا بجامعة الدول العربية والتي يتداول السودانيون أنّ انضمامهم اليها قد صحبه شدّ وجذب بين أعضائها حول قبوله من رفضه , ومن ثمّ تلك المشاركات والمناسبات ذات الطابع الحكومي التي ظلّت حكومات السودان المختلفة طرفا أساسيا فيها , من حروب العرب واسرائيل الى حرب الحوثيين الأخيرة في اليمن , مرورا بالهيئات كالمؤسسة العربية للتنمية الزراعية والاسسكو وغيرها . وهل لتلك النظرة الشعبية العربية للسودان والسودانيين دور فيما نراه من ضعف المساهمة العربية المباشرة في جهود حل القضايا السودانية المتفاقمة , فقد شهد السودان أطول حرب أهلية في قارة افريقيا , وأعني بها الحرب في جنوب السودان السابق , والتي انتهت باتفاقية نيفاشا 2005م التي قادت محصلتها النهائية الى انفصال الجنوب عن بقية أجزاء البلاد وتكوين دولة مستقلة عاصمتها مدينة جوبا , لم يتفهّم العرب طبيعة تلك الحرب الأهلية طيلة خمسة العقود تقريبا , ولم ينظروا إليها الاّ من زاوية أنّها حرب استهداف للأمن القومي العربي , وفي مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي عندما زارالزعيم الليبي المقتول معمّر القذافي مدينة واو عاصمة اقليم بحر الغزال في جنوب السودان وقتذاك , وشاهد ضمن احتفالات حكومة مايو (69_1985م) برئاسة المرحوم المخلوع جعفرالنميري الرقصات الشعبية والفلكلور المحلي لشعب جنوب السودان قال قولته المشهورة ( هذا الجزء لا ينتمي للوطن العربي واخشى أنْ ينفصل جنوب السودان), لقد انفصل جنوب السودان بالفعل عن السودان وليس عن الوطن العربي الذي لم يك جنوب السودان بالفعل جزء منه , ولأنّ العرب لم ينظروا الى السودان كله كبلد عربي, ناهيك عن جزء منه كلّ سكانه تقريبا من غير العرب , بل أفارقة أقحاح إن جاز التوصيف . وظلّ ذلك الجزء غير العربي كما أسلفنا مظنّة تآمر ومتهم بأنّه كعب أخيل للعدو التقليدي للعرب (اسرائيل) . ورغم المواقف السياسية المؤيدة للقضية الفلسطنية باعتبار أنّها كانت قضية العرب المركزية , الاّ أنّ الاهتمام العربي بافريقيا لم يتجاوز مضمضمة الشفاه كما يقولون , ولم يتجاوز الأشكال الرسمية الديكورية في أفضل الحالات مثل مؤتمرات القمة العربية الافريقية , والتنسيق في بعض المحافل الدولية . في المقابل ظلّت اسرائيل تعمل في صمت في معظم الأحيان من أجل كسب تعاطف الأفارقة , ومن خلال مساهمات ذات طابع تقني متطور كمشروعات الطاقة والتحديث الزراعي وغيرها من مجالات حتى تمكنت في خاتمة المطاف من تحييد معظم الدول الافريقية , وعقب اتفاقات كامب ديفيد(1977م) بين مصر واسرائيل انزاح الحرج عن الدول الافريقية في اشهار علاقاتها باسرائيل باعتبار أنّ أكبر الدول العربية قد أقامت تلك العلاقات , وبالطبع توالى التطبيع العربي مع اسرائيل عبر المكاتب التجارية في الدوحة عاصمة قطر , وتبادل السفارات مع الأردن وموريتانيا بل ابرام اتفاقات مع الفلسطينيين أنفسهم كان من نتائجها ميلاد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة , قبل أنْ تنفلق الى كانتونين تسيطر على أحدهما حركة فتح والآخر تحت سيطرة حركة حماس كما هو معروف .
مناطق النزاعات المسلحة في السودان حاليا والتي تمثل الأجزاء الغربية في اقليم دارفور والجنوبية في اقليم جبال النوبة والجنوبية الشرقية في النيل الأزرق , تعتبر من ناحية اثنية ذات أغلبية غير عربية بمعايير العروبة المحلية في السودان , وبالفعل فإنّ الاتحاد الإفريقي (غالبية دوله غير عربية) ظل يتولى مهمة ايجاد حلول للأزمات السودانية المتفاقمة , ومبادرة دول الإيقاد الإفريقية(1994م) هي التي شكّلت الأساس الذي على ضوئه جرت مفاوضات السلام في كينيا حتى كللت بتوقيع اتفاقية نيفاشا2005م كما مرّ القول , في أثناء طرح مبادرة الإيقاد تم طرح مبادرة مصرية ليبية مشتركة في أواخر التسعينات من القرن الماضي لم يكتب لها النجاح وقتذاك , ولم تبارح خانة إبداء حسن النوايا , إذ لم تطرح إعلان مبادئ للحل كما كان في مبادرة الإيقاد , وكأنّها كانت مبادرة لرفع العتب عن العرب إزاء تجاهلهم لقضايا السودان . وحاليا تنشط مبادرة الإتحاد الإفريقي لحلحلة قضايا الحرب والتحول الديمقراطي والحوار الوطني السوداني , وكذلك حلحلة القضايا العالقة بين دولتي السودان , وتشارك القوات الإفريقية بصورة أساسية في عمليات حفظ السلام المختلطة مع الأمم المتحدة في دارفور , بينما المشاركة العربية الإفريقية لا تتعدى كتيبة مصرية , تمثل في الغالب الإهتمام المصري المنفرد بالسودان , وقد دخلت قطر على الخط عبر احتضانها لمفاوضات بين الحكومة السودانية وبضع فصائل منقسمة عن الحركات السياسية المسلحة التي تنشط في إقليم دارفور , وتم توقيع ما عرفت باتفاقية الدوحة التي لم توقف الحرب والمعاناة لعدم شمولها للفصائل الرئيسة على الأرض, وقد نوه الإتحاد الإفريقي مؤخرا عبر مجلس السلم والأمن التابع له والمتابع للقضايا السودانية من خلال لجنة خاصة يرأسها السيد تامو مبيكي رئيس جمهورية جنوب افريقيا السابق, نوه الى الدعم المالي القطري المقدّر لإنجاح اتفاقية الدوحة , وهنا نلحظ أنّ التنويه بالدعم المالي ينطوي في ذات الوقت على وجهة نظر افريقية يمكن قراءتها بأنّ الدور العربي في قضايا السودان لا يتجاوز على أفضل الفروض (التمويل المالي) , مع ترك مهمة طرح المبادرات والأفكار للتقريب بين الفرقاء السودانيين لأبناء ملّتهم من الأفارقة , وليس بعيدا عن هذا التصور ملاحظة أنّ بلدا عربيا طرفي العروبة كذلك هو الصومال لم يشهد طيلة ما يقارب الثلاثين عاما أي مبادرة عربية للحل , في وقت اختفت فيه الدولة تماما من الوجود, بينما حُظي الفرقاء اللبنانيين مثلا بمبادرة عربية عملية أعادت الاستقرار نوعا ما لذلك البلد القريب من المركزية العربية , وبالمثل اليمن لدرجة تكوين حلف عسكري لإستعادة الشرعية , فماذا يمكن تسمية ذلك بغير أنّ السودان متجاذب في الحقيقة بين واقعين , أحدهما عربي رسمي في الغالب , وآخر افريقي يبدو أنّه الأوفر حظّا على أرض الواقع بدليل العمل الفعلي للأفارقة على حل القضايا السودانية باعتبار إفريقية السودان وإنْ أبدت حكوماته المتعاقبة منذ الاستقلال توجهات عروبية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث