الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفسيرات غير محيرة

سماح هدايا

2015 / 8 / 31
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تفسيرات غير محيّرة
هناك لحظات فارقة تمرّ في تاريخ البشرية، لا تؤثّر على تاريخ أمة واحدة فقط، بل يتخطّى تأثيرها حدود الأمّة إلى مسارالبشريّة. ومنها ما يحدث الآن بيد قوى العالم الحليفة لنظام بشار والداعمة لبقائه ودوام استبداده لمحاربة الشعب السوري والانحياز ضد ثورته من أجل الحرية الكرامة. فيترافق صعود الإرادة الشعبية للتحرّر مع سقوط المنظومة الحضارية الغربيّة المتجلية في المواقف الدولية الهشّة والعاجزة عن حل الأزمات الكبيرة. هناك صعود القوى الفاعلة من أجل التّغيير، يقابله فشل سياسي وأخلاقي لمنظومة عالمية مهيمنة.
ترتبط اللحظة بالموقف وتجلياته...وقد انكشفت الحقيقة في المواقف الدولية، وبان التزييف. مؤسسات العالم الدولية التي تدّعي الحرص على حقوق الإنسان، تفعل ذلك بما يخدم طرفاً وغاية سياسيّة، لا بما يصبّ في جوهر مصلحة الشعوب المكافحة من أجل الحرية والعدل. انحطّ النفاق السياسي حتى الابتذال في أحدث المواقف الدولية التي تتدخل فيها استخبارات الدول الكبرى لتسيير القرارات بما يناسب الأطماع العسكري، عاكسا ذهنية الحضارة الغربية التي وصلت ذروة استهتارها بالكرامة الإنسانية للشعوب، عندما عقد مجلس الأمن الدولي جلسة تاريخية من أجل حقوق المثليين الذين تلاحقهم داعش نتيجة شذوذهم الجنسي، في حين أغمض عينيه عما تتعرض له جماعات شعبية كثيرة من الإبادة والقتل في دوما وغيرها من مدن سورية وأريافها خصوصا في ريف دمشق في الفترة المرافقة لانعقاد الجلسة ، من حرب إبادة بالصواريخ والبراميل والسلاح التدميري.
اجتمع مجلس الأمن ضد إرهاب داعش في موضوع الشواذ، ولم يجتمع ضد إرهاب نظام لشعبه لمصلحة مئات الآلاف من شعب تنقطع رؤوس ابنائه أمام الإعلام وتتحول الأجساد إلى أشلاء. تكلّم في قضايا المثليين وشن هجومه، وسكت عن الإرهاب الأوسع الضالع في جرائم الإبادة وهدّ المدن وقتل مئات الآلاف وجرح الملايين وتهجير شعب، وتحويل مدن سوريا وقراها إلى اسوأ أماكن في العالم. أماكن للموت. مجلس الأمن قلق من فظائع داعش في المثليين؛ لكنه ليس قلقا من جرائم إيران وأتباعها من انظمة وميليشيات طائفيّة إرهابيّة تعيث في المنطقة. ليس قلقا من قتل الملايين في سوريا والعراق...لكنه قلق على قضايا جزئيّة يهوّل فيها، ليحوّل الانظار أملا في وأد الثورة بتهمة الارهاب الذي اخترع دواعشه، ليلهث وراء حلول تسوية تبقي أنظمة القتل وتعيد تسويقها سياسيا كبديل لإرهاب داعش.
لحظة وموقف تاريخي..ويرتبط به روابط كثيرة منها الثورة المضادة التي تتخذ شعارمحاربة الإرهاب والإسلام السياسي لمحاربة الثورة والجهاد الوطني. ويندرج تحتها مثقفون واسماء سياسية وإعلامية لامعة ووسائل إعلامية تدّعي دعم الثورة؛ لكنها في الأساس تعمل مع دول وأنظمة استخبارات، وترعاها دول عربية وغير عربية لها ولاءات لدول النفوذ العالمي وتسهم في الفتنة.. وفي المقابل هناك لحظة ثانية وموقف تاريخي متمثّل في الثورة على الطغيان والقهر وما يرتبط بها من تضحيات وما تقع فيه من عثرات ومطبات تسعى للخروج منها ومن الكارثة الوطنية المخطط لها، لمواكبة الثورة ومشروعها التحرري وما فيه من مكونات اجتماعية وفكرية وإعلامية وظروف صعبة وشروط تمويل قاهرة وواقع سياسي متشرذم لم يحسم خياراته.
التاريخ لا يتوقف عن مسيره...ومثلما تنحدر كل الامبراطويات في مسار التاريخ بدءا من لحظة تؤرخ لانهياها، فإن اللحظة الآن تؤرخ لإرهاصات للصراع الأشد القادم وللتغيير العالمي. حكومات أوربا تعاني من أزمات اقتصادية حادة بدأت تهز كياناتها، ستدفع ثمن التغيير التاريخي القادم من اقتصادها المتأزّم، وينعكس على نموها وعلى السير الديمقراطي والحريات والأمن الاجتماعي والسياسي. ولن يمر الأمر بسهولة سيؤثّر على الواقع العالمي وربما على مجرى الحروب.. وهذا يستوجب إعادة النظر في أشكال التعاون وفي تسيير العملية السياسية التي تقودها التحالفات الدولية.
العملية السياسية ضرورية لكنها تستوجب التفكير الثوري الملائم للظرف بدل الترقيع والتسوية المنهزمة. العملية السياسية تفرض أن يتحول التعامل السياسي من إطار مهنة وطبقة تتصارع للاستيلاء على السلطة إلى عمل ضمن مشروع وطني ثوري واقعي يحمل للناس حلولا واقعية لمآسيهم الوطنية، ضمن ضمانات دولية عادلة. ليس مجرد تطمينات لفظية وتحايل وصفقات تسوية تصب في مصلحة الدول على حساب مصلحة الشعب السوري. الحرب والاقتصاد هما اللذان يغيران التاريخ... وكل من يستغل الأزمات ومفاصل التغيير لمصلحة عرقلة التغيير، يسحقه التاريخ.
د. سماح هدايا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي