الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أية علاقة بين الدّين والقانون؟ - الجزء الأول

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

2015 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محتويات المقال:

1) بأيّة فلسفة جنائية نكتب القانون الجنائي؟
2) بأي منهج نُقيّم مشروع القانون الجنائي؟
3) أَلاَ تتعارض عقوبة الإعدام مع حقوق الانسان؟
4) هل يجوز للقانون الجنائي أن يفرض تديّنًا معيّنا ؟
هل يُعقل تجريم «الإساءة إلى الله أو الأنبياء»؟
6) هل يُعقل تجريم «زعزعة عقيدة مسلم»؟
7) هل يجوز تجريم العلاقات الجنسية المُتراضية؟
8) هل يجوز تجريم شرب الخمر؟
9) هل ينصف القانون الجنائي حقوق المرأة؟
10) هل يجوز تجريم الرغبة في تغيير النظام السياسي؟
11) هل خطورة الجيش تبيح الغلوّ في تجريم كل من يتكلّم عنه؟
12) لماذا الغلوّ في المنع المؤقّت أو النهائي للنّشاط المهني؟
13) هل القانون الجنائي محايد أم متحيّز ؟
14) هل يجوز نقد أداء القُضاة؟
15) ملاحظات جزئية أو معزولة
16) خــلاصـات جـزئـيـة


--------------------------------------------------------------------------------


في بداية شهر أبريل 2015، نشرت وزارة العدل بالمغرب مسودّة مشروع القانون الجنائي ، على موقعها الألكتروني. وتتكوّن هذه المسودة من قرابة 600 مادّة، مكتوبة على 288 صفحة من الحجم الكبير. وطلبت الوزارة من الفاعلين المهتمين أن يبلّغوها ملاحظاتهم أو اقتراحاتهم. وهذه الدعوة لتفاعل تشاركي هي مبادرة إيجابية، وتستحقّ التشجيع والتـقدير والتنويه.

وقبل الدخول في صلب الموضوع، يلزم التذكير ببعض المعطيات التي تساعد على فهم الطريقة التي تفاعل بها المجتمع مع مسودة مشروع القانون الجنائي .

ويكتسي مشروع القانون الجنائي أهمية سياسية كبيرة. وبعد إقرار هذا القانون الجنائي، ستعمل به المحاكم خلال عدّة عقود متوالية. ولا تمكن إعادة مناقشته أو مراجعته بسهولة بعد بضعة سنوات وجيزة. (فالقانون الجنائي القديم يعود إلى سنة 1962). وهذا القانون الجنائي الجديد (بالإضافة إلى المسطرة الجنائية) هو الذي سيحدّد القواعد والآليات التي سيُعاقب بها، ليس فقط المجرمون العاديون، بل أيضا المناضلون، والمعارضون السياسيون، والنقابيون، والمحتجّون، والمتظاهرون، والمفكّرون، والكتّاب، والنقّاد، والفنّانون، والصحافيون، والناشرون على مواقع الأنترنيت، والمتجوّلون عبر شبكة الأنترنيت الذين يعلّقون على ما يقرأون، والعاملون في الاقتصاد، والمسئولون في أجهزة الدولة، إلى آخره.

وخلال شهري أبريل وماي 2015، نظّمت جمعيات وهيئات من ”المجتمع المدني“ أكثر من عشرة ندوات للتشاور حول مشروع القانون الجنائي. لكن الأحزاب التـقدمية، بما فيها أحزاب اليسار ومناضليها، لم يشاركوا في هذه الندوات بالقدر المطلوب أو الممكن. وغياب أحزاب اليمين من هذه الندوات يؤكّد أنها لا تهتم سوى بما يعود عليها بنفع مادي مباشر وسريع. بينما غياب أحزاب اليسار يذكّر بالأزمة المركّبة التي تعيش فيها هذه الأحزاب. والتفاعل السّريع لبعض الجمعيات مع مشروع القانون الجنائي يُؤكّد ظاهرة سياسية جديدة، وهي أن الجمعيات غدت أكثر حيوية، وفعالية، من الأحزاب التقليدية.

ونظّمت وزارة العدل ندوة كبيرة حول هذا المشروع، بمدينة الرباط([1])، بهدف الاستماع لملاحظات القضاة، والمحامين، وغيرهم. وحضر هذه الندوة ما يتراوح بين 300 و 400 شخص (معظمهم من المحترفين في مجال القانون). وخلال هذه الندوة، فرضت وزارة العدل بأن تفتتح هذه الندوة بتلاوة آيات من القرآن، دون أن ندرك ما مبرّر تلاوة القرآن خلال ندوة حول القانون الجنائي. وق هَيْمن السيد وزير العدل على الحوار. واحتكر السيد الوزير ومساعده الكلمة خلال قرابة نصف مجمل وقت الندوة. وظلّ الوزير، في نفس الوقت، طرفًا وحكمًا في الصراع الدّائر حول هذه المسودة .

وبيّن هذا النقاش وجود صراع حادّ بين تيّارين رئيسيين. التيار الأول هو توجّه محافظ وسائد، يأخذ مفاهيمه، أو اختياراته، من تـقاليد مجتمعية، أو من مراجع دينية (إسلامية أصولية)، أو من اعتبارات مخزنية (نسبةً إلى ”المَخْزَن“، وهو النظام السياسي المحافظ القائم في المغرب). ويتميّز هذا التيار المحافظ بمقاوِمته للحداثة، أو بمعارضته للدّمقرطة، أو بمناهضته للعقلانية. ويهدف هذا التيار المحافظ إلى صيانة، أو إعادة إنتاج، التـقاليد، أو المعتـقدات، أو المكتسبات القديمة. وفي ندوة وزارة العدل، ناصرت أغلبية القضاة والمحامين الحاضرين هذا التوجّه المحافظ. وكان وزير العدل (الذي ينتمي إلى حزب إسلامي أصولي هو حزب العدالة والتنمية ) يتحدث كأنه الناطق الرسمي باسم هذا التوجه المحافظ.

والتيار الثاني هو توجّه تـقدّمي. ويتميّز بالدفاع عن قيّم الحداثة، ويناضل من أجل تفعيل ثقافة حقوق الانسان، ويطمح إلى ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الحقوقية الدولية. كما يهدف هذا التيار التـقدمي إلى تحرير عقل المواطن، أو تثـقيفه، أو تغيير التـقاليد، أو المعتـقدات، التي تكبّل فكر المواطن، أو تعوق حرّياته، أو تكبت طموحاته.

وقال وزير العدل أن «هذا المشروع دُرس من طرف خبراء هم من كبار المتخصّصين في مجال القانون والقضاء». وأن «هذه المسودة خضعت لحوارات متعدّدة وموسّعة». لكن أغلبية الأشخاص الذين ساهموا في إعداد، أو تطوير، هذه المسودة ، هم في الحقيقة مأجورون لدى الدولة، أو محافظون، أو موالون للنظام السياسي القائم، أو متعاطفون مع تيار الاسلام السياسي الأصولي السّائد، سواءً داخل الحكومة، أم داخل المجتمع. وفي حالة عرض هذا المشروع للقانون الجنائي على البرلمان، فإن الاحتمال الأكبر هو أن يوافق البرلمان على هذا المشروع. لأن أغلبية هذا البرلمان هي أيضا محافظة، ومناصرة لتيار الاسلام السياسي الأصولي.

ومن بين الهيئات التي نظّمت ندوات حول مسودّة مشروع القانون الجنائي ، نجد مثلاً :

- الجمعية المغربية لحقوق الانسان (خمسة ندوات)([2])؛

- ربيع الكرامة ، أو تحالف الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء ، و الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب (ثلاثة ندوات)([3])؛

- الإتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان (ندوة)([4]):

- المركز المغربي لحقوق الانسان (نودة)([5])؛

- الهيئة المغربية لحقوق الانسان (ندوة)([6])؛

- المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف (ندوة)؛

- و محكمة الإستئناف بمدينة الرباط (ندوة)، و محكمة الإستئناف بالدار البيضاء (ندوة)([7])؛

- و المجلس الاستشاري لحقوق الانسان (ندوة داخلية مغلقة)([8])؛

وأهم المدن التي نُظّمت فيها هذه الندوات هي الرباط، والدار البيضاء، والحسيمة، وطنجة، وتمارة.

واتفق عدد هام من الجمعيات المناصرة لحقوق الانسان على نشر عريضة مطروحة للتوقيع، بهدف معارضة مسودة مشروع القانون الجنائي ، والمطالبة بِ «مراجعتها بشكل جذري، ... بناءً على مقاربة تشاركية، واعتمادًا على مرجعية تستند إلى المواثيق الدولية لحقوق الانسان».

كما نظّمت كلّ واحدة من القناتين التلفزيتين العموميتين 2M ([9])، و Medi1 ، برنامجا حول هذه المسودة . لكن الشخصيات المدعوّة لهذين البرنامجين، كانت، وكالعادة، إمّا من اليمين السياسي، أو من الوسط، ولم تكن تُعبّر بتوازن عن كل التّيارات السياسية المتواجدة في المجمتمع، وخاصة منها التّيارات التـقدمية أو اليسارية.

وأبرزُ الأساتذة الذين كانوا سبّاقين إلى التعبير عن انتـقادات معمّقة ومفيدة على هذه المسودة (حسب علمي) هم على الخصوص: القاضي محمد الهيني([10])، والنقيب عبد الرحيم الجامعي، والنقيب عبد الرحمن بنعمرو، والمحامي سعيد بنحماني، والمحامية خديجة الروكاني، والمحامي محمد طيّب عمر. كما عبّر أشخاص آخرون كثيرون عن انتـقادات جذيرة بالاهتمام حول مسودة القانون الجنائي . وقد استفدتُ شخصيا من تحاليل وانتـقادات مجمل هؤلاء الأساتذة. وأضفتُ إلى انتـقاداتهم على الخصوص ملاحظات تخصّ العلاقة بين الدّين والقانون.

ولتفادي أي س%C أم أنها تضعها في A7لقارئ إلى أن مضمون مقالي الحالي يعبّر عن آرائي الشخصية فقط، ولا يُعبّر بالضرورة عن آراء أي شخص غيري. والحوار المستعمل في هذا المقال هو مجرّد أسلوب أدبي، من ابتكاري، وليس بالضرورة حوارًا واقعيا. وأتحمّل وحدي مسئولية كل ما ورد في هذا المقال. وهذا النص الحالي يحتوي فقط على جزء ضئيل من الانتـقادات التي تستوجبها مسودة القانون الجنائي . لأن هذه المسودة تتضمن إشكالات عديدة جدا. ونقد هذه المسودة لا يمكن أن يستوعبه مقال واحد، بل يتطلّب كتابا ضخما، أو حتى عدّة كتب. لأن التعليق على كل مادة مكتوبة في خمسة سطور قد يحتاج إلى صفحة، أو عدة صفحات لتوضيح عيوب تلك المادة. بينما تحتوي هذه المسودة على أزيد من 600 مادة.

1) بأيّة فلسفة جنائية نكتب القانون الجنائي؟

أولى الانتـقادات التي وجّهها التـقدّميون إلى مسودة مشروع القانون الجنائي هي أنها «تفتـقد إلى مقدّمة، أو ديباجة، توضح الفلسفة القانونية، أو الجنائية، التي تنبني على أساسها».

وأجابت وزارة العدل أن « المسودة لا تحمل عادةً ديباجة». وأضافت وزارة العدل أنه «حينما ستتحوّل هذه المسودة إلى مشروع مقدّم للبرلمان، فإن الوزارة ستضع لها ديباجة».

وردّ التـقدّميون المنتـقدون: «هذا التّبرير غير معقول، لأن الديباجة ليست مثل طربوش ، يمكن أن نضعه، متى شئنا، فوق رأس القانون الجنائي، سواءً خلال بداية تحريره، أم بعد الانتهاء من كتابة جميع بنود هذا القانون. حيث يفرض المنطق أن نبدأ بتحديد الاختيارات العامّة الكبرى، قبل أن ندخل في التفاصيل الصغيرة. والعنصر الأهم في نقاش مسودة القانون الجنائي ، ليس هو فقط الكلام التـقني عن كل بند منفرد، أو عن كل مادة معزولة من المسودة ، وإنما هو نقاش التوجه العام لمشروع القانون. أي أننا نريد أن نعرف بوضوح ما هي الفلسفة القانونية، أو الجنائية، التي اختارتها وزارة العدل، والتي تحدّد الاختيارات التفصيلية في مختلف بنود مجمل المسودة ».

وتساءل التـقدميون: «هل الفلسفة الجنائية المنتـقاة من طرف وزارة العدل تريد حقًّا الالتزام بحقوق الانسان، أم أنها تضعها في مرتبة ثانوية بعد اختيارات أخرى، مثل إعطاء الأولوية لِ ”الدّفاع عن أمن النظام السياسي القائم“، أو ”الدفاع عن هيمنة الدّين الاسلامي“ على المجتمع»؟

واعتبر عدد من النقّاد التـقدّميون أن «العيب الرئيسي في مسودة وزارة العدل هو أنها مهووسة بتحديد الجرائم، والعقوبات، وتوسيعها، وتشديدها، وإضافة أخرى جديدة إليها. بينما كان ينبغي على مُعِدّي مشروع القانون الجنائي (والمسطرة الجنائية) أن يعطوا أهمية أكبر لصيانة الحرّيات، وللدّفاع عنها. لأنه لا يجوز تجريم أفعال عادية، أو أفعال تدخل ضمن الحريات العامة. ولأن الأصل في وظيفة القانون هو حماية الحرّيات، وليس التوسّع في تحديد الجرائم، أو التّكثير منها».

2) بأي منهج نُقيّم مشروع القانون الجنائي؟

دافع بعض المحافظين عن هذه المسودّة قائلين: «كل من يحلّل هذه المسودة بموضوعية، سيجد فيها كثيرًا من الإيجابيات. حيث جاءت بكثير من الاجتهادات الجديدة، مثل العقوبات البديلة، والعمل لأجل المنفعة العامة، وفرض تدابير علاجية أو تأهيلية، وعلاج الإدمان، وتجريم الغش في الامتحانات، ومنع المشاركة في الصفقات العمومية، وجرائم الحرب، وجرائم الإبادة، والجرائم ضد الانسانية، والرشوة، واستغلال النفوذ، والإثراء غير المشروع، وغيرها كثير. وهذه المكاسب الكثيرة تبرّر ضرورة الاعتزاز بهذه المسودة ومساندتها».

وردّ عليهم التـقدّميون: «تجرّنا وزارة العدل إلى تركيز النقاش على ”المستجدّات“ الواردة في هذه المسودة . وهذا منهج مرفوض، لأنه يهدف إلى إخفاء قضايا أخرى. وإذا احتوت مسودة مشروع القانون الجنائي على إيجابيات جديدة، فهذا أمر ضروري، وطبيعي. وهذه الإيجابيات هي نتيجة لعمل جماعي، ولتراكم اجتهادات أشخاص كثيرين (منذ أيام وزراء سابقين في وزارة العدل، مثل الوزير محمد بوزوبع، والوزير محمد الطيب الناصري، إلى آخره). وإذا لم تحتوي هذه المسودة على أيّة إيجابية، فإنها ستصبح غير جديرة بالنقاش. لكن منهج تحليل مسودة القانون الجنائي، بِمنطق فحص التّوازن بين الإيجابيات والسلبيات، هو منهج غير مقبول، وغير سليم. لأنه يمكن أن يوجد قانون جنائي تكون 99 في المئة من بنوده إيجابية، لكن البنود الأخرى، أي 1 في المئة الباقية، يمكن أن تُلغي معظم الحريات الأساسية، فيصبح هذا القانون الجنائي خطيرا على المجتمع، ومرفوضا بشكل كلّي. لذلك نحن نهتم بالسلبيات بنفس القدر الذي نعتني بالإيجابيات. لأن سلبية واحدة يمكن أن تـقضي على كل الإيجابيات».

وأضاف التـقدّميون: «في أي تـقييم للقانون، يلزم أن نعتمد على مقاييس واضحة، أبرزها إحقاق العدل، والتلاءم مع اتّفاقيات الأمم المتّحدة المتعلّقة بحقوق الانسان. وعمادها ”الشّرعية الدولية لحقوق الإنسان“. وتتكوّن من ”الإعلان العالمي لحقوق الإنسان“ (1948)، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية“، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية“ (1966)، والبروتكولين الملحقين بها».

3) أَلاَ تتعارض عقوبة الإعدام مع حقوق الانسان؟

وأجمع الأساتذة المحامون، والنقاباء التـقدميّون، على المطالبة بألغاء عقوبة الإدام من مسودة مشروع القانون الجنائي . بينما أُطُر وزارة العدل، وكذلك غالبية القضاة، والمحامين، الذين يتميّزون بتوجّههم المحافظ، دافعوا على ضرورة الإبقاء عليها.

ومهما كانت الحجج المقدّمة من طرف الفريق المحافظ، أم من طرف الفريق التـقدّمي، فإن التّـفاهم، أو الإقناع، بين هذين الطرفين، يكاد يكون مستحيلا. لأن كل طرف له مرجعيّاته الفلسفية، أو قناعاته السياسية، أو معتـقداته الدّينية، أو مكتسباته الثقافية.

وقال المحافظون: «عقوبة الإعدام ضرورية. والمجرمون الذين يقترفون جرائم القتل العمد، مع سبق الإصرار والترصّد، لا نَقبل بِأن يكون جزاءهم أقلّ من االإعدام. ولا تردعهم سوى هذه العقوبة».

وأجاب التـقدّميون: «تتعارض عقوبة الإعدام مع دستور المغرب لسنة 2011 (في مادّته رقم 20)، وتلغي الحق في الحياة، وتتناقض مع المواثيق الدولية المتعلّقة بحقوق الانسان التي وقّعها المغرب. ولا يحق لأية مؤسّسة، بما فيها الدولة، أو القضاء، أن تـقرر إعدام أي إنسان. وحتى المجرم المتّهم بالقتل العمد، يمكن أن نعتبره ضحيّةَ ظروف مجتمعية مؤثّرة، أو قاهرة. كما يمكن أن نعتبره مريضا في عقله، أو مُعوّقًا في نفسيّته. وواجب الدولة، والمجتمع، هو أن يحاولا معالجة هذا المجرم المريض، لا أن يقرّرا إعدامه بدون اكتراث. أي أن الحلّ هو معالجة المجرم المريض، وليس قتل المجرم المريض، بهدف التخلّص من مرضه. وأحسن طريقة لكي نعلّم المجرمين الرّحمة، هو أن نكون، نحن بأنفسنا، رحيمين تجاههم، رغم ما اقترفوه من جرائم بشعة».

وأضاف التـقدّميون: «إذا ما حافظت الدولة على عقوبة الإعدام، فقد يعني هذا الاختيار أن الدولة تريد الإبقاء على هذه العقوبة كسلاح احتياطي تستعمله عند الحاجة، على الخصوص، ضدّ المعارضين السياسيين المتّهمين ب المسّ بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي . حيث يمكن أن تكون خلفيات الحكم بعقوبة الإعدام خلفيات سياسية محضة».

وردّ المحافظون: «لقد قلّص مشروع القانون الجنائي الحالي عدد الجرائم التي تكون عقوبتها هي الإعدام. زيادة على ذلك، بقي تطبيق هذه العقوبة، في غالبية الحالات، معلّقًا. وهذا انتـقال تدريجي نحو إلغاء هذه العقوبة. فلا تطلبوا منّا أكثر من هذا التدرّج».

وأجاب التـقدميون: «دام تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام بالمغرب أكثر من عشرين سنة. وهذا التدرّج كاف لكي ينتـقل المغرب حاليا إلى إلغاء عقوبة الإعدام. وبعض المحكوم عليهم بالإعدام ينتظرون أن تنفّـذ عليهم هذه العقوبة في كل حين. ويعانون نفسيا في زنازنهم. ويتوقّعون تنفيذ الإعدام في حقّهم عند سماع كل صوت غير معتاد داخل حي السجن الذي يتواجدون فيه. ويفضلون أن تحسم الدولة في حالتهم، بدلاً من أن تمدّد معاناتهم. ولا يعقل أن تستمر الدولة طويلا في هذا الموقف المتردّد. فإن كانت الدولة مقتنعة حقيقةً بأن عقوبة الإعدام ليست عادلة، أو غير إنسانية، فيجب عليها أن تحذفها فورا، ونهائيا، من القانون الجنائي».

وأضاف بعض التـقدّميين: «والغريب في تاريخ المغرب، منذ استـقلاله في سنة 1956 إلى الآن، مرورًا ب ”سنوات الرّصاص“ في عهد الملك المستبد الحسن الثاني، هو أن المئات من المعارضين السياسيين الثوريين الذين حُكم عليهم بالإعدام، وكانوا موجودين بين أيدي الدولة، كلّهم أُعْدِمُوا. وهم كثيرون. بينما معظم المعارضين السياسيين الثوريين الذين حُوكموا بالإعدام، والذين كانوا في حالة فرار إلى خارج المغرب، صدر في حقّهم، بعد مرور عدّة سنوات، عفو ملكي، ثم تـقلّدوا فيما بعد عدّة مسئوليات رفيعة. وساهموا في تـقدّم الشعب المغربي. وأكثرهم شهرةً هو عبد الرحمان اليوسفي، الذي اختاره الملك الحسن الثاني كرئيس لأول حكومة، في إطار ما سُمّي بِ ”التناوب التوافقي على السلطة“، الذي حدث بين القصر الملكي والمعارضة السياسية، في سنة 1998. بمعنى أن الأشخاص الذين نُفّذ فيهم حكم الإعدام، شكّلوا خسارة جسيمة بالنسبة للشعب المغربي. بينما الأشخاص الذين لم يُنفذ فيهم حكم الإعدام، شكّلوا كلّهم، فيما بعد، إثراءًا هائلا للشعب المغربي. فهل يُعقل، بعد هذه التجربة المريرة، الاستمرار في التردّد حول إلغاء عقوبة الاعدام»؟

4) هل يجوز للقانون الجنائي أن يفرض تديّنًا معيّنا؟

داخل مسودة مشروع القانون الجنائي ، المُعدّة من طرف وزارة العدل، برز حماس جديد مُفرط، يُريد الدّفاع عن الدّين الإسلامي. ويطغى على هذا الحماس ميولٌ واضح نحو تيّار الإسلام السياسي الأصولي أو السّلفي. وينتج هذا الميول عن وجود حزب إسلامي أصولي (هو ”حزب العدالة والتنمية“) في موقع الأغلبية داخل الحكومة الحالية. حيث وردت في هذه المسودّة عدّة بنود تُجرّم أفعالا لم تكن من قبل مُجرّمة، أو تزيد في حجم عقوبات جرائم قديمة كان منصوص عليها في القانون الجنائي السّابق (الموضوع في سنة 1962).

وقال التـقدّميون: «مثلاً، المادة 222، تُعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين (!)، وبغرامة يمكن أن تصل إلى 20 ألف درهم(!)، كلّ من قام بِ: ”الإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي(!)“. وتجذر الملاحظة إلى أن هذه المادة لم تـقل ”دون عذر طبّي“، وإنما قالت عمدًا: ”دون عذر شرعي“، وذلك نسبة إلى ”الشّريعة الإسلامية“! كأن المرجع ليس هو القانون الوضعي، وإنما هو ”الشّريعة الإسلامية“. وهذا خطير. ومن منظار الدولة المدنية، فإن الأكل خلال رمضان، لا يشكّل جريمة، ولا يضرّ بأي مواطن. وتجريمه يتعارض مع حقوق الإنسان، ومع حرّية العقيدة. بل يتناقض حتى مع المادة 220 من نفس المسودة القانونية الحالية، التي تجرّم كلّ ”مَن استعمل العنف، أو التهديد، لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة مَا“. فهل هذه المادة 220 صادقة، أم أنها أُدْرِجت داخل نصّ القانون فقط لدرّ الرماد في العيون»؟

فأجاب المحافظون: «ليست الدولة في المغرب دولة مدنية، وإنما هي دولة إسلامية، بموجب نص دستور سنة 2011. و”حرّية العقيدة“ لا توجد في قوانين المغرب. ورغم أن لجنة السيد عبد اللطيف المانوني، التي كَلّفها الملك في سنة 2011 بإعداد مشروع الدستور، أوردت داخله عبارة ”حرية العقيدة“، فإن الأحزاب الإسلامية رفضت بشكل مطلق ”حرّية العقيدة“. فاستجاب القصر الملكي لطلب الإسلاميين. فخرج نصّ الدستور الذي عُرض على الاستفتاء (في سنة 2011) فارغا من عبارة ”حرية العقيدة“. وعليه، فالأكل خلال رمضان، في مكان عمومي، هو جريمة، لأنه يسيء إلى مشاعر المسلمين الصّائمين».

وردّ التـقدميون: «حتّى إذا وردت في دستور سنة 2011 عبارة: دين الدولة هو الاسلام ، فإن هذه العبارة تبقى حَمقاء، وبلا معنى، ومنافية للعقل. لأنه لا يُعقل، ولا يُقبل، أن تتـقـيّد الدولة بأيّ دين. فالوضع المعقول هو أن تكون الدولة مدنية، ومُحايدة، وفي خدمة كل مكوّنات الشعب، وبدون أيّ تحيّز أو تمييز (سواءً على المستوى الدّيني، أم العرقي، أم اللغوي، أم الجنسي، أم الجهوي، إلى آخره). أما إذا أرادت الدولة أن تكون دينية، ومسخّرة لخدمة دين معيّن، فإنها ستحوّل المجتمع إلى نوع من ”الكنيسة البَابَوية“، أو ”دِير رُهْبَانِي“، أو ”زَاوِيّة صوفية“. وستؤدّي حتما إلى الاستبداد، وإلى الانحطاط، وربّما إلى حرب أهلية، مثلما أثبتت التجارب في كلّ من لُبنان، والسّودان، والصّومال، وسوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، وأفغانستان، وباكستان، إلى آخره. ومن المستحيل التوفيق بين الدّين والدولة. لأن منطق الدولة يتعارض مع منطق الدّين. وأساس الدولة هو العقل، بينما أساس الدّين هو الإيمان المطلق، والخضوع التّام لنصوص دينية مقدّسة، جامدة، وغير قابلة لا للنّقد، ولا للتّطوير».

وأجاب المحافظون: «لما هذا التصعيد؟ قضية تجريم الأكل خلال نهار رمضان هي قضية بسيطة وثانوية. ولا تحدث إلاّ نادرًا. وتستهدف فقط بعض الأشخاص المتهوّرين الذين يريدون عمدًا استفزاز المسلمين».

وردّ التـقدّميون: «قضية تجريم الأكل في رمضان هي قضية مباديء. والتهاون في هذه المباديء يمكن أن يحطّم مجمل أسس الديمقراطية. فأنتم تريدون تجريم الأكل خلال يوم رمضان، بدعوى أنه ”يسيء إلى مشاعر المسلمين الصّائمين“. ومفهوم ”الإساءة إلى مشاعر المسلمين“، هو مفهوم غامض، ومُلتبس، وغير مُبرهن عليه. ولا يُعقل، ولا يُقبل، أن يعمل القانون الجنائي بمثل هذه المفاهيم الغامضة. لأن ”الإساءة إلى المشاعر“ ليست جريمة ملموسة تستوجب عقابًا قانونيا. ولأن ”الإساءة إلى المشاعر“ هي مجرّد إحساس ذاتي، وغير قابل للإثبات. و”الإساءة إلى المشاعر“ ليست فعلا مادّيا، ملموسا، وقابلا للملاحظة، وللقِـيّاس. وواجب القانون هو أن يحمي حرّية المواطن الذي لا يرغب في أن يصوم أثناء رمضان. ولا يجوز أن تُجبر الدولةُ المواطن على ذلك الصّيام الدّيني. خاصة وأن تناول الأكل من طرف بعض المواطنين خلال رمضان، ولو في أماكن عمومية، لا يضرّ نهائيا بالمواطنين الصّائمين، ولا يشكّل اعتداءً عليهم، ولا على حرّياتهم. وإذا رأى مواطنٌ صائمٌ مواطنًا آخر يأكل خلال رمضان، وأحس المواطنُ الصّائمُ بمشاعر مُزعجة، أو مُستَـفِـزّة، فذاك الإحساس هو من مسئولية المواطن الصّائم، ولا يتحمّل المواطن غير الصّائم أية مسئولية في تولّد ذلك الإحساس. ويُفترض في كلّ مواطن أن يتحكّم في غرائزه. وحتّى إذا مَا وُجِد شعور لدى مواطن صائم يتجلّى في الإحساس باستفزاز مزعج، فإن هذا الشّعور لا يبرّر لجوء الدولة إلى إجبار باقي المواطنين على أن يصوموا ضدّ إرادتهم. فكأن بعض المواطنين الصّائمين يستنجدون بالدولة، ويقولون لها: «أنقذينا يا دولة! قناعاتنا هشّة! ومشاعرنا متذبذبة! وغرائزنا هي أقوى منّا! نرجوك يا دولة أن تُجبري كل الناس الموجودين في محيطنا على الصّوم مثلنا، خلال رمضان، لكي نُحسّ بطمأنينة مريحة»! فَليس من حق الدولة، لاَ أن تناصر المواطنين المتديّنين، ولاَ أن تناصر المواطنين غير المتديّنين. بل يجب على الدولة أن تلتزم بالحياد، وأن تضمن حرّية العقيدة، وحرّية العبادة، وحرّية عدم العبادة. خاصّة وأن بعض المتديّنين المتعصّبين يريدون عمدًا استغلال هذا ”الإحساس (المزعوم) بمشاعر مزعجة“ بهدف فرض التّديّن، وإجبار كل المواطنين على القيام بعبادات، وطقوس دينية، وذلك بقوّة القانون، وتحت التهديد بعقوبة السجن! وهذا السّلوك يشكّل انحرافًا نحو ممارسة ”الإكراه في الدّين“. وإذا ما تواطأت الدولة مع هذه الرغبات الدّينية المتعصّبة، فإنها ستصبح ظالمة، ومُخِلّة بالعدل. لأن الدولة ستغدو في هذه الحالة شريكة في محاولة فرض التديّن بالإكراه، وتحت التهديد بعقوبة السجن. ولأن مهمّة القانون الجنائي، ليست هي الدّفاع عن أي دين معيّن، وإنما هي الفصل العادل في التّظلّمات والنّزاعات التي تحدث فيما بين المواطنين أو المؤسسات داخل المجتمع».

وعقّب المحافظون: «تجريم الإفطار في رمضان كان موجودا في القانون الجنائي القديم، قبل استـقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي في سنة 1956. فلماذا هذا المبالغة في النقاش»؟

فأجاب التـقدّميون: «أن يكون تجريم الإفطار في رمضان قديما، أو جديدا، أو معمولاً به في بعض البلدان، لا يشكّل حجّة، ولا يأتي ببرهان جديد في الجدال الحالي».

وأضاف المحافظون: «الأغلبية الساحقة من المواطنين مسلمة، ومتديّنة، ومتعبّدة. ومن واجب الدولة أن تفرض احترام إرادة ومشاعر هذه الأغلبية المسلمة. ولا يحق للأقلية أن تفرض نمط حياتها الحداثي أو الغربي على أغلبية السكان المسلمة والمتديّنة».

وردّ التـقدميون: «نحن نحترم كل الأديان، ونحترم كل المتديّنين، مثلما نحترم من هم غير متديّنين. لكن حماية الدولة للأغلبية المسلمة من سكان البلاد، لا تعني، ولا تبرّر، فرض التديّن على الجزء الباقي من السكان. وإذا كان المحافظون يعتـقدون أن دور الدولة هو أن تفرض دين أغلبية السّكان على الأقلية منهم، أو أن تفرض تديّنًا محدّدا على كل المواطنين، فيلزمهم أن يقولوا ذلك بصراحة كاملة. على عكس ذلك، نؤمن، نحن التـقدّميون، أن مهمّة الدولة هي أن تحمي الأقليات، بنفس القدر الذي تحمي به الأغلبيات. أي أن تلتزم الدولة بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون. بمعنى أن ”حق العبادة“، يلزم أن يقابله بالضرورة ”الحق في عدم العبادة“. وإلاّ، فإن غياب ”حرّية عدم العبادة“ سيعني ”إجبارية العبادة“! وَوَاجب الدولة هو أن تكون عادلة، ومُحايدة، أي غير منحازة لأي دين، ولا لأية أيديولوجية فكرية، ولا لأي حزب سياسي، ولا لأية فئة مجتمعية، ولو كانت هذه الفئة هي الأغلبية الساحقة من المواطنين».

وأضاف المحافظون: «لكن واجب الدولة هو حماية دين الدولة».

وردّ التـقدّميون: «مهمة القانون الجنائي هي حماية حريات المواطنين، وليست هي الدّفاع عن الدّين، أو حمايته. وليس من مهام الدولة أن تحشر نفسها في قضايا الدّيانات، أو المذاهب الدّينية، أو أن تحاول معالجة ما قد يوجد فيها من ضعف. ولا يحق للقانون الجنائي، أن يفرض أي تديّن محدّد، ولو عبر طرق غير مباشرة. وعدم تَديّن أي مواطن معيّن، لا يشكّل جريمة».

وعقّب المحافظون: «هذا تأويل مبالغ فيه. وتجريم الأكل في نهار رمضان هو إجراء عادي وبسيط، ولا يستحق كل هذا الاهتمام».

وقال التـقدّميون: «إذا كانت حقيقةً جريمة ”الإفطار في رمضان“ ثانوية، ولا تستحق الاهتمام، فيجب حذفها من القانون الجنائي. لكن إذا قبلنا بتجريم الأكل في رمضان، بدعوى أن هذا الأكل ”يستفز مشاعر بعض المواطنين المسلمين“، فيجب، في هذه الحالة، وبنفس المنطق، أن نُجرّم أيضا سلوكيات أخرى كثيرة جدًّا، منها مثلاً تجريم تواجد النساء في الأماكن العمومية خلال رمضان، وتجريم المواطنين الذين لا يؤمنون، أو الذين لا يعبدون، أو الذين لا يصلّون، أو الذين لا يذهبون إلى المسجد خلال يوم الجمعة، أو الذين لا يقومون بفريضة الحجّ. وبنفس المنطق، يجب أيضًا أن نجرّم الأشخاص الذين لا يقبلون المشاركة في قراءة الفاتحة خلال التجمّعات، أو الذين يُعارضون مكبّرات الصّوت المزعجة الموضوعة فوق صوامع المساجد، أو الذين يعارضون الايقاف المُفاجئ لبرامج التلفزات العمومية عند حلول وقت آذان كلّ صلاة من الصلوات الخمس اليومية. كما يجب أيضا، وبنفس المنطق، أن نُجرّم كلّ الذين يرفضون المشاركة في التـقاليد أو الطقوس الدّينية الشائعة داخل المجتمع. وبنفس المنطق، يجب أيضا أن نمنع النساء من لباس السّرْوَال (بنطلون)، ومن كشف أو تعرية شعرهنّ. كما يجب أن نجرّم كل لباس نسائي يوحي بِمُمَيّزات شكل جسم المرأة([11]). وبنفس المنطق، يجب أيضا أن نجرّم كلّ الريّاضات، والألعاب، والأنشطة، التي تكون فيها المرأة بِلِبَاس قصير أو خفيف (مثل ألعاب القوى، والتنس، والسباحة، إلى آخره). وستكون النّتيجة هي فرض مُوضَة «اتْشَادُرْ»، أو «البُرْكَة»، أو ٍ«اللّباس السّعودي»، أو «اللّباس الأفغاني»، على كلّ النساء، إلى آخره. وذلك كلّه بدعوى أن عدم الخضوع لهذه الطّقوس أو التـقاليد، هو أيضًا، ”يستفزّ مشاعر المسلمين“!وهذه النزعة (الإسلامية الأصولية، أو السّلفية، المتشدّدة)، يمكن أن تذهب بنا بعيدًا، ولا يوجد حَدّ لطموحاتها. وستـؤدّي بنا أيضًا هذه النزعة إلى تَـكْفِير كل من يخالف المعتـقدات أو التـقاليد الإسلامية. وستـقودنا أيضا إلى إقامة ”محاكم تفتيش الضمائر“، ثم إلى الاستبداد. وستؤدّي بنا في النهاية إلى الانحطاط المُجتمعي. وقد تؤدّي بنا أيضا إلى حرب أهلية، مثلما حدث في كلّ من سوريا، والعراق، واليمن، ومصر، وليبيا، والسودان، والصّومال، ولبنان، وأفغانستان، وباكستان، إلى آخره. لأن نفس الأسباب، وفي ظروف مجتمعية مماثلة، تُؤدّي إلى نفس النتائج».

وقال المحافظون: «نقدكم هذا يحمل موقفا سلبيا مُسبقا من الحركات الاسلامية. فلماذا هذا التحامل»؟

وأجاب التـقدّميون: «بدلاً من أن يُناصر هذا القانون الجنائي التيارات الإسلامية الأصولية، كان ينبغي عليه، على عكس ذلك، أن يحمي عموم المواطنين من غلوّ، أو تعصّب، أو تشدّد، هذه التيارات الإسلامية الأصولية، التي تتوالد، وتتكاثر، وتتنوّع، وتستعمل الإكراه، أو التهديد، أو الترهيب، وتريد ممارسة التّكفير. وبعد أسلمة التعليم، تريد الآن فرض أسلمة الدولة، وتريد قهر كل من يعارض أسلمة المجتمع، وتريد اضطهاد كل من يخالفها في المعتـقدات، أو في الآراء، أو في القناعات، أو في السّلوكِيّات».

وسأل المحافظون: «وما هو عيب ”أسلمة الدولة“؟ ولماذا تعارضون ”أسلمة المجتمع“؟ أليس الشعب مسلمًا»؟

وردّ التـقدّميون: «الميزة المشتركة لمجمل التيارات الإسلامية الأصولية، أو المتعصّبة، أو المتشدّدة، بما فيها تنظيم ”الإخوان المسلمين“، و”تنظيم القاعدة“، و”دَاعِشْ (الدولة الإسلامية في العراق والشام)“، و”حزب الله“، و”أنصار الله“، إلى آخره، هي أنهم يظنّون أن الإله منحهم الشرعية لكي يفرضوا أسلمة الدولة والمجمتع، وبالقوة. ويعتـقدون أن الحل الوحيد لمعالجة كل مشاكل المجتمع هو هذه الأسلمة القسرية. بينما هذه الأسلمة الإجبارية تؤدّي دائما إلى الحرب الأهلية. والغريب هو أن مجمل معتنـقي ديّانات الشرق الأوسط (بما فيها اليهودية، والمسيحية، والإسلام)، يُحسّون ذائما أن دينهم مهدّد بالانهيار، ويميلون دائما إلى فرض التوسّع، والسيطرة، والهيمنة. فإذا كان هدف المسلم هو أن يعبد بحرّية، فله ذلك. كما أن من لا يريد أن يعبد، يستحق هو أيضا حرّية عدم العبادة. لكن إذا كان هدف المسلم هو أن يجبر كل من يوجد في محيطه المجتمعي على أن يصبح مسلما ومتعبّدًا مثله، فليعلم هذا المسلم أن شعوب العالم كله ستتحالف حتمًا لمواجهته. لأن شعوب العالم لن تـقبل أبدًا بأن يتطاول أحد على حرّياتها. ومصير النظام النّازي في ألمانية يشكل عبرة لكل من يحلم بفرض نزواته على شعوب العالم. وحتى جمهورية إيران الاسلامية، إذا تمادت في أطماعها التوسّعية أو الهيمنية، ولو باسم الدين، فإنها ستنتهي حتمًا إلى الخراب والزوال»!

5) هل يُعقل تجريم «الإساءة إلى الله أو الأنبياء»؟

المادة 219 من مسودة مشروع القانون الجنائي ، تعاقب بالحبس من 1 إلى 5 سنوات(!)، وبغرامة يمكن أن تصل إلى 000 200 درهم(!)، وبالمنع من ممارسة النشاط المهني(!)، كل من قام بِ : «ازدراء الأديان، أو السبّ، أو القذف، أو الإستهزاء، أو الإساءة إلى الله، أو الأنبياء، أو الرّسل». سواءً كانت تلك الأفعال بِ «الخُطب، أو الصّياح، أو المكتوبات، أو المطبوعات، أو الوسائل السمعية البصرية، أو الوسائل الإلكترونية، أو بالرّسم، أو الكاريكاتور، أو التصوير، أو الغناء، أو التمثيل، أو الإيماء، أو أي وسيلة أخرى»!

وقال بعض التقدّميين: «هدف الدولة من خلال عقوبة ”المنع من ممارسة النشاط المهني“ هي تسهيل الإجهاز على حرية الصحافة، أو الإعلام، أو حرية التعبير. كأن المشرّع يهيّئ هنا التربّص بحرية الإعلام الإلكتروني. فهذا القانون بعيد عن مضامين ”توصيات هيئة الانصاف والمصالحة“ (الرسمية)».

وأضاف بعض التقدّميين: «نعرف من خلال التجربة أن الضحايا المحتملين لهذه المادة 219 الاستبدادية هم: الكتّاب، والمفكّرون، والمثقفون، والفلاسفة، والعلماء، والصحافيون، والناشرون، والفنّانون، والرسّامون، والمصوّرون، والمدوّنون، والمغنّيون، والممثّلون، ومن شابههم».

ولمّا سُئل السيد وزير العدل عن سبب وجود هذه البنود الغريبة في مشروع القانون الجنائي، أجاب (بِمَا معناه): ”بعد إقدام الصحيفة الفرنسية السّاخرة شارلي هبدو (Charlie Hebdo) على نشر رسوم كاريكاتورية، تُسيء إلى الإسلام، وبعد هجوم شخصين إسلاميين على مقر هذه الصحيفة، أثناء اجتماع هيئة تحريرها، (وبعد إقدام المهاجمين الإسلاميين على قتل 17 صحفيا أو رسّاما بالرّصاص، في 7 يناير 2015)، طلبنا من السلطات الفرنسية بأن تُجرّم نشر رسوم أو كاريكاتور تسيء إلى الأديان. فلاحظنا أنّ، لاَ فرنسا، ولاَ المغرب، يتوفّران على قانون يُجرّم الرّسوم أو الكاريكاتور“.

فعقّب بعض التـقدّميين: «توضيح السيد وزير العدل يعني أن أصل كتابة هذه البنود الجنائية هو ردّة فعل ذاتية، أو مزاجية، على أحداث استثنائية، وقعت في بلد أجنبي(فرنسا)، وليس في داخل المغرب. والأكثر غرابةً هو أن وزارة العدل أرادت الاستفادة من أحداث نشر صحيفة شارلي هيبدو لكاريكاتور سلمي في فرنسا، لكنها تجاهلت، أو رفضت، الاستفادةَ من أحداث هي أكثر كاريثية. وأبرزها الحروب الأهلية، الجارية حاليا، ومنذ قرابة 4 سنوات، في بلدان مسلمة، مثل مصر، وسوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، والسّودان، والصومال، ولبنان، وأفغانستان، وباكستان، إلى آخره... ومعنى ”الحرب الأهلية“ هو وجود صراعات عنيفة، تُستعمل فيها كل الأسلحة المتاحة، بين فئات مجتمعية عريضة. ورغم أن هذه الحروب الأهلية هي ناتجة، على الخصوص، عن أفعال تيّارات إسلامية أصولية، أو سلفية، أو تكفيرية، أو متعصّبة، أو متشدّدة. فلماذا تفاعلت وزارة العدل مع رسوم كاريكاتورية سِلًمِية، منشورة في فرنسا، ومُتّهمة بكونها تزدري الأديان، بينما تلافت وزارة العدل، في نفس الوقت، التّفاعل معنكبات حروب أهلية مُشتعلة حاليًا داخل قرابة 10 بلدان مسلمة، رغم أن هذه الحروب تُنتِج الخراب الشّامل، ومئات الآلاف من القتلى، وملايين من الجرحى والنازحين!؟ كأن السيد الوزير يعتبر أن ازدراء الأديان المزعوم هو أولى وأخطر من الحرب الأهلية المُلتهبة حليًّا في قرابة 10 بلد مسلم! ألا يكفي كل هذا الدّمار الشامل لإدراك خطورة الفكر السياسي الاسلامي الأصولي المتعصّب على المجتمع؟ ألاَ يكفي هذا الخراب لإدراك الضّرورة المستعجلة لِحماية المواطنين والمجتمع من التيارات الإسلامية الأصولية، أو المتشدّدة، أو التكفيرية؟ كنّا ننتظر من وزارة العدل أن تُجرّم التّكفير، والجهاد الإرهابي، والهجرة إلى بلدان أجنبية للقتال إلى جانب حركات دينية مسلّحة، وتجريم تحطيم الآثار أو التماثيل التاريخية. وكنّا ننتظر من الدولة أن تحمي المجتمعَ من ”الإكراه على التديّن“، ومن محاولات ”أسلمة الدولة“، ومن أخطار التّيارات الإسلامية المتعصّبة، أو التّكفيرية. وبدلاً من ذلك، نلاحظ باستغراب، أن وزارة العدل أقحمت مشروعَ القانون الجنائي بِبُنود جديدة، تفرض على المواطنين، وعلى المجتمع، الخضوع لنزوات هذه التيارات الإسلامية الأصولية المتعصّبة، عبر تجريم آراء، أو معتـقدات، أو سلوكيات، مثل: ”الإفطار في رمضان“ (المادّة 222)، أو ”زعزعة عقيدة مسلم“ (المادة 220-1)،أو ”ازدراء الأديان“ (المادة 219)، أو ”سبّ الإله“، أو ”الاستهزاء بالإله“، أو ”الإساءة إلى الله، أو الأنبياء، أو الرسل“ (المادة 219)، أو ”تمزيق أو تدنيس أحد الكتب السماوية، أو أي مِمّا يُستخدم في عبادة مَا“ (المادة 223)، أو ”تعطيل إحدى العبادات، أو الحفلات الدّينية، أو الإخلال بهدوئها ووقارها“ (المادة 221)، أو ”الشذوذ الجنسي“ (المادة 489)، أو ”الاتصال الجنسي غير الشرعي بين رجل وامرأة“ ولو كان بالتّراض (المادة 490)! وهذا السلوك لوزارة العدل هو بعيد عن أن يكون حكيما».

وقال المحافظون: «قد تكون استفادتنا من الحروب الأهلية الجارية في بعض البلدان المسلمة لم تنضج بعدُ، ولكن الأحداث المستجدة تفرض مواجهة تصاعد الأفعال التي تزدري الأديان، وخاصة الدين الاسلامي».

وأجاب بعض التـقدّميين: «البنود الجديدة في مشروع القانون الجنائي التي تُجرّم ”ازدراء الأديان“، سَتَفتح جِدالات حامية، وقضايا فلسفية مثيرة. خاصّة وأن تُهَمَ، أو مفاهيمَ، ازدراء الأديان ، أو الإساءة إلى الله، أو الأنبياء، أو الرّسل ، هي مصطلحات غامضة، مبهمة، وغير محدّدة عمليّا. وتهدف إلى قمع آراء، وليس إلى معاقبة أفعال جُرمية حقيقية. وتفتح هذه البنود المجال للشّطط في استعمال السّلط القضائية أو السياسية. وتُعطي هذه البُنود سلاحا جديدا للدولة، أو للتّيارات الاسلامية الأصولية، لكي تحارب به كل مواطن يخالفها في الرّأي. حيث ستـتّهمه، ليس بحمل رأي مخالف، وإنما سَتـتّهمه زورًا بِ ”الإساءة“ إلى الإسلام. كما تعطيها هذه البنود وسيلة قانونية لقمع كلّ من يحاول التحرّر من التـقاليد أو الطقوس الدّينية السائدة داخل المجتمع. وبهذه البنود، يمكن للدولة، أو للتيارات الاسلامية المتعصّبة، أن تضطهد كلّ مواطن لا يخضع للدّين بالقدر الذي تريده هذه التيارات الإسلامية الأصولية المتشدّدة. وتنحاز هذه القوانين إلى مفهوم أصولي متعصّب لِ الشريعة الإسلامية . وتتدخّل هذه القوانين في العلاقة الحميمية بين الفرد والإله. وتتعارض هذه القوانين مع حرية العقيدة الشخصية. وتحدّ من حرّيات المواطنين. ولا تنسجم مع المواثيق الحقوقية الدولية. وغاية هذه البنود المذكورة هي فرض أسلمة الدولة، وأسلمة المجتمع، بقوة القانون».

وأجاب المحافظون: «لن نقبل السّماح بنشر رسوم كاريكاتورية تسيء إلى الأديان أو الأنبياء، سواءً داخل المغرب، أم في أي بلد آخر من العالم. هذه مقدّساتنا، ولن نتساهل مع من يزدريها».

وردّ التـقدميون: « أوّلا، عقلية التّهديد والوعيد، تتنافى مع روح القانون. والمطلوب من كل المواطنين هو الإحتكام إلى قوّة المنطق، وليس إلى منطق القوّة. ثانيا، في البلدان الغربية الديمقراطية، يدخل فنّ الكاريكاتور ضمن حرّية التفكير، وحرّية التعبير، وحرّية الإبداع الفنّي. ولن تـقبل أبدًا شعوب هذه البلدان (في كلّ من أوروبّا، وأمريكا، وآسيا، وأستراليا، وأفريقيا) بأن تُقيّد هذه الحرّية، أو أن تمنعها. ثالثًا، مفهوم الإساءة إلى الأديان أو الأنبياء هو مفهوم غامض، ومبهم، وغير مُثبت. وهذه الإساءة المزعومة لا تتجسّد في أي شيء واضح، ملحوظ، ملموس، محدّد، وقابل للقيّاس الموضوعي. رابعًا، لا يُعقل أن نعمل في القانون الجنائي بجرائم مبهمة، أو بمفاهيم غامضة، أو خاضعة للمزاج الذّاتي. خامسًا، الحقيقة هي أن الحركات الإسلامية المتعصّبة لا تعادي فقط الرسوم والكاريكاتور، وإنما تعادي كل الفنون الجميلة، بما فيها الغناء، والموسيقى، والرقص، والنحث، والسينيما. وتُعادي أيضًا الأدب، والفلسفة، والثقافة، والعلوم الدقيقة. وتريد تحويل المجتمع إلى صحراء قاحلة وخالية من كلّ تعبير فنّي أو إنساني. وهذا العداء للفنون وللثقافة، وللعلوم الدّقيقة، لا يوجد فقط في الإسلام، وإنما يوجد، ولو بدرجات متفاوتة، في مجمل ديانات الشرق الأوسط، بمها فيها اليهودية، والمسيحية. سادسًا، وعلى عكس ما يُردّده كثير من الأشخاص، وبعض وسائل الاعلام العربية، لا يمكن لأي رسم، أو كاريكاتور، أو خَربشة، يرسمها طفل هنا، أو رسّام هناك، أن تسيء إلى الدّين، أو إلى الإله، أو إلى الأنبياء. وتبقى الرّسوم، أو الكاريكاتور، مجرد خربشات على الورق، ويستحيل على هذه الرّسوم أن تسيء إلى الأديان، أو إلى الإله، أو إلى الأنبياء. لأن هذه المقدّسات الدّينية هي محمولة في قلوب المؤمنين، وتبقى بعيدة عن متناول تلك الرّسوم، أو الخربشات، ومستـقلّة عنها، ومترفّعة عنها».

وأجاب المحافظون: «هذه البنود في القانون الجنائي هي امتداد طبيعي لدستور سنة 2011 الذي يقول أن دين الدولة هو الاسلام. والغالبية العظمى من الشعب تريد إقامة مثل هذه القوانين. وتريد تطبيق الشريعة الاسلامية. وما على الأقلية القليلة المعارضة إلاّ أن تنضبط للأغلبية السّاحقة».

وردّ التـقدميون: «أولاً، يمكن لأغلبية اليوم أن تصبح أقلية غدًا. وفي هذه الحالة، سيكون من العبث أن تغيّر الحكومة، كلّما أتت الانتخابات بأغلبية حكومية جديدة، القانونَ الجنائي لكي يتماشى مع رأيها حول ”الشّريعة الإسلامية“؟ ثانيًا، هذا التجريم المذكور سابقًا، يتناقض مع المواثيق الدولية التي صادق المغرب عليها. الشيء الذي يطرح تساءلات حول مدى جدّية الدولة المغربية، ومصداقيتها، والتزامها بما تُوقّع عليه. ثالثًا، قضايا الإيمان الدّيني، أو العبادة، أو التديّن، أو الموقف الفكري، أو الرأي الفلسفي، أو الرّؤية الأيديولوجية، سواءً تجاه الإسلام، أم تجاه أي دين آخر من بين الأديان، تدخل كلّها ضمن الحرّيات الشخصية، ولا نـقبل إخضاعها للقانون الجنائي. كما نرفض إخضاعها لمنطق الأغلبية والأقلية. وما دام أي فكر، أو عقيدة، أو رأي، مجرّد فكر، دون تحوّله إلى فعل هجومي يعتدي على سلامة شخص آخر، فإن التعبير عن هذا الفكر يبقى مشروعا، ومباحا، حتّى ولو كان هذا الفكر مُلحدًا، أو كافرًا، أو عنصريّا، أو رِجْعيّا، أو ثوريّا. رابعًا، لا يحق للمشرّع، ولا للقانون، أن يكون متحيّزًا لصالح تيّار إيديولوجي ضدّ آخر، ولو تعلّق الأمر بتيّار إسلامي أصولي يريد تطبيق الشريعة الاسلامية ».

فأجاب المحافظون: «يجب تفعيل دستور سنة 2011 الذي يقول بأن دين الدولة هو الاسلام. ومن واجبنا التشبّت بهويتنا الاسلامية. ويوجد إجماع لدى الشعب المغربي كله على ضرورة العمل بِ ”الشريعة الاسلامية“. ونحن غير مجبرين على الأخذ بالرأي المخالف الذي تُعبّر عنه أقلية قليلة تُعد بِبضعة أفراد فقط! و”الشريعة الاسلامية“ هي من ثوابتنا المقدسة. وهذه خطوط حمراء، ولا نسمح لأحد بأن يتخطّاها. وعليه، فمن واجب الدولة أن تدافع عن الدين الاسلامي، وأن تحميّه بقوّة القانون».

وعقّب بعض التـقدميين: «هل توجد ولو جملة واحدة، في الكتب المقدّسة، مثل التّوراة، أو التّلمود، أو الإنجيل، أو الزّبور، أو القرآن، يطلب فيها الإله من الدولة أن تحميه؟ وإذا لم يحم الإله دينه، هو بنفسه، هل تستطيع أية جماعة، أو مؤسّسة بشرية، أن تحمي هذا الدّين، نيابةً عن الإله؟ وهل يحتاج الإله إلى مؤازرته من طرف الدولة وأجهزتها القمعية؟ وهل الإله يحتاج إلى دول، أو أحزاب، أو ميليشيات، أو أسلحة، لكي تقوّيه؟ وإذا كان الإله يحتاج حقيقةً إلى حماية الدولة، أو إلى مساعدتها، ألاَ يعني وجود هذه الحماية أن هذا الإله ضعيف؟ وإذا كان هذا الإله ضعيفا، ألاَ يعني هذا الضعف أن هذا الإله ليس هو الإله الحقيقي»؟

وقال تقدّميون آخرون: «هل يجوز لأية دولة، أو لأية جماعة بشرية، أن تحتكر هي وحدها، ودون غيرها، فهمَ الدّين، أو الغيرة عليه؟ وبأي حقّ تأتي اليوم دولة، أو مؤسّـسة، أو جماعة بشرية، وتنصّب نفسها مدافعة عن الدّين، أو عن الإله؟ هل الإله منحها وكالة لحمايته؟ هل الإله كلّف هذه الدولة بمهمة حماية الإله، أو بفرض دينه، أو بتحقيق إرادته؟ وهل الإله يحتاج إلى وسطاء بشر لكي يبلّغ أمانيّه أو وصاياه إلى جماهير البشر؟ ألم يُبيّن التاريخ، مرارًا وتكرارًا، أن كل الذين يزعمون الدّفاع عن الدّين، أو عن الإله، إنما يدافعون عن مصالحهم الخاصة؟ ألم يُبيّن تعاقب أحداث التاريخ أن كلّ الذين كانوا يزعمون مناصرة الدّين، أو نشره، أو حمايته، إنما كانوا يستغلون الدّين لمغالطة الجماهير السّاذجة، بهدف فرض هيمنتهم على السّلط السياسية، وعلى الثروات المادّية؟ وما الفائدة من فرض تديّن معيّن بقوّة القانون، أو بالحيلة؟ وما الفائدة من عبادة مفروضة بالقوّة؟ وهل يُعقل أن يقبل الإله بأن يُفرض دينه بالقوّة، بدلاً من استعمال الإقناع السّلمي، أو الطّوعي، المُطلق الحرّية؟ ما معنى هذه التساءلات؟ معناها أن دخول الحكومة الحالية في محاولة أسلمة الدولة، أو أسلمة المجتمع، بواسطة قوّة القانون، ستؤدّي حتمًا إلى انحرافات خطيرة، وقد تؤدّي إلى حرب أهلية، مثلما حدث في أفغانستان، وباكستان، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، ومصر، والسودان، والصّومال، وليبيا، إلى آخره. لأن نفس الأسباب، تؤدّي إلى نفس النتائج. فهل يُعقل أن تبقى التّيارات الإسلامية الأصولية أو المتعصّبة عاجزة على الاستفادة من هذه الحروب الأهلية المشتعلة في قرابة عشرة بلد مسلم؟ والحل الوحيد لتلافي خطر تطوّر المجتمع نحو حرب أهلية، هو ”الفصل بين الدّين والدّولة“. وينتج كذلك عن مبدأ ”فصل الدّين عن الدولة“ تدابير أخرى، منها الفصل بين الدّين والسياسة، والفصل بين الدّين والقانون، والفصل بين الدّين والفنون، وسنّ حرّية العقيدة، وحرّية العبادة، وحرّية عدم العبادة. لماذا؟ لأنه يستحيل التوفيق بين الدّين والعقل. ولأن الدولة، والسياسة، والقانون، يخضعون كلّهم للعقل، وللتّشاور المجتمعي، في ترابط بتطوّر المجتمع. بينما الدّين يخضع فقط لإيمان مطلق، ولنصوص ومعتـقدات دينية مقدّسة، ثابتة، جامدة، ومطلقة. بالإضافة إلى أن أية قراءة لهذه النّصوص المقدسة تبقى شخصية، أو ذاتية، أو بعيدة عن الموضوعية».

عبد الرحمان النوضة.

((تُتبع قراءة المقال في الجزء الثاني)).

--------------------------------------------------------------------------------

الهاوامش:

(1) خلال يوم الإثنين 20 أبريل 2015.

(2) في مدينة الرباط، النّدوة الأولى خلال يوم الاربعاء 15 أبريل، والثانية خلال الثلثاء 28 أبريل، والثالثة في الحسيمة في خلال يوم الأحد 12 أبريل 2015.

(3) النّدوة الأولى في الدار البيضاء خلال يوم الجمعة 17 أبريل 2015، والثانية في الرباط خلال يوم الثلثاء 28 أبريل 2015 بالرباط، والثالثة في الرباط خلام يوم الجمعة 8 ماي 2015.

(4) ندوة خلال يوم 24 أبريل 2015.

(5) ندوة في مدينة تمارة خلال يوم السبت 9 ماي 2015.

(6) ندوة في الرباط، خلال يوم5 ماي 2015.

(7) ندوة خلال يوم الأربعاء 13 ماي 2015.

(8) ندوة خلال يوم الاثنين 15 يونيو 2015.

(9) ندوة خلال يوم الجمعة 15 أبريل 2015.

(10) في يوم 24 يونيو 2015، نشر المكتب التنفيذي لِ ”الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان“ بلاغا يندّد فيه «الاقصاء التعسفي للقاضي محمد الهيني من الترقية المهنية في جدول سنة 2015، رغم حقّه في هذه الترقية كحق لا يجوز المساس به». واعتبر البلاغ أن هذا الحرمان هو «ك"سيف" مسلط على مجموعة من القضاة بقصد المس باستقلاليتهم».

(11) سبق لبرلمانـيّي حزب العدالة والتنمية الاسلامي أن احتجّوا بصخب، وطالبوا بطرد صحافية مصوّرة من داخل قاعة البرلمان، وذلك بدعوى أن لباسها يسيء إلى مشاعرهم كمسلمين... وفي بداية شهر يونيو 2015، في مدينة إنزكان في جنوب المغرب، هاجم أشخاص مجهولون شابتين كانتا ترتديان تنّورات (jupe) قصيرة شيئا ما، وذلك بدعوى أنهما يستفزّان الرجال بِ لباسهن الفاضح . وتدخلت قوات الأمن، واعتقلت الشابتين خلال 24 ساعة. ثم أطلقت سراحهن، مع متابعتهن أمام المحكمة بتهمة الاخلال بالحياء العام .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] ندوة خلال يوم الإثنين 20 أبريل 2015.

[2] في مدينة الرباط، الندوة الأولى خلال يوم الاربعاء 15 أبريل. والندوة الثانية خلال يوم الثلثاء 28 أبريل. والندوة الثالثة في الحُسيمة في خلال يوم الأحد 12 أبريل 2015.

[3] الندوة الأولى في الدار البيضاء خلال يوم الجمعة 17 أبريل 2015. والندوة الثانية في الرباط خلال يوم الثلثاء 28 أبريل 2015 . والندوة الثالثة في الرباط خلام يوم الجمعة 8 ماي 2015.

[4] ندوة خلال يوم 24 أبريل 2015.

[5] ندوة في مدينة تمارة خلال يوم السبت 9 ماي 2015.

[6] ندوة في الرباط، خلال يوم 5 ماي 2015.

[7] ندوة خلال يوم الأربعاء 13 ماي 2015.

[8] ندوة خلال يوم الاثنين 15 يونيو 2015.

[9] ندوة خلال يوم الجمعة 15 أبريل 2015.

[10] في يوم 24 يونيو 2015، نشر المكتب التنفيذي لِ ”الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان“ بلاغا يندّد فيه بِ «الاقصاء التعسفي للقاضي محمد الهيني من الترقية المهنية في جدول سنة 2015، رغم حقّه في هذه الترقية كحق لا يجوز المساس به». واعتبر البلاغ أن هذا الحرمان هو «كَ "سيف" مسلط على مجموعة من القضاة بقصد المس باستقلاليتهم».

[11] سبق لبرلمانيّي حزب العدالة والتنمية الاسلامي أن احتجّوا بِصَخب، وطالبوا بطرد صحافية مصوّرة من داخل قاعة البرلمان، وذلك بدعوى أن لباسها يسيء إلى مشاعرهم كمسلمين... وفي بداية شهر يونيو 2015، في مدينة إنزكان في جنوب المغرب، هاجم أشخاص مجهولون شابتين كانتا ترتديان تنّورات (juppe) قصيرة شيئا ما، وذلك بدعوى أنهما يستفزّان الرجال بِ لباسهن الفاضح . وتدخلت قوات الأمن، واعتقلت الشابتين خلال 24 ساعة. ثم أطلقت سراحهن، مع متابعتهن أمام المحكمة بتهمة الاخلال بالحياء العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا