الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مثلث-.. تشريد الصحفي وقتل الحقيقة! (2 – 2)

محمد البسفي

2015 / 9 / 2
الصحافة والاعلام


*قانون.. "اللا عودة إلي الثورة":

وللمتمعن في نصوص قانون "مكافحة الإرهاب", رؤية ما أستهدفه المشَرع من وضعه بوضوح تام عندما يلحظ "الصياغة" القاطعة الناهية شبه العسكرية, والعبارات الفضفاضة الموسعة المعني والمضمون وخروجه عن "منهجية" سن قانون "إستثنائي" وضع لظرف إستثنائي وهو "محاربة الإرهاب" سواء بتجريمه الموغل في شموليته أو بعدم وضع حداً زمني ينتهي به العمل بموجبه. وهو بهدف منع أي فعل إحتجاجي "شعبي" منظم أو فردي, وبالتالي منع وصول أي معلومات أو وقائع إلي الرأي العام تؤدي إلي أي فعل إعتراضي, أي "قتل الحقيقة" بتقليص العمل الصحافي وتحديده في عمل إداري مؤمم لصالح الدولة ونظامها السياسي الحاكم.. فلم يكتفي المشَرع بما وضعه في المادة السابقة من تعريف للأرهابي يدخل تحت طائلته أغلبية الشرائح والطبقات الشعبية, بل أردفها بالمادة رقم "3" المُعَرفة بـ"الممول للعمل الإرهابي" بأنه: "كل جمع أو تلقي أو حيازة .... أو بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها, بشكل مباشر أو غير مباشر, وبأية وسيلة كانت بما فيها الشكل الرقمي أو الإلكتروني, وذلك بقصد إستخدامها, كلها أو بعضها في إرتكاب أية جريمة إرهابية أو العلم بأنها ستستخدم في ذلك....", ولدي التطبيق العملي والفعلي لهذه الصياغة القانونية الشاملة, فمن السهل عند قيام صحفي ما – أو مصور صحافي - بتحرير تقرير أو خبر أحتوي علي أسم أحد ضباط الأمن أو علي صورته أو أي تفاصيل "خبرية" تقتضيها الأصول المهنية لمحرره الصحفي, وتصادف – مثلاً – إستهداف تلك الأشخاص أو الوقائع التي وردت به من قبل جماعات إرهابية بطريق الصدفة البحتة أو حتي أستغل "الإرهابي" تلك "المواد" الصحفية ضمن ما جمعه من معلومات تحضيراً لعمليته الإرهابية قبل القيام بها, يؤخذ محرر الخبر أو المادة الصحفية بكل سهولة كـ"ممول" لهذا الفعل الإرهابي بالمعلومات بطريق غير مباشر, ويكفي هنا أن يتقدم محام – كالعادة – أو أحد المواطنين "الشرفاء" – وما أكثرهم – ببلاغ يفند فيه تلك العلاقة بين "المنشور الصحفي" والجريمة الإرهابية!
وقد شملت الفقرة الأخيرة من المادة رقم "21" كل من "... إتخذ صفة كاذبة, أو تزيا بدون وجه حق بزي رسمي, أو حمل بطاقة أو علامة مميزة لعمل أو وظيفة من غير حق, أو أجري عملاً من مقتضيات هذه الوظائف, ....", تعريف القانون لـ"الإرهابي" ويعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنين, وبالتالي من الميسور أن يقع تحت طائلة هذا "التعريف" والتوصيف القانون جميع المحررين والمصورين الصحافيين الشبان "تحت التدريب" الذين يعملون بموجب "بطاقة هوية" صادرة عن مؤسساتهم الصحفية فقط بدون تدعيمها ببطاقات هوية تثبت عضويتهم بنقابة للصحفيين, مع العلم بأن أغلب هؤلاء المحررين هم أبطال المهنة في المواقع الخبرية الميدانية وأكثر أهل وسطهم المهني إحتكاكاً برجال الأمن والقوي الإدارية المختلفة.
وتأتي المادة رقم "29" لتعاقب: "بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنين, كل من أنشأ أو إستخدم موقعاً علي شبكات الإتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها, بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلي إرتكاب أعمال إرهابية, أو لبث ما يهدف إلي تضليل السلطات الأمنية, أو التأثير علي سير العدالة في شأن أية جريمة إرهابية,....", لتهدد جميع العاملين بالمواقع الإلكترونية الخبرية وشبكات التحرير الصحافي – بجانب رواد شبكات التواصل الإجتماعي المتعددة بالطبع – من محررين أو القائمين علي إصدارها, بتلك العقوبات تحت دعاوي "التأثير" علي سير العدالة أو "تضليل" الأجهزة الأمنية أو ترويج لـ"معتقدات" إرهابية, دون تحديد و"حصر" آليات كل هذه التوصيفات القانونية, وهنا يمكننا إجمال الواقعين تحت طائلة هذه المادة بوصف "جميع من خالف سياسات الدولة والنظام الحاكم"!
أما المادة رقم "33", فقد جاءت لـ"تأميم" المعلومات ومصادرها لدي المحرر الصحفي, حينما نصت علي: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين, كل من علم بوقوع جريمة إرهابية أو بالإعداد أو التحضير لها, أو توافرت لديه معلومات أو بيانات تتصل بأحدي من مرتكبيها, وكان يمكنه الإبلاغ, ولم يُبلغ السلطات المختصة", ومع شمولية التعريفات القانونية للفعل الإرهابي أو مرتكبه التي "يغرق" بها هذا القانون, أممت تلك المادة كل ما بجعبة المحرر الصحفي من أخبار وتفاصيل يمكن أن تتصاعد إلي عمل "إرهابي" – بنص هذا القانون – وتعاقبه علي الحصول عليها, وكما حاولت هذه المادة إلغاء دور "المخبر الصحفي" نجحت في "تقنين" دور "الصحفي المخبر" للأجهزة الأمنية.
ولن نتطرق إلي المادة رقم "35", والتي تم إستغلالها كـ"منديل الساحر" بواسطة النقابة الحكومية, وذلك لكثرة الأقلام التي شرحتها ورصدت ما أحتوته من تعسف وتوغل علي "حق" الصحفي في أداء عمله, وإلغاء دور ما يسمي بـ"صحافة المواطن" التي يعتمد عليها الإعلام والصحافة الحديثة عالمياً الآن, أي إلغاء العمل الصحفي من "المنبع".. ولكننا سوف نلفت النظر إلي مادتين جائتا ضمن صياغة مسودة مشروع "قانون تنظيم الصحافة والإعلام", والذي تقدمت به نقابة الصحفيين "الحكومية" وصدر عن "اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية والإعلامية" – في نفس يوم التصديق النهائي علي قانون مكافحة الإرهاب, وقد وصفه نقيب تلك النقابة مؤخراً بأنه "نضال شعب"(!!).
وقد جاءت المادة الثانية من مسودة هذا القانون تبيح فرض رقابة "في زمن الحرب, أو في حالة التعبئة العامة", مفصلة في فقرتها الثانية كيفية فرض تلك الرقابة وحظر المعلومات, لتتضح نية مشُرع هذا القانون بترحيبه – علي إستحياء – بسن فرض الرقابة ضمن "قانون ينظم عمل المهنة" متناسياً – عن عمد – أن في حالات "الحروب" و"التعبئة العامة" تفرض "قوانين إستثنائية" تضبط إيقاع كافة نشاطات المجتمع – وعلي رأسها الإعلام المحلي – غير منصوص عليها في قوانين مهنية منظمة.. نية "الترحيب" التي تتجلي بوضوح تام في سنه لصياغة المادة رقم "3" من القانون والناصة حرفياً علي: "يجوز للمحافظة على الأمن القومي أن تُمنع مطبوعات، أو صحف، أو مواد إعلامية، صدرت أو جرى بثها من الخارج، من الدخول إلي مصر أو التداول أو العرض بقرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وذلك بناء على عرض من الجهة المختصة. كما يجوز للمجلس أن يمنع تداول المطبوعات أو المواد الإباحية، أو التي تتعرض للأديان و المذاهب الدينية تعرضا من شأنه تكدير السلم العام،بما في ذلك المواد التي تحض على التمييز والعنف والعنصرية والكراهية والتعصب . وفي هذه الحالة يجوز لصاحب الشأن أن يلجأ للقضاء.".. لتكتمل دائرة "التواطؤ" علي الصحافة كمهنة وكعاملين بها من قبل النظام الحاكم ومؤسسته التي تجيد دور "فتاة الساحر", بمحاربة "الحقيقة" وعدم وصولها إلي الرأي العام, ومطاردة كل من خالف سياسات الدولة أوتوجهاتها أو حتي ديانتها, وتضيق دائرة "الخناق" علي مهنة "البحث عن الحقيقة" لوأدها تماماً بإكتمال "مثلث الشر" ذي القوانين الثلاثة: "قانون التظاهر" لمنع الحراك الإجتماعي ككل وبالتالي منع (المعلومة) و"قانون مكافحة الإرهاب" لتأميمها و"فلترتها" و"قانون تنظيم الصحافة" لتقنين وضعية محاربة المعلومة, ذلك المثلث الذي أستهدف تشريد وقتل الصحفي مع مهنته.
عندئذاً.. لا نعجب ونحن نلحظ بعد ساعات ليست بالطويلة من صدور قانون مكافحة الإرهاب, الإهتمام الشديد – من قبل جميع وسائل الإعلام المقرؤءة منها قبل المرئية – بتغطية "قضية" هامة, في حجم "قيام أحد الممثلين المشهورين بعقد قرانه علي "وجه جديد" تصغره بسنوات عديده عمرياً"(!!).. أو لتأخر جميع المواقع الإخبارية الإلكترونية المصرية والمحلية – التي يجب تحديثها بصفة دائمة علي مدار الساعة - في إذاعة نبأ تفجيرات "محيط مبني جهاز الأمن الوطني بشبرا الخيمة" – والذي وقع بعد التصديق علي القانون بأقل من 73 ساعة فقط – لدرجة قيام بعض المحطات الفضائية الأجنبية ومواقعها الإخبارية بإذاعته قبل أن يبدأ الإعلام المحلي ببثه بناءاً علي بيان وزارة الداخلية ومصادرها الأمنية(!!).

وكما "أباحت" المادة رقم "8" لجميع العناصر التنفيذية أو الإدارية: "إستعمال القوة...", والذي يمكن أن يصل إلي "القتل" بدون أي مسُاءلة جنائية لمجرد "رؤيتهم" لأدني خطر علي "الأموال".. عاقبت المادة "16": ".. بالسجن المؤبد أو السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن عشر سنين, كل من ... هدد بإقتحام ..." جميع مؤسسات الدولة" دون تحديد نوع الإقتحام سلمي كان أو "مسلحاً", وهنا ساوي المشرع بين صفتي التسلح والإحتجاج السلمي وكذا بين حالتي القيام بـ"الفعل" ومجرد التهديد به, يقضي بذلك علي أي "تفكير" في تنظيم فعل إحتجاجي أمام مقر مؤسسة خاضعة للدولة مع أحقية إستعمال ضابط الأمن المنوط به حماية هذا المقر لسلاحه الناري بالضرب في مقتل دون مؤاخذته علي ذلك جنائياً.
وبرغم كل هذا "العسف" والسيطرة علي الحياة العامة والمدنية للمواطنين, والتي عج بها هذا القانون في صيغه "العسكرية".. نفاجأ بسطور قليلة قد ذيلت عدة مواد "عقابية" منه, تثير الكثير والكثير من التساؤلات وعلامات التعجب والريبة إجتماعياً وربما قانونياً أيضاً.. وعلي رأس تلك المواد تأتي المادة رقم "13" لتنص حرفياً: "...وفي الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة جماعة إرهابية, يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية لهذه الجماعة بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة من هذه المادة – أي بالسجن المؤبد – ما دامت الجريمة قد أرتكبت لحساب الجماعة أو لمصلحتها. كما تعاقب الجماعة الإرهابية بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثة كلايين جنيه, وتكون مسئولة بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية أو تعويضات".
فبهذه السطور – ونكرر بأنها ذيلت العديد من مواد القانون – يعترف المشرع بالكيانات و"الجماعات" الإرهابية بصفاتها "الإعتبارية" ويقر بتغريمها بمبلغ مالي "مقدر ومعلوم" كـ"عقاب" في صياغة قانون جاء لـ"مكافحة" وحرب الإرهاب؟!.. فإذا كان المشرع يعترف بالجماعات الإرهابية ككيانات مستقلة, فكيف يحاربها ويشن حرباً لإجتزازها تماماً من الوجود؟!.. وكيف يحاربها بهذه الكيفية "التشريعة" التي ذكرها القانون, لدرجة تغليظ العقوبات علي عناصرها "كأفراد" لحد السجن المؤبد والإعدام, ويأتي للجماعات الإرهابية ككيانات وتكتلات يعاقبها بالغرامة؟!.
أسئلة أعتقد أنها تحتاج العديد من الآراء المتخصصة والفنية قانونياً ودستورياً, وربما تحتاج إلي دراسات تحليلية, لتوضح وتستشف بعضاً من أجوبة العديد من علامات الريبة والتساؤل التي أثارتها وتثيرها هذه الأسطر التشريعية لهذا القانون الذي لا يمكن أن يرتفع فوق مستوي "الشبهات"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو