الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالمه الكبير

أكرم شلغين

2015 / 9 / 5
الادب والفن


وجد علبة معدنية فارغة لوّنها الصدأ...التقطها وراح يغرف بها من التراب ويكوم عند جذع شجرة التين الوحيدة في فسحة الأرض المحيطة بالبيت.. بعد تكرار ذلك مرات عديدة، فرح بأنه أوجد بل أشاد جبلاً...نظر إليه وقال سأبني بيتا قريبا منه...راح يجبل التراب بالحصى التى جمعها من الأرض ورتب ما صنعه من جبل التراب والحصى والماء وأقام ما يشبه شكل الجدران المربعة التي ترتفع سنتيمترات فقط على شكل جدران بيت صغير ووضع بعض العيدان فوق جدران ذلك "البيت" الترابي الذي بناه لتكت سقفا وغطاها بالاتربة....بين الفينة والأخرى كانت أمه تسترق النظر إليه لتطمئن أنه بخير...نادته أمه مرتين واحدة لتناول الغداء وأخرى لتنبههه أن عليه أن يغتسل ليزيح ما علق به من الطين والغبار ويبدل ملابسه استعدادا لتناول العشاء...امتثل لذلك.. كان يفكر بما فعله قبل أن ينام...، كان يشعر بالفرح، بالانجاز، بالملكية، بقدراته...بعالمه الكبير... في الصباح قام باكرا وتسلل الى مكانه المفضل وراح يرقب "جبله وبيته" بفرح، بحب، برغبة في المزيد...وراح يفكر بعمل نوافذ وصنع باب للبيت.... وعندما حاول تهدم البيت...زاد في حجم جبلة التربة مع الحصى...هذه الأثناء مشى والده الى جانبه نظر الطفل الى وجه والده فرآه مبتسما...شرح لوالده كيف أن محاولة اقامة نوافذ هدمت البيت الذي كان جميلا بجانب الجبل...تركه والده ومضى...قرر أن يبني من جديد..فاعتلت الجدران سنتيمترات قليلة عن سابقتها ولكنه لم يفلح في فتح نوافذ...تنازل عن فكرة النوافذ ولكن كان هناك ما أفرحه كثيرا بحضور والده مبتسما وهو يراقب عمله مما يعني الموافقة والاستحسان...نام ذلك اليوم وفي صباح اليوم التالي فكر بزرع "أشجار" جانب "البيت"فأحضر بعض الأعشاب البرية وغرزها عمودية في التربه...في اليوم الذي تلاه وضع "كلبا" صنعه من طين بجانب البيت...بعد أيام كان قد زاد في وضع أشياء كلها من حصى وتراب وبعض ما التقطه من مخلفات مرمية بشكل أو بآخر هنا وهناك أو علب صغيرة كزجاجة بنية اللون فارغة كانت تحتوي سائل قطرة عين وضع عقبها للأعلى فهي الطاولة الصغيرة لوضع القهوة عليها في الصباح...كل ما عثر عليه ورآه بصور شي ما وضعه بجانب الجبل والبيت...بعد أيام عديدة فكر في صنع جدار من الطين لذلك البيت وما يحيط به...وباعد في "الجدار" السور حتى أحاط في "الجبل" وراح يفكر في الليل والنهار بانجازاته وملكيته بالفخر...أمضى صيفا بهذه السعادة الغامرة.... ذات صباح من شهر أيلول ايقظته والدته وأعدت له طعام الفطور وحمّلته شنطة.. أمسكه والده بيده وراحا يمشيان باتجاه المدرسة والوالد يذكره أن في الشنطة دقتر مبيضة ومسودة وقلم حبر ستيلو وقلم رصاص وممحاة ومبراة ومسطرة وهناك أيضا بعض حبات من الملبس الحلو...ويحدثه عن المدرسة وعن النجاح والتفوق والاصدقاء والمستقبل...سارا أكثر من كيلومتر ونصف... كان يستمع لوالده ولكن تفكيره كان لا يحيد عن البيت والجبل والسور والاشجار الصغيرة التي زرعها... والكلب بجانب البيت.... أودعه والده الى المدرسة وبعد الظهر أعاده الى البيت وكان يساعده في تعلم ما هو مطلوب لليوم التالي في المدرسة...وأصبحت أيامه هكذا الى أن انتهى العام الدراسي... كبر الطفل ورحل مع بقية أفراد أسرته من المنطقة.
بعد عقود من الزمن كان يجلس في سيارة عمومية بجانب سائقها عندما مرت السيارة في طريق مرتفع يطل على المكان الذي كان يعيش فيه وبنى فيه ما بنى... كان المكان الذي كبر ونشأ فيه مع أخوته وبين والديه يبدو متواضعاً من علو ان لم يصارح نفسه بالحقيقة بأن المكان يوحي بالفقر...رآ حينها غنيا وبه كل شيء...يبدو المكان محاطا بصحراء تلهبها الشمس الحارقة...تنهد وفكر بداخله: كم رأيت المكان عظيما وهو كذلك فقط في عيني كطفل..! كم رأيت عالمي كبيراً هناك وهو أصغر من أن يُرى...! كم كنت سعيدا هناك مع جبلي وبيتي وكلبي وجداري...! كم كنت سعيدا في ما كنت أعيشه وفتئذ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض