الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيلان، الطفل النائم فوق جراحنا وذهولنا

مجدي مهني أمين

2015 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


رحل الطفل إيلان الكردي، أو بالحري وصل إلى شاطئ بودروم التركية، وصل الطفل بعد أن صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها، أطنة لم يحمل للسماء أية شكوى، لعله فقط كان يبحث في السماء عن ركن هادئ كي تستريح الروح بعد أن استراح الجتمان ونام على الرمال في اطمئنان ودعة، هو صغير جدا، صغير فلن يرى من كافة الأمور إلا جانبها المشرق، الجسد يستريح على الرمال والروح تستريح في السماء وحتما ستأتي إليه أمه وأخوته ويلتئم شمل عائلته كي يكملوا ضحكاتهم ومسامرتهم وألعابهم الجميلة.

- فما الطفولة إذن لو لم تكن لعبا ومرحا وسرورا؟
- كلهم قادمون هو يعتقد،

فقط تستريح الروح في حضن السماء ويستريح الجسد في حضن رمال الشاطئ حتى يأتي جميعهم إليه، ويروي كل منهم مغامراته السعيدة على سطح هذا الكوكب الأزرق الصافي، كوكب الأرض الحزينة لأن إيلان أبنها لا يفهم ما يصنعه أخوته البشر بعضهم ببعض، حتى سلبوا منها معنى لونها الأزرق الجميل، وكم غسلت بمياهها الزرقاء كثيرا من دماء، من أوجاع، كما ملأت عيون الثكالي والأرامل بدموع من مياهها حتى يغتسلوا ويمسحوا أثار الكراهية التي زرعت في قلوب البشر، حتى نسوا أنهم في الأصل أخوة، وأكلوا أكباد وقلوب ضحاياهم، وقاموا بشيهم على النار، واغتصبوا بناتهم. هرب والد إيلان كي ينجو بكرامة أسرته فسقطوا جميعا في الماء، ورحل كل منهم في صمت، أكثرهم صمتا كان إيلان.

ولعل في الصمت بلاغة تفوق بلاغة الكلمات، ولعله الدرس المؤلم، فلو لم نتوقف عن الكراهية، والنبذ، والاحتقار، لو لم نتوقف كي نعي الدرس، فسنقتل بأيدينا أجمل من فينا. هرب أيلان وعائلته من التكفيرين في كوباني، واختاروا الماء بديلا أكثر رحمة مما يمكن أن يلحق بهم من التكفيريين، الماء أرحم من هول الانسان عندما يتوحش، عندما يفقد إنسانيه؛ ويصبح آلة صماء تعمل على إيذاء الناس، ايذاء مشاعرهم وأرواحهم وكرامتهم وحياتهم، بل والتمثيل بهم بعد قتلهم، إذن الماء ارحم، واختارت أسرة إيلان الماء، وواجهت مصيرها بشجاعة.

يقولون الغرب هو من يشعل فينا النار، ولكنها الكراهية هي التي تشعل فينا النار، الكراهية هي التي تقتل، التكفير هو الذي يقتل، فعلينا كي ننقذ البقية الباقية من أطفالنا أن نقاوم الكراهية، فعندما نتوقع أن الآخر كافر ومصيره إلى جنهم، معناها أننا نكرهه، ويوم تحين الفرصة سنقتله كما يفعلون في سوريا الآن، وتسيل الدماء انهارا، ونكتوي كلنا بنار الكراهية، فأن كنا نقرّ أن الدين لله والوطن للجميع، وكي يستقيم المعنى فعلينا ألا نرسل أحدهم في قلوبنا إلى الجنة أو النار، ونكتفي بأخوتنا في الوطن، بل وفي الأرض كلها، إليس كل البشر أخوة، وأبوهم الذي في السماء يجازيهم على أفعالهم، لكن عندما نجازيهم نحن نكون قد أجرمنا في حقهم، وقتلنا الأخوة بيننا وتبارينا كي يلقي كل منا أبناء أخيه كي ترقد بجوار إيلان: الطفل الجميل النائم فوق جراحنا وذهولنا مما اقترفته قلوبنا من كراهية غير مبررة لبعضنا البعض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة