الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل ليس قرباناً لأصنام الدين

فاتن نور

2015 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحكي أبكار السقاف في مؤلفها (الدين في شبه الجزيرة العربية-طبعة أولى-صفحة 28-24) وبتصرف؛ عن تفرق أبناء إسماعيل في شبه الجزيرة بعد أن تمكن أخوالهم الجراهمة من انتزاع سدانة بيت الله وطردهم من مكة. ولأنهم ارتحلوا وفي قلوبهم مرارة فراق البيت الذي كانوا سدنته القائمين على شعائره حسب ملة جدهم إبراهيم كونهم مسلمين موحدين؛ أخذوا معهم بعضاً من ريحانه أو "حجارته" للتبرك بها والتقرب الى الله أينما حطوا الرحال. وهكذا بنى كل منهم كعبته لتكون صورة رمزية للبيت الذي فارقوه على مضض؛ فما جعلوها إلاّ قبلة لهم في عبادتهم الله؛ وما كان تضرعهم إليها إلاّ تشفّعاً بها إلى الله.. انتهى.
ومن هنا انطلقت فكرة الوسيط بين الإنسان وربه، وتطورت بالشكل الهرمي الذي نعرف..
وقد حكى الكثيرون عن وثنية ما قبل الإسلام بما لا يختلف مضمونه عما طرحته السيدة السقاف؛ التي ترى نشأة الأوثان تعود بأسبابها الى أبناء إسماعيل وعمق محبتهم للتقرب من الله.
فقد ذكر عادل الفريجات في مؤلفه (الشعراءالجاهليون الأوائل-طبعة أولى-صفحة 38) وبتصرف؛ الصلوات التي كان العرب قبل الإسلام يصلونها طوافاً حول الكعبة:
لبّيك ربنا لبّيك.. والخير كله بيديك. (وقد صنفه أبو العلاء المعري الى النوع المسجوع ولا وزن له)
لبّيك إن الحمدَ لك.. والملكَ لا شريك لك
إلاّ شريكٌ هو لك.. تملكهُ وما مَلَك. (وقد صنفه المعري الى الرجز المنهوك، وهناك المنهوك المنسرح ولكن لا نريد أن نطيل هاهنا) انتهى. ومن الواضح أنها صلوات توحيدية لعبدة الأوثان مازالت نافذة ليومنا هذا.

ولا أرى أن الديانة الإسلامية بثقافاتها السائدة-والجمع مقصود- قد حطمت فعلاً فكرة "الصنم الوسيط" بل على العكس؛ قد أصلتها وتفوقت عليها بإنتاجها للوسيط الصنمي البشري، الذي تطور الى سلطة قهرية وبوليسية الأساليب في تعاملها مع الأتباع المعارضين وغيرهم.
كانت الطريق بين الإنسان وربه مختصرة تماماً بحجر بسيط لا يثرثر ولا يفتي؛ أو بصنم رمزي لا يجتهد في اختلاق العراقيل والمنغصات ولا يمكنه صناعة سلاسل من الجبال الكلامية سميت علوماً لتعسير الطريق بين الانسان وربه، ولا يبتكر الحواجيز العقدية والفقهية لتعسير العلاقة بين الإنسان والإنسان.

لا قطعاً هذه ليست دعوة للوثنية. لأن الوثنية القديمة أصلاً ديانة توحيدية نقية بتصوري لا تشرك مع الله "آيات" بشرية تنطق باسمه ولا مؤسسات تصنّع التطرّف والشقاق والشرور وتمنع التواصل مع الله إلاّ وفق شروطها وضوابطها..
ثمة جدار باستيلي ضخم أو صنم مؤسساتي عملاق ومريع في آن، يقف في الطريق التي باتت أطول من صبر أيوب. يتقرب به أهل الدين إلى آلهتهم المتصارعة على حيازة الكون والبشر.

لا يبدو من الحكمة (ولا أظنني جادة تماماً هنا) القيام بثورة على غرار الثورة الفرنسية لتحطيم هذا الجدار الباستيلي؛ لأن حطامه سيتداعى الى قوافل من الأصنام الصغيرة المارقة في غيّها ولا تحكمها سلطة المارق الكبير.
ربنا نحن بحاجة الى حلول أفضل نفتح بها الطريق المختصرة التي ردمها بناة الجدار. ربما زلازل فكرية تهزّ الإنسان؛ ذلك الذي لا يمكنه تصور الكون دون إله؛ تهزّه للتفكر ملياً بطريقين: طريق الجدار الباستيلي والصنم المؤسساتي المنتفع بالقرابين والسلطة والجاه؛ والطريق المختصرة.. طريق الخلاص واليسر والتواصل مع الإله بالعقل والفطرة.

وهذه دعوة للصالحين الأنقياء من رجال الدين ولكل إنسان مخلص للهوية الإنسانية أولاً وقبل أي شيء؛ لبذل ما بوسعهم من أجل فتح الطريق المختصرة، وإنارتها بكل ما يدفع الى رقيّ إنساني وحضارة مدنية قيمة لم تنتجها وثنية ما بعد الإسلام؛ التي لا تقبل أقل من هدر"العقل" قرباناً لها.



فاتن نور
Sept 07, 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد